قبل القصيدة
إن رأيت دمي يسيل على الطريق فلا تقل : جفف دمك .
إن قرأت قصيدة و تبادلوا نظراتهم سرا علي فلا تقل : أغلق فمك .
إن أتيت تزور قبري بعدما أمضي قتيلا ، لا تكن غرا فتسأل جثتي : من أعدمك ؟
القصيدة
زمن البدايات انتهى
زمن النهايات ابتدأ
أنصت بحدسك للنبأ
أو ليس حدس المرء
أبلغ في السماع و في النظر
من أذنه ، ومن البصر ؟
أنظر بقلبك للملأ
موتى و هم يمشون
لا أثر تخلفه النعال
على مسارات الشتات المقفلة
موتى تراهم كلما حاولت وصف وجوههم
سقط القناع عن القناع عن القناع
و لا ملامح خلف كل الأقنعة
لا شيء إلا شكل دائرة
و داخل حدها
من لا نهايات البداية
أسقطت دمعا عيون مثقلة
حزنا على وطن يهاجر فيك سرا
دون أوراق ثبوتية يهاجر
ليس وجهته سوى
مطر تشرد في غيوم ضائعة
مطر تمرد في الجهات الأربعة
***
يا من نراك و لا ترانا
لا تبح بالصمت ، أنت مراقب
فاحذر وشاية قبرك المرصود جاسوسا
إذا ما نمت ليلك فيه وحدك
إن للجدران آذان
و للموتى عيون
أيها المبعوث فينا شاعرا
يستنطق اللغة المليئة باحتمال الياسمين
و غصة في الحلق
من جعل الحروف حمائما
حينا ، و أحيانا نسور ؟
من قال ليس الشعر لغما
أو رصاصا أو قتال ؟
من قال عن لغة
أبيت بأن تخون حروفها
ليست نضال ؟
ليست تقاوم...لا تثور...
أ لأنها أنثى يرون بأنها
ليست تثور ؟
الأرض من كلماتها
قاومت من كلماتها
و نزفت من كلماتها
و الموت و الشهداء و الثكلى
و آه و اليتيم...
وكل ما فيه احتمال الحزن من كلماتها
***
يتجسسون على حروفك خلسة
يتلصصون بلا حياء
لم تكن لتصير أنت
و أنت تكتب عنك أنت
لذا كتبت عن الندى
و عن البكاء
و عن تراب الأرض
عن أفق السماء
و عن أب حمل السلاح لهم
و أم كلما مدت يديها نحوه
قصد البقاء أبى
و ضم الطفل يلثمه
و يشتم البراءة منه
حتى تخذل العبرات فيه رجولة
لا تنحني
فيقوم يعدو نحوهم
و الطفل يصرخ لا ، أبي
خذني معك
لا تمض ، و ابق معي
سأمسح أدمعك
لولا يزيد الله في عمري
لأعرف من أنا...
كي أتبعك
***
فليكتبوك على بطاقات الهوية
أو جوازات السفر
ما أنت إلا موعد للبوح
و اسم للوطن
ما أنت إلا موعد للجرح
وشم للمطر
فليكتبوك على بطاقات المعايدة التي
تأتي و تمضي خارج الأعياد
إنا لن نكذب ما يصدقه القدر
إنا لنقرأ كل شيء كاذب صدق السراب :
محمود مات و صار يحجبه الكفن
محمود كف عن الأنين
محمود...
و انبعث الحنين
و شواهد الميلاد ما فيها سواك
و أنت كالوهم / الحقيقة
إذ نراك...و لا نراك
تناصر الموتى غيابا
ثم تأتي
كي تعايد بالقصيدة و الحداد
على بكائية البلاد
يقوم فينا صوتك الممتد أرزا شامخا
ليقول شعرا عن جنين
و خان يونس و الخليل
و دير ياسين و رام الله
لم تستثن من أرض تنام بها أخيرا
أي شبر
لم تقل : هذي بلادي
و البقية ملكهم .