الرحلةإلى ورزازات
المهدي لعـرج

صباح يوم السبت 10نونبر 2007 ودعت الأهل في محطة القطار بمدينة سطات . ركبوا قطار الحادية عشرة إلى فاس . و من هناك سيتدبرون أمرهم في الانتقال إلى مدينة صفرو حيث سيقضون بعض أيام هذه العطلة التي تسميها مذكرات وزارة التعليم العطلة البينية الأولى . لم يكن بإمكاني إذن أن أزور الوالدين والأحباب في تازة و فاس وما جاورهما . سأبعث لهم بالشوق والحنين ، و أثني على مسقط رأسي و أول أرض مس ترابها جلدي هناك . كما كان يفعل الشاعر القديم ، أغيرُ الوسيلة فقط ،
الرحلة إلى ورزازات تنطلق على حوالي الساعة التاسعة من مساء نفس هذا اليوم ، و أنا كنت إلى حدود الرابعة و النصف ما أزال أمام شاشة الحاسوب في بيتي بسطات أقلب النظر في النص الذي قد أقرأه في الملتقى . اقترب الموعد قلت في نفسي ، وتنتظرني مسافة تمتد لأكثر من ستين كيلو متراً، هي المسافة ما بين سطات و الدار البيضاء . و كان يفترض أن أنضم إلى مجموعة الصالونيين ، في سطات، فلا أضطر إلى الانتقال حتى الدار البيضاء لأضيف إلى جعبتي تعب حوالي 150 كيلومتراً ذهاباً و إياباً . كان يفترض ذلك ، لكن حافلة الستيام ستمر عبر الطريق السيار مباشرة بدون أن تعرج على سطات . فوائد قوم عند قوم منغصات ، و إن كانت طبيعة الأشياء هكذا : لا بد أن يدركها التغير لو كنا نشعر . كنت من قبل أعددت الحقيبة وأشياء السفر . اللمسات الأخيرة انشغلت فيها بالمظهر والهندام بما في ذلك أخذ الحمام و التحسب لبرد المساء الذي قد يغري بي تلك الزائرة التي ليس بها حياء ، على حد تعبير أبي الطيب المتنبي . فأنا أحياناً سريع التأثر بتقلبات الجو ، و الزكام على أقل تقدير من الأمور غير المرغوب فيها ، في مثل هذه الرحلة .
لم يعد ثمة وقت إضافي أضيعه في سطات ، عهدت بالمنزل إلى الرجل الأمين ، ثم استقللت سيارة الأجرة إلى البيضاء . الساعة الثامنة تقريباً كنت في باحة شركة النقل المغربية الشهيرة ، التي تعرف اختصاراً ب : الستيام CTM . مقر الشركة يقع في قلب المدينة النابض ، في مركزها الحيوي، مركز المال و الأعمال و العمارات الشاهقة ، و على بعد أمتار من أشهر الفنادق . البحر المحيط أيضاً ليس ببعيد . ورزازات هي التي بدت لي بعيدة . معظم الأصدقاء كانوا هناك . كانوا قد وصلوا قبلي وينتظرون . صافحتهم كلهم إلا واحدة فيما أذكر ، ثم بدأت بدوري أنتظر ، وأرحب بآخر الواصلين .
حوالي الساعة التاسعة ، و كما كان منتظراً انطلقت الحافلة من المحطة في اتجاه ورزازات . لم يكن مكان اللقاء في محطة الستيام سوى حلماً في الكرى أو خلسة المختلس ، كم قد يقول مطعون بالحنين أو ينفث مصدور بالغربة . و لم يعد هناك من بيننا – فيما أعتقد – من يتذكره ، بمجرد أن تحركت الحافلة و أخذت في الانسلال شيئاً فشيئاً من زحام المدينة الخانق و ليلها الهادر و أضوائها الوهاجة . الأصدقاء مأخوذون بالتقاط صور الذكرى و أشياء أخرى . أنا بدوري أحاول أن أثبت قدمي في الرحلة ، تثبيت الأمتعة لم يعد يهم ، قد عهدنا بها إلى أعوان المحطة .
ضمير المجموعة :
قبل يوم الرحلة لم يكن عبد الرحمن مولي بالنسبة إلي سوى عضو في جمعية الصالون الأدبي التي أسسناها جميعاً ذات يوم في إحدى دور الشباب بالحي الحسني في الدار البيضاء . لم يكن من عادتي النبش في حياة الناس الشخصية ، بما في ذلك أصدقائي المقربين . لذلك ظلت جوانب كثيرة تند عني في شخصية عبد الرحمن مولي ، و قد بدأت أكتشفها في سياق رحلة ورزازات . لم يكن عبد الرحمن دليلنا فحسب ، كان ضمير الرحلة الحي . كان وجوده بيننا مبعثاً على الشعور بالاطمئنان . كنت ربما بدأت أعرف معنى أن يكون المرء ورزازياً ، معنى أن تكون جذور الإنسان ممتدة في تربة ما ، و معنى أن يحتفظ لها في قلبه بالمقام الأول و أن يقود الآخرين إلى التورط في شرك حبها من خلال بلاغة الصمت . عبد الرحمن الذي يقول عنه الصالوني الأول مصطفى لغتيري إنه ربما اضطر في الجانب المادي إلى الاقتراض من أجل الصالون الأدبي والصالونيين ، ولو منهم هم أنفسهم ! لا عتب على أحدٍ . إنما قد أعاتب نفسي من أجل ثناء عليك تستحقه أخي عبد الرحمن . تتصل بهذا وذاك، و تتكفل بما نغفله ، أو بما نحن عنه ساهون لتقول في الأخير بما قل و دل : مرحباً بكم في ورزازات . ثم تقدمنا بعد ذلك إلى أهلها ، لاسيما من أهل الأدب ومحبيه . تطمئن علينا أنى ذهبنا وتوقظنا في الصباح ، أي أطفال هؤلاء قد رماك الزمان بهم ! و أنت المطوق أيضاً مثلنا بحديث الأهل و أعباء الرحيل .
الدينامو
من الصعب جداً أن تلتقي في حياتك بشخص يجمع خصال الإبداع الأصيل و العمل الدؤوب والتواضع . الغرور أخطر ما قد يبتلي به كاتب ، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بكاتب في بداية الطريق ، أو كاتب في سلم الكاتبة تزل قدمه . في خضم كثير من مظاهر الغرور و الادعاء التي تغلف و تزيف حياتنا الثقافية أتيح لي أن ألتقي بمصطفى لغتيري ، الذي ظللت أسمع عنه لمدة من خلال الأصدقاء . قال لي عندما اتصلت به زوال يوم السبت المعلوم : سأكون في مقهى الداوليز ، حاول أن تصل مبكراً. وصلت متأخراً ، كما أشرت . لكن ، لا بأس . مصطفى نفسه هو أمين الرحلة ، و إليه نوجه كلامنا بشأن محطات الوقوف . في مراكش ذهاباً اكتشف الصالونيون أن بطونهم خاوية ، و أن عليهم فعل شيء في رحلة ما تزال ممتدة . اقتنى مصطفى للأصدقاء ما سلاهم به ، و ضرب لهم موعداً في تدارت لن يخلفه طبعاً . أرى نشاط مصطفى و أسمع تدخلاته و أتابع حماسه الكبير لفكرة الصالون الأدبي و ارتياحه لمنجزاته على قصر المدة ، فأقول : ما مبلغ تعلقك بالصالون يا مصطفى ؟ هو هواي يقول و ديني . و في اللسان : تقول العرب : ما زال ذلك ديني و ديدني ، أي عادتي ، قال المثقب العبدي يذكر ناقته :
تقــول إذا درأْتُ لها وضيني أهذا دينه أبـــداً و ديني
أكُلَّ الدهرِ حَلٌّ و ارتحـــالٌ أما يُبقي عليَ و لا يقيني
و إنما أريد أن يطمئن قلبي ، لأنني أعرف أن المرء إذا تورط في الغرام فليس بحاجة كي يدافع عن عفته . مصطفى هو نفسه الذي أعرفُ : يستقبل ، يقدم ، يؤخر ، يناقش ، يسر ، يعلن ، ينشر الدفء بحضوره بين المجموعة و الفوضى الجميلة إذا شاء . صوته القوي يلعلع في قاعة المنتدى و ضحكاته في الفندق . أذنه سماعةٌ و عينه لماحةٌ ، يبصر بالفكرة فيختطفها كالنسر الكاسر . و يتفقد الأصدقاء حريصاً على أن ينال كل صالوني نصيبه من صفو الرحلة .
الشلال الهادر
عرفتسعيد بوكرامي عندما كنت أحضر إلى أمسيات مدينة الكارة ، الأمسيات التي تنظم بمناسبة يوم الشعر . ربما التقيته هنالك مرتين . و من يومها و أنا أجد طعم هذا التعارض الواضح بين كتابته الطافحة بالاحتجاج المتأججة بالرفض المتوهجة بالعمق ، و بين طبعه الهادئ و مزاجه الانسيابي المسالم . الجلوس إلى سعيد و الحديث معه شبيه بالاستماع إلى موسيقى فيروز . و لأن سعيد مر من ورزازات قبلنا ، لذلك كان أحد من نعول عليهم في اكتشاف سحر المدينة . في هذه الرحلة استعاد سعيد أريج ذكرياته هناك و التقى أصدقاءه القدامى ، لاسيما ممن شهدوا لحظة تقشير البطل . ينجز سعيد بوكرامي للصالون الأدبي بالحكمة ما ينجزه مصطفى لغتيري بالحماس ، لذلك كان ذلك اللقاء بينهما ضرورياً . خلال هذه الرحلة ، و في قاعة العروض استمعت بتلذذ مرة أخرى إلى قراءته القصصية الجميلة بتلك اللثغة الشجية طبعاً . سعيد الخدوم الكتوم ، الشلال الهادر بالمودة والصفاء و الصدق .
الصالونية الحديدية
أعني مليكة صراري طبعاً ، الشاعرة المبدعة التي تنحت لفظها من قاموس الصبر و تعيد للأشياء نضارتها في القصيدة . تُحسب لها سابقة دعم أنشطة الصالون الأدبي منذ البداية : بالتنظيم والمشاركة وحسن الإنصات والمناقشة . عين مليكة على أهداف الصالون الأدبي ومبادئه النبيلة والويل لكل مرجف متربص ، أو مشاء بين الأصدقاء بنميم ، أو عتلٍّ بعد ذلك زنيم أن كان فيما نحن بصدده يقدم رجلاً و يؤخر أخرى . فالمرأة قوية في الحق لا تلين . و كانت مليكة صراري طيلة الرحلة الورزازية في صلب الحدث . قرأت الشعر و القصة و أبان تدخلها في مجال النقد عن بصيرة وقادة وحاسة نفاذة . و في الرحلة وقفت على جوانب الفضيلة و النبل في سلوك مليكة التي ظلت قريبة من أفراد المجموعة تطمئن عليهم ، كما تفعل بابنتها االنجيبة .
الصوت العميق
كان أحمد شكر قد مر من مدينة البروج قبلي ، و هناك وجدت شذى ذكره العطر . و ذات يوم عاد العصفور إلى دوحة الأدب ضيفاً على الصالون القصصي ، الذي كان قد دأب على تنظيمه نادي القصة القصيرة بالبروج . هناك التقينا لأول مرة إذن . و من يومها أسررت له في نفسي التقدير الذي أعلن له عنه اليوم . أحمد شكر كان من السباقين إلى احتضان فكرة الصالون الأدبي بالدار البيضاء . و إذا أخرج إلى الوجود فكرة صالون أدب الطفل التي اقترحتها ذات سهرة ورزازية فسيجمع بين الحسنيين . و قد ظل طيلة الرحلة وجهاً محبوباً و أنيساً مألوفاً و جليساً لا يُملُّ . صوت عميق ، يختزن من طاقة الإبداع و قوة الإمتاع أكثر مما نعرف . و هو شاعر في شهادته ، شاهدٌ حيٌّ وصادق وفيٌّ للقصة . صمته كتاب مفتوح لمن ألقى السمع .
المرأة الصالحة
قال : و السعدية باحدة ؟
قلت : سيدة فاضلة ، و تكتب القصة القصيرة جداً . و ربما تتأهب لإصدار باكورة أعمالها الأدبية عما قريب . و من ورائها زوجٌ طيبٌ و أستاذ محترم . مثال نادر لزوج يشجع زوجته بهذا القدر على اقتحام الأدب و الرحلة في طلبه ، هناك عند أقاصي الحلم ، بعيداً عن مدينة الدار البيضاء . كانت الرحلة الورزازية مناسبة بالنسبة إلي لكي أستمع لأول مرة إلى السعدية باحدة و هي تقرأ قصتها بتلك البساطة الآسرة و النبرة الطفولية البريئة . قلت في نفسي : ما زال الأدب بخير مادام يجتذب سيدة مثل السعدية باحدة ، و ليس ثمة ما يدعو إلى الخوف على مستقبله .
جمالية جُمال
لو كان من ثمرات هذه الرحلة اكتشاف جمالية السرد القصصي عند سعيد جمال فحسب لكان ذلك يكفيني . كنت قبل ذلك ألتقيه على هامش أنشطة الصالون الأدبي بالدار البيضاء ، و كان دائماً عضواً نشيطاً و عنصراً يتقد بالحيوية و الحماس . و لكن لم تتح لي الفرصة للاستماع إلى تفاصيل قصته إلا في ورزازات . هناك أيضاً اكتشفت لهوه و جده ، مساعفاته و مشاكساته . و اكتشفت أهمية صوته و قيمة صمته .
الصوت الكاتم للصوت
عندما يتحدث عبد الله المتقي يفرض عليك تلقائياً أن تسمعه . و حتى في حديثه العادي لا يحتاج إلى كثير من الكلام حتى يجعلك تستلقي على قفاك من الضحك . هو أيضاً كان قد مر قبلي من مدينة البروج ، و فيها كان لقاؤنا ، في إطار ذلك الصالون القصصي الساحر الآسر . عندما يتنهز المتقي الفرصة ليتحدث إليك يكون حديثه خطة عمل أو برنامج نشاط أو تصور فعل ثقافي معين . يعطيك هذا العنوان ويدلك على ذلك الموقع و يشجعك على اقتحام النشر ، وإغلاء مهر الكتابة ، حتى. قرأ علينا قصته القصيرة جداً ، لكنه خلال السهرة الجانبية كان يفعل كل شيء : يحلم و يسرد الطرائف و يغني ، و يميل حيث مالت ريح القوم .
عمي عبد السلام
أتحدث بالجد ، عندي عم اسمه عبد السلام لعرج هو أخ إدريس لعرج الذي هو أبي . و عمي عبد السلام يشبه إلى حد كبير الشاعر عبد السلام مصباح . أنا لا أعرف هل هذه المقارنة ستروق للشاعر أم لا . أما عمي فلن أخبره إطلاقاً ، فهو رجل يشتغل بالفلاحة والتجارة و لا شأن له بالشعر . و ما يجمع بين الرجلين في نظري هو الشكل و المزاج و حشرجة الصوت و قلة الملل و سعة الأمل . من سنوات لقيته في الشعر ، و تكررت لقاءاتنا . و في كل مرة كنت أجده بنفس الحماس و بنفس الحيوية و النشاط . النشاط بمعانيه كلها ، و عين الحسود فيها عود . في الرحلة كان حاضراً حضوره المعتاد ، حضوره الذي لا يتزحزح عنه قيد أنملة . لذلك ، فعندما تاهت الطفلة عنه أو اختطفتها العصابة في قطار الإياب لم يكن ثمة من أمل سوى دعاء خالص عليه بالضلال . و كان دعاء ضال على ضال ، لذلك هداه الله سواء السبيل . فما أسرع ما وصل إلى مكان الاختباء فصار واحداً من أفراد العصابة . في الملتقى قرأ عبد السلام مصباح شعراً بالعربية و الإسبانية ، شعراً في الغزل و ما أشبهه . و قد حرص على حضور جميع فقرات الأيام الأدبية إسوة بباقي الزملاء ، و تفوق عليهم بحرصه على تتبع و مراقبة الطفلة .
يوميات معلم في الجبل (ج 3)
عرفت عز الدين الماعزي قبل أن يعرفني ، ربما . فقد كان أهداني نسخة من الجزء الأول من كتابه يوميات معلم في الجبل ناشره الصديق عبد الفتاح ديبون . ومرت سنون قبل أن ألتقيه عياناً . وهو كاتب وديع و محاور لطيف ، لا يتورط في الخصومات و لا يستهويه نقع المعارك . ألفاظ بسيطة و معان كوخز الإبر تبرد غصة الصادي إلى قصة تحتج باللمح و ترفض بالإشارة و تمتع بالإيجاز . و أكثرهم توفيقاً في صياغة العنوان . طيلة الرحلة لم ترتسم على محياه سوى تلك الابتسامة التي يرفقها دائماً بالتعليق ، حتى و هو يشكو من مغص المعدة . سألته في ورزازات : هل تزوجت ؟ فأجابني في مراكش : قدم لي ابنه الذي يدرس في الجامعة .
المرأة السيزيفية
عندما التقيت مالكة عسال لأول مرة منذ حوالي خمس سنوات هجس لي شك في قدرتها على الاستمرار وسط هذا اليم الذي يمور بالمكر و الخداع . كانت هي قد استعدت بالفكرة البكر ، الفكرة الصغير التي تحبو ، و التي لا يضيرها أن تظل تحبو و تدب في هذا الطريق الطويل ، الطريق الذي أضنانا جميعاً : أن لا تظل الحرية حلماً فقط . كانت هي قد استعدت بالرغبة في فتح سفر الحياة على مصراعيه : حياتها و حياتنا . فتحته لنقرأه .
لذلك فوجود مالكة عسال بيننا في الرحلة الورزازية كان ضرورياً . لم ينبع ذلك من رغبتها فقط . تطمئن على الجميع و تجس مشاغلنا الصغيرة و الكبيرة . قرأتْ في مساء اليوم الثاني قصتها القصيرة قبل أن تغادرنا مباشرة إلى مكناس . أدلجتْ هي عبر تنغير ، و سننام نحن تلك الليلة في الفندق ! أختي مالكة : عندما وصلتني رسالتك في المحمول كنت ما أزال في المنصة ، لم يأت الدور علي بعد . لم يصلك البريد لنقص الرصيد فحسب ، و لم نقرأ الشعر في السهرة .
ليلى
لليلى بعدان : الإسم و المسمى . الوجود المرئي و البعد الرمزي . أسميك ليلى مباشرة إذن . ليلى ناسيمي ليلى و الصالون الأدبي المجنون . في الطريق تواعدنا على كتابة قصيدة ورزازات . لما وصلنا بدأتها فقلتُ :
رصيفٌ من الودِّ
يستقبلُ الوافدينَ
و زهرُ الحبورِ
تركنا الضنى خلفنا في الطريقِ
و أحلامنا الماضيةْ
ركضنا إليكِ
هنا تولد أحلامنا الجديدة
تركتُ قصيدتي التي تمنعت و امتنعت ، و مضيتِ أنت قُدُماً . في طريق الذهاب تتشكل القصيدة فتقرئينها في اللقاء و تمطرك القاعة بالحب . شيءٌ كان ينقصك ، أليس كذلك ؟
ليلى التي تضرب في الأشجان بأطنابها تعلمنا كيف نبتسم للحياة ، كيف نحمل هذا الهم فوق ظهورنا و نسير به ، كيف نميل إلى الهزل عندما يضغطنا الجد . في أحد الأيام قد أخرج عليكم بكتاب الجرح ، تقول . لا يحتاج إلا لمن يحكم صياغته أقول . و ليلى تتحفنا أنى ذهبنا و أنى شئنا . في طريق الإياب تقرأ قصيدة الدار البيضاء في الحافلة . ها قد وسعنا من جمهور الشعر ، أقول . هل رأيتم شاعرة تقرأ قصيدتها في الحافلة قبل اليوم ؟ يا مصطفى : ليلى هي التي ستوصل أنشطة الصالون الأدبي إلى مقابلة الدربي ، ربما . دعني أحلم ، أليس مثل هذه الأحلام من ثمرات الرحلة الورزازية .
الناقدة
و قد توفر لهذه الرحلة الأدبية سبب آخر من أسباب نجاحها ، إذ كان معنا باحثون و نقاد يشهد لهم بالنباهة و الدقة و الصرامة و اتساع الأفق المعرفي . و من جملة هؤلاء الدكتورة سعاد مسكين التي تطرقت في مداخلتها خلال اليوم الأول إلى أهم الأسس الفنية والجمالية "للقصة القصيرة جداً" . وكانت طيلة مقامها معنا حريصة على تتبع أدق التفاصيل ، منصتة جيدة لمختلف الأصوات ، مطلعة على كثير من خبايا مشهدنا الثقافي . و ربما اغتنمت هي أيضاً فرصة وجودها بورزازات لكي تجدد صلتها بالناس و الأشياء . هي أيضاً أشواق درعية لا بد أن تهيج ، لذلك سمعتها تسأل عمن رحل من هناك و من بقي .
قصة بنكهة الفلسفة
رحلت معنا إلى ورزازات أيضاً قصة قصيرة بنكهة الفلسفة . يتعلق الأمر بنصوص الصالوني الوفي محمد أيت حنا . وحدهما مصطفى لغتيري و سعيد بوكرامي يعرفان كيف جاء الجميع إلى الصالون الأدبي . و كنت سأحتاج إلى وقت طويل آخر لأعرف من هو هذا الكاتب الشاب الذي يشتعل حماساً و طموحاً لولا هذه الرحلة . لا شك أنه نقش في حياته خلال هذه الأيام صفحات طوال من المرح و الحبور ، و سيستفيد منها في الكتابة . كاتب يفرض على قارئه الاحترام ، يكتب عن المفارقة بالمفارقة فلا تضحك و إن بدا لك . و يجعل الإحالة و التأمل الفلسفي في القصة القصيرة يسير الجنى سهل المتناول .
علية فقط
علية الإدريسي البوزيدي . رأيتها قبل هذه الرحلة في لمة الشعراء بالدار البيضاء ، الجمع الباذخ الذي نظمه الصالون الأدبي في مستقره القديم بحي الألفة . من الطبيعي أن تند عني كثير من الأحداث ، لكنني من يومها – و أنا المهتم بتأطير ذلك المشهد – ظللت أكبر فيها هذا الإصرار الكبير على تسجيل حضورها و الحماس . لا بأس ، يا علية : كلهن مررن من هنا . و منذ البداية كانت الرحلة الصالونية الورزازية متأججة بالحضور السحري لعلية المتحررة من كلفة الرفيق ، المتحللة من عين الواشي و الرقيب . الواشي الذي ما زاد نار الهوى إلا ضراماً على طول تاريخ الحب و عرضه. من المحظوظ منا إذن ؟ الذي يحس و لا يفعل ؟ الحطيئةُ ؟ أم الذي يرضى من الغنيمة بالإياب ؟ وكان لا بد في هذه الرحلة من علية ، علية الطروب ، علية الجذابة . ذات يوم ، لما كنت ما أزال طالباً في الجامعة نبهني صديق حسيمي إلى الفرق بين المرأة الجميلة و المرأة الجذابة . و فيما بعد عرفت أيضاً الفرق بين الجميل و الممتع والنافع والمفيد و هلم جراً . لكن ، ماذابعد ؟ لنعد إلى علية : هل رأيتها غير مبتسمة ضاحكة مستبشرة ، هي إذن في جنتها العالية ، قطوفها دانية . كنا في ورزازات متوحدين كأننا في خلوة ، وكانت علية أكثرنا اتصالاً بالعالم الخارجي ، و ربما كان العالم الخارجي أكثر اتصالاً بها . و هذا هو الراجح . و تقرأ الشعر على شاكلتها ، تماماً كما رأيتها في اللمة . شاعرةٌ من نَسْلِ المشَّائين
ترجمان الصالون الأدبي
في اللسان : "يقال : قد ترجم كلامه إذا فسره بلسان آخر ، ومنه الترجمان" ، (مادة :رجم) . وفي الصالون الأدبي كلُّ بغيتنا عند الأستاذ حسن الغافل . كنت دائماً أجده مكباً على ترجمة هذا النص أو ذاك ، وعلى عاتقه تقع مسؤولية أنطولوجيا الصالون الأدبي . أجده متوحداً مع فعل الترجمة ساهياً عما حوله ، ويتحدث لي عما يقتنيه من دواوين الشعر المغربي و الصعوبات التي تعترضه بخصوص منازع الشعراء و أساليبهم . كنت ما زلت أشك في ثقافة الرجل و منحاه حتى كانت أيام الرحلة . أنا الآن أشعر أن الحظ أصابني فعلاً لما جلست بجواره طيلة رحلة الذهاب و شطراً كبيراً من رحلة العودة . بل جمعتنا نفس الغرفة في الفندق . الأستاذ الغافل قرأ في الملتقى قصيدة ورزازات مترجمة إلى الفرنسية طبعاً ، و قرأ بعض أشعاره . و أنا لا أشك أنه مكسب كبير للصالون الأدبي ، و صداقته ذخيرة لي . نبلٌ نادرٌ و أخلاق فاضلة . إذا استيقظ قبلي سار في الغرفة على أطراف أصابعه . و إذا مسه الضر و الأذى لن تتبين على ملامحه أمارات الجزع . في منتهى اللباقة .
عبد العاطي الزياني
كنت قد التقيته قبل حوالي ثلاث سنوات في الرباط ، كانت ثمة مسألة أخرى . ولم تتح الفرصة لزيارته في زاكورة ، كما كنا نأمل . لكنني كنت أتابع جهوده في البحث و الكتابة . و الدكتور عبد العاطي الزياني من طينة الدارسين الذين يتحلون بدقة البحث و حسن الإنصات إلى مختلف الأصوات الإبداعية في مشهدنا الثقافي . مداخلته النقدية حول القصة في اليوم الأول تشهد على كفاءته في اقتحام مضايق الفهم و التحليل و التأويل . غير أن لقائي به في هذه الرحلة أوقفتني على الوجه الإنساني في شخصيته ، الوجه الذي تسند إليه أوجاع الحياة و أشجان الكتابة فتطمئن .
ناقد و ترجمان آخر
إنه الكاتب سعيد بوعيطة الذي كنت أتابع جهوده ، لا سيما في ترجمة مفاهيم النقد الغربي . عندما التقيته في هذه الرحلة أعلنت له ملاحظتي فصارحني بأبعاد المشروع الذي يفكر فيه . و هو فضلاً عن ذلك ناقد حصيف متابع ، و قد كان تقديمه لكتاب الدكتور عبد القادر بقشى خلال اليوم الأول من الملتقى فرصة حقيقية تمكن من خلالها معظم الحاضرين من التفاعل بإيجابية مع مختلف إشكاليات التناص : مفهوماً و تطبيقاً .
لحسن أحمام
هذا الرجل يستحق من الصالون الأدبي أن يخلد ذكره . هو بالنسبة إليَ رمز لورزازات ، و قد كنت و لا زلت أنظر إلى تلك المدينة الوديعة من خلاله . شيء عجيب غريب رائع حقيقةً ما رأيته أنا و رآه غيري من غيرة هذا الرجل على الأدب و الأدباء و تفانيه في خدمتهم . تستيقظ في الصباح لتجده في انتظارك ، و يطوقك ببسمته المضمخة بأريج المودة و الصدق . و على العموم ، في كل مرة يكون الأستاذ أحمام هو الذي ينقلنا إلى الوجهة المقررة . و بنفسه يتولى قيادة الحافلة . هذه الحافلة التي شهدت كثيراً من مظاهر شغبنا الجميل و لحظات الانفلات من زمن الانضباط و الجدية التي انخرط فيها كل الصالونيين بامتياز ، هذه الحافلة التي لن ننساها أبداً .
هذا الأستاذ المتمرس ، أستاذ اللغة الأنجليزية الذي حكى لي أنه زهد في التدريس بالولايات المتحدة الأمريكية ظل أيضاً يوثق فقرات الأيام الأدبية بالصوت و الصورة بنفسه ، مؤثراً الفوز بصداقة الجميع . لذلك كان آخر من ودعناه في رحلة العودة .
مقام تدارت
في تدارت تناولنا العشاء ، في الهزيع الأخير من الليل ، خلال الذهاب . عهدنا إلى مصطفى لغتيري بتدبير الأمر . انشغلت مالكة عسال بدور الدليل في بيان مفاتن المكان و الجسر المعلق فوق الوادي ، كنا قلة فقط . لما رجعنا إلى المقهى وجدناهم بدلوا الرأي فسرنا في إثرهم . فالجوع يتملى في الملكوت و البردُ يأخذ بالنواصي : ها قد اجتمع الأمَرَّانِ ، و إنا لمشتركون في الزاد و قلة الحيلة . وجدتُ لغتيري و قد وضع ثقته في الجزار ، يا إلهي ! ماذا سنطعم أهلنا ؟ ذكرت صاحبي بالحكمة القديمة و رحت أراقب الوضع عن كثب . و ما لبث أن استفزنا زعيق الحافلة فانجفل الصالونيين . قلت : مهلاً لن يدعكم السائق ها هنا . لكنهم ذهبوا . من أجل راحتكم وسلامتكم لا تتكلموا مع السائق، هو أمير الركب إذن و قد بايعناه و إن لم نشعر . أنا أيضاً ازدردتُ لقمتي و لحقت بهم .
مقام القصبة
على التاسعة من مساء يوم 11 نونبر 2007 كان موعدنا مع أمسية أحواش ورزازات ببهو مسرح الهواء الطلق بقصبة تاوريرت . في الحقيقة ، منذ وصلنا بدأ هذا الإسم يتردد بكثرة على مسامعنا : "تاوريرت" . أنا ما كنت أعرفه هي مدينة تاوريرت التي في الطريق إلى وجدة . و إذا شئت سرت منها إلى الناظور، وهذا أحسن من طريق صاكا أو تارغيست . و"تاوريرت" البلدة التي بين دريوش والحسيمة . لكن أحد مقاطع أغنية "لهمامي " لناس الغيوان ورد فيه أيضاً ما يلي :

اُرْوَاحْ أَوَا لْ تاوْرَرَةِ الْمْوَالَفْ بِهَا تْشوفْ الْعَزْبَة مْحَنْيَة وُ لْخْوَاتَمْ فْ يَدِّيها

تْشُوفْ الكُصَّة مْجَمْمَة و الغَرْبِي يَدِّيهَا اُرْوَاحْ أَوَا لْ تاوْرَرَةِ الْمْوَالَفْ بِهَا

هل قصبة تاوريرت في ورزازات هي المقصودة بما ورد في هذا المقطع الغيواني ؟ لست أدري . عند عمر السيد الخبر اليقين ، ربما . وقد لقيته يوم 23 شتنبر 2007 عرضاً في مطار محمد الخامس ، ولم أكن لأسأله عن مثل هذا . و العزبة معروفةٌ . و الكصة : الكاف تُقرأُ مثل : ga في لغة الإفرنج . و الكصة لِمُّةُ الشعر ، و تزيد الفتاة الحسناء جمالاً . و الغربي يديها . الغربي الرياح اللواقح عندنا ، و ما عداها الريح . و إذا فُهمتْ كلمة الغربي باعتبارها : " Occidental" لاحتملت في أيامنا هذه معنى آخر !
لقد استمتعنا فعلاً بأجواء القصبة و رقصة أحواش . و أخرج كل صالوني ما في جعبته من رقص و إيقاع و ترديد لأهازيج ما فقهت منها شيئاً . كان عرساً بهيجاً و احتفالاً حقيقياً بنا ، و رددنا لهم المودة بمثلها أو أحسن .
ثم رجعنا إلى القصبة أيضاً في اليوم الموالي ، فتجولنا بين أنفاقها الضيقة و سراديبها الملتوية و غرفها الممتدة المتداخلة ، و وقفنا على آثارها الباقية ، و استمعنا إلى نتف من تاريخها القريب ، لا سيما ما ارتبط منه بالفترة التي تؤرخ لسطوة الباشا الكلاوي .
أهل ورزازات
أهل جود و كرم و دماثة أخلاق ، يطبع مزاجهم الهدوء وترين عليهم السكينة ، تماماً مثل مدينتهم ، التي تبدو لناظرها من بعيد أشبه بواحة . لقد عرفنا من أهل المدينة السيد رئيس المجلس البلدي و نائبها في البرلمان الذي خصنا بالاستقبال و افتتح الأيام الأدبية ، كما يليق بالمسؤولية التي يتحملها و بما يليق بهذه الأيام من مظاهر الحفاوة و الترحيب . و عرفنا منهم السيدة القديرة حياة بناني و محمد البوخاري و مندوب الصالون الأدبي بورزازات ، كما عرفنا منهم السادة : عز الدين تستيفت و عبد الحكيم تاكنيوين و إبراهيم بابا و سعيد أفروخ و مصطفى أفقير و إبراهيم مزوز و الطيب لهببنا و غيرهم . لقد طوقونا كلهم بمحبتهم و طوقناهم ، فتحوا لنا سعة خاطرهم فتحاً و أعارونا الاهتمام اللازم و فتحنا لهم صدورنا و نثرنا بينهم محبتنا التي حملناها خصيصاً لهم : فقصصنا عليهم و أنشدنا و بُحنا ، صرخنا و همسنا ، و تركنا لهم لما رحلنا وصيتنا : لنا نحن أيضاً حظ من المدينة و فيكم ، فلا قرت أعين من يحول بيننا و بين هذه المودة .
دوار تيشكا
أنموت في هذه الأعالي تقول مليكة صراري ؟ الموت أيضاً مخلوق و أجلهُ قدرٌ مقدور أيتها الشاعرة . تخيل أيها القاص المتشائم حافلة تتحدرج من أعلى الجبل . من المسؤول عن الضحايا إذن ؟ أيها الكاتب الفاشل سجنت نفسك بتحقيق حلم السبق الصحفي ! ماذا لو حجزت الدولة أيضاً معنا مقعداً في هذه الحافلة ؟ ماذا لو حجزوا لنا تذاكر جوية ؟ هناك جديد أيها الصالونيون العظماء ، بمناسبة هذه الزيارة المظفرة سيتم فتح طريق الديناصورات .
في ليل الذهاب لم نر شيئاً ، تذكرت مقطعاً من قصيدة الليل :

سَامِحْ قوافلَ العُصاةْ
و اسْتُرْ خطاياهُمْ بجُبَّةِ السوادْ
كَمْ مُدْلِجٍ تَخَلَّقَتْ آمالُهُ في صمتكَ الرهيبِ
كم سارِ إلى العُلا فيكَ
و كم آوَيْتَ في لظى الضَّنَى من مُتْعَبِ

كان الوصول حلماً ، فظللنا نشرئب بأعناقنا إلى الطريق نقرأ أرقام العلامات ، و عندما نصمت تتدلى أعناقنا من فرط النوم . أمامي صديقي حسن الغافل ، قد صمت تماماً و غفل . و ليس ثمة غير حاجز الكرسي الذي أمامك ، ماذا تتمنى إذن ؟ حينها أتذكر قول المعري يصف ما فعل النوم بهم و هم ركوب فوق النوق العرامس ليلاً :

فالمَرْءُ يَلْثَمُ سَيْفَهُ و قِرَابَهُ و يَظُنُّهُ وُجُنَاتِ أَغْيَدَ مَائِسِ

الأغيد المائس إشارة إلى المرأة الجميلة . و يتدلى عنق الراكب حتى يمس وجهه سيفه الذي يحمله معه في نطاقه ، حتى يلثمه فيظنه وجنات أغيد مائس . ذلك الشعور في الحقيقة أحسن لمثل هذا الليل الناصب و السفر الواصب .
في طريق العودة يصيبنا دوار تيشكا ، كنت في أقصى مؤخرة الحافلة ، أهم بكتابة شيءٍ ما . و نراود الآخرين على اللحاق بنا . لم أعد أقاوم الغثيان هناك فانسحبت إلى الأمام قليلاً ، و تقدمت حت صرت في المقدمة . و لما تنبهت لم أكن وحدي ، بطون كثيرة ألقت حممها ، و بعضهم نفعه الترياق . انظر إلى الطريق تقول راكبة بقربي و إصبعها على الزناد . ولما هبطنا شيئاً فشيئاً و صرنا في مستوى الأرض ، أصبح كل ما مر بنا ذكرى .
مقام مراكش
كادت مراكش تكون محطتنا الأخيرة ، فيها بدأ عقد الصالونيين ينفرط . اتفقنا على النزول جميعاً في المدينة لكننا توزعنا إلى مجموعات . ما عاد الزاد مشتركاً و لا الهوى . ورزازات ورزازات ، و مراكش مراكش . و من لا يدرك الفرق ستأتيه الأيام بما لم يزود . كان في استقبالنا الشاعر نور الدين بازين مندوب الصالون الأدبي في المدينة ، و كان الحديث معه بشأن الملتقى الشعري المرتقب تنظيمه بها و الجائزة . تناولنا الغذاء على عجل و سرنا إلى المقهى . هناك انضم إلينا الآخرون و فيهم القاص محمد تنفو الذي استقبلنا هو الآخر في محطة القطار ، و لم أكن قد التقيته قبل هذا اليوم . و قد بدا لي في صورة أحسن مما كنت أكونه عنه ، شخصاً هادئ الطبع ، يبش في وجهك و يهش إلى حديثك و يبتدرك بالكرم . و ذكرني كثيراً بصديقنا الشاعر إسماعيل زويريق . لكن فاتني أن ألتقي الشاعر عبد العاطي جميل ، الذي اجتمع ببعض الصالونيين ممن تركنا قرب محطة القطار .
و على الساعة الخامسة من مساء يوم الثلاثاء 13 نونبر 2007 كنا على متن القطار الرابط بين مراكش و الدار البيضاء . و سيبقى في مراكش سعيد بوكرامي و عز الدين الماعزي ، و أنزل أنا بمدينة سطات و تنتهي الرحلة في البيضاء .
هذا ، و إنما ذكرت بعض تفاصيل سفر أعضاء الصالون الأدبي و المتعاطفين معهم للمشاركة في الأيام الأدبية بورزازات تنبيهاً لأهمية أدب الرحلة نفسه ، وتوثيقاً لأنشطة جمعية الصالون الأدبي ، و إشادة بمساهمة كافة الأدباء و المنظمين ، و مديحاً للفضاء و المكان ، الذي يفعل فينا فعل السحر أحياناً . و قد كتبت هذه السطور غب الأوبة مباشرة ، ولراحة النفس حق علي و لبنات لم أقضها ، وما قد أكون نسيته تماماً أو اقتضبته اقتضاباً حُق له أن يُستدرك أو يبسط .

سطات في 15نونبر 2007