من "جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب"- أحمد الهاشمي
محاسن الإنشاء ومعايبه
إن للنثر محاسن ومعايب يجب على المنشئ أن يفرق بينهما محترزاً من استعمال الألفاظ الغريبة وما يخل بفهم المراد ويوجب صعوبته ولابد من أن يجعل الألفاظ تابعة للمعاني دون العكس. لأن المعاني إذا تركبت على سجيتها طلبت لأنفسها ألفاظاً تليق بها فيحسن اللفظ والمعنى جميعاً.
وأما جعل الألفاظ متكلفة والمعاني تابعة لها فهو شأن من لهم شغف بإيراد شيء من المحسنات اللفظية فيصرفون العناية إليها ويجعلون الكلام كأنه غير مسوق لإفادة المعنى. فلا يبالون بخفاء الدلالات وركاكة المعنى ومن أعظم ما يليق بمن يتعاطى الإنشاء أن يكتب ما يراد لا ما يريد كما قيل في الصاحب والصابئ: أن الصابئ يكتب ما يراد والصاحب يكتب ما يريد.
(عن آداب المنشئ ببعض تصرف)
وعيوبه سبعة، هي:
1- الهجنة بأن يكون اللفظ سخيفا والمعنى مستقبحا كقوله:
وإذا أدنيتَ منهُ بصلا ** غلبَ المسكَ على ريح البصل
2- والوحشية كون الكلام غليظا تمجه الأسماع وتنفر منه الطباع كقوله:
وما أرضى لمقلتهِ بحلم ** إذا انتبهتَ توهَّمهُ ابتشاكا
3- والركاكة ضعف التأليف وسخافة العبارة كقول المتنبي المتوفي سنة 346هـ:
إنْ كان مثلك كان أو هو كائنٌ ** فبرئتُ حينئذٍ من الإسلام
4- والسهو عبارة عن ضعف البصر بمواقع الكلام المتنبي يشبه ممدوحه بالله تعالى (وهو كفر):
تتقاصرُ الأفهامُ عن إدراكه ** مثل الذي الأفلاكُ منهُ والدُّني
5- والإسهاب الإطالة الزائدة المملة في شرح المادة والعدول إلى الحشو كقوله:
أعنى فتى لم تذرُّ الشَّمسُ طالعةٌ ** يوما من الدّهر إلا ضرَّ أو نفعا
6- والجفاف الإيجاز والاختصار المخل كقول الحارث بن حلزة المتوفي سنة 232هـ:
والعيشُ خيرٌ في ظلال النّوكِ ** ممَّن عاشَ كدّا
7- ووحدة السياق التزام أسلوب واحد من التعبير وطريقة واحدة من التركيب بحيث تكون للأذهان كلالا وللقلوب ملالا.
وللكلام عيوب كثيرة منها اللحن ومخالفة القياس الصرفي وضعف التأليف والتعقيد والتكرار وتتابع الإضافات إلى غير ذلك من الأشياء التي تكون ثقيلة على اللسان مخالفة للذوق والعرب غريبة على السمع.