|
تحوم الرياحُ بأكناف قلبي |
تقلِّبُ في الذكرياتِ الصورْ |
فتحكي حكايا المساءاتِ عني |
عن السندبادِ، وهول السفرْ |
وعن شهْقةٍ ردّدتها البحارُ |
فناحَ لها الموجُ حتى انشطَرْ |
ليبدو فؤادٌ بحجم الزمانِ |
تجلّتْ به روعةُ المقتدِرْ |
ممالكُ، من كل لون بديعٍ |
تنحّى الجمالُ لها واعتذر |
قلائدُ، بعثرَهنَّ الغروبُ |
فلملمَ حبَّاتهنَّ السَّحَرْ |
وعانقها الرَّمْلُ نشوانَ كيما |
يمدّ الوجودَ نجوماً أُخَرْ |
فذا الموجُ، ذا سحرُهُ اليافويُُّ |
أشفُّ رُواءٍ، وأحنى وترْ |
ويصغي إلى وشْوشاتِ النوارسِ |
فوق العبابِ تطيلُ السهَرْ |
لعلّ النوارسَ تفضي بسرٍّ |
عن المتعبينَ، وإلْفٍٍ هَجر |
وعن غَيبةٍ طال فيها الشتاتُ |
ولا من حديثٍ شفى أو أثرْ |
فأرعدَ في خافقيهِ اشتياقٌ |
يغرّزُ أحشاءهُ بالشرر |
ويلتجُّ: "يا سندبادُ إليَّ" |
ورجعُ صداهُ أتى بالخبرْ: |
"لَذاكَ الذي تتمنّى لقاهُ |
بعيدٌ يجاوزُ أُفْقَ القمرْ |
يُطوِّفُ في لُجَّةٍ دونَ بحر |
كَ تأسِرُهُ الأمنياتُ الغُرَرْ |
فعينٌ تهيمُ بيافا وأخرى |
تشيِّعُ حلْماً ذَوى واندثر" |
ويجتاحني من بعيدٍ أساهُ |
لو اجتاح صخراً لكان انصهرْ |
فأرنو إلى أفْقِه المستحيلِ |
أناديهِ في حُرْقَة تستعرْ: |
حنانيكَ يا موجُ، لا تعتبنَّ |
فذكْرُك في روح روحي وَقرْ |
ولو في يدي، لاقتحمتُ السدودَ |
وطرتُ إليكَ هوىً يعتذرْ |
ولكنّه الظلمُ أدمى جناحي |
وكُلَّ مجاذيف عمري كسَرْ |
أُكتِّمُ بالكبرياء دموعي |
وها أنَّ قهري، بها، قد جهرْ |
تُشَمِّتُ بي الخلقَ حتى أصابوا |
بصدري جراحاً همتْ كالمطرْ |
فحتَّامَ قرصــــانُ بحري يجوسُ |
وأبقى أنا في الشَّقا أُحتَقرْ |
وحتى القريبُ غدا كعدوّي |
ينكّلُ بالحلْم حتى احتضرْ |
فعفوكَ، رغم النوى، ما هجرتُ |
ولكنّه يا حبيبُ، القدرْ |
فقلّي بربّكَ كيف اللقاءُ |
وبيني وبينكَ كلُّ البشرْ |
حنانيكَ، قد أنكرتني الجَواري |
وما عاد لي في المرافي مَمَرْ |
ولكن إذا طوَّحتني العواصفُ |
ألمحُ رسْمَكَ وسْط الخطرْ |
يهدهد روحي فينزاحُ غيمي |
وينقذني بجميل السوَرْ |
فتالله لم أسلُ، واسألْ محارَ |
كَ، ماذا سَرَرْتُ قُبيل السفرْ |
أنا السندبادُ، وليتَ الزمانَ |
يجودُ بموعدنا المنتَظَرْ |
لأبقى على طُهْرِ رمْلَكَ عبدا |
يلبي نِداكَ الهوى المنْفطِرْ |
أو الروح مني تُساقيكَ قُرْبا |
إذا ما تهاوى شِراعُ العُمُرْ |
فهذي أماني غريبُ البحارِ |
أَمَا لسفين المُنى مُستقرّْ |