أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: أبحاث الشعر العامى " مؤتمر ديرب نجم الأدبى الـ8 " 2008

  1. #1
    الصورة الرمزية علاء عيسى قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    العمر : 54
    المشاركات : 1,651
    المواضيع : 95
    الردود : 1651
    المعدل اليومي : 0.25

    افتراضي أبحاث الشعر العامى " مؤتمر ديرب نجم الأدبى الـ8 " 2008

    التناص السردي
    (1) فى ديوان " قلب طالع ع المعاش "
    إهداء إلى أ.د. طه وادى
    رحمه الله
    الإنسان والعالم
    د. إبراهيم عبد العزيز
    - 1-
    محمود عبدالحفيظ شاعر أكاديمي ، قدم عددا من الدواوين الشعرية منها " عيون " و " فتافيت " و" النوم عغلى صدر الوطن "ثم طالعنا بديوانه "قلب طالع ع المعاش " ... " 1 " وكتب بعده ديوانين هما " من غير ما تاخد نفس " " 2 " وديوان قيد النشر ... من فوق سطوح خمسين سنة " 3 " وله مساهمات فى مجال القصة القصيرة نشرها فى مجلتي " إبداع ... والهلال " ..
    وقد أتيح لى أن أقرأ معظم أعمال الشاعر ، وهو ما يجعلنى مطمئنا إلى القول بأن ديوانه موضع الدراسة " قلب طالع ع المعاش " .. يختلف عما سبقه من دواوين على عدة مستويات أولها على مستوى الصياغة الشعرية ، وثانيها من حيث قدرة النص على الانفتاح على الموروث الشعرى ، وثالثها من حيث مستوى النفس الشعري.
    أما على مستوى الصياغة ، فقد انتقل الشاعر من الكتابة ب " العامية .. الخالصة التى يصدق عليها مصطلح " عامية المثقفين " .. إلى الكتابة المزاوجة بين اللغة الفصحى واللغة العامية المشار إليها ، أعنى تجاوز مستويات لغوية فى النص ، وسرعان ما يكتشف القارئ أن الفارق بينهما يكاد يكون وهميا على المستوى المعجمي كقوله :
    أجتر أحزاني وأقول حان الرحيل
    واندس فى جحر الكلام والجعجعة
    دى معمعة
    ممكن تعيش
    لازم تعيش [ الديوان ، صـ8 ]
    وأهمية هذه المزاوجة أنها تكشف عن وعى نقدى عند الشاعر ، بأن الشاعر لا تقيّده صفة تتبعه ، سواء أكانت هذه الصفة الفصحى أم العامية ، فالشعر واحد بما يحمله من صفات تضمن له خصائصه النوعية من إيقاع وصور ودلالات ، أضف إلى ذلك أنه ليس هناك خطوط فاصلة بين الأجناس الأدبية مما أتاح لهذا النص – من خلال هذه المزاوجة – القدرة على الانفتاح على الأنواع المغايرة للشعر ، مما حقق له مزيدا من الثراء الدلالي .
    أما المستوى الثاني ، انفتاح النص على الموروث الشعري ، فإن النص الأدبي – وغير الأدبي – عموما لا ينشأ من فراغ ، لكن تفرده يأتي من تجاوزه لما قبله ، ولا يعني هذا التجاوز بالضرورة المخالفة أو السبق ، لكنه يعني قدرته في تحقيق رؤية خاصة فى علاقته بالأشياء ، وهو أمر لم يتحقق عند الشاعر قبل هذا الديوان – على الأقل في ديوانيه " عيون – و فتافيت " إلا على استحياء ، بل إن المروث – واحترس قليلا من التعميم – الذى ينطلق منه لم يخرج به من دائرة ما كتبه كبار شعراء العامية قبله ، حتى وإن اتجه إلى محلية خالصة في حديثه ، وهذا نموذج من حديثه عن بلدته (سنجها ) :
    يا سنجها يا بلد شدي حزام ضهرك
    ما تصدقيش اللى خانك وإن دفع مهرك
    ما هو سارقه منك وفاتل حبله من شعرك
    طايح بمٌهرك وعامل فى البلد خيّال [ ديوان : عيون صـ58 ]
    أما فى ديوان " قلب طالع ع المعاش " .. فالأمر مختلف من ناحية انفتاحه على التراث الشعرى من جهة ، ومن جهة أخرى فى قدرته على محاورة هذا التراث بشكل تجريبي لافت – على نحو ما سنبين فى التحليل .
    أما المستوى الثالث ن النفس الشعرى ، فقد تجاوز الشاعر كثيرا بهذا الديوان رصده للأشياء / الفتافيت أو المنمنمات التى يمكن أن تتجاور أو لا تتجاور لتشكل ديوانا إلى شكل الديوان القصيدة ، فالديوان كله صار قصيدة واحدة ، وهو ما تحقق أيضا فى ديوانه .. من فوق سطوح خمسين سنة..
    هذا هو السياق التاريخي للديوان موضع الدراسة ، تأتي أهميته فى تقديري .. من محاولة الشاعر الدائمة إلى .. التجريب فى القصيدة ..وهذا التجريب فى معظم أعماله الشعرية ينطلق من تجارب متشابهة عند الشاعر مثل حديثه عن " الزعفرانة .. التي قضى فيها جيشه ، والاختلاف الوحيد هو فى زاوية الرؤية التى يرى منم خلالها الأشياء .
    -2-
    إذا انتقلنا بالنص من سياقه التاريخي إلى سياقه المعرفي ، فإن عنوان الديوان .. قلب طالع ع المعاش .. هو أول ما يطالعنا بوصفه عتبة النص وبوابة العبور ، والسياق الدلالى للفظ طالع – كما يذكر أحمد يوسف "4" – يرتبط لدينا بالإشراق فى أنشودة استقبال الرسول عليه الصلاة والسلام ... طلع البدر علينا .. أو .. طلع النخل .. بمعنى أخذ طلعته ، والشاعر يقول :
    مولود أنا فى سنجها بلد النخيل والجناين [ ديون عيون ، صـ54 ]
    وقد ترتبط دلاليا بعكس ذلك مثل .. طلع روحه ... أى تثبيط للمعنويات ، ومفارقته القدرة على الحياة / العمل .
    فإذا ما ارتبط هذا الطلوع بالمعاش فإننا إزاء ظاهرة اجتماعية صحية ، أعنى أنها تمثل ديمومة الحياة واكتمال التجربة المنوط القيام بها من ناحية ، ومن ناحية أخرى هى السكون والراحة بعد تعب وجهد .
    وقد ورد هذا السياق بمعنى الحرفى فى ديوانه فتافيت :
    خمسين سنة / أجرى أنا / ع الأرض لما حفيت
    والبندقية على كتفي أنا صاحية / شايف الغريب فى الكفر والناحية
    طلعت ليه ع المعاش [ فتافيت صـ19 ]
    أما ورودها فى الديوان موضع الدراسة ، فقد جاء فى هذا السياق :
    منقار صغير نغمش القلب اللى طالع ع المعاش
    منقارصغير صحى فيه الأسئلة والانتعاش [ قلب طالع ع المعاش صـ50 ]
    وهذا السياق النصي – فى تقديري – لا يمثل مؤشرا للقصيدة ، فهو لا يمثل رسالة الشاعر فى قصيدته ، ولا يقدم مفارقة تصويرية لها .
    إذا ما تجاوزنا هذه العتبة وغيرها من المتعاليات النصية من إهداء وتصدير لافت من رواية العجوز والبحر – مع أهميتها – حتى لا نقع فى شركها مرة أخرى كما حدث مع العنوان ، أمكننا القول بأننا إزاء قصيدة تقوم على أساس من التوازى النصي مع القصيدة الطللية " 5 " ولا أقصد – قطعا – الشكل العروضي للقصيدة ، غنما أعنى بنيتها الفنية ، وقصيدة الطلل اكتسبت صمودا – رغم كل محاولات هدمها – لمئات السنين بحيث صارت القصيدة النموذج ، وانطلق منها الذين مثلوا عمود الشعر – فى نظر النقاد – والذين خالفوه.
    وهو ما يجعلنى أطرح هذه التساؤلات :
    كيف تعامل الشاعر مع هذا النموذج ؟
    وما مقدار ائتلافه أو اختلافه مع هذا النموذج ؟ وإذا أدركنا أن هذا النموذج بداخله أشكال متعددة ، فأى أشكاله يختار ؟
    وهل المنظور الدلالي الذى يحكم القصيدتين واحد ؟ أم أن الشاعر يؤسس قصيدته من تناقض الدلالات ؟
    وما علاقة ذلك بالمتوازيات النصية التى يقيمها الشاعر مع نصوص أخرى مثل العجوز والبحر ؟
    تبدو الإجابة عن التساؤلات السابقة طموحا كبيرا يحتاج إلى مفاهيم إجرائية تضمن له على الأقل الانطلاق من النص موضع الدراسة فى توازيه مع هذه النصوص ، فأين تكمن نقطة البدء ؟ والنص الموازى ليس قصيدة واحدة ، إنما هو تراث ضخم ومتنوع إذا ما توقفنا فقط عندما أنجزه الشعراء الأوائل .
    -3-
    أقترح أن تكون زاوية ( الاختبار / الاختيار ) لما طرح من أسئلة هى دراسة البنية السردية فى النص ، والتى تتوافر بشكل لافت فى القصيدة ، مما يجعلها مادة ممثلة لاستقراء الديوان ، ويأتي التناص بوصفه كشفا لحضور النص الطللي فى الديوان وغيابه ، والحضور والغياب يمثلان فاعلية إيجابية فى دلالات الديوان " 6 "
    والمعروف أن النموذج الطللي قد يكون ثنائيا أو ثلاثيا يبدأ بالبكاء على الأطلال ( المحبوبة ، صد وهجر وإعراض ومحاولات للوصل ) + ناقة + رسالة / فخر / مدح / رثاء ، وقد حافظ ديوان قلب طالع ع المعاش على الشكل الثلاثى الآتي :
    بكاء على الأطلال + ناقة + رسالة
    ويبدأ السرد فى الديوان من المقطع الأول
    لما الجبل يعلى تغيب الشمس من قبل المعاد
    يفلت حصان القلب خايف ..
    من ضلام الليل .. ومن قهر البعاد [ الديوان صـ7 ]
    أى أن السرد يبدأ من حيث الزمن بالحاضر / البكاء على الطلل ، أما من حيث المكان السردي فيرتبط بـ (الجبل ) الذى يعلو حتى تغيب الشمس ، وهو ما يعنى أن الراوى بحاجة إلى رحلة علوية ، حتى يدرك هذه الشمس ، لكنه سرعان ما يشعر بضآلته أمام الجبل ، فينفلت منه حصان القلب خائفا من قهر البعاد / مستقبل الراوى ، ويبين منطلقات خوفه على النحو الآتي :
    يفتح كتاب العشق .. يقرا ..
    يمكن الشعرا – اللي ما فيه حد منهم ..
    لما سافر تاني عاد.
    يمسحوا الدمع ف عيونه ..
    يلقى دا ودع هريرة ..
    ودا على الأطلال بيبكي ..
    ودا بيصرخ ع الجبل ، بانت سعاد !! [ الديوان صـ7 ]
    وإذا ما تأملنا مفردات كتاب العشق ، سنجد أن مرد هذا الخوف يتمثل فى ارتباط هذه المفردات بعلامة الصد والهجران ، وهو ما تمثل فى الإحالات النصية على هذه القصائد :
    - ودع هريرة غن الركب مرتحل وهل تطيق وداعا أيها الرجل
    - بانت سعاد فقلبى اليوم متبول متيم عندها لم يفد مكبول
    - بانت سعاد وأمسى حبلها انجذما واحتلت الشرع فالأجزاع من إضما
    وفى كل هذه القصائد يكون الصدود من " المحبوبة " وليس " الشاعر" ، والصدود هنا يرتبط بالشيب الذى يلحق بالشاعر ، وهو ما يتحقق تناصيا فى الديوان ..
    خمسة ف تمانية باربعين
    والعشق بعد الأربعين يبقى ترف
    ......................
    سنة حلوة يا جميل
    ياللى ما ضحك ف وشك خال ولا عم
    ولا حد اهتم ..
    إلا في تسعين
    لمّا الشعر ابيضّ وعضّ
    والمولد شطّب وانفض .[ الديوان ص 16 ، 39 ]
    والأربعين ليس علامة على السن ، وإن خدعنا الشاعر بقوله " غلا فى تسعين .. والتراث العربي ملئ بتوظيف هذا الرقم مثل الأربعين النووية وأحاديث ابن دريد ( 8 ) ، فالأربعين علامة على النضج ، وعلى نضج التجربة الشعرية عند محمود عبدالحفيظ ، إذا ما قارنا ذلك بـ (خمسين سنة قراية وكتابة ) التى امتلأ بها ديوانيه فتافيت وعيون .
    فما الذى أدى إلى هذا الواقع المخيف ؟
    أدى إلى هذا الواقع المخيف .. الزمن .. من ثم كان من الضرورى أن يأخذ الشاعر موقفا من الزمن :
    كن الزمن واقفلى بالمرصاد
    فارد شباكه
    لكن صواريخ الزمن منصوبة فوق الشط [ الديوان صـ13 ]
    وهو موقف يكشف عن رؤية للزمن فى مستواه العام ، أما على مستوى الزمن الخاص ، فنجد الشاعر يخشى الليل ، لكن ليس الليل كله ، إنما (ظلامه ) :
    من ضلام الليل
    حتعيش كمان سنتين تلاتة بالكتير فى الضلام
    ياما ليالى ع القمر بتفوت [ صـ7/8 ]
    وهذا أول تناقض دلالى مع التراث الجاهلى الذى كان يخشى الدهر / الزمان ، وإن لم يصبه فإن نوائبه ستصيبه ، ويكره الليل وإن اكتظ بالنجوم والكواكب على نحو ما صور النابغة فى بائيته المعروفة ، أما الشاعر هنا لايقف مثل هذا الموقف العدائي ، بل يحاول أن يحدد أزمته مع الزمن ( ظلام الليل ) ، ومن ثم يحاول أن يقدم نوعا من سرد المقاومة والذى تمثل فى عدة دلالات " 9 "
    الدلالة الأولى تمثلت فى تذكير المحبوبة التى هجرته بقيمته / قوته :
    قلبي زرعته لاجلك انت جنينة ..
    فيها الورد .. والياسمين
    وحلفت ما يدخلها غيرك حتى لو كان مين
    واخترت لك.../ واخترت لك... [ صـ 14]
    وتتواصل دلالات الاختيار فى النص بما يوحى – من خلال هذا التكرار – بأن الشاعر كان الطرف الأكثر هيمنة فى العلاقة ، من ثم يكون الرجوع إلى هذا النوع من السرد عودة إلى الماضى الجميل الذى جعله للمحبوبة جنة
    لمَّا الحياة تدهس عليك ..
    وتمد له بين السما والأرض جنة ..
    يفتكرلك أي حاجة عملتها ويفضل حبيبك ؟؟!! [ صـ9 ]
    فى المقابل فإن الشمس نار ، والأرض نار ، أى أن الجنة الوحيدة هى التى جعلها لمحبوبته .
    الدلالة الثانية :- أن يتجه إلى إثبات الذات إزاء هذا الواقع المتجهم والمتمثلة هنا فى ( الاسكندرية ) حيث القدرة على إدراك المور وتقييمها
    فى اسكندرية / كنت بأقدر أمسك الخيط من أوله
    لكن المجال الذى تبرز فيه قوة الذات الحقيقية تمثلت فى قدرته على الغناء
    (حامد) يجيب ورق السجاير ..يقطَّعه ..
    ويرفّعه ..
    فوق الشفايف يبقى " ناي "
    ما احناش غناى ..
    لكن بنقدر كل ليلة نفرَّح القلب الحزين ،
    ( أهل الهوى يا ليل فاتوا مضـاجعهم
    واتجمَّعـوا يا ليل صحبة وانا معهم)
    ويلاحظ أن الليل هو مصدر السعادة ، وأن الغناء فى حد ذاته هو ميراثه الشعري الذى يستطيع به أن يواجه خوفه من الزمان ، والغناء هو زاده فى مواجهة هذه التقلبات :
    والغنيوة / امى قالت لى
    لما الدنيا حواليك تطربق ، غني
    ولما هدومك من شد الريح تتخربق غني [فتافيت صـ46 ]
    وتماثل هذه الفكرة – على مستوى التوازى النصى – فكرة الخلود بالشعر فى مواجهة صد المحبوبة ، والتى تطورت بشكل لافت فى القصيدة المدحية عند أبى تمام والبحترى . ورغم أن المقطع السابق قد يحمل إجابات لكثير من الجوابات التى أطلقها فى القسم الأول من القصيدة غلا انه فى القسم الثانى لم يؤكد حرصه على شيء إلا على الجزء الذى يحفظ له الأغنية / القصيدة :
    باتمنّى لو سن القلم يفضل بعيدعن وش الورق
    لكن لإمتى القلب يحبس دمعته ؟
    دى شمعته .. [ ص65 ]
    الدلالة الثالثة : أن يقدم الأعذار التى تعمل على عدم المقاومة
    تعلى بيوت ..تحجب عن عيوني الفضا
    يعلى شجر .. يحجب عن عيونى القمر
    يعلى النهار ...
    أحتل دورى في طابور الانتظار .. [ ص25 ]
    هذا هو المستوى الذى شكذل علاقة الراوى بالزمن السردي ، أما على مستوى علاقة الراوى بالمكان ن فإن الشاعر فى هذا الديوان لا يتمثل أماكن النصر ويعرض عن أماكن الهزيمة كما يفعل الشاعر الجاهلى ، إنما يتمثل المكان الذى تحققت فيه الهزيمة مشفوعة بعذر ، على نحو ما فعل فى " الزعفرانة " وتبدو الدلالة المكانية هنا مزدوجة مرة عندما تمهد لخاتمة القصيدة – على نحو ما سنوضح لاحقا – ومرة ثانية عندما يكون هذا المكان الذى شهد موت البطل هو مكان تثبيط الهمم ، لكننا نعلم كذلك أن المعركة لم تنته بل تحققت بالنصر بعد موت البطل :
    مات الكبير اللى اشتكى صبره زمانه وما اشتكى
    " محفوظ عزب .. قائد سريتنا .. بكى
    وبكى الجميع
    لا سلاح في إيدك ..ولا جماهير تهتف لك
    وغيب عن المهزلة اللى جاية أشرف لك [ ص32]
    لكن الحقيقة أن الراوى / البطل على مستوى معركته لم يغب ، بل حاول أن يصل الحبل مع المحبوبة ، لأنه - من وجهة نظره – صاحب جنتها ، وهو ما يذكرنا بقصيدة الأعشى :
    صدرت هريرة عنّا ما تكلمنا جهلا بأم خليد ، حبل من تصل ؟
    والاستفهام التعجبى الاستنكارى يماثل الموجود فى الديوان
    بين السما والأرض موجودة انت دلوقتي ف مكان ..
    طب هوّ فين ؟؟!! [ ص24 ]
    يمكن أن نقول إجمالا أن الجزء الأول من القصيدة من المقطع الأول وحتى نهاية المقطع الحادى والعشرين لا تتنامى فيه الأحداث تصاعديا ، إنما ينطلق من مركز واحد هو السارد الحاضر الذى يستعيد ذاكرته عن طريق أساليب استفهامية أنفة الذكر ، أو أن يقدم وصفا استقصائيا على طول المقاطع السردية ، كما أن السارد يمتلك بعض المؤشرات اللغوية التى ينطلق مناه ويعود كما فى قوله
    - والشمس فى قلب السما متسمرة ( المقطع الثانى )
    - ما أعرفشى ليه لما الزمان يضحك باخاف ( على امتداد القصيدة )
    - 4 –
    إذا انتقلنا إلى الجزء الثانى من القصيدة ، والخاص بالناقة ، نجد أن الشاعر ترك كل التراث الطللى ، واتخذ منه النموذج المتفرد ، أعنى به النموذج الذى يحاور فيه الشاعر الناقة ، وهو ما لم يتحقق إلا فى قصيدتين اثنتين فقط للمتلمس الضبعي والمثقب الالعبدي ، ونونية الأخير منها هذه الأبيات :
    أخالهم قبل بينك متعبينى ومنعك ماسألت كأن تبيني
    إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين
    تقول إذا دارت لها وضينى أهذا دينه أبدا ودينى
    أكل الدهر حل وارتحال أما يبقى علىّ ولا يقيني
    وقد أخلص الشاعر لهذا النموذج على عدة مستويات ، على مستوى الحوارمع الناقة ، هو ما يسميه صلاح عبدالصبور بحوار الكائنات مع احتفاظه للناقة الأنثى بصفات ذكورية كما يتضح فى المقطع الثاني والعشرين :
    " يا ناقتي في ضلام الليل دِلّى بى
    نحو الحبايب أطفي النار دى اللى بى
    شديت على بكر باتع .. قلت يجرى بى
    رمى حموله علىّ ..
    والتفت قال لى :
    أنا اعذر اللى ما يعرفش تجاريبى " [ ص45 ]
    ويهمنا فى إطار البنية السردية – أن نشير إلى أن الراوي فى المقطع الأول أوجد له مروى له متحقق نصيا أشبه بما يطلق عليه البلاغيون التجريد ويمثلون له بالرجل فى مطلع قصيدة "ودّع هريرة " إلى مروى له آخر ( الناقة ) بحيث تتحول الذات إلى ناقة ، والناقة إلى الذات ، أى تكون – كما يقول جابر عصفور – فاعلا للتأمل ومفعولا له فى آن " 10 " .
    ومع أن هذا القسم لا يحتل مساحة مكانية فى النص لكنه غنى بالدلالات ، فالناقة تحمله بوصفها دليلا فى ( ضلام الليل ) الذى هو سر أزمته مع الزمن ، كما أن دلالة الركوب - دلاليا – توظف مع الأمور العظام " ركب مركبا صعبا .. ، وهو ما هيأ الشاعر للانتقال إلى القسم الثالث بوصفه رسالة لكل من يركب هذه الأمور الصعاب ، أى أنه سيختار فى القسم الثالث ( شكل الرسالة ) ، ويتحول الراوى بوصفه حامل لواء المظلومين بخطابه السردي إلى كل الذين ركبوا المركب الصعب ، وأبرز من اقتحم لجج الهوى / البحر ، هو " سنتياجو " .. بطل العجوز والبحر ، وبالتالى فإن مصير سنتياجو والشاعر واحد ، طالما أنهما لا يملكان أدوات هذا الولوج :
    قلبك حصان شارد
    وعقلك يلجمك
    هذه الخيول الشاردة لا تحقق له الحماية من ضلام الليل ومن قهر البعاد وتجربة كتاب العشق تكشف عن ذلك ، فسعاد لا يمكن الوصول إليها إلا بالجياد المراسيل
    أمست سعاد بأرض لا يبلغها إلا العتاق النجيات المراسيل
    هذا هو الفرس رفيق الشاعر تراثيا وعلى مستوى النص الحالى ، ومثله الحمام أو القطا الذى ينغمش القلب الطالع على المعاش ، لكن يبقى عذر الراوى فى مجيء " أمور لا تطاق كبار " وهو ما مهد لهذه النهاية السريعة لمن يندرج تحت لواء المظلومين ... لا شيء أنا الذى أوغلت بعيدا ..
    الإحالات المرجعية
    ************
    صدر الديوان عن سلسلة أصوات معاصرة ( العدد 197 ) دار الإسلام للطباعة والنشر ، مصر 2007 وذيلت بدراسة لـ / محمود الديدامونى عنوانها .. عطر الفضفضة فى ديوان قلب طالع ع المعاش
    صدر عن مركز نهر النيل للنشر والتوزيع بالزقازيق 2008
    الديوان قيد الطبع بالهيئة العامة للكتاب وذيل بدراسة للأستاذ سمير الفيل وعنوانها ( عذابات المحارب القديم مرثية جيل وترنيمة مرحلة ..
    أحمد يوسف على ، أحلام بسيطة فى زمن صعب ، مقدمة ديوان ط الروح اللى طلعت النهارده " .. لعزت إبراهيم
    أنا مدين بهذا التوجه لأستاذى الدكتور أحمد يوسف على
    رغم كثرة ما كتب عن السرد الشعرى ..إلا أن هناك خلطا واضحا فى كثير من المصطلحات ، والدراسة مدينة بالكثير لما أنجزته الدكتورة بدر محمد فى دراستها عن ط السرد فى دواوين شعراء المعلقات .. وهى فى الأصل رسالة دكتوراه تحت إشراف الأستاذين (د. حسين نصار – د. سليمان العطار )
    راجع فى ذلك حسن البنا عز الدين – الكلمات والأشياء – دار المناهل – بيروت
    راجع أحمد درويش ، تقنيات الفن القصصى عبر الراوى والحاكى
    راجع بدر محمد ن السرد فى دواوين شعراء المعلقات ، مرجع سابق
    جابر عصفور ، غواية الذات – كتاب العربى – الكويت – 2005 ص85




    (2)
    قراءة أولى فى ديوان " وهذا اقرار منى بذلك
    د.إبراهيم عبد العزيز
    علاء عيسى صوت شعرى له حضوره فى المحافل الأدبية ، أصدر عدداً من الدواوين هى " العزف على أوتار ممزقة ـ 1999م) ، وديوان ( عفواً سقط العنوان سهواً 2002م)
    وديوان " خيانةـ2005) ، ثم نشر الديوان موضع القراءة ( وهذا إقرار منى بذلك )ـ2007م) وهذا الترتيب التاريخى لإصداراته وخروجها عن سلاسل ذات طابع إقليمى مثل ( إقليم شرق الدلتا ـ خيول أدبية ) بالإضافة إلى سلسلة ( أصوات معاصرة ) ، يؤكد معنى الحضور الذى أشرت إليه .
    واللافت فى عنوان ديوانه الأخير ( وهذا إقرار منى بذلك ) أنه لا يحمل أحد عناوين قصائده ؟ أعنى تلك السمة العامة عند الشعراء وكتاب القصة القصيرة فى جعل إحدى القصائد أو القصص علماً على اسم العمل الإبداعى كله ، وإذا كان هذا هو السياق الغالب فإن مخالفته ـ لاشك ـ ذات دلالة ، فما دلالته ؟
    تشير هذه المخالفة ـ فى تقديرى ـ إلى أن الشاعر يرى إمكانية أن يقرأ ديوانه دفعة واحدة ؛ لأنه يحمل وحدة نصية ما ، لكننا ـ نحترس قليلاً ـ إزاء هذا التصدير الذى سبق قصائد الديوان المسمى ( إقرار ) ، يقول الشاعر : إقرار
    دوَّرى ف كل القصايد
    هاتلاقينى كاتبها ليكى
    كل حرف ف شعرى ساجد
    للجمال اللى ف عنيكى
    المقر بما فيه
    واحد واخد على خاطره
    ويلفت الانتباه هنا أمران ؟ الأول هذا التوقيع الممهور بعبارة ( واحد واخد على خاطره ) ، وهو ما يحيلنا إلى عنوان القصيدة الأولى فى الديوان ، ولسنا فى مجال البحث عن مقصدية الشاعر حتى نحكم بأنه قد احتار بين عنوانين لديوانه ( وهذا إقرار منى بذلك ) و ( واحد واخد على خاطره ) ، لكننا نستطيع أن نلمح من خلال هذا التصدير هذا الإلحاح على تطابق العنوانين ، يدعم ذلك التركيب النحوى لهما ، فهما جملتان اسميتان يحملان بنية التأكيد ، فالذى يأخذ على خاطره من شيء ما ، هو يحمل ( إقراراَ ) بأن شيئاَ ما به خلل ، غاية القول إن هذا التطابق بين العنوانين ، هو ـ بصورة ما ـ إلحاح على الوحدة النصية فى ديوانه .
    الأمر الثانى هى حقيقة ( كاف الخطاب ) فى هذا التصدير ( ليكى / عنيكى ) ، وهى الكاف التى تمثل ( الآخر ) على امتداد ديوانه ، ، فهل هذه الكاف دالة على الوطن أم على المحبوبة ، وكلاهما احتل حيزاً من الديوان أم هى المحبوبة / الوطن ؟ يكشف الديوان لنا عن أن هذه الكاف هى ( المحبوبة / الوطن ) ، فكلاهما معادل موضوعى للآخر ، فهو يعانى من الوطن الذى يعطيه ما بوسعه ولكن هذا الوطن يقابله بجفاء ونكران لحقيقة ما يقدم :
    أنا الطيب يا ست الناس / مش الشرير !طأنا الشمعة اللى قادتلك طريقك نور
    وانا اللى وعدى كان ليكى صريح جداً
    وكان على نور
    وفى الآخر ... / أنا الغلطان
    عشان باوعد وكان وعدى على أدى
    أكون غلطان (صـ 10 )
    كما يعانى من المحبوبة التى تخلف المواعيد ، وتغير الحقائق بحيث يصير هو الآخر
    (الغلطان ) فى إدراك حقيقة الزمن على نحو ما صور فى قصيدة ( بكرة) .
    إنتى قصدك أى بكرة ؟!
    بكرة داللى عدَّى منك والا بكرة اللى ماجاش ؟
    قلبى ياما قاسى منك شاف حاجات مابينسهاش ( صــ82ـ83 )
    والسؤال الذى يمكن أن يطرح نفسه أين تكمن هذه الوحدة النصية فى الديوان ؟ بعبارة أخرى : الإقرار بماذا فى الديوان ؟
    يتكون الدوان من إحدى عشرة قصيدة جاءت على النحو التالى ( واحد واخد على خاطره ـ عشرة طاولة ـ أم القلب النونو ـ آلو ـ بانوراما ثورية ـ عيبك ـ خليك رى لاكس ـ بكرة ـ مافكرتيش ـ مش على حد ـ منها ولها )
    وبداية فإننى أستبعد قصيدة ( بانوراما ثورية ) من دائرة البحث لأسباب كثيرة ، منها الضعف الفنى فى القصيدة ، فهى معارضة باهتة ـ عن جاز التعبير ـ لأغنية (نبتدى منين الحكاية ) لمحمد حمزة التى تغنى بها عبد الحليم حافظ ، ولا يشفع لها تذييل بمناسبة اليوبيل الذهبى لثورة يوليو 2002 م ) ، فهذا أمر يسأل عنه مانحو الجوائز. يضاف إلى الضعف الفنى اشتمالها على مغالطات تاريخية لا يمكن أن تقبل نحو :
    الملك
    يومها حس الكل كارهه
    والحبايب لانجليز اتخلوا عنه
    يوم وليلة .. مصر عادت جمهورية ( صـ60 )
    ولم تعلمنا كتب التاريخ والجغرافيا والأدب مثل هذا الكلام ، وتاريخ قصيدته يوحى بأن الشاعر كان بإمكانه وهو يعد ديوان ( خيانة ) لنشر أن يضمنه إياها ، لكنه تراجع ، ثم عاوده الحنين إلى هذه ( البانوراما ) فنشرها هنا ، ولا أملك تفسيراً إزاء ذلك اللهم إلا القول برغبة الشاعر فى أن يبرز حضوره بوصفه ( شاعر أغنية ) ، وهو بالفعل يملك هذا الحس يشهد على ذلك ما قدمه فى ديوانه ( عفواً سقط العنوان سهواً ) ، لكن إجادته الحقيقية تتمثل فى قصائده الطوال ( خيانة ـ عشرة طاولة ـ واحد واخد على خاطره ) .
    نحن إذن ـ أمام عشرة قصائد تتمثل " إقرار لواقع اجتماعى معيش يحيط بالشاعر ، ويحمل ـ من وجهة نظره ـ خللاً فى نسق قيمه ،يضع فيها الشاعر يده على أزمة طبقة اجتماعية بأشكالها المختلفة من خلال وعيه بهذا الحاضر لكنه لا يتجاوزه إلى استشراف آفاق أرحب هو ما يسمى بـ ( الوعى الممكن ) ؟ لأننا إزاء إبداع بالسلب يدرك المشكلة لكنه لا يضع حلولاً لها ، هذه الحلول التى تمثل ( أبعاد الرؤية ) .
    فى ضوء ما سبق يمكننا أن ندرج كل نتاج علاء عيسى وليس هذا الديوان فقط تحت هذا المفهوم / الاقرار ) ، فالنقد الاجتماعى للواقع فى قصيدة ( خليك رى لاكس ) والذى يمكن أن نمثل له بهذا المقطع عن ( أزمة الغش فى الامتحانات ) :
    وان رحت اللجنة وشفت الغش
    إديله قفاك م الحر ونش
    لتاخد لك " مطوة " تصيب الوش
    وتقضى سنين العمر حزين ( صـ77 )
    مثل هذا النقد الاجتماعى هو ذاتهالموجود فى دواوينه السابقة مثل قصيدة ( لو حصل ماتسألشى ) فى ديوان عفواً سقط العنوان سهواً ، يقول :
    لو حصل / وتلقى واد بيتقصَّع
    ورافع إيده بالمحمول / وراكب بودره يدَّلع
    وراجل ع الطريق مقتول
    وتقرا الصبح فى الأخبار
    دى حادثة والسبب مجهول
    ما تسألشى ( صـ14 )
    إنه نوع من رصد القيم السلبية للمجتمع ، لكن هل تتطلع هذه الرؤية من مجاوزة ( الذات الفردية ) إلى موقف جمعى ، وهل فى هذا الاتحاد استشراف لعالم أكثر سعة ، هذا ما تصنعه الرؤة الحقة للمبدع ، وما يحتاجه علاء عيسى وهو يقر بهذا الواقع ، وإذا أردت مثالاً على ذلك فانظر إلى وعى الشاعر بما يملكه من سلاح هو أداته لهذا العالم الرحب ، أعنى الشعر ، فالشعر ظل عبر تاريخه يحمل فكرة الكلمة / السيف التى يواجه بها كل القوى العاتية ، أليس هذا هو المعنى الذى يقول به فاروق شوشة :
    لم تهزمى ياكلمة تطوف قلب جيلنا
    وطلقة بحجم ثارنا وعارنا
    وصيحة تقفز من ضلوعنا
    لم تهزمى ياكلمة أسلمها الأجداد للأبناء
    مروية بالكبرياء / مسقية الحروف بالدماء
    هذا هو المأمول من الكلمة / السيف ، أما علاء عيسى بقيمة الكلمة فلم يتعد غايات مادية صورها فى ( عشرة طاولة ) :
    منهم لله / الناس فى الدار / وولاد الكار
    قالولى الشعر ف مصر يأكَّل عيش
    فى كياس
    ويلبس هدمة نضيفة وأحلى مداس
    منهم لله / ولاد الناس / ييجوا يشوفوا الشاعر
    عايش بالتسليف / الشاعر أكله وشربه شوية تصقيف
    شى الله يامثقف ( صـ25ـ26)
    ومن ثم فإن دائرة تأثيره لا تتعدى الأفراد الذين أدركتهم حرفة الأدب أو بتعبر واحد من الشعراء " نعى الغلابة لبعضهم ) "1"
    وما قدمته فى حديثى عن الرؤية يجب أن لا يفصلنا عن (الأداة ) من جرس إيقاع وصور ودلالات ( تقر ) بتطور طبيعى عند الشاعر ، اعتمد ـ وما ذال ـ على قوة الجرس الموسيقى فى القصيدة ، والذى يكتمل بإلقاء علاء عيسى نفسه لهذه القصائد ، كأنه كتب ليلقى ، وانظر مثالاً على ذلك هذه الكثرة المفرطة فى " كاف الخطاب "
    فى المقطع الأول من ( واحد واخد على خاطره ) ، ثم هذه الصور المتنوعة ـ وان بدت جذئية ـ لكنها تشكل جذءاً من النص وخاصة فى قصيدته ( واحد واخد على خاطره ، عشرة طاولة ) ، وهذا ماكنت أقصده بإيجادة علاء فى القصائد الطوال التى تبعده عن التلقائية المباشرة ، وعلى مستوى الدلالة يكفى أن نذكر فكرة قصيدة عشرة طاولة وارتباطها ودلالتها بفكرة ( المقهى / الثقافة ) ، وارتباط المقهى بالثقافة شيء معروف فى تاريخ أدبنا الحديث فقد " أجمعت أقلام المستشرقين والرحالة على تقديم المقهى بوصفه أحد أهم أركان الاجتماعية والثقافة المصرية ؛ بحيث رسموا له صورة تقدمه مراراً لحركة الحياة ، مكاناً ليس فاصلاً تماماً بين الحياة العامة والخاصة لرواده ، وهى صورة تكشف فى طياتها عن البعد الوظيفى للمقهى " "2"
    هذه المدارات هى التى آل عليها علاء عيسى منذ مطلع القصيدة .
    الدنيا دواير
    جوة دواير من حواليك
    والناس بتدور فى دواير
    دايرة بتخنق فيك صـ24
    ومن خلال هذه الدواير يدير علاء عيسى نصه الشعرى فى إطار سردى يكشف عن شاعر يطور من أدواته باستمرار ، وينتظر منه المزيد بإذن الله
    د. إبراهيم عبد العزيز
    ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
    المراجع
    1: الإشارة لديوان " نعى الغلابة لبعضهم " للشاعر على عبد العزيز ، سلسلة إبداع الحرية (32) دار الاسلام للطباعة ، المنصورة ، 2005 م
    2: مصطفى الضبع ، المقهى فى الرواية العربية ، مجلة الدراسات العربية ، كلية دار العلوم ، جامعة المنيا ع 8 ، يونيو 2003 م . صـ526 ـ527

    جغرافيا التقزيم الجبرى
    قراءة فى ديوان محمد السيد سليمان
    بقلم / محمود الديدامونى

    " الشعر ضرورة .. وآه لو أعرف لماذا ؟" . بهذه العبارة الجميلة عبر جان كوكتو عن ضرورة الفن .
    لكن هناك رأيا آخر عبر عنه المصور موندريان ذلك المصور الهولندى الذى اشتهر برسوماته التجريدية ذات الأشكال الهندسية ، معتمدة على الخطوط المتقاطعة وحدها .. حيث يرى أن الفن بديل للحياة ، ووسيلة لإيجاد التوازن بين الإنسان والعالم الذى يعيش فيه ، وحتى هذا أمر مستبعد حتى فى أرقى أشكال المجتمع .
    ولست هنا فى هذه القراءة أحاول تحديد ماهية الفن ودوره ، بل البحث عن مدخل نظرى لدراسة تطبيقية حول ديوان ( جغرافيا التقزيم الجبرى ) للشاعر محمد السيد سليمان ، مؤكدا على أنه كفرد يسعى دائما للاكتمال ، فليس من طبيعة الإنسان أن يكون فردا مجردا ، ولو كان كذلك لما كان لهذه الرغبة نحو الاكتمال معنى ولا مضمون ، لأن الإنسان الفرد فى هذه الحالة " كلا " قائما بذاته ، كلا مكتملا ، يحوى كل ما يستطيع أن يكونه ، ولما كانت الرغبة لدى الإنسان فى الزيادة والاكتمال ، فدليل على أنه أكثر من مجرد فرد ، له تجاربه ومستفيدا أيضا من تجارب الآخرين ، مطوعا فى ذلك الشعر لخدمة تلك التجارب الإنسانية . " 1 " ضرورة الفن لأرنست فيشر
    ولعل تناولنا للديوان سوف يكون مقصورا على حتمية الكتابة وركائز التجربة الإبداعية التى انطلق منها هذا الديوان تحديدا .
    وقبل الولوج إلى النص الشعرى كان من الضرورى البحث فى دلالة العنوان ( جغرافيا التقزيم الجبرى ) فهو من العناوين المركبة مثله مثل معظم العناوين الموجودة داخل الديوان التى كانت لافتة للنظر بشكل كبير مثل ( روبابيكيا الأعراف العرقية – سنوغرافيا الأفلام الهابطة – سكرات التغريب النفسى –شيزوفرينيا – لوغاريتم التخنيث التسيسى ) . ألستم معى فى أن العناوين لافتة للانتباه ؟ لغرائبيتها وحداثتها ، وكونها جملا مركبة .
    لماذا هذا العنوان ؟ هذا أول ما يبزغ إلى الذهن النقدى دائما ، كون العنوان غالبا هو أحد المرتكزات المهمة لقراءة النص باعتبار أنه عتبة النص ، الذى ننطلق منه لفك مغاليق وشفرات النص الشعرى أو الأدبى بصفة عامة .
    جغرافيا : -
    هى كلمة تعنى - بعيدا عن التعريفات الدقيقة بالنسبة للمتلقى – تلك المساحة المتخيّلة من دراستنا لعلم الجغرافيا من تقسيمات مكانية للكون ( تضاريس – مناخ .....الخ )وبدقة أكثر هنا فى هذا الديوان هى المساحات الجغرافية القومية ، أى التقسيمات على أساس من العرق والجنس واللغة بل والقومية ، إنها جغرافيا الوطن الأكبر مكانيا وسكانيا واقتصاديا واجتماعيا .. الجغرافيا بمعناها الواسع فى إطار الحيز المقصود .
    التقزيم :-
    وهى كلمة دالة على أن هناك كيانا كبيرا موجود بالفعل أو كان موجودا ، ثم تحول هذا الكيان إلى قزم من الأقزام ، وهذا بالطبع يضع أيدينا على كون وجود فاعل وراء محاولات التقزيم هذه .
    وهذا أمر واقع بتقسيم الوطن الكبير إلى أوطان صغيرة متشرذمة ، تملك كل واحدة منهاعصبيتها ، غير مندمجة فى الكيان الكبير إلا على أساس من عنصر وحيد مهمش ، وهو هنا اللغة .
    الجبرى : -
    وهنا يوضح الشاعر الآلية التى تتم بها عملية التقزيم ، حيث يقر بجبريتها ، ولا يكون الإجبار إلا فى وجه ضعف ، ولندخل للنص سريعا لنرى حقيقة الرؤية وحتمية التجربة ودلالة العنوان كلا مكتملا ، غير منفصل عن بقية العناصر .. كما أود أن لا يفهمنى أحد بتعمدى للتفكيكية فى معرفة دلالة العنوان ، حيث لا ترغمنى مدرسة أو اتجاه ، بل هى محاولة للفهم ، قائمة على إفادة من كل المدارس والاتجاهات ، فليس ثمة اتجاه يقبل الثبات أو لا يقبل النقد .
    الليل بينام ..
    على حجر الشمس المستنية شروق
    لو بينّا فروق ..
    ف البصمة وطول القامة وجنس ونوع
    أو ف المشروع الممنوع م الصرف
    راح يبقى العرف السايد فينا ..
    التقسيم " 2 " جغرافيا التقزيم الجبرىالديوان
    وهنا فى هذا المقطع تتجلى للمتلقى الدلالة والقصد ، وهو هنا فى مخاطبته إنما يخاطب أبناء قوميته ، أهله – أيا كانوا هم ..
    ولنذهب لقصيدة أخرى لنرى دلالالة العنوان لهذا النص ليتسنى لنا التعرف على فلسفة الكاتب فى اختيار عناوين نصوصه ، باعتبار ذلك سمة من سمات الكتابة عنده ، فنجد عنوانا " روبابيكيا الأعراف العرقية " والتركيز هنا على العنوان من جانبى للبحث عن بعض مغاليق النص عند الشاعر ومقاربة للفهم لهذه النصوص ودلالاتها ، فمن الملاحظ أن الشاعر يستخدم مفردات عادية جدا لكنه يحدث بين مفرداتها تجنيسا وتركيبا يؤدى إلى رؤيته هو محددا القصد من نصه الشعرى حتى لا يختلط الأمر على المتلقي ، فمثلا كما سبق وأشرت إلى تقطيع العنوان الخاص بعنوان الديوان ، ننهج نفس المنهج للبحث عن الدلالة هنا فنجد " روبابيكيا – الأعراف – العرقية " جملة مكونة من ثلاث كلمات تحمل كل كلمة دلالة معينة ، لكنها فى النهاية تكون جسدا جديدا يحمل دلالة أخرى مغايرة لمجموع الدلالات ، متخذا بعض سمات الكلمة ، وكذلك فى عنوان " لوغاريتم – التخنيث – التسيسي " وهى اشتقاقات اشتقها الشاعر ليدل على موقف سياسي ورؤية ما من الواقع الاجتماعى والسياسي المعيش ، وهذا يدفعنا للحديث عن طبيعة الشعر السياسي ودور الشاعر فى تشكيل الوجدان الاجتماعى والسياسي للمتلقي ، والتى يحتاج الناقد فيها لوقت آخر ولمجال آخر لتغطية هذا الجانب من التجربة الإبداعية للشاعر ، ونذهب بقليل من التحليل لقصيدة روبابيكيا الأعراف العرقية لندرك طبيعة الكتابة عند الشاعر محمد السيد سليمان ، حيث تبزغ قدرته على التهكم والسخرية من كل ما يعبر عنه ، يبدأ قائلا :
    الشىء الأسهل
    تدخل ف مسام الجلد وتتوغل
    ماسا ممسوسا
    تتمطى الأحلام الوردية عبوسا
    تفتحنى زاوية منفرجة
    180 درجة تحت الصفر المتحرك
    غربا وجنوبا أفقى وعمودى
    منفصلا مسترسل
    أو من تحت بطاط الأرض
    مجازا موجوزا
    أرى
    جوزا
    يشتبكان
    ف معارك غير متكافئة
    يمتزجان
    ف كيان أوحد
    أرجوزا
    أرعن يتأبجد
    حسب الأجواء المناخية
    أمطارا وصواعق شتى
    تتأتى م الباب الخلفي
    لمسامط روبابيكيا الأعراف العرقية
    جملة اعتراضية –
    هوه الواحد منّا
    ف شريعة الخاكان الأعظم
    يسوا له كام ...؟؟
    نقطة
    علامات استفهام ؟؟؟؟؟؟
    اختار الإجابات الأنسب
    من بين الأبناط المرصوصة
    ف صحيفة دفن الموتى اليومية
    ويدخل الشاعر من تلك الرؤية وهذه الصورة الدالة التى يقول فيها:
    الريح غربية مثيرة للذرات
    الخانقة جميع الأشياء
    من جوف الأشلاء
    والملاحظ إصرار الشاعر على توضيح ماهية هذا الجو وهذا العالم ، وأننا فى مشاهداتنا بصدد روبابيكيا وأشلاء يحدث معها كل هذا التفاعل وتلك الحركة المستمرة
    ينز الدم حياة
    ترابيس الأفواه
    تتلأ لأ فى جنبات الليل نجوما
    أو بوما
    ف الطرقات العنكبوتية الهشة
    الصبر منشة
    تهش الطير الزاحف من بركات
    التطبيع العشوائي
    ثم ينتقل من تلك الصورة التى تحمل رؤية سياسية فى سلاسة وهدوء وبطريقة تعبر عن هيستريا الموقف فيقول :
    بعتر أوراقك ف أوراقى
    تلعب كوتشينة لحد أدان الفجر
    اللى ماهوش باين له تباشير
    من شقف الزير
    تتساقط قطرات الماء
    تبلل وجه الأرض دموعا
    مفردات حاكمة : -
    من القاموس الشعرى للشاعر تطفو على السطح بعض المفردات المؤثرة فى البناء الدلالى للنص الشعرى عند شاعرنا محمد سليمان ، فلو أحصينا مثلا كلمة الخوف فى الديوان لوجدناها تقارب فى كل قصيدة مرتين على الأقل ، إن لم تكن مفردة حاكمة أيضا على بعض المفردات الأخرى المرادفة أيضا لها فى بعض القصائد ،( ومفردة الصبر ، والصمت ، والشرنقة ، والرهبة ، والقلق ، والمكبوت ، والأوهام ، وتتآمر ، والأقزام ، وسراب ، وتابوت ، وقبر، النخاسة ، استكانة ....الخ ) .
    ومن قصيدة " الوصايا " "3 " الديوان ص28 يقول : -
    إياك يابنى ف وسط العامة تستعمى
    يطرشك الصمت اللى مخيش ف الشفة
    اتعلم حرفة فك اللوغاريتمات ..
    الطابقة على الأنفاس
    اطلع م الشق بلأ الرافضة للعيب
    الخوف لعيب بيسرطن جين التراكيب
    وبيعمل منك تمثال قابل للمط
    إوعاك تتلط تتطاطى زى نعام الرمل
    من عرق النمل اتمضمض بل الريق
    الفقر صديق ما بيتخلاش عن صاحبه
    ويستمر الشاعر بهذا القاموس اللغوى فى بث رؤاه وأفكاره ووصاياه التى تبعث على المقاومة وتضع الإبن دائما محملا بالتركة الصعبة ، مكتفيا هنا الأب بسلطة توجيه الوصية التى يرى فيها حكمته وقدرته على أن يوجه جيلا آخر ، من خلال وصاياه التى لا تنضب ولا تنتهى ، وإن كنت أرى الأب هنا على إطلاقه ضحية أو مشاركا فيما وصل إليه حال التركة .. بما تحمله من مرارة الحدث ، وحتمية المواجهة والصمود .
    ولنا أن نتخيل هذه الصورة بما تحمله من مفردات فى قصيدته ( تل الكلام ) .
    تل الكلام من شفتينك نز
    وكأن الكلام تكوم بعضه على بعض ليكون فى النهاية تلا ينز شيئا فشيئا ، وهنا تبزغ عوالم الحزن والأسى ، وكم كانت كلمة ( نز ) معبرة تماما على بطء حركة الفضفضة رغم أنها تجيء من تل للكلام والهموم ، فيهتز كل شيء داخل الشاعر فتخرج حروفه متقطعة ، تخرج مندمجة فى ذبذبات الصوت ، فتطمس المعانى ، وتصبح غير معبرة وغير حية ، يصبح ذلك كله منعكسا على روح الشاعر الذى يتحرك مثل دودة قز ، تلك الحركة البطيئة للغاية ، ورغم ذلك ينسج من خيوط الحبيبة شرنقات للموت ( تابوت ) .
    تل الكلام من شفتينك نز
    سقّط حروفه ف ذبذبات الصوت
    طمس المعانى فوق سطورك هز ..
    يونس وقبله هز جوف الحوت
    وأنا اللى داير زى دودة قز
    تنسج خيوطك شرنقاتي تابوت. " 4 " الديوان ص5

    الموروث وتوظيفه فى الديوان : -
    من خلال فهمى للأدب ونظرياته النقدية ، تتبدى أمام عينى حقيقة أن الشاعر يظل متجادلا مع نفسه ، وواقعه ، محاولا إعادة صياغة الذات والواقع والمتلقى بنصه ، من خلال صياغة متجددة ، ولا يختلف الشاعر إلا بأدوات شعريته وتشكيل نصه ورؤيته ، إذ يتحول الحق عنده إلى حقيقة ، والخير إلى تحقيق الرفاهية ، وتعرية الفوضى والسلبيات والمعوقات ..
    الخوف مش طبعك .. بقى طبعك
    وصوابعك .. مش هيه صوابعك
    قرطمها الشلل الرعاش
    ما بقاش لضوافرك خرباش
    تتهرش بيه ساعة الزنقة
    أحلامك كنكة بتمدد بالصهد الذاتى
    ما تكونش
    زى حالاتى فلاتى بكاش
    حوليك لحناش وإحناش لحناش
    والسحرة ... وعصاية موسى السحرية
    ماذا يريد أن يقدم الشاعر هنا للمتلقى ، إنه يحاول إعادة صياغة التراث من جديد ، من خلال تعرية للذات وللواقع ولعل ما أشار إليه الشاعر يؤكد على أن التراث هنا جاء فى بنية النص الشعرى بل فى بنية الشاعر النفسية والاجتماعية والعقائدية .
    ولنذهب لمنطقة أخرى استطاع فيها الشاعر أن يوظف موروثنا الغنائي الشعبي ، كما جاء فى قصيدة ( بهية ) فيقول : -
    دثرينى
    دثرينى
    طيف ياسينك لاح ف عيني
    واللى ما بينك وبينى
    بحر مالح
    والشطوط ناشفين قوالح
    زى ريقى وأنت لسه الخوف عميكي
    عن وجودى
    لو تجودى بيا جودى
    هذه هى العلاقة بين الشاعر وبين المحبوبة ( الوطن ) مبتدئا فى مناجاتها بكلمة من التراث الدينى الإسلامي وذلك الأمر الجلل الذى ألم بالشاعر متناص فى ذلك مع قصة نزول القرآن على رسولنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
    من ذلك نجد أن التراث خصيصة جوهرية تتوظف تلقائيا داخل النص ، عبر تناص موظف من الشاعر بطريقة توضح فهما جيدا للتراث ، فالشاعر يهيئ المتلقى لاستقبال رؤاه وفكره .
    الديوان ينفتح على قراءات عدة ، ويقدم لنا شاعرا جميلا يعى حقيقة الإبداع ، ويؤمن بمشاركة المتلقى فى بناء النص الأدبى

    -2-
    سحابة حسين منصور
    من الإهداء تتجلى معالم كثيرة لدى المتلقى لشعر حسين منصور فى ديوانه الثاني ( سحابة ) حيث صدر للشاعر ديوانا قبل هذا الديوان بعنوان ( خفافيش ) ، والإهداء إلى الفلاح المصري الفصيح ، فيقول " لك وحدك أهديك بوحي" وفيه تتضح العلاقة الحميمة بين الشاعر وهذا الفلاح الذي يبوح له ويبوح عنه أيضا ، وكأنه واحد من هؤلاء الكادحين ، هو بالفعل واحد منهم يحمل فى قلبه وعقله وروحه هذا الميراث الكبير والضارب بجذوره فى تربة التاريخ الخصبة ، يحمل آلامه واماله ، فكان الإهداء مدخلا لذلك .
    ولندخل لعالم حسين فى البدء من خلال قصيدة " قلب الغلابة " التي يتماس فيها وروح الفلاح الفصيح فيقول :
    قلب الغلابة مات
    عشش في أركانه
    العنكبوت فارد
    وحّش بخيطانه
    رسم لوحده وظهر
    للخلق ألوانه
    وبالرغم من وهن الصورة المستخدمة للتعبير عن وهن الغلابة ومدى ما وصل إليه حالهم من تدهور وقهر إلا أنها صورة قد تدفعنا لتأويل يصبح فى صالح الصورة الشعرية والنص بصفة عامة باعتبار كل قراءة تحمل معها منطقها وأسبابها ، لعل ما قصده الشاعر حسين منصور هنا أن حتى أوهن الكائنات وما ينتجه من خيوط هى الأوهن على الإطلاق كما وصفها القرآن الكريم ، أصبح الغلابة أيضا غير قادرين على فك إسارها بل وأصبح فى نظرهم وحشا كاسرا يتلون حسبما شاء وأينما شاء ، مع ارتباط شرطى لقدرة هذا العنكبوت على الفعل والسيطرة مع السكات كما قال تحديدا :
    لابد كما المارد
    خراطيمه ورجولة
    تلسع ضهور السكات ..
    تصحي أبدانه
    لكن هل تصحو أبدان السكات بالفعل ، الصورة بالطبع تحتاج من الشاعر جهدا أكبر لتكون أكثر تماسكا وأكثر دلالة ، لأننى هنا صدمت بتلك الخراطيم التى تلسع ضهور السكات ، كيف ذلك وهذا الظالم العنكبوتى يريد السكات ديدنا للغلابة على الدوام .. ثم ينتقل الشاعر بإسلوب إنشائى مناديا الهم حاملا فى طيات هذا النداء تحريضا على الاستسلام لا المقاومة ، وموضحا فى طيات النداء أيضا أسباب الدعوة للاستسلام وهو موت العفة ، موضحا الحال الذى وصل إليه الغلبان على حد قوله فى مجتماعاتنا بطريقة ضمنية تعبر عن الأمراض الإجتماعية التى استشرت فى مجتمعنا فيقول :
    ياهم ليه تعترض
    اتغطى و إدّفه
    الأمر أصبح مرض
    وموت فينا العفة
    اعرف طريق الخطر
    وابعد بنا بيتك
    بخط ارخص قلم
    يلهف شقي قوتك
    هو الضعيف كده
    ينهان ويتعلق
    لو قال يا ناس مشكله
    ينداس ويتزهق
    ارسم خطوط الرضا
    بالكدب واتزوق
    وهنا محاولة من الشاعر لدفع هؤلاء الغلابة للنفاق الإجتماعي للوصول إلى الحد الأدنى من حقوقهم ، لكنه فى نقلة غريبة نقلنا إلى قصة أخرى عن ضرورة طلوع النهار ، وبزوغ الأمل ، فهل يعود نهار الغلابة الباسم ويبزغ أملهم فى الحياة بالمجاملة والنفاق ، أشياء كان من الواجب ان يفكر الشاعر فيها قليلا
    وامسح بايدك دمعتك
    مهما النهار عوق
    لازم يشق الضلام
    يرجع ومن تانى
    يمحى آلام الأنا
    تضحك ومن تانى
    اضحك وسيب ضحكتك
    تلمس نجوم الليل
    تغزل غناوى أمل
    محسوسة بالمواويل
    تبرق في عين حلمنا
    تمسح دموع الويل
    ثم يستمر الشاعر فى رسم حالة الفلاح ورضاه النفسي بالقليل وأمنياته البسيطة لارتباط وثيق بين هذا الفلاح وبين مجموعة القيم والدين ، اللذين يمدانه بالطاقة اللازمة على مواجهة آلام الواقع وصعوبات الحياة فيقول في قصيدة " عليها ضيوف " :
    آخر حلمه
    انه يلاقى لقمه عيشه
    أو يداره في هدمه نضيفه
    وانه في يوم ما يمد ايديه
    وانه جنب الحيط راح يمشى
    وانه حد ما يسمع صوته
    وان الحلم يعيش مستور
    ومن تلك الأمانى البسيطة المشروعة ينطلق بنا لمفردات غاية فى الخصوصية بالنسبة للفلاح وإلى صور تصب فى خدمة البناء الشعرى والإهداء الذى سبق الولوج منه لنصوص حسين منصور ، مفردات هذا العالم من قلل ، وخيش ، حصيرة ، جلاوين ....الخ
    يكفيه هدمه نضيفه
    وفرشه حصيره وشربه ميه
    مسند خيش
    وحته جبنه وعود جلاوين
    وصحن بصارة وبصله كبيرة
    ويا العيش من قلب الفرن
    ويستمر الشاعر فى توصيف حال الفلاح وأمنياته ، وعلاقته بكل تلك المفردات وحميمية العلاقة بينهما ، فتتبدى للقارئ العديد من الصور والتعابير التى تلفت الانتباه قد يعترض عليها للوهلة الأولى لكنها فى النهاية تخدم الغرض من القصيدة والفكرة ، التى تؤكد على ضرورة اللتزام بتلك الحياة فى الوقت الراهن من معاناة الإنسان فى الحصول على رغيف الخبز ، وهنا النداء بالعودة لذلك الوقت الذى يأكل فيه الفلاح من صنع يديه ، من فرنه على حد قول الشاعر فيقول هنا وفى نفس القصيدة أيضا :
    وحماره ينهق فاهم قصده
    احدفنى بعلفه
    ياكل يشبع بعديها يرفس
    يفهم يخده لحد الترعة
    يشرب لما يقربع ميه
    ويملا في كرشه
    يرفع راسه نفسه يبوسه
    يرخى ف جسمه
    يركب فاسه جنب المقطف
    ينزل غيطه
    ورغم القلة
    عايش زيه زى حماره
    راضى بدوره
    وعلفه وشربه
    وجنب ولادة
    البصلة تبقى قد خروف
    هى حالة من الرضا يرسمها الشاعر هنا لفلاح مصر الأصيل بتلقائية ، وهذا سر من أسرار جمال القصيدة ، لكن أيضا يقف الشاعر فى هذه القصيدة موقف الراصد والموصف لا غير ،
    ويؤكد على ارتباطه بالأرض سواء كانت هذه الأرض المخاطبة الوطن أو الحبيبة ، يقول فى قصيدة " نفسي أشوفك " :
    نفسي أشوفك
    زي أبويا ف يوم ما شافك
    زي ما شفتك في عينه
    وكأنه يتغزل فى هذه الأرض ، ويعبر عن مدى عشقه لها ، على اعتبار أن هذا الحب ميراثا شرعيا ورثه هو عن أبيه ، وورثه أبوه عن جده وهكذا ، هى سلسلة من العشق لهذا الوطن وهذه الأرض ،
    قبل ما يخضر عودي
    قبل ما تنطق شفايفى
    كان يقولى
    عن سمارها اللي بيشبه لون عيونه
    عن شجرها اللي بيحضن قلب ضله
    عن خضارها اللي يلون ارض نيلها
    عن حبيبته اللي ما يقدر اى حد ....
    يمس توبها أو يخونها
    عن طبيعة جوا منه يغار عليها
    عن عينيها الصاحية دايما
    وهكذا يتضح للقارئ حميمية العلاقة بين الشاعر والفلاح الفصيح باعتبارهما وجهان لعملة واحدة ، يشعر أحدهما بما يشعر الآخر ، فكان الديوان سحابة دائمة للعشق والغناء لهذا الوطن وتلك المحبوبة .
    هذا بعض منى http://alaaeisa.maktoobblog.com/

  2. #2

  3. #3
  4. #4
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2008
    المشاركات : 721
    المواضيع : 122
    الردود : 721
    المعدل اليومي : 0.12

    افتراضي

    أخى المبدع
    تحية من القلب على دراستك الجميلة التى سعدت بها كثيرا
    اخى المبدع ..
    عندما يرتبط الإنسان ببيئته الجميلة فبالطبع يغلف الجمال الحرف والكون
    تحية قلبية من ابن الشرقية لشقيقه ابن الشرقية بل والامة العربية

المواضيع المتشابهه

  1. أبحاث القصة ج 2 " مؤتمر ديرب نجم الأدبى الـ8 " 2008
    بواسطة علاء عيسى في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-05-2008, 05:08 PM
  2. أبحاث القصة " مؤتمر ديرب نجم الأدبى الـ8 " 2008
    بواسطة علاء عيسى في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-05-2008, 05:02 PM
  3. أبحاث القصة " مؤتمر ديرب نجم الأدبى الـ8 " 2008
    بواسطة علاء عيسى في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-05-2008, 05:00 PM
  4. أبحاث الرواية " مؤتمر ديرب نجم الأدبى الـ8 " 2008
    بواسطة علاء عيسى في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-05-2008, 04:45 PM
  5. أبحاث الشعر الفصيح " مؤتمر ديرب نجم الأدبى الـ8 " 2008
    بواسطة علاء عيسى في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-05-2008, 04:38 PM