في إطارالإستهداف العنصري للإسلام والمسلمين

صراصير .. وماذا بعد ؟

لطفي زغلول

نابلس / فلسطين

إنها ليست المرة الأولى في مسلسل الإستهداف العنصري الحاقد للإسلام والمسلمين عقيدة وقرآنا ورموزا ونهجا وأتباعا ، وعلى ما يبدو أنها لن تكون الخاتمة . منذ أحداث الحادي عشر من إيلول / سبتمبر 2001 ، بدأت تتصاعد وتيرة العزف على أوتار هذه الهجمة الإستهدافية العنصرية الحاقدة ، حتى أصبح ضجيجها يملأ الدنيا .

وهنا فإننا نعرج على بعض هذه الإستهدافات الماسة بالإسلام والمسلمين ، على سبيل المثال لا الحصر . ولنبدأ من تكريم ملكة بريطانيا إليزابث الثانية مؤخرا للكاتب المرتد سلمان رشدي بمنحه وسام الفروسية ، وهو الذي قد أساء إساءة بالغة للإسلام ونبيه الكريم عليه السلام في كتابه " آيات شيطانية " .

وهناك المرتدة الصومالية عضو البرلمان الهولاندي " أيان حرزي " التي كتبت قصتي فلم " الخضوع 1 " ، " والخضوع 2 " الذي أخرج الأول منهما المخرج الهولاندي الذي قتل على خلفية هذا الفلم " فان كوخ " ، وقد تقصدت في هذين الفلمين أن تشن حملة شعواء على الإسلام ورسوله الكريم .

وكيف ينسى المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ما اقترفته صحيفة " يولاند بوسطن " الدنماركية ، يوم نشرت عامدة متعمدة الرسومات الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم . وهل ينسون أيضا تلك الإساءة البالغة التي وجهها بابا الفاتيكان " بنيدكتوس السادس عشر " للإسلام والرسول الكريم . وحبل الإساءات طويل لا يتسع المجال لإعادة نشر غسيله القذر .

يخطىء من يظن أن هذا المسلسل الإستهدافي الحاقد له نهاية . ففي الأيام الأخيرة أضيف له فصل جديد ، يتمثل فيما تفوه به أحد المذيعين الأميركيين المعروفين واسمه " نيل بورتز " في برنامجه الإذاعي " نيل بورتز شو " الموجه إلى كافة أنحاء الولايات المتحدة الأميركية ، وصف فيه المسلمين بأنهم " صراصير يصومون في نهار رمضان ، ويأكلون في ليله " .

في برنامجه هذا ، انتقد هذا المذيع مطالبة عدد من المستشفيات الحكومية في اسكوتلندا العاملين فيها بتناول الطعام بعيدا عن المكاتب ، وذلك خلال شهر رمضان المبارك حفاظا على مشاعر زملائهم المسلمين الصائمين ، معتبرا هذه المطالبة دليلا على ما أسماه " أسلمة غرب أوروبا " .

وليست هذه هي المرة الأولى التي يهاجم فيها " نيل بورتز " الإسلام والمسلمين . في تشرين الأول / أوكتوبر 2006 ، وصف الإسلام بأنه " فيروس مميت " ، ينتشر في جميع أنحاء أوروبا والعالم الغربي ، وأضاف أنه " علينا الإنتظار طويلا حتى يتم تطوير لقاح لمكافحته به " .

" نيل بورتز " هذا واحد من عشرة مذيعين اشتهروا بشن هجمات عنصرية وتوجيه انتقادات لاذعة للإسلام والمسلمين . وكان الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن قد التقاهم مؤخرا . إلا أنه لم يعرف فحوى ما دار بينهم من أحاديث .

من هؤلاء المذيعين الحاقدين على الإسلام والمسلمين ، أختار اثنين مثالا لا حصرا . الأول هو المذيع " مايكل ميدفيد " الذي وصف الإسلام بأنه " دين بدائي " ، وأنه " وراء منظومة العنف وإراقة الدماء والرعب والبؤس والسلوك المثير للإشمئزاز الشائعة والسائدة بين المسلمين في العالم الإسلامي " . وأما المذيع الثاني فهو " بيل بينيت " الذي وصف المسلمين بأنهم " مضطربون نفسيا " .

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بإلحاح : وماذا بعد ، وماذا ينبغي فعله ، أو أن تكون ردة الفعل إزاء كل هذا وفي كل مرة ؟ . إذ لا يعقل أن يكون الرد هو السكوت والعفو . لأن العفو لا يكون إلا عند المقدرة التي في حالتها لا يجرؤ أحد على التفكير بالتشهير . والأمتان العربية والإسلامية هما في أشد حالات ضعفهما .

وهنا لابد من التطرق إلى الوهن الذي طرأ على العرب والمسلمين الذين انخفضت وتيرة ردود أفعالهم ، وسجلت درجات متدنية جدا على سلم الحمية والغيرة على منتماهم العقائدي ، ويخشى والحال هذه لا قدر الله ، أن يكونوا قد استمرأوا العدوان على كل ما يمت لهم بصلة ، فصمتوا لا حول لهم ولا قوة ، أو أنهم بصحيح العبارة شغلتهم الأمور الدنيوية التي بدأت كثير من قيمهم الجديدة تتمحور حولها . ورحم الله الشاعر العربي الذي قال: " لا يلام الذئب في عدوانه – ان يك الراعي عدو الغنم " .

ومع ذلك فإن الاعلامين العربي والإسلامي بكل أشكالهما المرئية والمسموعة والمقروءة تقع عليهما مسؤولية كبيرة في الرد والتصدي . كذلك فان دور الجاليات العربية والإسلامية في المهاجر يتضاعف ويتطلب يقظة ووقفة متحدة . وأما دور المثقفين العرب والمسلمين فلا يقتصر على الرد ، بقدر ما يفترض أن يتناول التركيز على كل الإضاءات المشرقة في فضاءات الحضارتين العربية والإسلامية .

إن من ابسط الفرضيات إزاء هذه الحملات المتكررة أن يكون هناك جسم إعلامي عربي إسلامي عالمي يتولى شرح القضايا العربية والإسلامية ويدافع عنها ، ويتصدى بكل الوسائل لكل من تسول له نفسه انتهاك حدود العقيدة الإسلامية . وهذا لا يعفي الأنظمة السياسية من دورها الذي يفترض أن يكون في المقدمة .

واستكمالا ، إن ما يهمنا هنا هو تقصير المؤسسات الرسمية وغير الرسمية العربية والإسلامية في حماية العقيدة والتراث والإنجازات الحضارية والثقافية ، والتصدي المباشر بشتى الوسائل الفاعلة والمؤثرة ، وبلغات أولئك المهاجمين للإسلام ، والمتطاولين على صروحه العقائدية والثقافية والسلوكية ، وعلى رموزه الجليلة ، سواء من داخل العالم الإسلامي او خارجه .

ثمة وسائل كثيرة إلا أن الإعلام بأشكاله المقرؤة والمسموعة والمرئية يظل له القوة على ايصال هذه المعلومة ، وبخاصة إذا كان إعلاما تشرف عليه هيئات خاصة متخصصة بالدفاع عن مجمل التراث الإسلامي بهدف إحقاق الحق ، وإزاحة ما تراكم من ضباب على الصورة الإسلامية التي تبدو في كثير من الأحيان مهزوزة في نظر الآخرين .

وفي هذا السياق فما زال المشهدان العربي والإسلامي يفتقران إلى فضائية عربية إسلامية هادفة ، وموجهة إلى الآخر أينما كان ، وأيا كان وبلغاته ومفاهيمه ، ذلك ان الكثيرين في العالم الخارجي إما أنهم يجهلون ، أو أنهم قد تشكلت لديهم صورة خاطئة عن الإسلام والمسلمين ، أو أنهم في مرمى إعلام مضلل له غايات ومآرب شريرة تجاه الإسلام وتابعيه .

إن هذا الآخر بحاجة أن يعرف أن روح العقيدة الإسلامية قائمة على عدم الإكراه ، والتسامح ، والحريات غير الإباحية ، واحترام الحقوق الإنسانية ، وللمرأة فيها مكانة من الإحترام والتقدير قل نظيرها ، وأن هناك منظومة من العدالة والمساواة والموآخاة والشورى والإنتخاب ، والجرأة في التقويم ، وقول كلمة الحق عند السلطان الجائر . وهي بهذا قد سبقت بقرون كثيرا من مبادئ الثورات الأوروبية التحررية .

إن هذا الآخر بحاجة أن يعرف بأن المسلمين لا يفكرون بغزو أوروبا او تحويلها إلى إسلامية " أسلمتها " أو تهديدها في عقر دارها . والأهم من ذلك يجب أن يعرف ويقتنع أن الديار الإسلامية هي المهددة ، وهي المجتاحة ، وهي التي تتعرض للغزو والإستعمار والتدخل السافر في شؤونها والسطو على خيراتها .

إسلاميا ، وكلمة أخيرة ، إن المسلمين يرفضون المساس بحرمة عقيدتهم السماوية قرآنا وعبادات ورموزا ، وفي مقدمتهم الرمز الأقدس الخالد المتمثل برسولهم الكريم . وهم مكلفون شرعا في الدفاع عن هذه العقيدة . وهم أيضا يؤمنون بحرية الرأي ، وليس في دينهم أي إكراه أو إجبار . وهم أيضا يؤمنون بأن الحرية ليست رخصة مفتوحة على مصراعيها ، وإنما هي إرث من المسؤولية واحترام الآخر . وهم أيضا يحترمون كل الديانات ويسيدون أنبياءها جميعا عليهم السلام . وهم أخيرا لا آخرا يعتبرون استهداف الإسلام والسكوت على ذلك فصلا خطيرا من فصول صدام الثقافات لا وئامها .

ليس المطلوب إشعالها حربا دينية ، أو خوض غمار صراع حضارات . إن المطلوب صحوة عربية إسلامية ثقافية انتمائية على كافة الصعد والمستويات في إطار تواجد عربي إسلامي فاعل مراقب متابع متصد ، كي لا تظل الساحة حكرا على اؤلئك الذين يصولون ويجولون فيها ، مجترئين على انتهاك حرمات كل ما يمت إلى الإسلام بصلة . وحقيقة إن الإسلام في مرمى النار على كثير من الجبهات . فمتى متى يصحو المؤمنون به ، ومتى متى يقفون صفا واحدا في كل الجبهات على خطوط شرف الدفاع عنه ؟ . وإن غدا لناظره قريب .