|
عُمَرِيّة حافظ إبراهيم |
عُمَر بن الخطاب |
حَسْبُ القَوافي وَحَسْبي حينَ أُلقيها |
أَنّي إِلى ساحَةِ الفاروقِ أُهديها |
لاهُمَّ هَب لي بَياناً أَستَعينُ بِهِ |
عَلى قَضاءِ حُقوقٍ نامَ قاضيها |
قَد نازَعَتنِيَ نَفسي أَن أَوَفّيها |
وَلَيسَ في طَوقِ مِثلي أَن يُوَفّيها |
فَمُر سَرِيَّ المَعاني أَن يُواتِيَني |
فيها فَإِنّي ضَعيفُ الحالِ واهيها |
(مقتل عُمَر) |
مَولى المُغيرَةِ لا جادَتكَ غادِيَةٌ |
مَزَّقتَ مِنهُ أَديماً حَشوُهُ هِمَمٌ |
في ذِمَّةِ اللهِ عاليها وَماضيها |
طَعَنتَ خاصِرَةَ الفاروقِ مُنتَقِماً |
مِنَ الحَنيفَةِ في أَعلى مَجاليها |
فَأَصبَحَت دَولَةُ الإِسلامِ حائِرَةً |
تَشكو الوَجيعَةَ لَمّا ماتَ آسيها |
مَضى وَخَلَّفَها كَالطَودِ راسِخَةً |
وَزانَ بِالعَدلِ وَالتَقوى مَغانيها |
تَنبو المَعاوِلُ عَنها وَهْيَ قائِمَةٌ |
وَالهادِمونَ كَثيرٌ في نَواحيها |
حَتّى إِذا ما تَوَلاّها مُهَدِّمُها |
صاحَ الزَوالُ بِها فَاندَكَّ عاليها |
واهاً عَلى دَولَةٍ بِالأَمسِ قَد مَلأَت |
جَوانِبَ الشَرقِ رَغداً مِن أَياديها |
كَم ظَلَّلَتها وَحاطَتها بِأَجنِحَةٍ |
عَن أَعيُنِ الدَهرِ قَد كانَت تُواريها |
مِنَ العِنايَةِ قَد رِيشَت قَوادِمُها |
وَمِن صَميمِ التُقى ريشَت خَوافيها |
وَاللهِ ما غالَها قِدماً وَكادَ لَها |
وَاجتَثَّ دَوحَتَها إِلاّ مَواليها |
لَو أَنَّها في صَميمِ العُربِ قَد بَقِيَت |
لَما نَعاها عَلى الأَيّامِ ناعيها |
يا لَيتَهُم سَمِعوا ما قالَهُ عُمَرٌ |
وَالروحُ قَد بَلَغَت مِنهُ تَراقيها: |
لا تُكثِروا مِن مَواليكُم فَإِنَّ لَهُم |
مَطامِعاً بَسَماتُ الضَعفِ تُخفيها |
(إسلام عُمَر) |
رَأَيتَ في الدِّينِ آراءً مُوَفَّقَةً |
وَكُنتَ أَوَّلَ مَن قَرَّت بِصُحبَتِهِ |
عَينُ الحَنيفَةِ وَاجتازَت أَمانيها |
قَد كُنتَ أَعدى أَعاديها فَصِرتَ لَها |
بِنِعمَةِ الله حِصناً مِن أَعاديها |
خَرَجتَ تَبغي أَذاها في مُحَمَّدِها |
وَلِلحَنيفَةِ جَبّارٌ يُواليها |
فَلَم تَكَد تَسمَعُ الآياتِ بالِغَةً |
حَتّى انكَفَأتَ تُناوي مَن يُناويها |
سَمِعتَ سورَةَ طَهَ مِن مُرَتِّلِها |
فَزَلزَلَت نِيَّةً قَد كُنتَ تَنويها |
وَقُلتَ فيها مَقالاً لا يُطاوِلُهُ |
قَولُ المُحِبِّ الَّذي قَد باتَ يُطريها |
وَيَومَ أَسلَمتَ عَزَّ الحَقُّ وَارتَفَعَت |
عَن كاهِلِ الدِّينِ أَثقالٌ يُعانيها |
وَصاحَ فيهِ بِلالٌ صَيحَةً خَشَعَت |
لَها القُلوبُ وَلَبَّت أَمرَ باريها |
فَأَنتَ في زَمَنِ المُختارِ مُنجِدُها |
وَأَنتَ في زَمَنِ الصِدّيقِ مُنجيها |
كَمِ استَراكَ رَسولُ الله مُغتَبِطاً |
بِحِكمَةٍ لَكَ عِندَ الرَأيِ يُلفيها |
(عُمَر وبيعة أبي بكر) |
وَمَوقِفٍ لَكَ بَعدَ المُصطَفى افتَرَقَت |
بايَعتَ فيهِ أَبا بَكرٍ فَبايَعَهُ |
عَلى الخِلافَةِ قاصيها وَدانيها |
وَأُطفِئَت فِتنَةٌ لَولاكَ لاستَعَرَت |
بَينَ القَبائِلَ وَانسابَت أَفاعيها |
باتَ النَبِيُّ مُسَجّىً في حَظيرَتِهِ |
وَأَنتَ مُستَعِرُ الأَحشاءِ داميها |
تَهيمُ بَينَ عَجيجِ الناسِ في دَهَشٍ |
مِن نَبأَةٍ قَد سَرى في الأَرضِ ساريها |
تَصيحُ: مَن قالَ نَفسُ المُصطَفى قُبِضَت |
عَلَوتُ هامَتَهُ بِالسَيفِ أَبريها |
أَنساكَ حُبُّكَ طَهَ أَنَّهُ بَشَرٌ |
يُجري عَلَيهِ شُؤونَ الكَونِ مُجريها |
وَأَنَّهُ وارِدٌ لا بُدَّ مَورِدَهُ |
مِنَ المَنِيَّةِ لا يُعفيهِ ساقيها |
نَسيتَ في حَقِّ طَهَ آيَةً نَزَلَت |
وَقَد يُذَكَّرُ بِالآياتِ ناسيها |
ذَهِلتَ يَوماً فَكانَت فِتنَةٌ عَمَمٌ |
وَثابَ رُشدُكَ فَانجابَت دَياجيها |
فَلِلسَقيفَةِ يَومٌ أَنتَ صاحِبُهُ |
فيهِ الخِلافَةُ قَد شيدَت أَواسيها |
مَدَّت لَها الأَوسُ كَفّاً كَي تَناوَلَها |
فَمَدَّتِ الخَزرَجُ الأَيدي تُباريها |
وَظنَّ كُلُّ فَريقٍ أَنَّ صاحِبَهُم |
أَولى بِها وَأَتى الشَحناءَ آتيها |
حَتّى انبَرَيتَ لَهُم فَارتَدَّ طامِعُهُم |
عَنها وَآخى أَبو بَكرٍ أَواخيها |
(عُمَر و علي) |
وَقَولَةٍ لِعَلِيٍّ قالَها عُمَرٌ |
حَرَقتُ دارَكَ لا أُبقي عَلَيكَ بِها |
إِن لَم تُبايِعْ، وَبِنتُ المُصطَفى فيها |
ما كانَ غَيرُ أَبي حَفصٍ يَفوهُ بِها |
أَمامَ فارِسِ عَدنانٍ وَحاميها |
كِلاهُما في سَبيلِ الحَقِّ عَزمَتُهُ |
لا تَنثَني أَو يَكونَ الحَقُّ ثانيها |
فَاذكُرهُما وَتَرَحَّمْ كُلَّما ذَكَروا |
أَعاظِماً أُلِّهوا في الكَونِ تَأليها |
(عُمَر و جبلة بن الأيهم ) |
كَم خِفتَ في اللهِ مَضعوفاً دَعاكَ بِهِ |
وَفي حَديثِ فَتى غَسّانَ مَوعِظَةٌ |
لِكُلِّ ذي نَعرَةٍ يَأبى تَناسيها |
فَما القَوِيُّ قَوِيّاً رَغمَ عِزَّتِهِ |
عِندَ الخُصومَةِ وَالفاروقُ قاضيها |
وَما الضَعيفُ ضَعيفاً بَعدَ حُجَّتِهِ |
وَإِنْ تَخاصَمَ واليها وَراعيها |
(عُمَر و أبو سفيان ) |
وَما أَقَلتَ أَبا سُفيانَ حينَ طَوى |
لَم يُغنِ عَنهُ وَقَد حاسَبتَهُ حَسَبٌ |
وَلا مُعاوِيَةٌ بِالشامِ يَجبيها |
قَيَّدتَ مِنهُ جَليلاً شابَ مَفرِقُهُ |
في عِزَّةٍ لَيسَ مِن عِزٍّ يُدانيها |
قَد نَوَّهوا بِاسمِهِ في جاهِلِيَّتِهِ |
وَزادَهُ سَيِّدُ الكَونَينِ تَنويها |
في فَتحِ مَكَّةَ كانَت دارُهُ حَرَماً |
قَد أَمَّنَ الله بَعدَ البَيتِ غاشيها |
وَكُلُّ ذَلِكَ لَم يَشفَع لَدى عُمَرٍ |
في هَفوَةٍ لأبي سُفيانَ يَأتيها |
تَالله لَو فَعَلَ الخَطّابُ فَعلَتَهُ |
لَما تَرَخَّصَ فيها أَو يُجازيها |
فَلا الحَسابَةُ في حَقٍّ يُجامِلُها |
وَلا القَرابَةُ في بُطلٍ يُحابيها |
وَتِلكَ قُوَّةُ نَفسٍ لَو أَرادَ بِها |
شُمَّ الجِبالِ لَما قَرَّت رَواسيها |
(عُمَر و خالد بن الوليد) |
سَل قاهِرَ الفُرسِ وَالرومانِ هَل شَفَعَت |
غَزا فَأَبلى وَخَيلُ الله قَد عُقِدَت |
بِاليُمنِ وَالنَصرِ وَالبُشرى نَواصيها |
يَرمي الأَعادي بِآراءٍ مُسَدَّدَةٍ |
وَبِالفَوارِسِ قَد سالَت مَذاكيها |
ما واقَعَ الرومَ إِلاّ فَرَّ قارِحُها |
وَلا رَمى الفُرسَ إِلاّ طاشَ راميها |
وَلَم يَجُز بَلدَةً إِلاّ سَمِعتَ بِها |
"اللهُ أَكبَرُ" تَدوي في نَواحيها |
عِشرونَ مَوقِعَةً مَرَّت مُحَجَّلَةً |
مِن بَعدِ عَشرٍ بَنانُ الفَتحِ تُحصيها |
وَخالِدٌ في سَبيلِ الله موقِدُها |
وَخالِدٌ في سَبيلِ الله صاليها |
أَتاهُ أَمْرُ أَبي حَفصٍ فَقَبَّلَهُ |
كَما يُقَبِّلُ آيَ اللهِ تاليها |
وَاستَقبَلَ العَزلَ في إِبّانِ سَطوَتِهِ |
وَمجدِهِ مُستَريحَ النَفسِ هاديها |
فَاعجَبْ لِسَيِّدِ مَخزومٍ وَفارِسِها |
يَومَ النِزالِ إِذا نادى مُناديها |
يَقودُهُ حَبَشِيٌّ في عِمامَتِهِ |
وَلا تُحَرِّكُ مَخزومٌ عَواليها |
أَلقى القِيادَ إِلى الجَرّاحِ مُمتَثِلاً |
وَعِزَّةُ النَفسِ لَم تُجرَح حَواشيها |
وَانضَمَّ لِلجُندِ يَمشي تَحتَ رايَتِهِ |
وَبِالحَياةِ إِذا مالَت يُفَدّيها |
وَما عَرَتهُ شُكوكٌ في خَليفَتِهِ |
وَلا ارتَضى إِمرَةَ الجَرّاحِ تَمويها |
فَخالِدٌ كانَ يَدري أَنَّ صاحِبَهُ |
قَد وَجَّهَ النَفسَ نَحوَ الله تَوجيها |
فَما يُعالِجُ مِن قَولٍ وَلا عَمَلٍ |
إِلاّ أَرادَ بِهِ لِلناسِ تَرفيها |
لِذاكَ أَوصى بِأَولادٍ لَهُ عُمَراً |
لَمّا دَعاهُ إِلى الفِردَوسِ داعيها |
وَما نَهى عُمَرٌ في يَومِ مَصرَعِهِ |
نِساءَ مَخزومَ أَن تَبكي بَواكيها |
وَقيلَ خالَفتَ يا فاروقُ صاحِبَنا |
فيهِ وَقَد كانَ أَعطى القَوسَ باريها |
فَقالَ خِفتُ افتِتانِ المُسلِمينَ بِهِ |
وَفِتنَةُ النَفسِ أَعيَت مَن يُداويها |
هَبوهُ أَخطَأَ في تَأويلِ مَقصِدِهِ |
وَأَنَّها سَقطَةٌ في عَينِ ناعيها |
فَلَن تَعيبَ حَصيفَ الرَأيِ زَلَّتُهُ |
حَتّى يَعيبَ سُيوفَ الهِندِ نابيها |
تَالله لَم يَتَّبِع في ابنِ الوَليدِ هَوىً |
وَلا شَفى غُلَّةً في الصَدرِ يَطويها |
لَكِنَّهُ قَد رَأى رَأياً فَأَتبَعَهُ |
عَزيمَةً مِنهُ لَم تُثلَم مَواضيها |
لَم يَرعَ في طاعَةِ المَولى خُؤولَتَهُ |
وَلا رَعى غَيرَها فيما يُنافيها |
وَما أَصابَ ابنَهُ وَالسَوطُ يَأخُذُهُ |
لَدَيهِ مِن رَأفَةٍ في الحَدِّ يُبديها |
إِنَّ الَّذي بَرَأَ الفاروقَ نَزَّهَهُ |
عَنِ النَقائِصِ وَالأَغراضِ تَنزيها |
فَذاكَ خُلقٌ مِنَ الفِردَوسِ طينَتُهُ |
اللهُ أَودَعَ فيها ما يُنَقّيها |
لا الكِبرُ يَسكُنُها، لا الظُلمُ يَصحَبُها |
لا الحِقدُ يَعرِفُها، لا الحِرصُ يُغويها |
(عُمَر و عمرو بن العاص) |
شاطَرتَ داهِيَةَ السُوّاسِ ثَروَتَهُ |
وَأَنتَ تَعرِفُ عَمْراً في حَواضِرِها |
وَلَستَ تَجهَلُ عَمْراً في بَواديها |
لَم تُنبِتِ الأَرضُ كَابنِ العاصِ داهِيَةً |
يَرمي الخُطوبَ بِرَأيٍ لَيسَ يُخطيها |
فَلَم يُرِغ حيلَةً فيما أَمَرتَ بِهِ |
وَقامَ عَمرٌو إِلى الأَجمالِ يُزجيها |
وَلَم تُقِلْ عامِلاً مِنها وَقَد كَثُرَت |
أَموالُهُ وَفَشا في الأَرضِ فاشيها |
(عُمَر و ولده عبد الله ) |
وَما وَقى ابنُكَ عَبدُ الله أَينُقَهُ |
رأيتَها في حِماهُ وَهيَ سارِحَةٌ |
مِثلَ القُصورِ قَدِ اهتَزَّت أَعاليها |
فَقُلتَ ما كانَ عَبدُ الله يُشبِعُها |
لَو لَم يَكُن وَلَدي أَو كانَ يرويها |
قَدِ استَعانَ بِجاهي في تِجارَتِهِ |
وَباتَ بِاسمِ أَبي حَفصٍ يُنَمّيها |
رُدّوا النِياقَ لِبَيتِ المالِ إِنَّ لَهُ |
حَقَّ الزِيادَةِ فيها قَبلَ شاريها |
وَهَذِهِ خُطَّةٌ لله واضِعُها |
رَدَّت حُقوقاً فَأَغنَت مُستَميحيها |
ما الاشتِراكِيَّةُ المَنشودُ جانِبُها |
بَينَ الوَرى غَيرَ مَبنىً مِن مَبانيها |
فَإِن نَكُنْ نَحنُ أَهليها وَمَنبِتَها |
فَإِنَّهُم عَرَفوها قَبلَ أَهليها |
(عُمَر و نصر بن حجاج) |
جَنى الجَمالُ عَلى نَصرٍ فَغَرَّبَهُ |
وَكَم رَمَت قَسَمَاتُ الحُسنِ صاحِبَها |
وَأَتعَبَت قَصَباتُ السَبقِ حاويها |
وَزَهرَةُ الرَوضِ لَولا حُسنُ رَونَقِها |
لَما استَطالَت عَلَيها كَفُّ جانيها |
كانَت لَهُ لِمَّةٌ فَينانَةٌ عَجَبٌ |
عَلى جَبينٍ خَليقٍ أَن يُحَلّيها |
وَكانَ أَنّى مَشى مالَت عَقائِلُها |
شَوقاً إِلَيهِ وَكادَ الحُسنُ يَسبيها |
هَتَفنَ تَحتَ اللَيالي بِاسمِهِ شَغَفاً |
وَلِلحِسانِ تَمَنٍّ في لَياليها |
جَزَزتَ لمَّتَهُ لَمّا أُتيتَ بِهِ |
فَفاقَ عاطِلُها في الحُسنِ حاليها |
فَصِحتَ فيهِ تَحَوَّلْ عَن مَدينَتِهِم |
فَإِنَّها فِتنَةٌ أَخشى تَماديها |
وَفِتنَةُ الحُسْنِ إِنْ هَبَّتْ نَوافِحُها |
كَفِتنَةِ الحَرْبِ إِنْ هَبَّتْ سَواقيها |
(عُمَر و رسول كِسْرى) |
وَراعَ صاحِبَ كِسرى أَن رَأى عُمَراً |
وَعَهدُهُ بِمُلوكِ الفُرسِ أَنَّ لَها |
سُوراً مِنَ الجُندِ وَالأَحراسِ يَحميها |
رَآهُ مُستَغرِقاً في نَومِهِ فَرَأى |
فيهِ الجَلالَةَ في أَسمى مَعانيها |
فَوقَ الثَرى تَحتَ ظِلِّ الدَوحِ مُشتَمِلاً |
بِبُردَةٍ كادَ طولُ العَهدِ يُبليها |
فَهانَ في عَينِهِ ما كانَ يُكبِرُهُ |
مِنَ الأَكاسِرِ وَالدُنيا بِأَيديها |
وَقالَ قَولَةَ حَقٍّ أَصبَحَت مَثَلاً |
وَأَصبَحَ الجيلُ بَعدَ الجيلِ يَرويها |
أَمِنتَ لَمّا أَقَمتَ العَدلَ بَينَهُمُ |
فَنِمتُ نَومَ قَريرِ العَينِ هانيها |
(عُمَر و الشورى ) |
يا رافِعاً رايَةَ الشورى وَحارِسَها |
لَم يُلْهِكَ النَزعُ عَن تَأييدِ دَولَتِها |
وَلِلمَنِيَّةِ آلامٌ تُعانيها |
لَم أَنسَ أَمرَكَ لِلمِقدادِ يَحمِلُهُ |
إِلى الجَماعَةِ إِنذاراً وَتَنبيها |
إِن ظَلَّ بَعدَ ثَلاثٍ رَأيُها شُعَباً |
فَجَرِّدِ السَيفَ وَاضرِب في هَواديها |
فَاعجَب لِقُوَّةِ نَفسٍ لَيسَ يَصرِفُها |
طَعمُ المَنِيَّةِ مُرّاً عَن مَراميها |
دَرى عَميدُ بَني الشورى بِمَوضِعِها |
فَعاشَ ما عاشَ يَبنيها وَيُعليها |
وَما استَبَدَّ بِرَأيٍ في حُكومَتِهِ |
إِنَّ الحُكومَةَ تُغري مُستَبِدّيها |
رَأيُ الجَماعَةِ لا تَشقى البِلادُ بِهِ |
رَغمَ الخِلافِ، وَرَأيُ الفَردِ يُشقيها |
(مثال مِن زُهده) |
يا مَن صَدَفتَ عَنِ الدُنيا وَزينَتِها |
ماذا رَأَيتَ بِبابِ الشامِ حينَ رَأَوا |
أَن يُلبِسوكَ مِنَ الأَثوابِ زاهيها |
وَيُركِبوكَ عَلى البِرذَونِ تَقدُمُهُ |
خَيلٌ مُطَهَّمَةٌ تَحلو مَرائيها |
مَشى فَهَملَجَ مُختالاً بِراكِبِهِ |
وَفي البَراذينِ ما تُزهى بِعاليها |
فَصِحتَ يا قَومُ كادَ الزَهوُ يَقتُلُني |
وَداخَلَتنِيَ حالٌ لَستُ أَدريها |
وَكادَ يَصبو إِلى دُنياكُمُ عُمَرٌ |
وَيَرتَضي بَيعَ باقيهِ بِفانيها |
رُدّوا رِكابي فَلا أَبغي بِهِ بَدَلاً |
رُدّوا ثِيابي فَحَسبي اليَومَ باليها |
(مثال مِن رحمته ) |
وَمَن رَآهُ أَمامَ القِدرِ مُنبَطِحاً |
وَقَد تَخَلَّلَ في أَثناءِ لِحيَتِهِ |
مِنها الدُخَانُ وَفوهُ غابَ في فيها |
رَأى هُناكَ أَميرَ المُؤمِنينَ عَلى |
حالٍ تَروعُ لَعَمرُ اللهِ رائيها |
يَستَقبِلُ النارَ خَوفَ النارِ في غَدِهِ |
وَالعَينُ مِن خَشيَةٍ سالَت مَآقيها |
(مثال مِن تقشُّفِه و وَرَعِه ) |
إِنْ جاعَ في شِدَّةٍ قَومٌ شَركتَهُمُ |
جوعُ الخَليفَةِ وَالدُنيا بِقَبضَتِهِ |
في الزُّهدِ مَنزِلَةٌ سُبحانَ مُولِيها |
فَمَن يُباري أَبا حَفصٍ وَسيرَتَهُ |
أَو مَن يُحاوِلُ لِلفاروقِ تَشبيها |
يَومَ اشتَهَت زَوجُهُ الحَلوى فَقالَ لَها |
مِن أَينَ لي ثَمَنُ الحَلوى فَأَشريها |
لا تَمتَطي شَهَواتِ النَفسِ جامِحَةً |
فَكِسرَةُ الخُبزِ عَن حَلواكِ تجزيها |
وَهَل يَفي بَيتُ مالِ المُسلِمينَ بِما |
تُوحي إِلَيكِ إِذا طاوَعتِ مُوحيها |
قالَت لَكَ اللهُ إِنّي لَستُ أَرزَؤُهُ |
مالاً لِحاجَةِ نَفسٍ كُنتُ أَبغيها |
لَكِن أُجَنِّبُ شَيئاً مِن وَظيفَتِنا |
في كُلِّ يَومٍ عَلى حالٍ أُسَوّيها |
حَتّى إِذا ما مَلَكنا ما يُكافِئُها |
شَرَيتُها ثُمَّ إِنّي لا أُثَنّيها |
قالَ اذهَبي وَاعلَمي إِن كُنتِ جاهِلَةً |
أَنَّ القَناعَةَ تُغني نَفسَ كاسيها |
وَأَقبَلَت بَعدَ خَمسٍ وَهيَ حامِلَةٌ |
دُرَيهِماتٍ لِتَقضي مِن تَشَهّيها |
فَقالَ نَبَّهتِ مِنّي غافِلاً فَدَعي |
هَذي الدَراهِمَ إِذ لا حَقَّ لي فيها |
وَيْلِي عَلى عُمَرٍ يَرضى بِمُوفِيَةٍ |
عَلى الكَفافِ وَيَنهى مُستَزيديها |
ما زادَ عَن قوتِنا فَالمُسلِمونَ بِهِ |
أَولى، فَقومي لِبَيتِ المالِ رُدّيها |
كَذاكَ أَخلاقُهُ كانَت وَما عُهِدَت |
بَعدَ النُبُوَّةِ أَخلاقٌ تُحاكيها |
(مثال مِن هَيبته ) |
في الجاهِلِيَّةِ وَالإِسلامِ هَيبَتُهُ |
في طَيِّ شِدَّتِهِ أَسرارُ مَرحَمَةٍ |
لِلعالَمينَ وَلَكِنْ لَيسَ يُفشيها |
وَبَينَ جَنبَيهِ في أَوفى صَرامَتِهِ |
فُؤادُ والِدَةٍ تَرعى ذَراريها |
أَغنَت عَنِ الصارِمِ المَصقولِ دِرَّتُهُ |
فَكَم أَخافَت غَوِيَّ النَفسِ عاتيها |
كانَت لَهُ كَعَصا موسى لِصاحِبِها |
لا يَنزِلُ البُطلُ مُجتازاً بِواديها |
أَخافَ حَتّى الذَراري في مَلاعِبِها |
وَراعَ حَتّى الغَواني في مَلاهيها |
أَرَيتَ تِلكَ الَّتي لله قَد نَذَرَت |
أُنشودَةً لِرَسولِ الله تُهديها |
قالَت نَذَرتُ لَئِنْ عادَ النَبِيُّ لَنا |
مِن غَزوَةٍ لَعَلى دُفّي أُغَنّيها |
وَيَمَّمَت حَضرَةَ الهادي وَقَد مَلأَت |
أَنوارُ طَلعَتِهِ أَرجاءَ ناديها |
وَاستَأذَنَت وَمَشَت بِالدُفِّ وَاندَفَعَت |
تُشجي بِأَلحانِها ما شاءَ مُشجيها |
وَالمُصطَفى وَأَبو بَكرٍ بِجانِبِهِ |
لا يُنكِرانِ عَلَيها مِن أَغانيها |
حَتّى إِذا لاحَ مِن بُعدٍ لَها عُمَرٌ |
خارَت قُواها وَكادَ الخَوفُ يُرديها |
وَخَبَّأَت دُفَّها في ثَوبِها فَرَقاً |
مِنهُ وَوَدَّت لَوَ انَّ الأَرضَ تَطويها |
قَد كانَ حِلمُ رَسولِ الله يُؤنِسُها |
فَجاءَ بَطشُ أَبي حَفصٍ يُخَشّيها |
فَقالَ مَهبِطُ وَحيِ الله مُبتَسِماً |
وَفي ابتِسامَتِهِ مَعنىً يُواسيها |
قَد فَرَّ شَيطانُها لَمّا رَأى عُمَراً |
إِنَّ الشَياطينَ تَخشى بَأسَ مُخزيها |
(مثال مِن رجوعه إلى الحق ) |
وَفِتيَةٍ وَلِعوا بِالراحِ فَانتَبَذوا |
ظَهَرتَ حائِطَهُم لَمّا عَلِمتَ بِهِم |
وَاللَيلُ مُعتَكِرُ الأَرجاءِ ساجيها |
حَتّى تَبَيَّنتَهُم وَالخَمرُ قَد أَخَذَت |
تَعلو ذُؤابَةَ ساقِيها وَحاسيها |
سَفَّهتَ آراءَهُم فيها فَما لَبِثوا |
أَن أَوسَعوكَ عَلى ما جِئتَ تَسفيها |
وَرُمتَ تَفقيهَهُم في دينِهِم، فَإِذا |
بِالشَّربِ قَد بَرَعوا الفاروقَ تَفقيها |
قالوا مَكانَكَ، قَد جِئنا بِواحِدَةٍ |
وَجِئتَنا بِثَلاثٍ لا تُباليها |
فَأتِ البُيوتَ مِنَ الأَبوابِ يا عُمَرٌ |
فَقَد يُزَنُّ مِنَ الحيطانِ آتيها |
وَاستَأذِنِ الناسَ أَن تَغشى بُيوتَهُمُ |
وَلا تُلِمَّ بِدارٍ أَو تُحَيّيها |
وَلا تَجَسَّسْ فَهَذي الآيُ قَد نَزَلَت |
بِالنَهيِ عَنهُ فَلَم تَذكُر نَواهيها |
فَعُدتَ عَنهُم وَقَد أَكبَرتَ حُجَّتَهُم |
لَمّا رَأَيتَ كِتابَ الله يُمليها |
وَما أَنِفتَ وَإِن كانوا عَلى حَرَجٍ |
مِن أَن يَحُجَّكَ بِالآياتِ عاصيها |
(عُمَر و شجرة الرضوان) |
وَسَرْحَةٍ في سَماءِ السَرْحِ قَد رَفَعَت |
أَزَلتَها حينَ غالَوا في الطَوافِ بِها |
وَكانَ تَطوافُهُم لِلدِّينَ تَشويها |
( الخاتمة ) |
هَذي مَناقِبُهُ في عَهدِ دَولَتِهِ |
في كُلِّ واحِدَةٍ مِنهُنَّ نابِلَةٌ |
مِنَ الطَبائِعِ تَغذو نَفسَ واعيها |
لَعَلَّ في أُمَّةِ الإِسلامِ نابِتَةً |
تَجلو لِحاضِرِها مِرآةَ ماضيها |
حَتّى تَرى بَعضَ ما شادَت أَوائِلُها |
مِنَ الصُّروحِ وَما عاناهُ بانيها |
وَحَسبُها أَن تَرى ما كانَ مِن عُمَرٍ |
حَتّى يُنَبِّهَ مِنها عَينَ غافيها |
شِعر: حافظ إبراهيم |
|