الحلقة التاسعة.. متابعة طيبة أتمناها لكم
لم يكد إسماعيل يصل منزله حتي إجتمع إلي إبنه المهندس هاشم ليطلعه علي مشروعه الجديد ..جن جنونه من شدة الفرح ..أخيراً ستدور الماكينات التي أحضرها معه من خارج السودان ..أريد إبداعآ حقيقيآ يا باشمهندس ..لا أريد عمارة تقليدية ..يجب أن يكون قصراً مدهشاً ولا تنظر إلي التكلفة وسنبدأ بالكافتيريا ..ولا أريد لأحد أن يعلم شيئااً عن موضوع بيت نوال الشامية ولا حتي والدتك وندي ..لم يتبق إلا السفر إلي الخرطوم وبيروت لتكملة إجراءات البيع والتوثيق .
******
كان موقفآ إنسانيآ يجسد عظمة المشاعر والعواطف بين الوالد وولده وبين الإبنة وشقيقها ..موقف تعجز كل مفردات اللغة عن تصويره ..أخذ حاج الرشيد إبنه كمال بين أحضانه وضم إليه جسده المتعب جراء الحمي وقد أخذ يردد ..الحمدلله ..الحمد لله يا ولدي ..وماهي إلا ثوان حتي تهدج الصوت الفخيم وسالت دموعه تبلل لحيته الكثه ..أما الكنينه فقد إحتضنت شقيقها ووالدها معآ وهي تبكي وتردد..((كمال أخوي ..كمال ود أمي ))..لم أستطع تحمل هذا الموقف فغادرت الغرفة وتركتهم لوحدهم وبعد أن هدأت الخواطر قليلآ ..جاء دور العتاب واللوم ..عتاب ملؤه المحبة والحنان ..ولم يجد كمال غير عبارة ( إرادة ربنا يا بوي ..إرادة ربنا يا الكنينه ..) يلوذ بها وأحيانآ يهمهم ..( الحمدلله أنا كويس ) ولم يفته بالطبع السؤال عن أمه الحبيبه ..و(ناس ) القريه فرداً فرداً ..بإستثناء إبنة عمه ( سهام ) ..ولكن الكنينه تبرعت بإبلاغه ما حدث لها عندما علمت بنبأ البرقية التي أفصحت عنه وعن مكان تواجده ..( أسكت ساكت يا كمال ..كان شفت سهام بعد ما سمعت الخبر ..عاد نان ما بقت في حاله رهيبه ..دخلت في ( كوما ) لامن رشوها بالكلونيا ..زوجها ..؟ زوجها ده منو ؟ ما طلقتو بعد خمسه شهور بس من الدخله ..يعني لو صبرت شويه يا كمال ..) كل شيء قسمه ونصيب ..( نعم ..ما قلنا حاجه ..ولسه إن شا الله القسمه تسوق ..) ..إييه يا الكنينه ..بعد ما فات الفوات ..لا ما فات فوات ولا يحزنون ..سهام سدت كل الأبواب قدام أجعص الناس وأكيد منتظراك يا كمال أنا فاهماها كويس ولغاية ما قمنا كانت بتوصينى أسلم عليك ..دي بسلم عليك وهي بتبكي ..صدقني يا دكتور إنت ظلمتها وظلمتنا كلنا بسفرك من البلد ) .. أما حاج الرشيد فقد إستمسك بمسبحته يذكر الله في سره ويحمده بعد أن رد عليه إبنه الوحيد ولم ينس أن يسجد شكراً للمولي ..الحاج الرشيد طراز عجيب من الرجال .ناس الحله يلقبونه (باللدر ) ومعناها الأسد ..لا يتم أي أمر في البلد إلا إذا كان اللدر في مقدمة من يتصدون له ..التي تخاصم زوجها وتغادر لمنزل والدها هو من يعيدها لبيتها ..وكان مشهوراً بعبارة ( ما تغلط يا زول ) أو( ما تغلطي يا زوله ) ..والذي يتشاجر مع آخر في السوق هو من يوقفه عند حده ..ينتهره بصوته الفخيم ويقول له والشرر يتطاير من عينيه ( ما تغلط يا زول ) ..هو جوهرة كل المحافل ..وسيد كل المجالس .. ( ذوق وفهم و رسميات ) .
إستأذنتهما لبعض الوقت لأراجع الأحوال بالمركز قبل التوجه نحو( بصله الأرعن وصديقه فيصل ) وفي ذهني أن أعرض عليهما فكرة الزواج من آسيا الفتاة التي حملت سفاحآ من مرتضي الشيخ البغدادي ..وسوف أنجز الأمر فوراً مع أكثرهما إستعداداً لتحمل المسئولية وفي بالي أن أشترى لها ولزوجها المرتقب منزلآ متواضعآ وإن كنت أفضل فيصل علي (بصله ) المنفلت ..وكانت هنالك مفاجأة سارة بانتظاري ..إذ وصلت برقية من رئاسة المديرية قضت بترقيتي لرتبة الرائد شرطه وتثبيتي في موقعي رئيسآ للمركز خلفآ للمقدم أزهري ..إنها أخبار ساره سأنقلها لأمل في أقرب فرصه ..أمل ..؟وأين هي أمل وقد كفت عن الإتصال بي عبر الهاتف ..ولكن أليس غريبآ أن يجيء خبر ترقيتي في يوم وصول الكنينه ووالدها ..إنه الفأل الحسن ولا ريب .
******
كان الشيخ البغدادي يعيش في حالة يرثي لها بالخرطوم وهو يحضر جلسات البرلمان .. غائبآ تماماً عن مجريات النقاش الدائر هناك يفكر في الأستاذة سميره ..إنه يحب بجنون ..وهل يعقل هذا يا حضرة النائب الهمام ؟ وأين قضايا المواطنين ..مشكلات الإمداد الكهربائي والمائي وقد أنقذك منها الوجيه إسماعيل ..مائة ألف دولار يدفعها هذا الدعيّ ويحرجني أمام الناخبين ..والآن أطلت برأسها جملة من المشاكل ..إنتشر داء السعر بل..وهنالك حمي مجهولة تجتاح الناس ..إفعل شيئآ بدلاً من الإسترسال في الوهم وطيف سميره الذي يحاصرك أينما اتجهت ..هل أنت مراهق ؟ ..إنك نائب في البرلمان يا هذا ..ولكنني أيضاَ إنسان ..وهكذا قرر أن يطير قافلاً للمدينة بحجة الوقوف علي أبعاد تلك الحمي والبحث عن علاج ناجع لها مع وزارة الصحة الإتحادية قبل أن يستقدم إسماعيل فريقآ من هيئة الصحة العالمية علي نفقته الخاصة ..حمي مجهولة ؟..وماذا عن حمي سميره التي تصهره حتي العظم ..ألا من علاج لها ؟..علاجها واحد وهو الزواج ..وماذا لو علمت زوجتي صفاء ؟ كيف أواجه أمل ومرتضي وأسامة أولادي ..إنها توحشني بضحكتها الآسرة وجسدها المرمري المتماوج ..وأناقتها الباذخه ..لماذا لا تتأنق صفاء كما تفعل سميرة في كل مرة قابلتها فيها .. لماذا تركن إلي أنها زوجة فقط وأم أولاد ..لا تظلم صفاء يا بغدادي ..ذاك الخصر المفقود خصر سميرة ضعه علي المحك ..تزوجها ولتنجب لك أولاداً ..لن تعثر له علي أثر ..إن الفتاة قبل الزواج تحدد زمن المعركة ومكانها ونوع الأسلحة التي تستخدمها لتصرعك بها ..أما وقد تزوجت ..فغالبآ ما تكون المعركة متكافئة بينكما ..فالمكان واحد والزمان حالة مستمرة والأسلحة قد صدأت ..وسقطت كل الأقنعة ..وقتها ستندم يا بغدادي.. ستخسر صفاء ولن تجتهد سميره في إسعادك وقد ضمنتك زوجآ لها ..وستبدأ مشاوير الطلبات المستعجلة والمؤجلة وستختفي سميره التي تقتلك في اليوم الواحد ألف مرة وتحييك ..ستختفي بضحكتها الآسرة وخصرها المفقود وجسدها المتماوج كثعبان ..ولكنني أعرف أزواجآ كثيرين من أصدقائي يعيشون في سعادة أبدية ..إنهم يتظاهرون أمامك فقط ..وعندما تتركهم تدور معارك أهون منها معارك التحرير في (هانوي )..هل تريد أن تقنعني بعدم جدوي الزواج ..؟ لا يا صديقي الزواج رباط مقدس ..وسيهديك عاطفة هادئة قوامها الإلفة والمودة ..فلا تراهن علي هذه العاطفة المشبوبة والأشواق المدمّرة التي تشغلك عن واجباتك كنائب أودعك الناخبون ثقتهم ..لو علموا كم أحبها وأشتاق إليها لعذروني والتمسوا لي الأعذار ..أنت لست نابليون وهي ليست (هيلانة ) ..إنها فتاة من عامة الشعب ..لكنها أنيقة ومترفه ومثقفه ..وسأسافر غداً لأراها ..علي الأقل أقوم بإفتتاح صالة الألعاب التي تبرعت بها لمدرسة البنات ..لقد قالت لي إنها تؤخر كل شيء حتي عودتي ..آه يا سميره ليتني أسمع صوتك الآن ..صوتك يأخذني إلي عوالم من السحر غريبة ..ولماذا لا تهدي لها هاتفآ جوالاً فتضمن سماع صوتها متي ما شئت ..نعم ..نعم كيف فات عليّ ذلك .