أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: نظرية الفيض ( دراسة في كتاب )

  1. #1
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : وهمي
    المشاركات : 546
    المواضيع : 29
    الردود : 546
    المعدل اليومي : 0.10

    افتراضي نظرية الفيض ( دراسة في كتاب )


    نظرية الفيض في البنية الجمالية في الفكر العربي الإسلامي ـــ د.ماجد قاروط
    يعد كتاب (البنية الجمالية في الفكر العربي الإسلامي) للأستاذ الدكتور سعد الدين كليب من المشروعات الرائدة والهامة في تأصيل الفكر الجمالي العربي الإسلامي وضبطه في حيز دقيق ومحدد، حيث أشار الباحث في فاتحة كتابه إلى أن الفكر الجمالي العربي يعاني الإهمال لولا بعض الدراسات، بينما نحن على معرفة تامة بالفكر الجمال اليوناني الكلاسيكي.‏
    يقع الكتاب في ثلاثمئة وثلاث وأربعين صفحة موزعة على خمسة فصول هي (نظرية الفيض في الفلسفة والتصوف) و (مفهوم الكمال جوهراً في الفكر العربي) و (القيم الجمالية في الفكر العربي الإسلامي) و (اللذة الجمالية) وأخيراً (الجلال والجمال في الإنسان الكامل).‏
    لم يأت الحديث عن (نظرية الفيض) كفاتحة لفصول الكتاب عن عبث إذ بدت هذه النظرية ركيزة لا بديل لها للحديث عن الفصول الأخرى، وأساساً للقيم الجمالية التي ظهرت في الفكر العربي الإسلامي كالجميل والجليل والقبيح والمعذب إلخ...‏
    ويبدو أن مفهوم (الكمال) الذي انبثق عن (نظرية الفيض) هو جوهر الأفكار الجمالية كلها، حيث سندرك لاحقاً أن مفهوم (الكمال) هو الجوهر في (الجلال)، وهو أيضاً جوهر (الجمال) الخ..، لذلك كان الحديث عن (نظرية الفيض) أمراً لا مفر منه في مطلع الدراسة.‏
    يؤكد الباحث أن (نظرية الفيض) منهج معرفي في فهم الذات الإلهية والكون والطبيعة والمجتمع والإنسان بالدرجة الأولى، قبل أن تكون مؤثراً خارجياً أجنبياً دخل الفكر العربي - الإسلامي، لهذا فإن فكرة (أسلمة) هذه النظرية لم يكن أبداً ليسيء إلى الفلسفة الإسلامية عامة والفلسفة العربية خاصة، فقد أصبحت ملك الفكر العربي الإسلامي الذي طورها ووظفها وشذبها بما ينسجم والحاضن الاجتماعي -التاريخي والأهداف الإيديولوجية، إضافة إلى الوعي الديني الفاعل في تلك المرحلة. ص11، أما المحاور التي جاءت بها الدراسة حول نظرية الفيض فتشتمل على ما يلي:‏
    = الشكل الغربي للنظرية‏
    = الشكل الشرقي للنظرية‏
    = آراء الفلاسفة العرب في النظرية‏
    = بدهيات النظرية‏
    تشير النظرية بشكليها الغربي والشرقي إلى أن فكرة الكمال المطلق هي التي تحيط بالهيئة الأولى للوجود، ثم يبدأ مستوى ذلك الكمال بالتراجع كلما ابتعدنا عن الهيئة الأولى، إلا أنه لا يختفي، لأن مستويات الكمال متعددة وموجودة كالكمال في الكائنات والكمال الاجتماعي، والكمال العقلي، ولكن هذه المستويات ناقصة إذا ما قيست بمستوى الكمال عند الهيئة الأولى، ذلك أن تلك الهيئة تحمل بالضرورة جمالاً مطلقاً وجلالاً مطلقاً.‏
    ينقسم العالم عند (أفلوطين) إلى عالم المعقول وعالم المحسوس، ولعل عالم المعقول هو العالم الحقيقي عنده خلافاً للعالم المحسوس المزيف، لهذا فإن تركيزه كان على المعقول الحقيقي الذي ينقسم إلى ثلاثة معقولات هي الواحد والعقل والنفس، فالواحد هو الهيئة الأولى للوجود التي فاضت فأتت بالعقل الذي فاض بدوره فأتى بالنفس، وهذا الواحد كامل كمالاً مطلقاً، وبذلك يترتب على هذا الواحد صفات، فهو الإله اللامتناهي في مقابل المتناهي، والأول في مقابل ما بعده، والواحد في مقابل الكثرة، والمعقول في مقابل العقل ص 16، ذلك هو الشكل الغربي للنظرية أما الشكل الشرقي للنظرية فجاء به الصابئة، إذ ينقسم الوجود عندهم إلى روحاني وجسماني، والموجودات الروحية كما أشاروا إليها -عشرة، هي الباري والعقل والنفس والروحانيات السبعة، فالباري فاض فكان العقل الذي فاض فأتى بالنفس التي فاضت فجاءت بالروحانيات فالباري يشكل الهيئة الأولى للوجود بكماله المطلق التي لا مادة فيه ولا صورة، إن المبدأ الذي قامت عليه نظرية الفيض عند الصابئة لا يختلف عن المبدأ الذي جاء به أفلوطين على الرغم من الخلاف في توزيع الهيئات التي خرجت عن الهيئة الأولى للوجود عنها فتلك الهيئات تمتلك العديد من صفات الهيئة الأولى ويزداد هذا النقص كلما أوغلنا مبتعدين عن تلك الهيئة المطلقة في كل شيء.‏
    تتخذ آراء الفلاسفة والمتصوفة العرب حول نظرية الفيض المنحى ذاته الذي جاء به أفلوطين والصابئة باستثناء ابن عربي وذلك على الرغم من أن هناك اختلافاً في المناهج التي استند إليها أولئك الفلاسفة والمتصوفة، فقد كان منهج الفارابي ذا صبغة عقلية ميتافيزيقية وكان منهج أفلوطين ذا صبغة معرفية اجتماعية.. الخ.. وعلى الرغم أيضاً من أن نظرية الفيض ذات منحى إيديولوجي يوطد الفكر السياسي الاجتماعي الذي جاء به كل فيلسوف.‏
    لقد أسس الفارابي بمنهجه العقلي الميتافيزيقي نظريته على أساس أن الموجود الأول هو السبب الأول لوجود سائر الموجودات، وهو ليس بصورة وليس بمادة حيث الصورة لا توجد إلا في المادة وهذا التأسيس لا يختلف عن الاتجاه العام الذي جاء به أفلوطين والصابئة ذلك أن الواحد عند أفلوطين عبر فعل الفيض الذي قام به أظهر بقية الموجودات الأخرى، وكذلك كان شأن الباري عند الصابئة غير أن هناك خلافاً ملموساً بين أفلوطين والفارابي حول النظر إلى المادة والصورة فأفلوطين اتخذ موقفاً أخلاقياً من المادة، فقد ذهب أفلوطين إلى أن ثمة مبادئ بذرية أو مثلاً علياً أو صوراً موجودة بالقوة في الأعلى وأن الأشكال المادية مجرد تحقيق بالفعل لما هو موجود سابقاً بالقوة، بينما ذهب الفارابي إلى أن الصورة لا توجد بمعزل عن المادة أو قبلها بل توجد بالمادة وفيها ويؤكد الفارابي أن الصور المادية هي نتيجة طبيعية معينة في اختلاط العناصر ص33 أضف إلى ذلك أن هناك خلافاً جوهرياً في فهم نظرية الفيض بين الفارابي وابن سينا على الرغم من الاتفاق في الاتجاه العام لهذه النظرية، فالاثنان يقولان بالفيض الطبيعي وبالعقول العشرة وبصدور الأجرام السماوية عن العقول المفارقة للمادة ص51، غير أنهما يختلفان حول كيفية الفيض هل هو ثنائي أم ثلاثي؟، حيث قال الفارابي بالفيض الثنائي الذي يعني أن هناك تلازماً بين الصورة والمادة في عملية الفيض وأن الصورة لا توجد قبل المادة بل توجد بها وفيها، وهذا يختلف أيضاً عن مثل أفلاطون وأفلوطين، وهذا يحيل على الرفع من شأن المادة وإلى أن الاتصال بالعقل الفعال لا يؤدي بالضرورة إلى التخلي عن البدنية والمادية، في حين أن ابن سينا عزل الصورة عن المادة فقال: إن الصورة ناجمة عن تعقل العقل لذاته، والمادة ناجمة عن الإمكانية في العقل وهذا يشير إلى أن الصورة توجد قبل المادة، وبالضرورة فإن ذلك يدعو للقول إن هناك صوراً ومثلاً عليا علوية، وإن النفوس الإنسانية (الصور الإنسانية) تعود إلى عالم المعاد أو مصدرها الأول ص52.‏
    ويبدو أن إخوان الصفا قد رأوا أن الموجودات الروحانية خمسة هي اللَّه تعالى (الباري) والعقل الفعال والنفس الكلية والهيولى الأولى، والجسم المطلق، حيث دخلت الهيولى الأولى والجسم المطلق في الحيز الروحاني لقد أراد إخوان الصفا من هذا التقسيم خدمة مآربهم الاجتماعية السياسية في الوصول إلى الإمامة وذلك باهتمامهم بالنفس لا بالعقل، ذلك أن العقل الفعال الذي يحتفظ بالكامل عندهم، يقدم إلى النفس الكلية التمام والبقاء والوجود، أما النفس الكلية فبدورها تحتفظ بالتمام وتقدم إلى الهيولى الأولى البقاء والوجود ص40، ومن هنا بدأ تركيزهم على النفس الكلية التي هي جوهرة روحانية وينعكس اهتمامهم بالنفس على المحيط وعلى الاستعداد النفسي لأتباعهم في خدمة مآرب الحركة السياسية لإخوان الصفا.‏
    إن ذلك التقسيم الذي جاء به إخوان الصفا لم يكن قاعدة متماسكة في نظريتهم الفيضية، بل إنهم اخترقوا هذا التقسيم فأصبحت الموجودات الروحانية أكثر من خمسة وتشعبت التقسيمات وحدثت الخلخلة أكثر فأكثر، وكل ذلك مرده توحيد الفكر السياسي وتوطيده لديهم.‏
    لقد ذكرنا سابقاً فيما مضى أن إخوان الصفا قد اهتموا بالنفس لا بالعقل، هذا لأن الفارابي قد رفع من شأن العقل في خدمة مشروعه الحضاري لإنجاز المدينة الفاضلة عبر تكامل الوجودين العقلي والمادي وتحقيق الكمال الإنساني.‏
    فالفارابي يرى أن هناك قطبين في الوجود هما الأول (الواجب) والإنسان (الممكن)، والإنسان هو قطب الوجود المادي المتغير، والأول هو قطب الوجود العقلي الثابت ويحصل اتصال بين القطبين عبر الموجودات العقلية المفارقة للمادة، وهكذا ندرك المغزى الإيديولوجي وراء نظرية الفيض.‏
    أما السهروردي الإشراقي فلا جديد لديه عما أتى به ابن سينا الذي رأى أن سيرورة الفيض ثلاثية لا ثنائية، وفحوى هذه السيرورة تعقل العقل لواجب الوجود، وتعقله لذاته، وبما هو ممكن الوجود لذاته وهذه السيرورة تختلف عما جاء به الفارابي كما أشرنا سابقاً، حيث لاحظنا هذا الأمر في العرض في الخلاف بينهما ورأينا أيضاً فيما هما عليه متفقان.‏
    ولعل الشيخ الأكبر ابن عربي قد تجاوز الأساس الآلي الذي قامت عليه نظرية الفيض عند الفلاسفة العرب وعند أفلوطين حيث يشير الباحث إلى هذا الأمر قائلاً: إذا كان الجميع (جميع الفلاسفة) قد اتفق على أن الفيض الإلهي يستنفذ نفسه عند العقل العاشر أو النفس، فإن الشيخ الأكبر ينظر إلى المسألة من زاوية عكسية تماماً، إنه يرى في نهاية الفيض وصولاً إلى الكمال، كمال الفيض، وليس إلى نقصه وتلاشيه، وقبل وصوله إلى الكمال يكون ناقصاً ويزداد شيئاً فشيئاً في كل مرتبة يتوضع فيها ص 61.‏
    وأما الأساس الذي قامت عليه نظرية الفيض عند ابن عربي من حيث التقسيم فلا يختلف عن ذلك الذي أتى به أفلوطين، من أن العالم الروحاني العلوي يتألف من ثلاثة أقانيم، وهي الحق تعالى، والعقل، والنفس.‏
    ويخلص الباحث في نهاية حديثه عن نظرية الفيض إلى أهم البدهيات المحيطة بهذه النظرية وتتلخص فيما يلي:‏
    1- إن الموجودات مبنية على أساس تراتبي من حيث الوجود والمرتبة، أما من حيث المرتبه فهي مرتبه الأول على الثاني، أو الواحد على الكثرة، أو العلة على المعلول، وأما من حيث الوجود فيكمن هذا فيما بين الأول والموجودات المفارقة وهو وجود تراتبي منطقي لا زماني.‏
    وأما التراتب الزماني فيكمن بين العالم المحسوس والعالم المعقول، وذلك بواسطة الهيولى، بمعنى أن تحول الهيولى إلى عناصر، والعناصر إلى أجسام هو الذي يستغرق زمناً ص 65-66‏
    2- إن نظرية الفيض تنطلق من أن الكمال هو الأساس في التفاضل، فالمثل الأعلى للكمال الذي لا زيادة فيه ولا نقصان هو الأول أو واجب الوجود ومن ثم يأتي بعد الفيض ما هو ممكن الوجود ص 66‏
    3- إن الفيض الإلهي طبيعي غير قصدي وهو سرمدي، لم يبدا ولم ينقطع البته، كما أن سيرورته لا تنتهي إطلاقاً ص67‏
    بعد هذا العرض ينتهي بنا الحديث عن هذه النظرية وسنقوم لاحقاً بعرض وتوصيف لبقية فصول الكتاب، كل فصل على حدة.‏
    - المرجع: كليب، سعد الدين، 1997، البنية الجمالية في الفكر العربي الإسلامي، وزارة الثقافة دمشق.‏

  2. #2
    عضوية وهمية للعضو
    تاريخ التسجيل : Apr 2009
    العمر : 48
    المشاركات : 79
    المواضيع : 6
    الردود : 79
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    الشكر الجزيل للدكتور الحبيب ماجد قاروط
    و الشكر العميق العميق للأستاذ الدكتور سعد الدين كليب
    ومن الواضح ذلك الجهد المضني الذي بذله الدكتور سعد
    و المستويات الهامة التي طرحها الكتاب
    بل إن الكتاب في حد ذاته كتاب هام
    تقديري الكبير للدكتور سعد على هذا الإنجاز الرائع

  3. #3
    عضوية وهمية للعضو
    تاريخ التسجيل : May 2009
    المشاركات : 33
    المواضيع : 2
    الردود : 33
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    الأستاذ الدكتور ماجد قاروط المحترم شكرا من القلب لأنك جعلتنا نطلع مبدئياً عل كتاب قيم كهذا
    وإني من الأعماق أشكر الأستاذ الدكتور الفاضل سعد الدين كليب الناقد و الباحث القدير على هذا الكتاب الذي يغني مكتبتنا بالعلم و المعرفة ، و في حقيقة الأمر إن الموضوع الذي أمامنا هو غاية في الأهمية و الدقة لما فيه من حداثة في الطرح وتميز في الفصول و الأبواب و العناوين
    واللافت من خلال قراءة هذه الدراسة أن الاتجاه الايديولوجي قد يكون عاملاً أساسا في التأثير على مرتكزات دينية لاهوتية كنظرية الفيض
    كل التقدير للدكتور سعد الدين كليب على هذا الكتاب مع باقات الحب و الجمال

المواضيع المتشابهه

  1. كتاب دراسة في أدب باكثير
    بواسطة ياسرحباب في المنتدى المَكْتَبَةُ الأَدَبِيَّةُ واللغَوِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 30-09-2013, 04:45 AM
  2. عرض وتلخيص كتاب نظرية التقريب والتغليب
    بواسطة عبدالصمد حسن زيبار في المنتدى الحِوَارُ المَعْرِفِي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 23-08-2007, 11:32 PM
  3. كتاب " سورة النور دراسة قرآنية موضوعية"
    بواسطة عدنان أحمد البحيصي في المنتدى مُنتَدَى الشَّهِيدِ عَدْنَان البحَيصٍي
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 29-12-2005, 03:53 PM
  4. نظرية القرود الخمسة
    بواسطة مصراوى في المنتدى الأَدَبُ السَّاخِرُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 30-11-2004, 05:51 AM
  5. نظرية نقدية جديدة
    بواسطة ايمن اللبدي في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 21-08-2003, 10:20 AM