قصة: الطبيب مريض

الطبيب مريض
اصطف الناس في الطابور الطويل... لا أرى منهم أحدا سليما فكل واحد يشكو ألما في مكان ما من جسده ، ولكن حين التسابق في الطابور ينسون أمراضهم حتى إذا رضي أحدهم بمكانه بدأ في سرد يوميات مرضه والآلام الشديدة التي يعانيها ، والأرق الطويل الذي يقاسيه.
أحيانا تكفي المريض رؤية الطبيب ليشعر بالشفاء خصوصا إذا كان الطبيب ذا سمعة طيبة في علاج المرض، وربما لجأ بعض الأطباء إلى استعمال حقن فارغة لعلاج مرضاهم ومع ذلك يخرج العليل سعيدا مدعيا أن الحقنة ناجعة. وكثيرا ما يدخل مريضان إلى الطبيب أحدهما يشكوا ألما في رأسه والآخر في بطنه أو ظهره .. ثم يخرجان بالدواء نفسه : يأخذه الطبيب من قنينة كبيرة يضعها أمامه ، فما أن ينتهي المريض من شكواه حتى يلف له بعض الحبات في ورقة بيضاء ويسلمها للزائر المريض الذي ما جاء إلا لمثل هذا، فهو لا يملك مالا لشراء وصفة الدواء التي يكتبها الطبيب.
في هذا الصباح كان الطابور أكثر ازدحاما شيوخ وعجائز و أطفال ، نساء ورجال الكل ينتظر الطبيب، والوقت يمر والانتظار يطول...
لحظة خرج الممرض من مكتب الطبيب قائلا: عليكم بالانصراف إلى بيوتكم ... رد الكل بصوت ويكاد يكون واحدا: لكننا نريد رؤية الطبيب .
أجاب الممرض : الطبيب مريض وليس بإمكانه أن يستقبل اليوم أحدا.
همهم الكل وضحك البعض واستغرب البعض وسخر آخر: الطبيب مريض. !. ؟
تدخلت امرأة : يا أيها الممرض إنك ترى حالنا وهذا ليس وقت الضحك والمزاح.
رد الممرض مستغربا : قد أخبرتكم الحقيقة ، الطبيب مريض ..
خاطبه شيخ محنك لعله جرب الحياة أكثر من غيره وزار المشفى مرات عدة : قل له إن معنا بيضا كثيرا ودجاجا.. ولدينا المزيد .
ابتسم الممرض محاولا كظم غيظه: افهموا يا سادة .. الطبيب مريض ..
رد أحد المرضى بصوت قوي : دعنا من مزاحك هذا، وهل الطبيب يمرض؟ !
صاح الآخرون من ورائه : نعم لم نسمع بطبيب مريض إلا منك يا صاحب، ثم لماذا لم يمرض أمس وقبل أمس ؟
الطبيب في مكتبه وربما اشتدت وعكته... أخذ مسكنا لم ينفع دق الجرس، دخل الممرض ، وجد الطبيب ملقا على مكتبه، خرج مهرولا، استدعى سيارة الإسعاف، وقف المرضى في دهشة واستغراب وصلت سيارة الإسعاف بسرعة حملوا الطبيب وانطلقت السيارة مخلفة وراءها غبارا وعويلا.
بدأ المرضى يغادرون المستشفى. التفت أحدهم إلى آخر هامسا: والله إنه مريض فعلا . أضاف آخر: وقد يموت أيضا.
بينما بدأت بعض النسوة في تداول الوصفات العشبية التي تصلح في مثل حالة الطبيب ، قاطعت حوارهن عجوز : "كن غير اداوه يزور مسكين*".

* عبارة بالعامية المغربية مفادها: ليتهم ذهبوا به لزيارة ضريح ولي صالح .

بسم الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأخ الكريم ابراهيم السكوري،،،

قصة جميلة تظهر انتشار الجهل، وما أن يختفي العلم تظهر الشعوذة والخرافات.
لكني أرى الطبيب يمثل الأمل أو المسكن الذي يوجد في حياة كل منا ليحل مشاكل لا تصلحها المسكنات.
قصة جميلة أهنئك عليها،،،

وصلي اللهم على سيدنا محمد وأله وصحبه وسلم

السكوري الرائع...

اهلا بك في الواحة..
جمعت بين البناء السردي المميز ، القائم على الحبك الجيد ، والترابط الزمكاني والحدثي ، وبين الواقع العياني المتمثل بامور تجذرت مفاهيمها في النفوس حتى غدت امور بديهية مسلمة بها ، والناس لاتتقبل الا ما هي تراها ، الغريب انها تأخذ صيغة التداول اليومي معهم ، وانها تأخذ الكثير ممن يرونهم ، لكنها في الوقت نفسه ، تجعلهم في البعض يتناسون جهلا ، كما في السلاطين.
محبتي
جوتيار

جوتيار تمر;..................السكوري الرائع...
اهلا بك في الواحة..
جمعت بين البناء السردي المميز ، القائم على الحبك الجيد ، والترابط الزمكاني والحدثي ، وبين الواقع العياني المتمثل بامور تجذرت مفاهيمها في النفوس حتى غدت امور بديهية مسلمة بها ، والناس لاتتقبل الا ما هي تراها ، الغريب انها تأخذ صيغة التداول اليومي معهم ، وانها تأخذ الكثير ممن يرونهم ، لكنها في الوقت نفسه ، تجعلهم في البعض يتناسون جهلا ، كما في السلاطين.
محبتي
جوتيار[/center][/QUOTE]

كلامك ثمين جدا يا تمر: الحقيقة انني دخلت عالمكم متاخرا، وقرأت بعضا مما كتبه الإخوة الأحباء ..وما كنت أظن أن محاولاتي في القصة القصيرة-هذا الفن الذي أحبه- ستنال مثل هذا الثناء الجميل وهذه الاتفاتة النقدية...كلامك يحفزني كثيرا على مزيد من الكتابة....شكرا جزيلا......

عليك السلام و رحمة الله أيها الأديب الكبير.....
شكرا على تفضلك بقراءة أول قصة لي على صفحات الواحة ..........قد أشعرتني بالخجل وأنا اقرأ كلامك هذا لطف منك لانني -وانا المبتدئ-أدرك أنني في بداية الطريق و ما كتتبه في حق " الطبيب مريض" جرعة حماسة لي لاقتح عالم الادب بقوة....
أحبك الله
وفقك الله
مع تحياتي و تشكراتي
ابراهيم

الأخ الفاضل ابراهيم السكوري

لقد جاءت قصتك مطابقة للواقع ، صورة طبق الأصل لهذا الجهل والتخبط الذي تعيشه مجتمعاتنا في هذا العصر.
كنت متميزا في طرح قضيتك وفي جعل القارئ يتابع باهتمام وشوق شديد تتطور الأحداث ، وكانت الخاتمة ولا أروع ، وجاءت بكلمات بسيطة حملت معاني كبيرة تصور العادات والتقاليد البالية والخرافات التي ما زالت تسيطر على الأذهان ، ولخصت كل ما كنت تريد قوله .

أهنئك ، فقد كتبت قصة ناجحة .

تقديري واحترامي

قصة من صلب الواقع،ومن قلب الأزمة......

مررت على تلال قصتك هذه بكثير من الحذر فأنا أعلم أن كل حرف يؤشر

إلى معنى معين ويعكس الكثير من الدلالات،إنها قصة ملغمة يا صاح!!

وأكثر ما أثارني هذه العين الناقدة والثائرة التي تملكها،ورئتك التي ترفض

استقبال هواء فاسد نابع من مجتمع مريض...

ليس لدي الكثير لأضيفه هنا،لكنني أحببت أن أنوه بهذه المفارقة التي

انطلقت منها-الطبيب مريض-لتعكس من خلال مرآتها أشياء عديدة....

سأترك تحية بقدر إبداعك هنا أيها السكوري....وأنصرف نشوان من رقصة

أتعبت خصر فكري هنا وربما أعود إليها مجددا لزعمي أن خيوطا كثيرة انفلتت من يدي ....

دم بود

شكر أيها الحبيب عريج
لقد تـاخر ردي و لكن " فين ما جا الخير ينفع" كما في المثل المغربي الدارج....
كما أنك شاعر كبير أنت كذلك قارئ ناقد عميق الرؤيا..
حياك الله أخي
و نحن في انتظار جديدك

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

أتعرف أخي أنني ضحكت وتأوهت في ذات الآن، ضحكت من سذاجة الناس وتأوهت من ذات الأمر.

وكأن الطبيب مصنوع من حديد، بل إن الحديد يصدأ فكيف بإنسان من دم ولحم، يعيش داخل محيط

يتأثر به، لكن السؤال الذي يفرض نفسه إلى متى هذا الجهل؟

نصك تعدى مسألة الطبيب لمسائل أخرى ننظر إليها بذات النظرة الجاهلة، ونحاول معالجتها

بجهل أكبر، بزيارة السادة أو تناول أعشاب طبيعية دون معرفة فائدتها من ضررها.

راقني أسلوبك السردي الممزوج بالوصف وراقني أكثر المرور من هنا.

نقطة أخيرة كلنا أخي أتينا هنا متأخرين، وصراحة فاتنا الكثير، لكن كما يقول

المثل الفرنسي، " أن تصل متأخرا أحسن من أن لا تصل أبدا mieux vaut tard que jamais"

تحياتي لك.

شكرا لك يا سعيدة
سرني مرورك كثيرا
و سرني أكثر ما أبديته من ملاحظة ,و قراءة عميقة تجعلني اصر على أنك لست مبتدئة في الكتابة كما تدعين و إن كنت جديدة في الواحة . فهذا من سوء حظك أنك اكتشفت هذا العالم الجميل متأخرة .....
و لكن لابأس فهو خير من عدم الوصول.
ننتظر لك الجديد قريبا
شكرا شكري
مع تحياتي