تعالوا نتفق ...كيف نختلف
اليوم أعود لهذا الركن الهام في واحتنا وهو قضايا وأراء .. أعتذر بداية عن الغياب .. لكنني لاحظت شيئا مهما يدور في الواحة ويمثل ما نعانيه حتى في وقائع يومنا العادية .. من منا لم يختلف يوما مع صاحب أو صديق ... ترى كيف صار الخلاف معه ؟
تعالوا نجوب الأمر قليلا ..
الخلاف في الغالب يبدأ نتيجة أراء لا تتفق حول نقطة محورية في الرأي ..قد تكون ذات بعد ديني ..أو سياسي .. أو اجتماعي ... في البدء يكون الأمر هادئا .. ثم يبدأ الأمر في الميل عن الحد الطبيعي حينما يتمسك كلا برأيه ... لا يلين .. "يخوض" الطرفان الحوار على مبدأ أنه يجب أن يذعن فيه طرفا لآخر .. ويصبح الأمر أشبه بمعركة .. لابد فيها من منتصر ومنهزم ... هنا يخرج الحوار من إطاره العقلي .. ويصبح همّ كل طرف أن يثبت خطأ الأخر بشتى الوسائل .. الصالح منها "والطالح" .. ويظهر المبدأ الميكافيلي "الغاية تبرر الوسيلة" .. ويبدأ النيل من "شخص" الطرف .. للطرف الآخر .. كثير من السخرية .. إتهامات شخصية .. تفسير كل كلمة بأنها ذات غرض خبيث .. ويغلب على الأمر سوء النية .. فيكون ناتج الحوار ما هو الا عداوة على المستوى الشخصي .. و نوع من الحقد الدفين
سأبدأ هنا بشكل أكثر مباشرة .. دار حوار مع أخت لنا حول معتقدات دينية تكاد تكون من المسلمات في ديننا .. بدأ الحوار هادئا .. وبدأ كل طرف في إبداء رأيه .. وفي مقارعة الحجج وحتى الآن فكل هذا جميل ..يثري الواحة ويجعل من الأفق مدى متسع .. ثم تبدلت اللهجة بعدها وبدأت الإتهامات .. وسرعان ما قارب الأمر نوع من السباب الشخصي .. مما دعا الإدارة للتدخل ...
سأركز هنا على الجانب الديني لما له من حساسيات مرتبطة به
في رأيي أن آفة الحوار هو قناعة كل طرف بأنه "يجب" أن يغير و يبدل رأي الآخر من مجرد نقاش واحد وأنه على صواب تاااااااااااام .. بداية دعوني أضرب نموذجا من مثل هذه الحوارات
هذا حوار دار بين طرفين بعد صلاة الفجر في جماعة ...وأكرر أنهما صليا الفجر والتقيا
الطرف الأول : السلام عليكم أخي .. هل تسمح لي بكلمة
الطرف الثاني : تفضل
الطرف الأول : أراك ترتدي جلبابا طويلا يتجاوز الكعبين ..وبذلك فأنت في النار إن لم تقصر ولن تقبل صلاتك ( هكذا مرة واحدة )
الطرف الثاني : رفقا أخي .. ألم يكن سيدنا أبو بكر طويل الثياب وحين راجع الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال له "لست منهم يا أبا بكر" ؟
الطرف الأول : هذا أبو بكر ... ولست أنت أبو بكر
الطرف الثاني : جزاك الله خيرا .. ولك أن تدعني فقد نصحت ولي أن أقبل أو لا أقبل ..بارك الله فيك
الطرف الأول : ..... "وقف مندهشا" ثم مضى لسبيله يتعجب من هذا الزمان
بالرغم من قسوة الحوار إلا أنه لم يتعدى للأشخاص وإن كان تبدو النية فيه إلى ذلك مما دعى أحد المتحاورين إلى إنهاء الحوار قبل أن يتحول إلى كارثة
هنا لا أريد أن أناقش المسألة الفقهية ..بل أريد أن أسأل .. أليس من حق كل طرف أن يحتفظ برأيه بعد نهاية الحوار ؟ بمعنى ألا يغيره ؟ ..أعتقد هذا ... لكن ليس لأي طرف الحق من تسفيه الآخر .. فربما يكون الطرف الآخر على صواب .. ولكن ليكن هناك نوع من اللين .. نوع من التفهم .. احب أن اسميه نوع من "الإحتواء" .. "وقابل السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن"
راجع كلماتك جيدا ..وانظر جيدا أين تذهب ..إن كانت تذهب إلى ما يؤذي فإياك أن تدعها تمضي ..
دعوني أقترب من مسألة أكثر حساسية .. ماذا لو كان الطرفان يمسان قضية شائكة ؟ لنضرب مثلا
الموسيقى ... يقول رأي فقهي محترم وقوي بحرمانيتها .. وفي الجهة الأخرى رأي فقهي آخر يقول بحلالها بشروط .. وأكرر أنني لا أركز هنا على المسألة الفقهية بقدر تركيزي على مسألة الخلاف ذاتها
أتساءل ..هل لأن طرف يرى أن الموسيقى حرام أن يرفض أن يسمعها من يراها حلال ؟ ألا يستند الرأيان لأدلة ؟ إذا فكيف تفرض رأيك هنا والأمر "خلافي" ؟؟ تعالوا نقترب من الطرفين هنا
الطرف المحرم يرى أن هذا أمر بالمعروف و نهي عن المنكر .. وأن التغيير فرض ..
الطرف المحلل يرى أن الأمر خلافي ومن حقه أن يؤمن بما قد اقتنع به من أدلة قدمها مشايخه وأن الطرف الأول ليس له إلا النصيحة
يبدو الأمر معضلة حقا .. إذن ما الحل ؟؟ دعوني أعرض عليكم نموذجا آخر من الحوار حول هذه النقطة
تواجد هنا ثلاثة أطراف داخل سيارة .. طرفان يعتقدان بحلال الموسيقى وطرف ثالث يعتقد بحرمانيتها .. الأطراف من الأصدقاء المقربين لبعضهم جدا وكلهم ملتزمون
- الطرف المحرم : من فضلكم يا جماعة لا أريد أن استمع إلى موسيقى
- الطرف المحلل الأول: وبعدين معاك .. إنت دايما غاوي قلة مزاج .. معلش علشان خاطري المرة دي
- الطرف المحرم : أرجوكم يا جماعة .. انتم عارفين الأدلة وانا مش موافقكم في اللي انتم بتقولوه
- الطرف المحلل الثاني : خلاص براحتك .. مش هنسمع بس علشان خاطرك المرة دي
انتهى الحوار وتم اغلاق الموسيقى .. وتابع الأطراف حديثهم العادي دون أي غضاضة .. هم ما زالوا أخوة يلتقون في مواقيت الصلاة .. اذا كانوا وحدهم استمعوا للموسيقى وأحيانا يأتي الطرف المحرم ولا ينتبه للموسيقى فلا يعترض ..وأحيانا يتنازل لهم لكونهم مثلا في رحلة او أنه لا يريد أن يزعجهم .. لأنه يرى "أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" .. الأمر هنا له وجهتان نظر .. ورغم ذلك لم يفسد هذا الخلاف ما بينهم ..
أمر الموسيقى أمر حساس لكنه ليس بهذا القدر العظيم
دعونا هنا نقترب من منطقة ملتهبة .. ماذا عن مذهب السنة ومذهب الشيعة .... إن كنت أنت شيعي المذهب والطرف الآخر سني المذهب .. ممممم كيف سنلتقي هنا ؟ ماذا عن الصوفية ؟؟
هذه فعلا منطقة شائكة جدا .. أهل السنة يظنون في الشيعة الظنون .. و الشيعة يظنون في أهل السنة الظنون .. فما بالك بالصوفية ! يكاد أهل السنة أن يكفروا الشيعة و الصوفية ..ونفس الأمر من الناحية الأخرى !
ترى هل يمكن أن "نحتوي" مثل هذا الخلاف ؟ ... نعم يمكن .. ولو عملا بالأية "لكم دينكم ولي دين" .. على أن يحترم كل طرف مكان الآخر .. فلا يتناقش الشيعة في الأمور الخلافية في منتدى يديره أهل السنة .. والعكس كذلك .. اللهم إلا إذا كان الحوار بالتي هي أحسن ... ولندع لكل طرف مكانه ومنبره يدعوا من عليه .. ولنثق في عقول الشباب .. ولندعهم يختارون .. وليسعى كل فريق لأثبات حجته على أن يكون الأمر بعيدا عن السباب والتناول و الأعراض .. وليعلن كل طرف للآخر أنه يرفضه لأن ..كذا وكذا وكذا ... ولكننا نحترم بعضنا في نهاية الأمر .. فمثلا لو نشر واحد من الشيعة قصيدة شعرية جميلة في منتدى لأهل السنة .. فليكن هنا الأمر بعيدا عن الخلاف .. فالجمال يشهد له بعيدا عن معتقدات صاحبه ..
غاية الأمر .. أنني أدعو دعوة هنا للحوار .. دعونا نتفق ..كيف نختلف ...
سيطول الحوار كثيرا ... لذا أتوقف الآن ..منتظرا حواركم الذي قد يتفق معي أو يختلف .. وأرجو ألا أكون قد أزعجتكم