المبدع عبد الرحمن جنيدو
لوحات صيغت ببراعة وإتقان صورت الحياة الوديعة والهادئة قبل العدوان
لقد عشنا معك في اللوحة الأولى الفرحة قبل سقوط الوردة حرفا حرفا واستمتعنا بجمال تلك اللحظات الدافئة وصفائها ...
كنا نسقي معهم أشجار الزيتون ونستحضر كل الإحالات الممكنة لما ترمز إليه هذه الشجرة المباركة...
وعدنا أطفالا نطارد الفراشات المزركشة تارة ونغرد ألحان العصافير العائدة إلى أعشاشها ورائحة الليمون ننعش آمالنا ونحن نرسم أجمل رحلة للسنونو حلمين بأبهى عودة للوطن:
كانوا هناك يزرعون الزيتون،
وأمي تطبخ على موقد الوحل،
وفراشة تطير ،
وتهبط على حبل الغسيل حول السور الخشبيِّ،
والصغير يلعب مع الجرو،
يغتاب الفصول،
يمسك شالا ًأبيضا ً،
وينادي العصافير فوق ليمونة الدار،
الطيـّون يعبق في المكان،
يسأل السنونو رحلتها بعد الخريف،
والسنونو تريد البوح
ولكننا في اللوحة الثانية شوش الضجيج على ابتهاجنا وبدأ الحزن يزحف إلينا ونحن نحاول معرفة هؤلاء القادمين ... لم نسئ الظن في البدء ... ولكن عندما اختلطت رائحة الرصاص برائحة الليمون أحسسنا بالخوف ولذنا بالصمت أكثر وأكثر وكان الصمت يزيد ضجيجهم وضوحا والشمس أفولا .. إلى أن غطى الدخان آخر بصيص نور وما عدنا نميز من الأشياء سوى رماد أغصان الزيتون المحترقة وبريق الدم يرويها علّ أعراشها تنعش وتحمل السلام لمن يبحث عن وجوه عركتها هذه الرحى الملعونة ...
لكن هديرٌ بعيد يحجب الأصوات،
يعبرون من شمس ،
أخي لا أراهم هم بعيدون،
أسمع ضجيجهمْ فقط،
لا تخف أخي لا يأتون،
أحدّق بالأعلى والشمس خائفة وتمنعني ،
ملأ المكان الدخان والدمار والدم،
في هذه اللوحة الثالثة تبدد خوفنا من هول هذا المنظر الرهيب وانخرطنا في البحث عن سلمى وسكينة ...
لم نفقد الأمل بالرغم من الدمار المحيط بنا .... فلابد من بانبلاج الصبح والعثور على سلمى التي لم نحمها وتركناها وحيدة عندما انشغلنا بخوفنا وركنا إلى عجزنا ..والآن وحزة الضمير تؤلمنا ونحن نبحث عن الكنز الذي أضعنا .... ولكن الأمل لازال يكبر لأننا إن لم نعثر على سلمى فسيحييها طلق النساء الحوامل ...
سلمى أين أنت سلمى؟!
تنادي البلابل والنساء الحوامل ،
ومسابح الشيوخ،
وإشاربات الفتيات،
وأوراق الزيتون ،
والدم الممدّد على التراب من الباقي الشهداء،
سلمى أين أنت؟! سلمى
في اللوحة الرابعة عاد الوعي من جديد ولكننا لم نستوعب الحدث فقد شلت يميننا وتبرأنا منها لأنها لم تقاوم ولم تحم الوطن ففقدناهما معا لا يمين أو ساعد لنا لرد العدوان ولا وطن يأوينا فقط ضياع وألم بلا حد ...
فكيف سيكون مأتم سلمى؟؟؟
لم أدرك ما حدث،
نظرتُ يمينا ًلم أجد يدي اليمنى،
على بعد مترين وجدت يدي تحتضن جثــّة سلمى،
وبين يديّ سلمى وردة ٌ،
إنها الدماء المراقة على تلك التربة الطاهرة قد أنبتت زهرة تعيد لليد قوتها وتحثها على المقاومة ..
وهذه أصواتنا ترتفع عندما رأينا جثة سلمى وردة يغتالها الغرباء ..ما كنت تميز صوتنا في البداية ولكنك الآن تسمعها جيدا وأنت تراقب زهرة المدائن تدوسها الأقدام الهمجية ويدك عينك على يدك وأنت تقترب منها كلما علت أصواتنا: هيّا التقطها واضرب بها عدوك ... هيّا .. هيّا ..
التقطها واضرب بها عدوك...
"اضرب عدوك..
لا مفر
..سقطت ذراعك ؟ التقطها..
وسقطت قربك ؟ فالتقطني
..واضرب عدوك بي..
فأنت الآن..
حر.. وحر.. وحر..
قتلاك أو جرحاك فيك ذخيرة..
اضرب بها عدوك.
.أنت الآن..
حر.. وحر.. وحر.."
هكذا عشت مع هذه اللوحات تداعيات جميلة ورائعة بالرغم من الشجن والمعاناة إلا أن الأمل انتصر في الأخير
فشكرا لك أيها المبدع الراقي على هذه الرائعة
تقديري ومودتي