مشهد غزة و خيارات المواجهة
أمام تلك المشاهد السافرة من المجازر و المحارق التي اقترفت في قطاع غزة و التي بدأت في لحظة خروج الأطفال من مدارسهم تبدو الصورة واضحة أكثر من اي وقت مضى حين تتعرى كل الأطراف.
في الشارع الفلسطيني تتحول الإختلافات الإيديولوجية إلى تناحرات تريد أن تقطع كل الأيدي حتى تحظى بمشعل المسيرة النضالية الذي لم تعد تطاله أي يد بالأصل ... حين تكاد تنقرض السلطة الفلسطينية من الداخل في اقتتالاتها بين فتح وحماس اللتين برهنتما على الضمور في عقلية بناء الدولة القادرة على السيطرة على القرار السياسي والتعامل مع العدو المشترك بذكاء الأيدي المتعددة التي تحمل إحداها حمائم و إحداها سكاكين، لكن هذه الأيدي رغم أنها تخرج من جسد نراها قد ربطت مع بعضها في عُقَد لم تعدْ تعلمُ من أيّ جهةٍ خرجت و إلى أي جسد ستتوجه.
هذا التحدي الذي تواجهه الديمقراطية على أرض الواقع في تحقيقها و لا ينتج عنها إلا ما نراه في فلسطين و العراق نتيجة هذا الكبت التاريخي الذي تعرضت له شعوبنا في هذه المنطقة و الجوع حتى إلى اللغة التي تتحول في لحظة شعور الشخص بإمتلاكها و حريته في قول ما يريد إلى حوار بالخناجر كسيلٍ ظلّ حبيس هذا السد الذي سينفجر من أول شق فيه.
في الشارع الإسرائيلي يصبح الفلسطينيون مجرد دمى يتم قتلها لإرضاء الناخب الإسرائيلي و إرضاء غريزة القتل في الذهنية الإسرائيلية المعادلة بالضبط لغريزة تحقيق الوجود الذي لا يكتمل إلا بإفناء الطرف الفلسطيني الذي الذي برهن شعبه على سقوط كل الرهانات التاريخية بسقوط حقه بالتقادم.
أما في الشارع العربي فما يبدو هو أن هوة الذل التي سقطنا فيها لا قعر لها و يبدو أن الحكومات العربية لم تعد تظن أنها تملك من أسباب بقائها سوى الرهان على تحويل هذه الشعوب إلى كتل من اللحم المقدد التي بالكاد تستطيع تحويل العلف إلى طاقة للحركة والحياة ... لكن الذي اختلف هذه المرة هو أن وسائل الإعلام قد كسرت حواجز عديدة والمواطن العربي تجرع الكثير منذ عقود عديدة و ما يزال يتجرع الآن أكثر هذه المشاهد التي تتطامن و ترخي بمرارتها عليه لتخلف مجتمعات امتلأت شخصيتها بأمراض كثيرة تبحث دائماً شأن أي مرض نفسي و الذي هو في أبسط تعريفاته محاولة استيلاد وسائل للتكيف مع وضع غير ملائم ... و يصبح عندها انتشار التطرف الفكري و التعصب واقعاً ملائماً و حلاً مثالياً يفرغ مشاعر الكره و النقمة التي تسود في كل فرد
وحين يكون البحث عن الحل أمراً لا مفر منه أمام الحكومات العربية فإن التحالف مع الشعب الذي لا يستطيع الإستمرار في النوم مهما تم إعطاؤه من إبر تخديرية لأن هذه طبيعة الأشياء ..عندها يصبح التحالف معه ضرورة لا بد منها لمواجهة أي خطر داهم خارجي واستيلاد وسائل ضغط جديدة حين لن تجدي عندها أي مناورات مع أي طرف أمريكي و محاولات إقناعه بأن السلطة الموجودة هي خير ما يمثله للمحافظة على استقرار المنطقة و قد برهن الطرف الأمريكي على عدم إكتراثه بأي ميزان قوى موجود وأي معادلات وكأن الشعور بالقوة الهائلة لديه يعتبر مبررا لارتكاب أي حماقات لتغيير خطوط الطول و العرض في منطقة هي بالأصل لم تعرف أي معنى للإستقرار منذ سايكس بيكو
ويبدو جلياً أمام أي حكومة عربية عاقلة خيار تفعيل المجتمع المدني و هو ضرورة يجب أن يتم السعي من أجلها من قبل الأفراد العرب حتى أصغر طفل ... يتم من خلال الهيئات المدنية المستندة بالأصل على مناخ حرية إيجابي منتج تمكن حقيقة من مواجهة خيار الوجود من عدمه أمام الكيان الإسرائيلي الذي يبرهن يوميا على عدم رغبته في التعايش السلمي مع أبناء المنطقة ولطالما برهنت مناخات الحرية و تفعيل القوى المدنية للشعب من خلال الديمقراطية و هي أقل أنظمة الحكم سوءا على قدرتها على إصلاح نفسها بنفسها كالجسم المريض الذي يدافع عن نفسه ذاتيا أمام المرض حتى وإن أصابته بعض الأعراض المؤلمة.
وأمام هذه التحديات الكارثية يصبح خيار توحيد الأجنحة العسكرية لجميع الفصائل الفلسطينية ضرورة لا بد منها لمواجهة هذا العدوان و الرد عليه بالوسائل المناسبة التي تردع الهجمات الغادرة الإسرائيلية و تجعلها تفكر ألف مرة قبل الإقدام على اي عمل كهذا مطمئنة إلى سكوت الجميع أمام صمود الشعب الفسطيني الذي يتحمل تبعات المقاومة المفروضة على كل فرد في العالم الإسلامي من أقصى أندونيسيا حتى شواطئ الأطلسي.
مازن نجار