أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 13

الموضوع: نظرات فى التاريخ السياسي لقضية الأقصي

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد جاد الزغبي شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    العمر : 46
    المشاركات : 705
    المواضيع : 83
    الردود : 705
    المعدل اليومي : 0.11

    افتراضي نظرات فى التاريخ السياسي لقضية الأقصي

    تمهيد
    من أين نستقي الحقائق


    فى التاريخ السياسي للدول العربية أو الوطن العربي المفكك , يجد الباحث عن الحقيقة فى الأحداث عنتا وتعبا شديدا ..
    ولا شك أنه أمر طبيعى لأسباب مختلفة يتمثل أكثرها فى التغييب المتعمد للتاريخ فلا يوجد فى أكثر البلاد العربية لجان جادة لتوثيق التاريخ والحفاظ على الوثائق المتاحة فضلا على أن البحث خلف كتابات الباحثين والسياسيين العرب يعتبر أشبه بالحرث فى البحر كنتيجة طبيعية لتراكم الأهواء على الأقوال فتجد للواقعة الواحدة ألف رواية بألف هوية بألف توصيف !

    وفترة النصف الثانى من القرن العشرين بالتحديد وهى الفترة التى تشكلت فيها كل ألوان وأنواع الأحداث السياسية التى عصفت بالعالم العربي تعد هى الفترة الأشد غموضا بالرغم من أنها الأقرب توقيتا لعصرنا الحالى فلم يمض أكثر من نيف وخمسين عاما عليها ومعظم المؤرخين والمحللين السياسيين المعالجين لها عاشوا فتراتها بأنفسهم
    غير أن انعدام التوثيق فى المؤسسات الرسمية العربية إلا فيما ندر يعد هو السبب الواقف خلف هذا التغييب فالنظم العربية لا تعرف التوثيق لأى تصرف حتى التصرفات السيادية والقرارات التى تؤثر فى مصائر البلاد
    حتى لو وجدت هذه الوثائق فكلها تعد مضروبة تحت ألوان ومراتب من السرية المطلقة دون حد أقصي من الزمن فلا وجود لأى نظام يشبه النظم الغربية فى التوثيق والتى تفرج عن الوثائق السياسية بعد مضي ردح معين من الزمن يختلف بحسب سرية الوثيقة
    إضافة إلى أسلوب آخر نفتقده عربيا وهو التوثيق المستمر لكل كبيرة وصغيرة لتصرفات رجال الدولة وسياستها ونظمها مهما كانت بساطة هذا التصرف ,
    ولذلك تجد التاريخ الغربي قائم على حقائق رادعة لكل هوى عند الكتابة كنتيجة طبيعية لوجود الوثائق التى تعد النافذة الكبري لكل حقيقة وكل موقف وكل شخص ..
    والإختلاف فى الأحكام على التاريخ السياسي بين الكتاب والمحللين لا يعدو كونه اختلافا فى التحليل والقناعات لا غير ..
    أما بالعالم العربي فالوثائق القليلة التى يمكن أن تكون سبيلا لاستقاء المعلومات فهى تقع رهنا بالمؤسسات السيادية فى كل بلد وأكبر دولة عربية فى هذا الشأن تحتفظ بالتاريخ الوثائقي وهى مصر .. يكون الإحتفاظ بها كما سبق القول أبديا فى مؤسسة الرياسة وجهاز المخابرات العامة وهذا فيما يخص الوثائق السياسية لدولة الجمهورية ..
    أما وثائق الفترة الملكية الموجودة فتحتفظ بها المؤسسات الوزارية وتكون متاحة بقدر ما أمام الباحثين ..

    كيف نعرف وكيف نحكم ؟

    مع الأسف الشديد وكما رأينا أن استقاء الوثائق أو المصادر التى تجزم بحقائق التاريخ السياسي للدول العربية يعد طريقا مليئا بالشوك الرسمى الملئ بالتغييب أو التزييف إلا فى قليل من المعلومات المتسربة نتيجة تناطح السلطة فى بعض الأوقات
    وبهذا الحال يكون المصدر العربي شبه منعدم فى المصداقية إلا في قليل
    ولذا لجأ الباحثون والمحللون والجماهير لاستقاء المعلومات الحقيقية التى تكون أساسا للرواية الحقيقية لأحداث التاريخ إلى الوثائق والمراجع الغربية التى عالجت ـ فيما عالجت ـ فترات الإحتكاك السياسي بين الغرب والشرق
    وبالتالى أصبحت الوثائق الأوربية والإسرائيلية والأميركية هى الكنز المرصود للوصول إلى الحقيقة بعيدا عن التزييف

    والوثائق الغربية التى يجهل أو ينكر البعض حجيتها ومصداقيتها تحت تأثير الوقوع فى ثقافة الإفتراء الغربي على العالم العربي والإسلامى لا يعلمون أن النظم العربية ذاتها استغلت غياب الوعى الثقافي لدى الجماهير لتنشر بينهم هذه الثقافة كرد وحيد على الفضائح السياسية التى تتضمنها تلك الوثائق ..
    والافتراءات الغربية حقيقة ..
    لكن فيما يخص كتاباتهم الفكرية وسياسة الإستشراق البحتة ضد البلاد الإسلامية والعربية أما بشأن تاريخهم ووثائقهم فالأمر يختلف لكن النظم العربية من مصلحتها هذا الخلط
    لأن الأحداث التى تجرى وراء الستار تكون محجوبة من الجانب العربي لا يعرفها إلا الصفوة بينما هى فى الجانب الغربي متاحة للعامة بعد مضي مدتها بالإضافة كما أنها معرضة للكشف المعاصر لها تبعا لمختلف الظروف كما حدث مثلا فى فضيحة " إيران كونترا " فى الثمانينات من القرن الماضي وكما حدث فى أزمة لبنان أثناء رياسة بشير الجميل واغتياله بناء على كشف بعض الإتفاقيات السرية الضارة بالأمن القومى لبلاده
    وواقع الحال أن الوثائق الغربية الرسمية التى تعلن أمام الباحثين بمرور فترات السرية المضروبة حولها هى الحقيقة المجردة التى لا يمكن الشك بها فى العالم الغربي لأنها تمثل أساس النظام السياسي فى تلك البلاد
    فكل سياسة تقرر أو قرار يتخذ أو منهج للتعامل أو حتى حوار بين السياسيين يتم تسجيله فى محاضر مكتوبة لأن المسئولية السياسية يجب أن تكون واضحة ومحددة فلا يوجد تصرف سياسي فى النظم الغربية ليست له وثيقة مسجلة
    ولا يمكن تزييف تلك الحقائق أو العبث بمحتواها لأن هذا كفيل بإنهاء المستقبل السياسي لأى عابث بها كما أنها تكون محكومة برقابة مشددة تجعل الاقتراب منها له مردود على العابث أكبر ألف مرة من محتوى الوثيقة مهما كان

    أما كيفية الحصول على الوثائق الغربية فهى متاحة بذاتها فى المؤسسات الغربية الرسمية ومتاحة أمام كافة الباحثين دونما تحديد طالما أن فترة السرية قد انتهت
    فضلا على أن بعض الوثائق التى تكون مدة سريتها مبالغة وتصل الى حد المائة عام مثلا لم يستسلم الباحثون لتلك الفترة فرفعوا القضايا على المؤسسات الرسمية لبلادهم وتمكنوا من كشف نطاق السرية عنها منها بعض وثائق الحرب العالمية الثانية وبعض وثائق حرب يونيو 1967 فى الجانب الأميركى ,,

    وهناك مصدر آخر للحصول على تلك الوثائق عن طريق تقصيها فى كتابات ومراجع السياسيين والباحثين الغربيين وتكون كتبهم متضمنة تلك الوثائق كأساس تقوم عليه تلك المراجع والتحليلات ..
    ويجدر الإشارة لنقطة بالغة الأهمية أن الوثائق التى أعنيها فى السطور السابقة هى تلك الخاصة بالأسرار العليا للحكومات أما الأسرار العادية وحتى بعض أدق الأسرار فهى عرضة للكشف فى وقت معاصر لزمن وقائعها وذلك لمختلف الأسباب منها الخبطات الصحفية لبعض الصحف وهناك أيضا الإختلافات الحزبية والسياسية التى تظهر معها الكثير من الأسرار المحجوبة ويلتقطها الإعلام فتتسرب أسرار شديدة الخطورة فى حينها وزمنها
    والأمر واضح قطعا لكل المتابعين فحرب العراق مثلا وهى لم يمر عليها سوى سنوات أربع تفجرت أسرارها كاملة تقريبا ولم يحجب منها شيئ بالإضافة إلى أسرار حرب الخليج الثانية وغيرها

    بالإضافة إلى كتابات المفكرين العرب وهم للأسف الشديد ندرة فى هذا المجال .. مجال الكتابة السياسية الموثقة نظرا لبعد المصادر الوثائقية عنهم ولا يخرج منهم على سبيل الإستثناء إلا محلل سياسي واحد يعد واحدا من أكبر المحللين السياسيين فى العالم ويحتل القمة مع أربعين كاتبا وباحثا سياسيا تعتبر كتبهم فى العالم أجمع مصادر لها حجيتها وأهميتها لتى تستطيع تغيير سياسات دول بأكملها
    وأعنى به المفكر السياسي الكبير محمد حسنين هيكل الذى يعد الإستثناء الوحيد فى الشرق الأوسط بين المفكرين .. لأن كتبه التى تلاقي فى الغرب أضعاف أضعاف الاهتمام فى العالم العربي تعد هى الباب الرئيسي لإقرار الحقيقة فى عالم من الزيف يحكم السياسية العربية
    كما أنه يعد استثناء فى مصادره ..
    فهى مصادر رهيبة فى ثرائها وكتبه تحفل بمئات الوثائق معظمها يكون خارجا لأول مرة على يد هيكل بحيث أنه يسبق بعض كبار المحللين الغربيين فى الوصول إليها نتيجة لصلاته الوثيقة بعدد غير محدود من السياسيين الحاليين والسابقين فى شرق العالم وغربه إضافة لاحتفاظه بمعظم وثائق العهد الناصري فى مصر عندما كان المستشار الأقرب للرئيس عبد الناصر طيلة ثمانية عشر عاما أحسن استغلالها فى تجميع التاريخ الوثائقي لتلك الفترة
    ولا يمكن الإختلاف بأى حال مع هيكل فى صحة وثائقه " الخاصة أو العامة " أو الحقائق التى تتضمنها كتبه لأن وثائقه كلها مسندة لهيئات ومؤسسات رسمية غير أنه يمكن الإختلاف معه فى فقط فى التحليل أو الاستنتاجات التى يمكن استنباطها من تلك الوثائق
    مع ضرورة ملاحظة أن تحليلاته التى تقرأ ما خلف الوثيقة تكون فى تسعين بالمائة منها هى الأحق بالنظر نظرا لخبرته اللا محدودة
    ونظرا لمكانته وتحليلاته كان طبيعيا أن تتعارض كتاباته مع النظم السياسية المختلفة بالدول العربية وساد المنع والحظر على كتبه بمصر لمدة عشر سنوات حتى عام 1985 م نتيجة لاختلافه مع النظام المصري السابق ثم حدث ما يشبه الهدنة إلى أن تجددت المصادمات منذ عام 1996 م وتوترت العلاقة بين هيكل والنظام المصري الحالى عقب محاضرة سياسية ألقاها بالجامعة الأميركية وتناولت الأوضاع المعاصرة للبلاد وحملت معها تحليلا نقديا فعالا
    ومنذ بداية خروجه لمعالجة الشأن الجارى بصفة منتظمة مع بداية عام 2000 م كتابة وإلقاء على القنوات الفضائية زادت حدة الخلاف ولو أن الأمر لم يصل إلى حظر الكتابات ولو أنه وصل مؤخرا إلى درجة اقتحام الأمن لاستديو التسجيل الخاص ببرنامجه الشهير " مع هيكل " وتحطيمه وهو الإستديو الذى كان معدا لاستئناف حلقاته من مدينة الإنتاج الإعلامى بالقاهرة

    أما علاقاته مع العالم العربي فهى على الخلاف فى أغلبها لنفس الأسباب الخاصة بكتاباته العميقة الموثقة لشتى الأحداث وتسببت فى أزمات مزلزلة مثل كتابه الأهم عن حرب الخليج الثانية عام 1992 " أوهام القوة والنصر " ولم يكن قد مضي عليها أكثر من عام ورغم ذلك جاء الكتاب مليئا بما خفي وبما جرى وراء الستار واحتجت بعض البلاد العربية والإفريقية عليه عدة مرات ..
    وأيضا كتابه الصادر لمجموع مقالاته فى مجلة وجهات نظر القاهرية وهو الكتاب الذى عنونه هيكل باسم " قضايا ورجال " وتناول فيه بعض السياسيين فى العالم العربي كاشفا عن أخص أسرارهما مع الولايات المتحدة منذ الستينات من القرن الماضي وحتى اليوم
    بالإضافة إلى قنبلته حول منظمة الفرانكوفونية التى شاركت فيها عدة دول عربية ومنها مصر وكشف هيكل الجانب المظلم من تلك المنظمة ذات الستار الثقافي والتى تورطت فى عدة خنادق وعواصف هى أبعد ما يكون عن نطاق الأمن القومى العربي وأتى حديثه على قناة الجزيرة الخاص بالحالة السياسية الراهنة للعرب والذى كشف فيه النقاب عن دولة مجهولة وغامضة تماما هى دولة " فرسان مالطة " تلك الدولة التى تكونت على أساس عقائدى وعلاقات سياسية مشبوهة تورطت فيها بعض النظم العربية إلى درجة تبادل التمثيل الديبلوماسي برغم أنها دولة ذات نظام بالغ الغموض ومجهولة تماما فى العالم حتى بالنسبة للمهتمين بالشأن السياسي

    وكتابات الأستاذ حول الصراع العربي الإسرائيلي عامة والقضية الفلسطينية بصفة خاصة تعد المصدر الأهم لنا فى تلك الدراسة بالإضافة إلى المصادر الغربية المترجمة لمذكرات بعض القيادات السياسية والمحللين على مستوى العالم
    بالإضافة للمراجع التاريخية التى تعالج التمهيد اللازم لقضية فلسطين فى القرن الثامن والتاسع عشر ,,

    وبغير تلك المصادر وبغير النظرة المتجردة للحقائق وقبولها دونما اللجوء لسياسة النعام .. لا أمل فى خروج جيل جديد يعرف أبعاد الموقف العربي بأكمله ويرتب ردة فعله وقناعاته وثوابته بناء عليه لا اعتمادا على تصريحات وثوابت الإستهلاك السياسي التى ظلت تخدر الشعوب العربية طيلة نصف قرن ..
    الإيميل الجديد للتواصل
    gadelzoghaby@hotmail.com

  2. #2
    الصورة الرمزية محمد جاد الزغبي شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    العمر : 46
    المشاركات : 705
    المواضيع : 83
    الردود : 705
    المعدل اليومي : 0.11

    افتراضي

    نظرات فى التاريخ السياسي لقضية الأقصي


    لم يعرف التاريخ العربي الحديث أزمة شائكة للعرب والعروبة وقضية الإسلام .. بقدر ما عرف أزمة المسجد الأقصى وقضية فلسطين المحتلة وتتباعد الخطوط والخلفيات بين المعلوم والمجهول فى هذه القضية التى تم تفريغها من مضمونها الأساسي ككارثة حلت بالعروبة .. قبل أن تكون قضية وطن محتل وشعب أسير ..
    وأتى تسطيح القضية ومحاولة حصرها فى نطاق بالغ الضيق .. راجعا إلى الجهل وعدم القصد .. وفى أحيان أخرى أتى متعمدا فى سياسة المصالح والتشرذم الذى غرقت فيه أنظمة الحكم العربي حتى النخاع ..
    وبدايات القضية عند الغالبية العظمى تبدأ من حيث خرج للوجود وعد بلفور وزير الخارجية البريطانى الشهير فى أعقاب الحرب العالمية الأولى .. حيث تضمن الوعد تصريحا باستقطاع أرض فلسطين لتكون الوطن المختار لليهود لتصبح إسرائيل أول دولة تبنى على أساس دينى ..
    هذه هى البدايات التى يتناولها بالقضية الفلسطينية كأنها هى البداية الأساسية لأزمة الأقصى ..
    بينما البداية الحقيقية كانت قبل وعد بلفور بمراحل ..
    كانت البداية فرنسية .. وليست انجليزية ..

    الورقة الأولى ..
    البداية والفكرة


    كانت البداية مع نابليون بونابرت الإمبراطور الفرنسي الأشهر .. وواحد من الرموز التاريخية الكبري فى التاريخ الأوربي ..
    فنابليون هو المؤسس والمثير الأول لفكرة الوطن اليهودى الموعود الذى يلملم شتات اليهود من بقاع العالم وينتزع منهم فكرة " الجيتو " أى حى اليهود فى أى مدينة حيث يعيشون فى بعد كامل عن العالم الذى يحيط بهم ..
    ولم يكن قبل نابليون وفكرته أى تلميح عن استقلال اليهود وتجمعهم فى وطن واحد حتى بين اليهود أنفسهم الذين كانوا يفضلون العيش حيث هم فى الشتات مندمجين مع الأوطان التى ركنوا إليها ..
    وبدأت فكرة نابليون مع تنفيذ فكرته التوسعية بحملته الشهيرة على مصر .. واستعداده للزحف إلى الشام ..
    هناك وقف التاريخ متأملا ورقتين حررهما نابليون عرفا فيما بعد .. بـ " الورقة الإسلامية " و " الورقة اليهودية "

    وكانت الورقة الإسلامية

    هى النداء الموجه من نابليون إلى الشعب المصري والعربي المسلم يقول فيها ما معناه أنه آت إليهم لتخليصهم من عناء الاحتلال العثمانى الذى سلب ثروات البلاد ورزق العباد ولم يكن هذا حقيقيا بطبيعة الأحوال .. إذ أن الورقة الإسلامية كانت عبارة عن خدعة إستراتيجية الغرض منها اكتساب التأييد الشعبي للحملة الفرنسية مما يسهل المهمة للقوات الفرنسية مع تأييد أو تحييد القوى الشعبية عن مناصرة المماليك والعثمانيين ..
    أما الورقة اليهودية
    فلم تكن أبدا كنظيرتها الإسلامية .. إذ كانت ورقة إستراتيجية لهدف عملاق سعى إليه إمبراطور فرنسا وكان يعنى كل حرف ورد فى هذه الورقة ..
    إذا أن الورقة اليهودية كانت عبارة عن نداء موجه إلى اليهود بصفتهم الدينية يدعوهم بهمة وحماسة إلى النهوض من كبوتهم وإغفاءتهم والإسراع إلى ميراث الأجداد فى فلسطين على اعتبار أنهم الورثة الشرعيون لأرض الديانات .. وقام باللعب على أوتار الدين اليهودى والشتات الذى يعانى منه الشعب اليهودى وهم شعب الله المختار على حد الزعم اليهودى ..
    وجرى توزيع الورقة اليهودية بكثافة وإعلان طاغ بأساليب ذلك الوقت .. على أبواب القدس .. غير أن التوزيع لم يقتصر بالطبع على أبواب القدس والأرض الفلسطينية .. بل جرى توزيعه بكثافة أكبر فى الدول والأقطار الأوربية التى يتركز فيها اليهود ..
    وكان الدافع لذلك ندرة الوجود اليهودى بالقدس حيث لم يزد عددهم على 175 يهوديا ..
    واجمالى اليهود بفلسطين كلها لا يزيد على الألفين .. ولم يكن بقدرة مثل هذه المجموعات الضئيلة أن تفعل شيئا أو تقدم خطوة ايجابية فى الهدف الذى سعى إليه نابليون .. لكن التوزيع فى القدس أولا كان الهدف منه لفت النظر للوطن المقترح حيث يؤدى النداء مفعوله مع القوى اليهودية المؤثرة فى شتى أنحاء العالم
    وكان هدف نابليون من الوطن اليهودى يشي بالعبقرية العسكرية النابهة التى تمتع بها هذا الإمبراطور الفرنسي المثير للجدل .. فلم يكن دافعه التعاطف مع اليهود بأى حال من الأحوال .. بل على العكس كان نابليون يحتقرهم .. لكنه تجاوز عن مشاعره فى سعيه الحثيث لتوسيع رقعة الإمبراطورية الفرنسية فى ذلك الوقت .. باستكمال الاستيلاء على رقعة الخلافة العثمانية فى المشرق .. ولأنه دارس جيد للتاريخ .. وقائد عسكرى ذو نظر بعيد ..
    فقد تمعن نابليون فى المشرق العربي وفطن إلى حقيقة تاريخية ثابتة وهى أن مصر مفتاح أطماعه التوسعية ولا يستقر له حكم مصر إلا بتأمين البوابة الشرقية الطبيعية وهى التى تحتلها سوريا الآن .. غير أن غزو مصر وسوريا لن يستقر بالتبعية طالما ظلت البوابة الطبيعية بينهما مفتوحة وداعية إلى اتصال الشعبين على النحو الذى يهدد استقرار الحكم بهما ..
    فكان لابد له قبل التفكير فى غزو مصر وتأمين بوابتها الشرقية أن يقوم بوضع حد فاصل ونهائي لاتصال الشعبين مما يحيل اتصالهما واتحادهما إلى ضرب من المستحيل ..

    وتفتق ذهنه عن أخبث خطة تفرقة فى التاريخ ..
    ألا وهى زرع كائن غريب بينهما عند نقطة التقائهما يحول نهائيا بين اتصال القطرين الشقيقين .. وكان لابد له فى رحلة البحث عن طبيعة الكائن المنشود أن يراعى فيه توافر شوط الغرابة عن جو العروبة .. والغرابة عن جو الإسلام بطبيعة الحال وإلا لما حقق الفصل المنشود ..
    وكانت الشروط تنطبق على اليهود بجميع اتجاهاتها .. فجد نابليون فى استثارة الحلم الذى غاب عن مخيلة اليهود أنفسهم .. ووعد بتقديم الدعم الكافي بعد استثارة الحلم لتحويله إلى واقع ..

    ثم غابت شمس نابليون عن الوجود بهزيمته فى معركة " ووترلو " ونفيه إلى جزيرة " سانت هيلانه " لتحتدم الصراعات بين الإمبراطوريتين الكبيرتين "بريطانيا " و" فرنسا " ..
    ولم يكمل الحلم الاستراتيجي بالفصل بين مصر والشام أحد خلفاء نابليون ..
    بل كان الأسد البريطانى هو الذى تبنى الكرة قبل سقوطها على الأرض لا سيما بعد استقرار " محمد على " على عرش مصر واليا للخليفة العثمانى محوطا بتأييد شعبي تمثل فى الرموز المصرية بذلك الحين " عمر مكرم " ورفاقه ..
    وبدأ الانتباه للأمر بعد انفراد محمد على تماما بالحكم المصري بمذبحة القلعة الشهيرة التى تخلص فيها من المماليك وقضي عليهم قضاء مبرما .. وأقصي زعماء الشعب الذين ولوه الرياسة .. وبعدها انطلق بمصر على طريق الحضارة بخطى جبارة فى شتى الميادين العلمية والفكرية .. والعسكرية .. وفيما يخص القدرات العسكرية انطلق محمد على فى بناء جيش قوى وأسطول ذى شأن .. وكانت النقلة الحقيقية فى استعانته بالمصريين لأول مرة فى تكوين الجيش ..
    وبدأ محمد على شيئا فشيئا يبسط نفوذه بالذات عقب الانتصارات المدوية التى حققها الجيش المصري فى الحجاز والشام ... وكان فى بداياته يهادن السلطان العثمانى إلى أن تأكد من قوة جيشه وضعف الخلافة وجيشها مقارنة بجيشه الفتى وأسطوله القوى .. فبدأ يعلن نيته فى الانفراد بمصر بعيدا عن سلطنة الخلافة وتبعيتها .. وهب أيضا يريد الزحف على الشام ..
    وهنا كان داعى محمد على إلى تلك الخطوة هو ذات الداعى الذى كان فى مخيلة نابليون ألا وهو طلب التأمين لمصر عبر تأمين البوابة الشرقية وهى حقيقة تاريخية راسخة كما سبق القول ..
    وارتجف السلطان العثمانى رعبا من زحف محمد على للشام وتهديده الاستراتيجي للخلافة وانهزمت الجيوش العثمانية أمام العسكرية المصرية ..
    وهنا هرع السلطان العثمانى مستنجدا بالقوى الكبري فى العالم بذلك الوقت " بريطانيا " و" فرنسا " ..
    ووجد نداء السلطان العثمانى ردا ايجابيا على الفور .. وكان دافع البريطانيين والفرنسيين للمساعدة هو القلق الذى اعتراهم من جيوش محمد على وأسطوله الذى يمثل خطرا كبيرا على الأساطيل البحرية البريطانية والفرنسية مما يخل بالتوازنات الإمبراطورية بينهم فى ذلك الوقت لا سيما وأن محمد على كان يمتلك طموحا غير محدود غير مأمون الجانب
    وكانت النية البريطانية لديها سبب إضافي ..
    ألا وهى نظرتها للقدس وأرض فلسطين حيث كان الحلم الفرنسي النابليونى يدق حيا فى قلب بريطانيا هذه المرة رغبة منها فى مصر وان كانت لم تعلن .. بمعنى استيلاء البريطانيين على الحلم الفرنسي القديم بزرع اليهود فى فلسطين وإرضاء فرنسا بما شاءت من أرض سوريا إلا القدس
    وبعد التدخل البريطانى الفرنسي .. تمكنت جيوش الحلفاء من ضرب القدرة العسكرية المصرية لمحمد على وتحجيم الأسطول المصري فى البحر المتوسط .. ووقع محمد على على معاهدة 1840م .. والتى أنهت الخطر العسكرى لمصر باشتراطها عدم زيادة عدد الجيش عن أربعين ألف مقاتل وعدول محمد على عن الشام وحبسه داخل الحدود المصرية خلف سيناء ..
    ولما كان هذا الحبس لازما لضمان عدم العودة ـ فقد خفت بريطانيا إلى السلطان العثمانى ـ وهو خليفة المسلمين كما هو مفترض ـ تطالبه بثمن المناصرة .. وكان الثمن إعطاء فلسطين لتحقيق الحلم اليهودى بوطن قومى والسماح لأعداد غفيرة من اليهود بالهجرة من أوربا وباقي أنحاء العالم ووجد السلطان العثمانى نفسه غير قادر على رد المطالب البريطانية ..
    لكنه خشى العواقب فوافق على أن يبقي الأمر طى الكتمان ..

    ولم تكن المطالبة البريطانية قائمة على غير أساس ..
    فمنذ سقوط نابليون فى ووترلو .. والفكر البريطانى جد البحث خلف الحلم الفرنسي القديم بعد اكتشاف الفكرة العبقرية التى تفتق عنها ذهن إمبراطور فرنسا لخدمة أهدافه التوسعية .. وان كان البريطانيون والفرنسيون أيضا قد أضافوا إليها رغبة محرقة أخرى ..
    وهذه الرغبة تمثلت فى الخلاص من كابوس جموع اليهود الفقيرة التى أيقظت ورقة نابليون اليهودية الحلم فى أعماقهم ... مما دعا بيهود أوربا الأباطرة فى المال والأعمال إلى خشية تدفق هذه الجموع إلى أوربا حيث يطلبون إلى بنى جنسهم النصرة مما يؤثر على القوى المالية اليهودية التى استقرت بالدول الكبري ولم تكن على استعداد لتحمل عبء هؤلاء الحالمين ..
    وكانت موافقة السلطان العثمانى على المطالب البريطانية هى الطعنه الأولى فى صدر العروبة والإسلام ..
    وكانت طعنه لها ما بعدها .. حيث قطع الحلم اليهودى بها الشوط الأكبر فى اغتصاب الأرض الفلسطينية بعد توالى الهجرة المحمومة تحت رعاية الخلافة والقوى العظمى .. كل هذا فى إطار اتفاق سري وعلى نحو غامض . بحيث لا تنتبه الجموع العربية المسلوبة الإرادة من الأساس خاصة وأن التواصل العربي ـ العربي كان شبه مفقود فى هذه الأيام .,
    وهذه هى البداية المجهولة لقضية فلسطين

    وللحديث بقية مع بقية الأوراق

  3. #3
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    الدولة : في قلب غـــزة
    العمر : 37
    المشاركات : 147
    المواضيع : 23
    الردود : 147
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    ونحن ننتظر البقية أستاذ محمد جاد الزغبي ...

    لديّ أمنية ،
    أن أجد الوثائق الخاصة بمحاكم التفتيش ، ألم يحن الوقت لأن تخرج من سريتها ؟
    أم أنها ستشعل حرباً جديدة نحن في غنى عنها .. !؟


    تحياتي

  4. #4
    الصورة الرمزية محمد جاد الزغبي شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    العمر : 46
    المشاركات : 705
    المواضيع : 83
    الردود : 705
    المعدل اليومي : 0.11

    افتراضي

    الأخت الفضلي هبة أغا ,,
    مرحبا بك يا أختاه
    لديّ أمنية ،
    أن أجد الوثائق الخاصة بمحاكم التفتيش ، ألم يحن الوقت لأن تخرج من سريتها ؟
    أم أنها ستشعل حرباً جديدة نحن في غنى عنها .. !؟
    أعدك أن أوافيك بما أستطيع
    لكن رجاء أوضحى ماذا تقصدين بمحاكم التفتيش
    هل تعنين محاكم التفتيش الشهيرة فى أسبانيا
    أم هناك مفهوم معاصر لم يبلغنى بعد
    بانتظار افادتكم

  5. #5
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    الدولة : في قلب غـــزة
    العمر : 37
    المشاركات : 147
    المواضيع : 23
    الردود : 147
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    أقصد تلك التي تختبئ في أدراج الباباوات ...

    كثيراً، وكلما كنت أبحث عن محاكم التفتيش،أجد البقية في الخزانات السرية، ...


    نتمنى أن يأتي هذا اليوم الذي نسترد فيه كرامتنا ... !!

  6. #6
    الصورة الرمزية محمد جاد الزغبي شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    العمر : 46
    المشاركات : 705
    المواضيع : 83
    الردود : 705
    المعدل اليومي : 0.11

    افتراضي

    مرحبا أختى الفاضلة ,,
    كثيراً، وكلما كنت أبحث عن محاكم التفتيش،أجد البقية في الخزانات السرية، ...
    خزائن الأسرار والمؤمرات تظل عامرة مهما أخذنا منها ومهما توصل الباحثون إلى طرق أبواب العلانية فيها
    وهذا بشأن الأمر السياسي

    ويزداد الأمر صعوبة فيما يخص الأسرار العقائدية والمنهجية ولذلك لا أمل فى خروج الأسرار المحفوظة فى خزائن الفاتيكان بالطبع
    ولن تخرج أبدا لأنه لا قانون يحكم هذا الأمر كما فى الشأن السياسي
    والأمل الوحيد فيما يتم تسريبه من وثائق عن طريق الإنشقاقات الداخلية وما شاكل ذلك
    ومضافا إلى هذا كتابات المفكرين التى طرقت بعض تلك الأسرار عن طريق المتابعة التاريخية

    وسأحاول باذن الله البحث عن نسخ اليكترونية للمصادر التى بحوزتى باذن الله

  7. #7
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    تحية و تقدير للأخ محمد جاد الزغبي
    الدراسة مهمة وحتى تكون للنقاش المعرفي الجاد


    فهي للتثبيت
    تظل جماعات من الأفئدة ترقب صباح الانعتاق,لترسم بسمة الحياة على وجوه استهلكها لون الشحوب و شكلها رسم القطوب ,يعانقها الشوق و يواسيها الأمل.

  8. #8
  9. #9
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    الدولة : في قلب غـــزة
    العمر : 37
    المشاركات : 147
    المواضيع : 23
    الردود : 147
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    بارك الله فيك أخي محمد جاد الزغبي
    كنت أتخيل سير الأحداث وأنا أقرأ تلك المقدمة التاريخية ، التي تفضلت بها ..
    ربما لأول مرة أسمع أن الفرنسيين هم أول من بادروا لأجل اليهود، ...
    هل السلطان العثماني آنذاك هو سليم الأول ؟
    تملكني بعض الغضب حينما تذكرت معاهدة 1840
    وكيف أننا مستضعفون، وللأسف فنحن الآن نسلم سلاحنا بأيدينا ،
    بورك فيك ، وفي الانتظار ...

  10. #10
    الصورة الرمزية محمد جاد الزغبي شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    العمر : 46
    المشاركات : 705
    المواضيع : 83
    الردود : 705
    المعدل اليومي : 0.11

    افتراضي

    بارك الله فيك شقيقتنا الفاضلة هبة أغا
    ويسعدنى تجاوبك
    تملكني بعض الغضب حينما تذكرت معاهدة 1840
    وكيف أننا مستضعفون، وللأسف فنحن الآن نسلم سلاحنا بأيدينا ،
    بالعكس والله
    فتذكرها يبعث على العزة
    وأين نحن من قوتنا عام 1840 إبان المعاهدة ,,

    انظرى للأمر بوجهة أخرى وتأملى
    جوع الدول العظمى مع الدول العثمانية تجتمع على الجيش المصري فلا تستطع كسره حتى دخل إبراهيم باشا بجيوشه إلى قوله فى قلب الأراضي التركية
    وفى المعاهدة
    تم ترك الشام لمحمد على وطلب تقليص الجيش بعد الضربة
    أى أنهم لم يتمكنوا مجتمعين من انهاء القدرة العسكرية المصرية ولو أنهم كانوا يستطيعون لما ترددوا قطعا

    بوركت

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. مصر في التاريخ الديني السياسي
    بواسطة مراد مصلح نصار في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-08-2016, 02:28 PM
  2. يا أخا الأقصي
    بواسطة محمد محمد أبو كشك في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 22
    آخر مشاركة: 13-11-2015, 01:00 PM
  3. مصر في التاريخ الديني السياسي .
    بواسطة مراد مصلح نصار في المنتدى الحِوَارُ السِّيَاسِيُّ العَرَبِيُّ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 22-02-2015, 08:49 AM
  4. ترنيماتٌ نيلية ٌفى قصر ِ الرشيد...!!
    بواسطة عبدالوهاب موسى في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 30-11-2011, 09:39 PM
  5. والله أنا من يحتاج الأساتذة هنا لقضية حياة أو موت
    بواسطة عادل نمير في المنتدى العرُوضُ وَالقَافِيَةُ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 01-01-2009, 10:04 AM