|
قد شفّني الوجد لو تدرينَ يا أملُ |
و الدمع في مُقلتي ضاقت بهِ السبُلُ |
فانسالَ كالدُّرِّ فوق الخد مكتئباً |
لما رأى الصحبَ للأوطان قد رحلوا |
سألتُهُ ، و رياح الشوقِ تعصفُ بي |
ماذا دهاكَ ، أبعد الشيبِ تنهملُ ؟ |
أجابني : و متى يا صاحِ تُهرقني |
و قد أصابكَ جُرحٌ ليس يندملُ |
أليس في غربةٍ جُرِّعتَ قسوتها |
دهراً طويلاً إذا ما قستها ثِِقَلُ؟ |
و في فراقِ حبيبٍ قد حُرِمتَ بِهِ |
طعمَ الكرى و الهنا يا صاحبي مللُ ؟ |
كلٌّ طوى ليلَهُ و اغتال غربتهُ |
و أنت لا زلتَ بالدينارِ تنشغلُ |
أغراك كسبٌ له بالبعد عن وطنٍ |
عشرينَ حوْلاً ، طواك السهلُ و الجبلُ |
قلتُ اصمتي يا دموع العين و ارتدعي |
فقد دها القلبَ من تثريبكِ الكللُ |
أما علمتِِ و أنتِ من لظى كبدي |
كيف اشتياقي لأرضِ النيلِ مشتعلُ ؟ |
مصرُ التي قد ثوت في خافقي و دمي |
من ذا ينازعني فيها و يحتملُ ؟ |
لا المالُ يا أدمعي يُغني و وفرتُهُ |
عن ذرةٍ من ثراها منهُ أكتحِلُ |
كلا و لا الذهبُ البراقُ يسلبني |
عقلي ، و إن زاغتِ الأبصارُ و المُقَلُ |
و ما الدانوبُ و نهر السينِ من نَهَرٍ |
ينسابُ في أرضها شلالُهُ العسلُ |
و الشمسُ ما الشمسُ إلا من مشارقها |
إني بكأسِ ضحاها شاربٌ ثَمِلُ |
و البدرُ قد زادهُ أنوارُها أَلَقاً |
فمن محاسنها يزهو و يكتملُ |
إن حَمْلقَتْ عينُهُ في وجهها عَرَضاً |
أصابَهُ في عُلاهُ الخسفُ و الخَجَلُ |
و أين مني أذان الفجرِ، يرفعهُ |
في أزهرِ الخيرِ صوتٌ خاشعٌ وَجِلُ |
و من إذا جفَّ نبعُ الشعرِ أو نضبت |
بحورُهُ ، أو عراهُ الزيفُ و الخللُ.. |
يُلقي لنا طوق إنقاذٍ بأمسيةٍ |
في صيفِ مصرَ بهِا الأشعارُ تُرتجَلُ |
فيرتوي القلبُ من شعرٍ و من زَجَلٍ |
و يسلبُ الوافرُ الألبابَ و الرَمَلُ |
و تسكبُ اللحنَ في الآذانِ صادحةٌ |
في الخلقِ ليس لها نِدٌّ و لا مَثَلُ |
يا أيها الدمعُ أمسكْ عن مُعاتَبَتي |
فليس لي عن هوى محبوبتي حِوَلُ |
إن غبتُ عنها ، فإن الشوقَ يدفعني |
لها ، و من غربتي في النيلِ أغتسلُ |
أُطهرُ الروحَ من ذنبِ اغترابي ، و من |
ليلٍ طوتني بِهِ الأمصارُ و الدولُ |