ياوطن لا يجمعنا إلا الفراق
بقلم : عمار باطويل
20-9-2009م
كيف يصبح شعور المرء عندما يبعد عن سماء وطنه وتراب وطنه الذي ينتمي إليه بقلبه وفكره كيف يشعر وهو يبحر في الغربة وتمر به الأيام والسنون وهو يحلم بالرجوع المؤبد إلى الوطن المؤبد الذي سكن في أعماق القلب منذ الصغر , نرى أحلامنا تتلاشى أمام أعيننا وكلما تلاشى حلم بُعدت خطواتنا عن الوطن خطوة خطوة ,سحب ملبدة بلغيوم وشمس لم تشرق بعد وقمر لم يبزغ هكذا تكون احاسيس المرء عندما يكون في غربة الشبه مؤبدة كسحب بلا مطر وشمس لا تشرق وقمر لا يضئ , شعور يعتصرنا بالوحدة - فالمظهر غير الباطن الذي يعلم به رب الكون الذي يعلم بكل الأمور. عندما غيبتني الغربة عن الأعياد من أرض الوطن ثالث عشر عاماً وكل عام من عمري يمر ولا أجني إلا خسارة كبيرة ألا وهي خسارة البُعد عن أرض الأجداد التي سكنت في عمق الوجدان نشعر بأننا ( مواطنون بلا وطن ) وطن لا يحضننا بأفراحنا ولا بآلأمنا فصبحنا تايهين ضايعين في طرق العالم ولا يجمعنا بوطنا إلا الفراق والغياب الطويل الذي مازال مغيبنا عن الوطن, كلما تغربنا كلما زاد الحب والشوق إلى أرضنا. أقلب صفحات الذكرى بأفراحها وأحزانها فيراودني شعور بأننا بلا وطن ! هذه الأبيات قرأتها عندما كنت في بلاد العم سام وحفظتها كلمة كلمة لأنها تحكي عن واقع نعايشة بكل آلامنا والآن وأنا في السعودية مازالت هذه الابيات للشاعرة المورتانية مباركة بنت البراء تراوغني والتي تقول فيها :
مواطنون كلنا ولكننا بلا وطن
ممتهنون كلنا ولكننا بلا مهن
منحطون غارقون في توابيت الزمن
وكلما مرت محن
كانت دماؤنا الثمن
ثم حمدنا الله إنها أخف من محن !.
نحن بعيدون كل البُعد عن الوطن وكلما نحلم بالرجوع إليه تكبلنا ظروف الحياة ونشعر بأننا مقيدي الأيدي والأرجل ولا نخطو خطوة إلى الأمام لكسر حاجز وعقدة الغربة التي إنهكت أجسادنا وأفكارنا !. نحلم بالرجوع إلى الوطن ونعيش بين أحضانه ونحيا حياة كريمة بلا أوجاع وهموم التي تعودنا عليها في غربتنا – أي غربة هذه التي لا نعرف مصيرها ونهايتها ولا يوجد خيار آخر غير خيارين ألا وهما ,غربة ما لا نهاية لها او الموت الذي يغيبنا عن الوطن وينطبق علينا البيت الشعري للشاعر امرؤ القيس الذي يقول فيه :
وليس الغريب من تناءت دياره ## ولكن من وراى التراب غريب .
وأنا أكتب هذا المقال تذكرت أبيات غناها محمد عبده ويقول فيها : كل الأماكن مشتاقة لك.
فهل الأماكن التي عشنا فيها في الوطن فعلاً مشتاقة لنا ام نحن من نشتاق لها ويكون الشوق والحنين من طرف واحد فقط؟!. فكيف المضي إليك ايه الوطن ولا يجمعنا إلا الفراق والغياب الطويل فكلما أفلت النجوم فأنت ياوطن شامخ في الأعماق لا تغيب فأخبرني كيف المضي إليك ؟ وربما شاعرنا المحضار رحمه الله عانى مثلنا من الغربة وانكوى من نارها والتي مازالت تكوينا , وحيث قال :
وويح نفسي لا ذكرت أوطانها حنت ## حتى ولو هي في مطرح الخير رغبانه.