أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: الظـــــل

  1. #1
    الصورة الرمزية هيثم السليمان قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Feb 2009
    الدولة : سوريا _ العشارة
    العمر : 41
    المشاركات : 199
    المواضيع : 23
    الردود : 199
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي الظـــــل

    الظـــــل

    كانَ واقفاً عندَ الظهيرةِ وحرُّ الشمس ِ يلفحُ وجههُ المتعبَ من عناءٍ لم يعرفْ هو سببه .
    كانتْ تتضاربُ في رأسه الأفكارُ ، وتدورُ في محورٍ يتسعُ ويضيقُ على قدرِ النوبةِ التي تشكلها هذه الأفكارُ .
    كلّما حاولَ التركيزَ على فكرة ٍ ما انفلتَ رباطُ حسّهِ وفقدَ السيطرةَ عليها ؛ الأمرُ الذي جعلهُ يثورُ ويتخبطُ ببعضهِ .
    كانت ْ تبدو عليه أماراتُ الخيبةِ ، ترافقها علاماتُ التوتر ِ التي تظهر جليّاً في تقاطيعِ وجههِ المتعبِ .
    لم يكنْ يعرفُ سببَ هذه ِ الحيرةِ التي تسيطرُ على نفسه ، وهذا الوجومِ الذي يخيّم ُ عليه .
    كانَ كلما التفتَ حولَ نفسهِ تراءتْ لهُ خيالاتٌ يتداعى فيها طيفٌ مجهولُ الهويةِ يظهرُ ويختفي بسرعةٍ قبلَ أن يستطيعَ تحديدَ ملامحهِ أو الوقوفَ على شخصيتهِ .
    تلكَ الخيالاتُ كانتْ تمرُّ أمامَ عينيهِ وكأنها فلاشاتٌ ضوئيةٌ تشتعلُ وتنطفئ ، دونَ أن يعرفَ المسببَ لها .
    أرادَ أن ينهي هذهِ الانفعالات في داخله ، والتي كانتْ تسببُ له إزعاجاً كبيراً ، بالخروجِ من هذا الجوِّ الذي سيطرَ عليه ، وجعلهُ يرى أشياءَ غيَر معقولةٍ .
    حاولَ أن يتقدمَ خطوةً للأمامِ باتجاه ِ غرفتهِ ، لكنَّ شيئاً ما أوقفَ حركتهُ ، وأبطأَ خطوتهُ ، إنّه عاجزٌ عن التقدمِ للأمامِ , أو التراجع ِ إلى الخلفِ .
    تبسمرَ في مكانهِ وكأنَّ على رأسهِ الطيرَ .
    بدأَ يحدثُ نفسهُ : " يا إلهي ما الذي يجري ؟ أأنا في حلم ؟ إنني عاجزٌ عن الحركة " .
    ـ لا ، لستَ عاجزاً عن الحركةِ ، لكنك تتوهمُ ذلك َ . " أجابهُ صوتٌ لم يعرفْ مصدرهُ " .
    ـ مَنْ أنتَ ؟ " سألَ بخوفٍ شديدٍ " .
    ـ أنا أنتَ ، ألا تراني ؟
    أخذَ يتلفتُ يميناً وشمالاً دونَ أن يرى أحداً .
    ـ أين أنتَ ؟ "سألَ بدهشة ٍ بدتْ على وجههِ"
    ـ أنا هنا أمامكَ .
    ـ أيـ......ـن ؟
    ـ تحتكَ ، تحتَ أقدامكِ ، انظرْ جيداً .
    نظر َ تحتَ أقدامهِ لكنهُ لم يرَ شيئاً ، فأخذتْ ترتعدُ فرائصهُ ، وبدأتْ تختلجُ مفاصلهُ ، وأماراتُ الخوفِ ترتسم ُ على وجههِ ، فما هذا الشيءُ الذي يُحدِّثهُ دونَ أن يراهُ .
    ـ من أنتَ يا هذا ؟ إنسٌ أم جانٌ ؟
    ـ لستُ إنساً ولا جانّاً ، أنا أنتَ ، ألم تسمعني ؟ أنـ.....ـت .
    ـ كيفَ تكونُ أنا ، وهل لي غيري ؟ أنا لا أعرفُ لنفسي أحداً سواي .
    ـ بلى ، أنا .
    ـ أتريدُ أن تصيبني بجنون ؟ عَرِّفْ عن نفسكَ وإلا فاتركني وارحلْ بعيداً .
    ـ لا أستطيعُ ذلكَ ، فقدري أن أرافقكَ طيلةَ حياتك َ ، ولا أترككَ لحظةً واحدةً .
    ـ ماذا ؟ ترافقني ؟ أأنت مجنونٌ ؟
    ـ هذا يتوقفُ عليكَ ، فإن كنتَ مجنوناً أكونُ مجنوناً مثلكَ ، وإن كنتَ عاقلاً أكونُ عاقلاً مثلكَ .
    ـ يا إلهي ، هل أصابني مسٌّ شيطاني حتى غدوتُ أتوهمُ أشياءَ غيرَ موجودةٍ ؟
    ـ أنتَ دائماً تلقي بضعفكَ إلى الشيطانِ لتتهربَ من المسؤوليةِ . حاولْ مرة ً أن تواجهَ الأشياء َ ، أن تسجلَ موقفاً في حياتكَ ، أن تقفَ على أرضِ الواقعِ بعيداً عن التخيلات التي تتقوقعُ داخلها لتهربَ من نفسكَ الحائرة ِ .
    ـ أهربُ ..! كيفَ ذلك ؟
    ـ نعمْ تهربُ ، فأنتَ لا تمتلكُ القوةَ لمواجهةِ الحياةِ ، أو عملِ شيءٍ يكونُ له صدىً في مجتمعكَ ، كلما فكرتَ في شيءٍ تراجعتَ عنهُ مخافةَ أن يسببَ لـكَ مشكـلات ، أو يدخـلكَ في أمـورٍ تتصـورُ أنكَ في غنى ً عنها ، فبقيتَ مجهولاً لا يعرفُ لكَ اسمٌ ولا هويةٌ ، منفياً في حياتكَ وفي مماتكَ ، تمرُّ عليكَ الأيامُ متشابهاتٍ دونَ أن تحرزَ تقدماً ، أو تنجزَ عملاً يسجلُ لكَ .
    ـ كفى .. كفى ، لا تكملْ فقدْ أصبتَ مني مقتلاً ..
    ـ وهذا الأمرُ هو الذي أوصلكَ إلى هذهِ الحالة.
    ـ أيُّ أمرٍ هذا ؟
    ـ خوفكَ من مواجهةِ نفسكِ قبل َ مواجهةِ الغيرِ ، فلو استطعتَ التغلبَ على هذا الخوفِ الذي يعتري نفسك لاستطعتَ مواجهةَ الآخرين دونَ أن تنتظرَ منهم بادرة َ أملٍ في مساعدة ٍ تنتشلكَ مما أنتَ فيه .
    ـ خوفٌ ..! أأنا أخافُ من مواجهة ِ نفسي ؟
    ـ نعمْ ، تخافُ ، تخافُ حتى من خيالكَ ، فلو تراءتْ لكَ نفسكَ المتعبةُ الخائفةُ المجهدةُ لمُتَّ فزعاً، ولبقيتَ فاغراً فاكَ إلى أمدٍ .
    ـ ولكنْ ما أدراكَ بكل هذا الذي تتفوهُ به ؟
    ـ هيه .. يا صاحبي أنتَ نتـاجُ جيلٍ كاملٍ ،
    وهذا الذي تحملهُ في نفسكَ محصلةٌ وراثية ٌ أورثكَ إيّاها والدكَ عن جدكَ عن أبيهِ ، فالحمضُ النووي الذي تحملهُ أصابهُ فيروسُ الخوفِ والجمودِ ؛ والذي نشأَ معكَ منذُ الطفولةِ ، فعششَ في نفسك ، وفرّخَ بيوضهُ التي أخذتْ تسيطرُ عليك ، وتشعركَ بعدمِ القدرة ِ على تخطي أي أمرٍ يعترضكَ ، وهي في الحقيقةِ ليستْ سوى أوهام ٍ كبرتْ معكَ حيثُ وجدت البيئةَ الملائمةَ في نفسك فأخذتْ بالتوسع ِ والسيطرة ِ على عقلك َ الذي وقفَ أمامها عاجزاً عن الإتيانِ بأي حركةٍ .
    ـ ولكنْ من الذي قامَ بزرع ِ هذه الأفكارِ في رأسي ورأسِ أبي وأبيه وجدّه ؟ وكيفَ استطاعتْ أن تحققَ هذا النجاحَ الذي وصلتْ إليه بهذهِ الفترةِ القصيرة ِ؟
    ـ أمّا من زرعَ هذهِ الأفكارَ ، فالأمرُ يطولُ شرحهُ ، وعليكَ أن تفكرَ بهِ وحدكَ كي تستطيعَ تحديدَ ماهيةَ هذا الشيءِ الذي سيطر َ عليكَ ، وأمّا كيفَ حققَ نجاحهُ ، فقد قلتُ لك إنّه وجدَ البيئةَ المناسبةَ في نفسكَ ونفسِ أبيك َ وجدّك َ؛ هذهِ البيئة التي يملؤهـا الفراغُ ، والتي لا تمتلكُ أيَّ مقومـات ٍ تجعلها
    قادرةً على التصدي لمثل هذا الفكرِ .
    ـ آهٍ ، يا لكَ من خبيثٍ ، من أينَ تأتي بهذه التحليلات ؟ وكيفَ استطعتَ أن ترصدَ هذه التحولات؟
    ضحكَ ساخراً ثمَّ تلاشى في سكون ٍ دونَ أن يتفوّهَ بأيِّ كلمةٍ ، وبقي صاحبنا على حاله لا يدركُ ما جرى معهُ .

  2. #2
    الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+الكويت
    العمر : 63
    المشاركات : 2,213
    المواضيع : 78
    الردود : 2213
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    أخي الفاضل الأديب / هيثم السلمان
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    فكرة أكثر من رائعة أن نجد من يجعلنا نواجه أنفسنا
    صغت فكرتك في سرد شيق ممتزج بحوار قوي وفي محله تماماً
    وتطرح السؤال المهم
    هل يمكننا مواجهة انفسنا والتغلب على عيوبنا حتى لو كانت متوارثة؟؟
    فكرة الفيروس ـ الذي أصاب جينات الأب ومن قبله الجد ـ رائعة ومبتكرة
    ويمكن أن تصب في أكثر من اتجاه ، وخاصة السياسة فقد أورثت أجيالاً
    بلا هوية أو رأي ..
    اعجبتني قصتك حقاً
    ولكن ولتسمح لي
    كنت أتمنى ألا تسميها "الظل" فهذا العنوان كشفها من بدايتها وأضعف عنصر التشويق فيها
    كما تمنيت لو أنك أنهيتها عند:
    "ضحكَ ساخراً ثمَّ تلاشى في سكون ٍ دونَ أن يتفوّهَ بأيِّ كلمةٍ"
    تقبل تقديري واحترامي
    حسام القاضي
    أديب .. أحياناً

  3. #3
    الصورة الرمزية ابراهيم السكوري أديب
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : المغرب
    العمر : 43
    المشاركات : 350
    المواضيع : 25
    الردود : 350
    المعدل اليومي : 0.06

    افتراضي

    سلام الله عليك يا هيثم

    عمل إبداعي يستحق الإشادة و التنويه ...
    انا مع الفاضل حسام القاضي في كل ما ورد في رده ..
    - النص أقرب إلى الخاطرة منه إلى القصة .و هذا ليس قدحا فيه .. لأنه يحقق متعة أدبية تجر القارئ إلى التهام سطوره رغبة في اكتشاف ما سينتهي به النص .. وهذا قاسم مشترك مهم بين ما كتبت و بين القصة..

    حييت و دمت أديبا
    دع الأقــدار تـفـعـــل مــا تــشــاء
    وطــب نفســا إذا حكــم القضــاء

  4. #4
    الصورة الرمزية هيثم السليمان قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Feb 2009
    الدولة : سوريا _ العشارة
    العمر : 41
    المشاركات : 199
    المواضيع : 23
    الردود : 199
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسام القاضي مشاهدة المشاركة
    أخي الفاضل الأديب / هيثم السلمان
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    فكرة أكثر من رائعة أن نجد من يجعلنا نواجه أنفسنا
    صغت فكرتك في سرد شيق ممتزج بحوار قوي وفي محله تماماً
    وتطرح السؤال المهم
    هل يمكننا مواجهة انفسنا والتغلب على عيوبنا حتى لو كانت متوارثة؟؟
    فكرة الفيروس ـ الذي أصاب جينات الأب ومن قبله الجد ـ رائعة ومبتكرة
    ويمكن أن تصب في أكثر من اتجاه ، وخاصة السياسة فقد أورثت أجيالاً
    بلا هوية أو رأي ..
    اعجبتني قصتك حقاً
    ولكن ولتسمح لي
    كنت أتمنى ألا تسميها "الظل" فهذا العنوان كشفها من بدايتها وأضعف عنصر التشويق فيها
    كما تمنيت لو أنك أنهيتها عند:
    "ضحكَ ساخراً ثمَّ تلاشى في سكون ٍ دونَ أن يتفوّهَ بأيِّ كلمةٍ"
    تقبل تقديري واحترامي
    شكراً لك أخي الكريم على هذه المداخلة القيّمة التي أسعدتني وشرّفتني
    وأشكر لك توجيهاتك الهامّة بالنسبة للعنوان والنهاية

  5. #5
    الصورة الرمزية هيثم السليمان قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Feb 2009
    الدولة : سوريا _ العشارة
    العمر : 41
    المشاركات : 199
    المواضيع : 23
    الردود : 199
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابراهيم السكوري مشاهدة المشاركة
    سلام الله عليك يا هيثم

    عمل إبداعي يستحق الإشادة و التنويه ...
    انا مع الفاضل حسام القاضي في كل ما ورد في رده ..
    - النص أقرب إلى الخاطرة منه إلى القصة .و هذا ليس قدحا فيه .. لأنه يحقق متعة أدبية تجر القارئ إلى التهام سطوره رغبة في اكتشاف ما سينتهي به النص .. وهذا قاسم مشترك مهم بين ما كتبت و بين القصة..

    حييت و دمت أديبا
    شكراً لك أخي الكريم على مداخلتك القيّمة , ولكن اسمح لي أن أخالفك الرأي في كون النّص أقرب إلى الخاطرة منه إلى القصّة , لأنّ الحدث والصراع فيه ظاهران , والحبكة تكاد تكون محكمة إلى درجة كبيرة مما يوفر المناخ الملائم للقصّة .

    أشكرك مجدّداً

  6. #6
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    نص قصّي قيّم مؤثث بفكرة ملفتة خدمها عنوان حضر لوصولها للمتلقي بزخمها، وأداء طيب تجلى في حبكة متقنة وسرد وحوار شائقين

    وجدت في قول كاتبنا " وبقي صاحبنا على حاله لا يدركُ ما جرى معهُ ." استطرادا لم يقدم إضافة

    دمت بخير أيها الكريم

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  7. #7
    الصورة الرمزية هيثم السليمان قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Feb 2009
    الدولة : سوريا _ العشارة
    العمر : 41
    المشاركات : 199
    المواضيع : 23
    الردود : 199
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    أختي الكريمة ربيحة
    أشكر لك مرورك وتعليقك القيم

  8. #8
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,141
    المواضيع : 318
    الردود : 21141
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    نص بديع بتعابير جميلة صبت في قالب هادف
    حمل عمق الفكرة وثراء اللغة وتماسك البناء .
    أبدعت بهذة الرائعة وتفردت فشكرا لك.
    تحياتي.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. الظـــــل المجهـــــول
    بواسطة بتول الدليمي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 35
    آخر مشاركة: 18-10-2014, 02:49 AM