الأستاذ الفاضل
كانت مداخلتي مع أخي الحبيب الأستاذ عبد القادر في موضوع له ، وفي فقرة من كلامه ،
فما معنى الاتهام بالهروب هنا
وما الداعي لهذا الأسلوب الذي لم أعهده عنك ؟
أما إجابة سؤالك : " قبل الخليل وقبل التفعيلات ما الذي كان ؟"
فتراها هنا :"هذا عن العروض الذي اكتشفه الخليل ولم يفرضه على البشر ولا على العصافير ، كما اكتشف نيوتن الجاذبية دون أن يفرضها على أحد"
ألم تكن الجاذبية الأرضية موجودة قبل نيوتن؟
فكذلك العروض
فالعروض اكتشاف لما هو موجود
وقد أحسن الشاعر حين تولى الإجابة عن سؤالك البدهيّ ببيان واضح جلي :
قد كان شعر الورى صحيحا من قبل ان يخلق الخليل
ويشرح الصفدي هذه القضية شرحا راقيا فيقول:
" إنَّ العروض كان في الوجود بالقوَّة إلى أن أظهره الخليل بن أحمد، كما قال القائل:
قد كان شعر الوَرَى صحيحاً من قبل أن يُخْلَقَ الخليلُ
وكلُّ من نظم شعراً، فهو لا يخرج عن العروض، سواءٌ قطَّعه على العروض أم لا، فإنَّ أبحر الشعر مركوزةٌ في طباع من رزقه الله نظم الشعر، فالعروض ما زال موجوداً، آخرجه الخليل إلى الوجود أم لا.
ولليونان شعرٌ أيضاً، ويسمُّون تقطيعه الأيدي والأرجل.
وقال الرئيس ابن سينا: واضع النحو والعروض في العربيَّة يشبه واضع المنطق والموسيقى في اليونانيَّة.
وأما سؤال:
يعني أليس الشعر هو موسيقى ونغم واحد يتوزع على القصيدة أو المقطوعة ؟
فالإجابة : نعم ليس الشعر الموسيقا ولا هو نغما واحدا يتوزع على القصيدة أو المقطوعة.
ليس الشعر هو الموسيقا
بل هو إلى ذلك : "صياغة وضرب من النسج وجنس من التصوير".كما بين الجاحظ.
وهو كما يقول ابن خلدون :" الكلام البليغ ،المبني على الاستعارة و الأوصاف، المفصل بأجزاء متفقة في الوزن والروي ، مستقل كل جزء منها في غرضه و مقصده عما قبله و بعده، الجاري على أساليب العرب المخصوصة به ". ( مقدمة ابن خلدون 1: 57)
حتى العلماء الذين بالغوا في أهمية عنصر الوزن كابن رشيق القائل :
"الوزن أعظم أركان حد الشعر، وأولاها به خصوصية".
لا يرى له فضلا إذا لم تتحقق شروط الشعر الإبداعية الأخرى، فيقول:
"إنما سمي الشاعر شاعرا؛ لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره. فإذا لم يكن عند الشاعر توليد معنى ولا اختراعه
أو استظراف لفظ وابتداعه ،
أو زيادة قيما أجحف فيه غيره من المعاني،
أو نقص مما أطاله سواه من الألفاظ،
أو صرف معنى إلى وجه عن وجه آخر؛
كان اسم الشاعر عليه مجازا لا حقيقة ولم يكن له إلا فضل الوزن ، وليس بفضل عندي مع التقصير".
فالموسيقا عنصر واحد من عناصر الشعر مهم ولكنه لا يغني عن سائر العناصر البنائية الإبداعية
وكذلك ليس الشعر نغما واحدا يتوزع على القصيدة أو المقطوعة ، بل لكل قصيدة إيقاعها الخاص حتى القصائد التي تشترك في بحر واحد يختلف الإيقاع في كل قصيدة منها
فهل الإيقاع في بيت ابن الرومي:
وجهك يا عمرو فيه طولُ = وفي وجوه الكلاب طولُ
كالإيقاع في بيت محمود حسن إسماعيل:
مسافر زاده الخيال = والسحر والعطر والظلال
وهما من بحر واحد.
ولهذا فصل أستاذنا الدكتور سعد مصلوح تفصيلا علميا دقيقا بين ثابت الوزن ومتغير الإيقاع.
وأسمى آيات الشكر لأخينا الحبيب عبد القادر لهذه المساحة الراقية للحوار الطيب الهادف