إخوتي في كل مكان...
أناديكم..أدعوكم إلى عالمي بعض الوقت..
لن أسألكم ما طعم الحليب أو لونه!..
لن أسألكم كم من الألعاب لديكم، ما لونها..ما شكلها!..
ولن أطلبَ منكم غير قراءة تلك السطور التي نبتتْ من دمي بعد الدمار الذي أطاح بوطني...
لن أهجرَ أرضي يأساً أو هروباً..
أنا اليتيمُ الصغير، ضاقتِ الحياةُ بي بعدما، تمزَّقتِ السماءُ إلى اثنيْن وعشرين..
وغارتِ الأرضُ في لعبة االجحيم، فتناثرتْ سُبحةُ الحلم على أشلاءِ فجرٍ لن يُجادلَ..
بعدما استُبيحَتْ حرمات الوطن الهارب ما بين خبزٍ ووردٍ ورؤى مخنوقة بأضغاث التراتيل..
أنا.. من ظل الفجيعة أخرجُ إلهاً كلما اعتصرَ الطغاةُ من عروقنا خمرهم النبيل..
نورسٌ أبيضٌ أنا..
أفاوضُ صمتَ البحر فتطفو زرقةٌ آسرةٌ تفردُ جناحيْها لتمخرَ عباب الكون الذي أرَّقتْه أسئلة الطين..
إخوتي..
كانت كلماتي ــ قبل الحرب ــ من وردٍ وغيمٍ، من غاباتٍ ذات هطول، ومن بحرٍ تناسلتْ
منه أشرعة الحب والحلم الجميل..
وبعد الحرب ، باتتْ كلماتي من جثث الجهات التي مع كل فجرٍ أصحو لأمشي عليها، أقتات منها ما يُعبِّىءُ انطفائي..
ها أنذا.. أحملُ نعشيَ المثقوب بصورة أمي وهي في عتمة الحرب تقرأُ لي تعويذة الخوف من انفلاق الصمت والجنون..
بصور إخوتي وهم يتباكون بحثاً عن مأوى بين الأنقاض..عن حلم أو وهمٍ يشربونه قبل النوم..وعن غضبٍ بين رماد الدروب..
بصورة أبي الذي أحملُ ملامحَ غده بين الهواجس وانكسارات السنين..
بصور المدرسة الوادعة على سفح الريح..وصور الأصدقاء يتراكضون من نشيدٍ إلى نشيدٍ ليعبرون الدهور على صراط القهر والجوع والحرمان..
ربَّاه!.. لقد غرقَ كل شيء في دياجير اليقظة ، وصحتْ ذاكرتي لتزرعَ مقاماً يليقُ بتلك القيامة..
وطني!.. قيامتي أنتَ كلما على حقولكَ هبَّتِ الخُماسين.. أو داهمتْ مآذنك وكنائسكَ غانيات
الشياطين..
وطني!..
أسقيكَ عطشي ريثما يُزهرُ فيكَ اليباس..
أفرشُ لكَ هدبي ريثما يحلُّ الصباح..
وأغطّيكَ.. أغطيكَ بالحب والحنان رغم جوعي ، أنا الطفل الكبير..
لن أبكيَ..لن أصرخَ..
ولن أستجديَ غير حليب البزوغ.. قمح الشمس.. إنه الحلم الأخير لطفل العشاء الأخير..
نضال نجار