ارتأينا أن نثير هذه القضية قصد إثرائها ..وتناول تفاصيلها وأبعادها..عسى أن ننتهي مع القارئ الكريم إلى قناعة موحدة ..تخدم الأمة ..وتعيد التنظيم..
اللغة أداة تواصل ..
خزان ثقافي ..
حامل تراث ..
مناط تفكير ..
أداة تواصل ..
مميزات ترفع قدرها بين بني البشر ..ولمّا ظلت تساير الإنسان في مراحل تطوره عبر الزمن ..فقد تغيرت بتغير الحالة في المكان والزمان المتعدد بتعدد ظروفه وأسبابه وأحداثه..
كل لغات العالم تطورت وتغيرت تماما ؛ وتعددت ؛وتنوعت أشكالها ..ولكنها ظلت وعاء ثقافة ؛وتراث تاريخي لايغيب..
اللاتينية القديمة مثلا تفرّعت إلى عشرات اللغات ..حتى وإن ظلت القومية واحدة ..فاللغات متعددة ..والدليل القيم والمضامين ظلت هي المضامين ؛ونقصد ما تعدى حدود الزمان والمكان ..وفرض خلوده في الوجود..
يسجل التاريخ عبر محطات بارزة أن اللغة ظلت أداة ؛وأيضا محل صراع بين الأمم..
وفي إطار التفاعل الثقافي ؛ولهدف ديني ؛استعماري ؛ سياسي ؛تجاري ؛علمي ..تعلّم المستشرقون اللغة العربية ؛ودرسوا القرآن ؛ومختلف العلوم ..ثم ترجموا ..وانتهت بحوثهم المغرضة إلى أن هؤلاء المسلمين يصعب إخضاعهم ؛وإرغامهم على التبعية ما داموا يفهمون القرآن الكريم ..واللغة العربية هي أداة فهمه ؛وتفسيره ؛والعمل به ..
العربية ..هذه اللغة المَجيدة ؛الدقيقة ؛ الفصيحة ؛العميقة المعاني ..كانت لهجات قبلية ؛تختلف القبائل في تداول مرادفاتها ..ولكنها واحدة ..وهو سر تعدد مرادفاتها ..ولكن القرآن نزل بأكثر لهجة تداولا ..لغة قريش ..والله الخبير لمّا هيّأ اللسان العربي؛ورقّاه إلى المستوى الذي كانت عليه ..أنزل القرآن بما كان جامعا ؛ وأكثر تداولا ..مكة ملتقى العرب سنويا..ودلّ على الاستفادة من الألفاظ الدخيلة ؛حينما ذكر ألفاظا أعجمية ..
وهذا هو سر بقاء؛ودوام اللغة العربية إلى يوم الدين ..خالدة بخلود القرآن ..
وهذا ما يُتوِّجها بأشرف لغة ..وقيل هي لغة أهل الجنة ..
وهذا ما يُنغِّص أعداء الأمة في إطار الصراع الأبدي..بين الحق الباطل ..الباقي إلى يوم الدين ..مهما تبنّينا الحوار ..ورفضنا التدخل في شؤون الآخر..
هذه الأسباب كلها وغيرها دفعت الاستدمار إلى الاجتهاد الدؤوب ؛ والحرص الدائم على محاولة استبدال اللغة الفصحى بلغته في المدارس النظامية ..وثقافته في الإعلام ..وجعل لغته هي الرسمية ..
أمَا وقد خرج الاستعمار المباشر ..وترك المخلفات من ضحاياه ..وخبر بعد أَثَر ..فإن حكمنا على محاولاته باليائسة ..هي مجرد تنويم مغناطيسي ..هادف إلى طمأنة النفوس ..بل نجح إلى حدٍّما ..
ومن محاولاته البائسة ؛المعيشة بيننا اليوم ؛أنه شجع أبواقه ..بعد يأسها من الإبقاء على لغته ؛في المجتمع الإسلامي ؛على طرح وتداول إشكالية عدم فهم الفصحى لدى العامة ..وصعوبة الفصحى ..ليحاولوا يائسين أيضا نشر ثقافة المكتوب بالعامية ..
إن دعاة العامية وقعوا في فخ نصبته الاستراتيجية الغربية قصد الذوبان والانسلاخ..ولكن لنغور في باطن وجداننا ..نحاسب أنفسنا ..
هذه الفصحى الشريفة ..هل ترضى أن تتنازل عن شموخها ؟أليست سلسة ؛ومرنة ..وفي متناول حتى الأميين عند سماعها ؟أليس القرآن برهان ساطع بفصاحته ..يفهمه الشيخ والشاب والمرأة ..؟
لوجاز النازل عن الفصحى ..لجازت الصلاة للأعاجم بقرآن مترجم ..حجة دامغة ..
كيف نرضى لأنفسنا ..المسلم في الصين يصلي بالقرآن كما أنزل بالفصحى ..ونحن نكتب لقراء كسلاء بالعامية ..ألا يدعو الأمر للخجل ؟؟
اللغة العربية كبرياء شامخ ..نحن من نرتقي إليه ..
اللغة العربية عروس متألقة ؛رافلة في زينتها ..ترفض كرامتها أن تتدنى للأدنى ..من أحبها ..بذل الغالي والنفيس لأجل بلوغ مستواها ؛ونيل استحقاقها ..
والحق حق ..أن الكتابة بالعامية تنازل عن الفصحى بلا مبرر..وتنازل عن القرآن الكريم واستمرار في خدمة أهداف الفوضى الخلاّقة المقصودة ..وهذا الذي يكتب بالعامية وهو قادر على الفصحى ..كتابته حجة عليه ..الا يعرف أن أدبه لايتجاوز حدود بيئته الضيقة ..وسرعان ما يندثر باندثار اللهجة وتغيرها المستمر ..
إن العامية تحمل تراثا لاينكره عاقل ..
ألا يمكن صياغة النافع منه في قالب فصيح جميل ؟
ولماذا إذاً تحولت لغات الغرب عبر التاريخ ..وظل تراثها متنقلا عبر هذه اللغات ..
التراث حامل اللغة أم اللغة حامل التراث؟؟ هذه التخصصات الجامعية التي أنشئت للثقافة الشعبية ..ألم تقع هي أيضا ورسميا في فخ الاستراتيجية الغربية ..أم هي مقصودة؟؟ألا توهِمُنا أن الشعب قد تغرب عن لغته الفصحى ؛فتغرب عن قرآنه ..نُذكِّرهم فقط؟؟
وقد قال الله تعالى في سورة الفرقان العظيمة ..:
// وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا //
إن الذي يقرأ بالعامية يحسن نطق الألفاظ الفصيحة المشكولة ..ألا يكلف نفسه عناء العودة إلى المعاجم ؛وشرح الصعب منها ؟؟
مبدع مبتدئ ..يكتب بالفصحى ..وتكثر أخطاؤه ؛وهو في ترقي مستمر ؛أليس أرفع درجة ممّن يكتب بالعامية ؟؟
ولمّا كانت اللهجة العامية مجرد لغة تدحرجت عن نبرتها الخطابية الفصحى إلى صوت اللسان الدّارج ..فلم تعد هناك حجة لعدم الفهم ..
هذا هو القارئ الكسول الذي غذّاه الغرب بالمتعة والترفيه ..وهو يحتج أيضا عن الكتّاب الذين لايفصحون عن الفكرة باللفظة المتداولة والأسلوب البسيط ..ولكن اللغة لغة ..والألفاظ ألفاظ ..مألوفها وغريبها ..
إن اللغة الفصحى لاتتنازل عن منزلتها الراقية مرتبتها من مرتبة القرآن الكريم ..
إن كتاب العامية يتحملون مسؤولية سلبية جسيمة :
الأعاجم في كل مكان أحيوا لهجاتهم بحجة أن العربي ماعاد يفهم لغته .
جهات رسمية تنطق بلسان أجنبي ؛ولاتعير الفصحى اهتماما ..
بعض الإدارات في أماكن مختلفة ..تتواصل بالأجنبية .
قناعتي أن الواحة فتحت الباب للتدرج في المستوى ..ونزولا عند الرغبة لأن العامية لاتساير منهج إعادة الصياغة ..
الشعر العامي هو الوحيد الذي يصعب نقله إلى الفصحى لاختلال موسيقاه الشعرية ..ونبرته الإلقائية ..وهو يحمل ذوقاً؛وعاطفة ؛وفكرة ...أما النثر فلاحجة إطلاقا..
ومن هنا يبدأ الكلام ..
الفصــحى ..العامية ..
الذّوبان والانسلاخ ..أم الصمود والمقاومة ؟؟
قرر في نفسك أحدهما ..لاوسطية في الموضوع.