ثلاثون عاما على الزيارة المشؤومة

العبور .. إلى زمن التيه العربي

لطفي زغلول

نابلس / فلسطين

صادف يوم التاسع عشر من تشرين الثاني / نوفمبر 2007 الذكرى السنوية الثلاثين للزيارة المشؤومة التي قام بها الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات إلى الكيان الإسرائيلي ، حاطا رحاله في الكنيست الإسرائيلية ، حيث ألقى خطابه المعهود آنذاك ، كاسرا به أول حاجز ، وأشده منعة بين الأمة العربية والكيان الإسرائيلي الغاصب ، ومانحا إياه شهادة شرعية وجوده .

ولست هنا بصدد تناول هذه الزيارة من كل جوانبها الكارثية على الأمة العربية بعامة ، والشعب الفلسطيني بخاصة ، وتحديدا القضية الفلسطينية . إن ثلاثين عاما من عمر هذه الزيارة ، قد تركت تاريخا من الأحداث ، لا يمكن المرور عاجلا عليه ، أو حتى تقليب صفحاته من خلال هذه العجالة ، وأجدني مضطرا أن أقف عند عناوين فصول هذه الكارثة القومية وآثارها المدمرة ، ليس أكثر .

وهنا لا بد لي أن أبدأ بالطرف الذي جنى حصاد هذه الزيارة ثلاثين من السنين السمان ، وهو الكيان الإسرائيلي . في اعتقادي أن إسرائيل التي انتصرت على العرب عسكريا في أكثر من حرب ، لم تحقق أي انتصار سياسي عليهم ، وكانت هذه الزيارة فاتحة انتصاراتها الحقيقية التي أكدت بها وجودها وثبتته على الأرض الفلسطينية باعتراف أكبر دولة عربية آنذاك وأقواها ، وهي جمهورية مصر العربية .

لقد أدركت إسرائيل يومها أن عٍقد الأنظمة العربية قد دخل عهد الإنفراط ، وأن المسألة مسألة وقت ليس إلا . وقد كان لها ما أرادت لاحقا ، ومع مرور الأيام ، وبذا أصبحت حقيقة في الجغرافيا العربية تصول وتجول ، تأمر وتنهى ، وتفعل ما تشاء ، مستهينة لا مكترثة حتى بأولئك الذين اعترفوا بها ، وطبعوا علاقاتهم معها ، ولطالما تآمرت عليهم وتجسست .

عربيا ، وباختصار شديد ، كانت هذه الزيارة بمثابة نعش لكل اللاءات العربية ، وبمعنى أدق الثوابت العربية ، ورحم الله آخر أسلحة العرب الاقتصادية متمثلة بالمقاطعة العربية التي أصبحت من التاريخ .

لقد أدخلت هذه الزيارة الأمة العربية في حالة فقدان الوزن السياسي ، ذلك أنهم خسروا كل الأوراق الرابحة التي كانت في أيديهم ، وراهنوا على الحصان الخاسر . راهنوا على خيار سلام أقل ما يوصف به أنه سلام الضعفاء ، سلام الهاربين من معركة القضية الفلسطينية ، معركة تحرير القدس والأقصى المبارك والصخرة المشرفة .

فلسطينيا ، وماذا تبقى للفلسطينيين غير نضالاتهم وحيدين في أشرس معترك يخوضونه دفاعا عن وجودهم وقضيتهم ، بعد أن فقدوا عمقهم العربي الذي أصبح متفرجا عليهم ، أو صامتا صمتا مريبا ، لا مباليا بما يجري لهم ، أو أنه في أفضل حالاته وسيط محايد منزوع الدسم القومي ؟ .

وها نحن اليوم بعد ثلاثين عاما لا نتجنى على أحد ولا نظلمه . إنها حقائق المشهد العربي العام وحدها تتكلم . لم تكن إسرائيل لتفترس المزيد من الأراضي الفلسطينية ، ولا لتقيم جدار الفصل العنصري ، ولم تكن لتقوم بتهويد القدس ، ولم تكن لتصر على يهودية كيانها فيما تسميه أرض إسرائيل الكبرى ، ولم تكن لترفض حق العودة الذي كفلته الشرعية الدولية ، ولم تكن لتشن حرب الإجتياحات المتوالية ليلا نهارا على الفلسطينيين ، والمدمرة للحجر والبشر والشجر ، واصفة نضالاتهم المشروعة بأنها ضرب من الإرهاب ، ولم تكن لتتصلب في كل مواقفها لامبالية باليد العربية الممدودة لها عبر المبادرة العربية ،

لم تكن إسرائيل لتفعل هذا وذاك وغيره الكثير لولا هذا الصمت العربي المريب الذي أسس له محمد أنور السادات قبل ثلاثين عاما ، يوم أن حلل أحرم المحرمات العربية ، وكسر أعتى الحواجز ، وخان القضية العربية ، يوم أن زار الكيان الغاصب ، فمنحه الأمن والأمان تحت راية الإعتراف والتطبيع ، يوم أن فتحت زيارته المشؤومة للعالم العربي بوابات العبور الى زمن التيه العربي .