ارحل
في رثاء الشيخ (همّ) محمد بن محمد طاهر الأنصاري
غاب عنا بعد أن قضى قرنا كاملا من الزمان، وكان شيخا فاضلا راوية علاّمة، لا تأخذه في الوقائع والحقائق لومة لائم، وفجعت به أسرته ومحبوه أيما فجيعة.
**
أمسيتَ يا طيب الأثواب مجدولا
مغيّباً في تراب اللحد معزولا
فما الضحى بعدما غادرت مبتهجاً
وما المساءُ على لقياكَ مسدولا
نكّستَ راية مجد كنت رافعَها
قرناً بكفك فازدادت بها طولا
فكلَّ رمحٍ تركتَ اليومَ منكسراً
وكلََّ سيفٍ تركتَ اليوم مفلولا
وكلُّ بيت من الأنصارِ بات له
دمٌ على الدهرِ يبقى الدهرَ مطلولا
**
أبكيتَ بعدك يُتماً كل آنسةٍ
جادت عليكَ بطرفٍ سال مكحولا
حتى العصافير من أعشاشها فزعتْ
لما رأتك على الأكتاف محمولا
أبكيك للعلم يا من لست كاتمَه
وللمآثر أبكي نفسَك الطولى
يا من صمدتَ لقول الحق فاندحرتْ
كتائبُ الزور حتى ارتدّ مخذولا
خطّتْ يمينك خطاً فاستقام به
ميلُ الرواةِ فما ينفكّ معدولا
لئن رحلتَ فقد خلّفتَ منصلتاً
يبقى على هامة البهتانِ مسلولا
فما الحروف التي سطرتها عبثاً
وما الكتاب إذا ما مِتَ مقتولا
ولم يزل طيبك المبثوثُ منتشراً
كأنما انداحَ في الأنسام محفولا
**
لو كان للموت أن يرتدّ عن أحدٍ
بعد النفاذ لعادتْ روحُك الأولى
إلا النبي وإخواناً له سبقوا
بالصالحاتِ وما خلّوكَ مجهولا
فما رأيناك بالأحقاد مضطغناً
ولا بغير الرضا والبشر مشمولا
**
أتعبتَ بعدك أقواماً إذا نطقوا
لم يعرف الناسُ قولاً كان مفعولا
وعاب صدقَكَ فيهم أنهم كذبوا
وجئتَ بالصدق عند الله مقبولا
فارحل.. فما أنت إلا صوب غاديةٍ
سقى السباخَ وظل القفرُ ممحولا
وارحل.. فرضوان ربي خير مرتفَقٍ
للراحلين وإن ظنوه مرذولا
5*8*1430هـ