( رسالة الى احمد حسين احمد ومحمود امين )
الشمسُ ألْقَتْ آخرَ الجَمَراتِ في وَجْهِ النّهارِ وأخلدتْ للحُلْمِ في حُضْنِ المساءْ, والافقُ معصوبٌ تَمَدَّدَ كالقتيل وقد تَضَمَّخَ بالوَعيدْ وبالدِّماءْ, والغيمُ منهمكٌ يُلَمْلِمُ ما تَبَقَّى مِنْ دُخانِ الأمسِ في عِرْضِ السَّماءْ, قُمْ أضرمِ المَوّالَ في مِزَقِ الهشيم من الرَّجاءْ, الرِّيحُ تُغْري بالغِناءْ.
يا عندليبا حرفنا الموجوعِ هيا حلقا ألقاً إلى قمم الجبالِ وكللا ثلجَ الغَوارِبِ بالأنينْ, الثلجُ عَفَّرّ طُهْرَهُ صَمتُ المواجع فاحفرا للثلج درباً في القلوب وعطرا هذا الفضاءَ بما تَيَسَّرَ مِنْ شُجونْ, لُغَةٌ تُساوِرُ بالقريضِ وبالجًنونْ, لُغَةٌ كَهَفْتِ الطَّلِّ تنضحُ حُسنَها وتذوبُ وجداً في شفاهِ الياسمينْ, تبقى القصائدُ مَعْلماً للدرب تقفو خَطوَنا إما مضينا في دُروبِ الراحلينْ, فاستمطرا حُلُماً فيورق في اليبابْْ, الحَلقُ جَفَّ ولن يتوبَ عن اللُّهاثِ وقد أراقَ شَرابَهُ لَمَّا بدا لَمْعُ السَّرابْ , ومُحالُ أنْ يسترجعَ المَيْتَ الرِّثاءْ.
الحلم كان حقيقةً, لكنما سُقِكتْ على درب المسافر في فيافي التيه أذْرَتْها العواصفُ والسّفَرْ, و تبددتْ خلف الثواني الهاربات من الضجرْ, كِسَفَ العِطاشِ ... ولم يبللْها القَطَرْ, فتحلقا يا صاحبَيَّ واوقدا حرفاً نُسامِره على طُرَرِ المساءْ, الوقت ينذرُ بالصقيعِ وباقتراب هبوب عاصفة الشتاءْ, والليلُ كالجسد المُسَربلِ بالخَدرْ, فعلامَ نلتحفُ الحَذَرْ , القلبُ ينبضُ بالدماءْ.