في قرية مبنية بيوتها من الطين اللبن ، معروشة بالخشب وسعف النخيل ، أبوابها ونوافذها ألواح خشبية صفت بجانب بعضها ككتلة غير متراصة ، ينفذ الضوء من بين ألواحها مشعاعا ، لها عصى خشبية ضخممة كمزلاج لغلقها
يلف القرية ظلام دامس كل ليلة ، خلا بعض الليالي القمرية ، وتسمع في جوف الليل أصوات بعض الحيوانات من ثعالب وكلاب ، ويقض مضجع قاطنيها بين الحين والآخر صوت الذئاب آت ٍ من أطرافها ، تهتك أصواتها هدوء الليل البهيم
اعتاد قاطن البيت المرور بدكان القرية الوحيد في الأطراف ، لشراء ما يلزمه بشكل شبه يومي قبيل غروب الشمس ، ثم يعود حاملا ما ابتاعه لبيته المتواضع ، ويغلق باب بيته عليه ولا يلبث إلا قليلا من أول الليل ، ثم يأوي إلى فراشه لينام
اشترى ذات ليلة من الدكان ثلاث بيضات ، وضمة من خبز القمح لزوم إفطاره في الصباح ، ولما كان الجو حارا ، وخوفا من فساد بيضاته الثلاث ، وضعها على حافة النافذة المطلة على سفح الجبل القريب ، عل النسيم الجبلي البارد يعمل على حفظها ، حتى الصباح وأغلق النافذة بالمزلاج الخشبي ونام
في الصباح ، عمد لقلي البيضات في الزيت ، فوجد إحداها فارغة من محتوياتها ، فاستغرب ، ولم يطل التفكير واكتفى ببيضتين مع رغيف صغير من الخبز
في مساء اليوم التالي ، عاد للدكان المذكور، وأبلغ البائع عن البيضة الفارغة ، فأنكر أنه يبيع بيضا فارغا ، وكيف له أن يفرغ البيض من محتواه ؟
لكن البيضة كانت فارغة يا سيدي ، أنا لا أكذب عليك
البيض أمامك ، فانتقي بيضا ممتلئا ، واترك الفارغ إن وجدته
بالفعل ، تم له ذلك ، وانصرف للبيت ليضع البيض في نفس المكان السابق ، حتى إذا جاء الصباح ، وعند القلي بدت إحداها فارغة
جن جنون صاحبنا ، لقد اشترى البيض وتأكد من أنه سليم ، فكيف لهذه البيضة أن تكون فارغة ، ومن ذا الذي أفرغها من محتوياتها ؟!!
تسربت الظنون لخلايا دماغه الذي أوسع مجال التفكير والتخمين ، وذهب العقل بصاحبنا لشيخ طاعن في السن ، راح يتلو عليه بعض الأحاديث عن الجن والشياطين وأفعالهم
جن الليل واستبد الخوف به ، فأغلق الباب الخارجي ثم الداخلي بعد أن وضع البيض في المكان المعتاد على حافة النافذة ، ودثر نفسه بغطاء خفيف أخذ يلفلفه على جسده حتى أصبح كالكفن خلا فتحة صغيرة ينظر منها بعين واحدة لمكان البيض
أخذ خوفه يتحول إلى رعب فارتعاش في الجسد كلما أوغل الليل ، وأسدل أستاره
تتهادى بعض خيوط من نور القمر ، متسللة بين الألواح الخشبية ، في بنية النافذة ، وقد بدت له وكأنها من عيون بعض الجان ، تنظر إليه فيزداد ارتعاد جسده
وبينما هو كذلك ، وإذ بشيء أسود كالعصا الصغيرة ، يمتد بين ألوح خشب النافذة ، فيزيح المزلاج
تجمد في مكانه بلا حراك ، توقفت أنفاسه ، وتسارعت ضربات قلبه ، وبلغت الروح منه الحلقوم
لحظات وإذا بالنافذة تفتح ، ويطل منها مخلوق أسود اللون ، غريب المنظر ، بعينين تبرقان
يقترب من البيض ، يفتح فمه ، فتبدو الأنياب الحادة ، يثقب إحداها قشرة البيضة بدقة وإتقان ثم يبدأ فمه بشفط محتوياتها. . . . .