أحدث المشاركات
صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 30 من 36

الموضوع: البوصلة .. رواية جديدة .

  1. #21
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    الإبنة العزيزة ربيحة ..يجب أن أعترف بداية بأنني افتقدت مروركم المفرح خلال الأيام الماضية ..ومن حقك أن تقيمي وتنتقدي وتلك هي مهمة المبدع الذواق الذي لا تفوته شاردة ولا واردة إلا وتوقف عندها ..ولا أملك إلا أن أنحني إعزازاً واحتراماً لملاحظاتك وستجد عندي وقفة تامل ومراجعة ..هذا مع تحياتي .

  2. #22
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    الحلقة التاسعة عشرة
    ورويداً رويداً توغلت هبه في أعماق هذا القادم من جنوب الوادي ..تلهب مشاعره باشواق بهاريه ..ولاحظ الغضنفر أن عمته الصغيرة تصادر منه متكأ أفراحه في هذا البلد النائي ..ولكم تساءل بينه وبين نفسه ..لماذا أنا هنا ؟1 وبأي سبب ..وأين هي آسيا ..بل أين الأستاذ عبدالسلام والحاجه عيشه ..ولماذا تخلت عنه آسيا من أجل فيصل طباخ المناسبات ..والآن هاهو والده وهبه ينشغلان عنه بهذه الصورة المحيرة حتي أنهما لا يأخذانه معهما وهما يخرجان للسينما والحدائق العامه كالعاده..ولم يجد سوي أحضان العمة سمية يستدفيء بها في ليالي القاهرة المبلله ..وتمت مراسم العرس بسرعة رهيبه وكأن العمة سمية قد شعرت بدنو أجلها وتود لكريمتيها رجلآ يكفل لهن الستر والحمايه ..ومرة أخري يسافر مرتضي وعروسه الجديدة لمدينة الإسكندريه لقضاء شهر العسل ويجد الغضنفر نفسه من جديد في قلب الحيرة والظنون ..أسلمته أمه للحاجة عيشه ورحلت مع فيصل طباخ المناسبات وتركه والده مع العمه سمية المريضة التي تسعل طول الليل وهو جاث بقربها يتطلع نحوها في رعب حقيقي ..وقد أدرك بفطرته أنها تنطفيء شيئآ فشيئآ حتي أسلمت الروح لباريها في تلك الليلة الممطرة ..وقتها كانت تضمه إليها بقوة وهي في الرمق الأخير ..وفجأة إرتخت قبضتها وسقطت يدها فوق وجهه الصغير ..فبكي بصوت عال وهو ينادي علي مروه .

    *******
    وجد عثمان المكاوي إستقبالآ حافلآ بأمريكا ..وتنادت بسيرته أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة ..ونشرت الموسوعة التي أعدها في كبريات المجلات واستضافته معظم القنوات التلفزيونية ..ثلاثين سنة أمضاها هذا العالم الإفريقي وهو يتجول في الولايات المتحدة الأمريكية يعيد كل أسرة بيضاء إلي جذورها التي أتت منها ..ووجدت الأجيال الجديدة في الموسوعة الضخمة المكونة من أربعة أجزاء ضخمه فرصة لا تعوض في العودة إلي جذورهم والإنتماء إلي بلد ما وأمة ما ..هذا مدهش ..هذا عظيم كيف تسني لأجنبي أن يعطي لأهل البلد الأصليين هويتهم وانتماءهم الإثني والثقافي ..ووجد كل مواطن أمريكي نفسه تقريبآ في الموسوعة ..واعتبر آخرون أن هذا الرجل قد أضاع وقته في بحث عقيم وعديم الفائده ..ذلك لأن إنتماء هؤلاء يعود لتفاصيل حياتهم اليومية ..فنانه المفضل ..نجمته السينمائية المفضله ..صديقته الجديده ..وتذكرة الحفل الغنائي لفنان (البوب ميوزيك) القادم بقوة للأضواء عبر (ألبومه) الجديد يتحسسها في جيب سترته ..أما البلقان واليونان وما إلي ذلك فهذه ليست من إهتماماته ..
    وأتاحت الزيارة فرصة ذهبية للشيخ المرهق للوقوف علي أطلال ماضيه هنا ..وكان معظم أصدقائه وصديقاته علي قيد الحياة وقد إتصلوا به فور سماعهم بأنباء موسوعته عبر أجهزة الإعلام ..فقدمت له العديد من الدعوات علي طول البلاد وعرضها وحاول جاهدآ تلبيتها ما أمكن ذلك ..وفي الخرطوم وجدت الصحف موضوعآ ثرآ النقاش والحوار ..فنشرت أخباره وصوره نقلآ عن الإعلام الأمريكي ..وكونت اللجان الحكومية والأهلية لتكريمه لدي عودته ..وتم إستقباله رسميآ بالمطار من قبل وزير الثقافة والإعلام ممثلآ لرئيس الجمهوريه وكوكبة من الأكاديميين وأساتذة الجامعات ..عثمان المكاوي عالم إنثربولوجي سوداني رفع رأس السودان عاليآ بأمريكا ؟! ..الوجيه إسماعيل الذي تابع التغطية الرهيبة لأخباره أصابه نوع غريب من الإحباط ..بيد أن الشيخ المرهق من التسفار والجولات العديدة التي قام بها في جميع أنحاء أمريكا نقل فورآ من المطار إلي المستشفي ..وبذل الأطباء جهدآ خارقآ لتطويق وضعه الصحي الحرج ووضعت السفارة الأمريكية بالخرطوم طائرة خاصة وطاقمآ من الأطباء والممرضات إستقدمتهم من نيروبي علي عجل تحت تصرف العالم المحتضر ..بيد أنه ما لبث أن مات وقد إرتسمت علي شفتيه إبتسامة غامضه وكأنه راض عن الإنجاز الذي حققه وهويودع هذه الحياة ..وعاد الشيخ البغدادي إلي منزله.. يتلقي التعازي في وفاة والده وهو غير مصدق للنهاية التراجيدية لزعيم الأسرة العتيد ..وكان أول مستقبليه صديقه اللدود الوجيه إسماعيل ..ولكن لمن هذه العمارة الضخمة التي قامت إلي جوار منزله علي أنقاض منزل نوال الشاميه ؟!!! وكأنه لم يغادر نيويورك بعد ..(قلنا نكون جيران يا بغدادي) ..الوجيه إسماعيل وهويهمس في وجهه وقد قرأ الحيرة والارتباك في عينيه .
    *******
    عاد مرتضي المنتشي بعروسته هبه من شهر العسل ..أخيرآ تحقق حلمه الذيّ عاش بإنتظاره السنين الطوال ..فاز بالغضنفر ولده الحبيب وفاز بهبه بجمالها الأخاذ وشخصيتها المرحه وخفة دمها ( الشربات ) كما يقولون ..ولكن ما أن دخلت في شهرها الثالث من الحمل حتي حولت حياته إلي جحيم لا يطاق ..وكان أكثر ما يثيرها الغضنفر وقد باتت لا تطيق رؤيته.. وإن رأته ترسله في مشاوير لا أول لها ولا آخر صعوداً وهبوطاً علي الدرج لجلب بعض الأشياء الصغيره والتافهه من البقال أو الجزار أو لإحضار صحيفه ..وفهم الغضنفر برغم صغر سنه الرسالة فانطوي علي نفسه يلوذ بالصمت الرهيب وحين يسأل عن شيء يرد بإقتضاب شديد ..لم يكن بوسعه فعل شيء وقد رحلت العمة سميه سلواه الوحيدة في هذا البلد ..أما مرتضي فقد توقع أن تزول هذه الظروف بزوال أسبابها ..وتوقع تغيراً في السلوك والمعامله من هبه بمجرد أن تتخطي فترة ( الوحم ) .. بيد أن الصورة أضحت أكثر قتامة بعد أن وضعت طفلآ جميلآ يتدفق صحة وحيويه .. هنا وجد الغضنفر نفسه وقد تحول إلي( شغال ) ينظف لهبة غرفتها ويزيل التبقعات التي يحدثها مكاوي الصغير ....وكانت الأخبار التي تصله من السودان حول وضع العائلة هناك لا تبشر بخير ..فقد نهض البناء ذو الثمانية طوابق في مواجهة البيت الكبير ..وأقفلت البقالات أبوابها وكذلك (طلمبات ) الوقود والسينما وقد حاول الشيخ البغدادي كل ما بوسعه إيقاف البناء في عمارة الوجيه إسماعيل بحجة أحقيته بقطعة الأرض التي قام عليها البناء تحت مسوغ( الشفعه ).. وحاول التشكيك في عقود التنازل والمبايعه ودخل في قضايا وتعقيدات قضائيه أخذت منه الكثير من الوقت والمال بيد أنه خسر القضية وأتعاب المحامين ..وبقيت أمل علي الحياد لأجل خاطر المهندس هشام الذيّ لوح لها باشياء وأشياء ..أما والدتها صفاء فقد كانت تتلذذ بهزائم زوجها بعد أن وصلت العلاقة بينهما إلي مرحلة اللاعوده ..
    ومن ناحية أخري ساءت العلاقة بين مني زوجة الوجيه إسماعيل وبينه بسبب الرائعة سابينا .. في البداية كان يجتهد في إرضائها وإغراقها بالهدايا واشتري لها عربة فاخرة ..ولكن حقدها نحوه يكبر مع الأيام ..وبدأت تفكر بصورة جاده في في التخلص من زوجها ..وما زالت آسيا تواصل هواياتها في التصنت علي رواد المنضدة اليتيمة جوار نافذتها (بالكافتيريا) بل أضحت ترفع السماعة الداخلية للهاتف لا سيما عندما يتعلق الأمر بمحادثات مني مع بصلة الأرعن المثيرة للشبهه ..وذات مرة سمعت مني تشرح لبصلة بعض التفاصيل المتعلقه بالعمليه دون ذكر أسماء ..قالت له ..ستجد الباب الخارجي فاتحآ فتدخل ومن ثمّ باب غرفة النوم ..سيكون الأمر بمثابة حادثة سطو عاديه بقصد السرقه تطورت بدون قصد إلي ..سقطت سماعة الهاتف من يدها عندما وصلت مني لهذه النقطه وبصعوبة شديدة إستعادت تماسكها ..وفي المساء قصت ما سمعت علي زوجها فيصل ..وحاول الإثنان فك طلاسم الموضوع ..الحكايه ما دايره ليها إجتهاد يا فيصل ..مني عاوزه تقتل إسماعيل وبصله حيكون القاتل الحقيقي وحيروح فيها ..ونحن لازم ننبه بصله ..أوعك تغلطي غلطه زي دي يا آسيا والله لو ده حصل أطلقك ..فاهمه ؟! ..نحن مالنا ومال الناس ديل ..نشوف شغلنا وبس وتاني مره لو شفتك تتصنتي علي زول بكسر رقبتك .
    *******

  3. #23
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    نص ماتع مشوق وحيوي

    متابعون باهتمام

    دمت مبدعا
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  4. #24

  5. #25
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    الحلقة العشرون
    الأستاذه سميره مشغولة هذه الأيام ليس بالشيخ البغدادي وإمبراطوريته التي بدأت تتداعي وتوشك أن تنهار ..ولكنها مشغولة بمخلوق آخر تحبه من أعماقها ولا يفارقها لحظه بإستثناء الأوقات التي تمضيها داخل الفصل ..إنه قط سيامي نبيل الملامح أهداه لها شقيقها القادم من أندونيسيا وقد ولد (بانشو) في السودان وكانت والدته( ليدي ) قد حبلت به في جاكارتا..وكان بانشو كثيرآ ما سبب لها المشاكل مع (سودانير)لا سيما عندما تنوي السفر للخرطوم إذ كانت تصر علي إصطحابه معها وهو ما يتعارض وقوانين الطيران ..فماذا تعمل و(بانشو) هذا يرفض الأكل وحرارته مرتفعة للغايه ..إقترح عليها طارق وكانت قد إتصلت به تطلب مشورته إقترح عليها أن تعرضه علي الدكتور كمال ..الطبيب البيطري الجديد ..حملته علي عجل وذهبت إلي هناك ..لم تتبينه في باديء الأمر بيد أنها شعرت بان الدكتور كمال هذا ليس غريبآ عنها ..كانت تشكو له أعراض المرض الذي ألمّ بقطها المحبوب وهي مطرقة لا تقوي علي التطلع نحوه ..ربما لإحساسها بأن الناس هنا لا يأبهون لمثل هذه الإهتمامات البرجوازيه ..كشف عليه وكتب لها ( روشته ) بالأدوية المطلوبه واقترح عليها شرائها من صيدلية المستشفي وعندما همت بدفع المبلغ أخبروها بأن تعليمات الدكتور تقضي بإعطائها العلاج مجانآ ..عادت إليه مرة أخري لتشكره وفي هذه المرة إستقبلها بضحكة عريضة ..مامون ..حضرة الباشكاتب ..معقول ده ؟!..إنت دكتور يا مامون ..وشنو حكاية كمال دي ..هذه مؤامره .. تآمرتم عليّ إنت وجناب الرائد طارق حتي أنه لم يخبرني ولو تلميحآ بالمفاجأة التي بإنتظاري ..يااه ..تركتك بالمركز وعندما عدت من الإجازة الصيفية لم أجدك ..أخذها من يدها وانتحي بها جانبآ وقص عليها الحكاية من أولها إلي آخرها وتشبثت بعبارة ( للدرجه دي يا كمال ) ترددها بعفوية محببه وعندما أنهي حكايته أرسلت زفرة عميقة أودعتها كل الشجن التائه في دهاليزهذا الزمان ..هكذا إذن ..تنازلت عن إسمك وهويتك بل ووظيفتك من أجل إمرأه ..وأنا تركت الجامعة والصيت الأكاديمي الذي كنت أستمتع به بسبب رجل ..هدم حياتي وطوّح بآمالي ..حدقت في عينيه مليآ وأحست بمناداة الجذور تضطّرب في أعماقها حيال هذا الإنسان المتعب وشعرت كما لو أنها شجرة توشك أن تسقط لتجد شجرة أخري واقفة في عناد بوجه الرياح الجهنمية فألقت بثقلها علي عاتقها فأنقذتها من السقوط ..عادت للمدرسة وقد إرتوت من ذلك النبع الفياض ..نبع حنان دافق تفتقت عنه عينا كمال ..وكم قاومت رغبتها في البقاء إلي جانبه إلي آخر العمر لولا أنها شعرت بالإزدحام الشديد في العيادة والجميع بإنتظار الدكتور ..هذا لبقرته وآخر لعنزته أو حصانه فغادرته علي أمل العودة له غدآ ..وفي طريق عودتها كانت أجراس (الموبايل) ترن بلا هواده ..وكان علي الجانب الآخر الشيخ البغدادي يطلبها بإلحاح ..فاعتذرت له بلباقتها المعهودة ..لكّم يحاصرها هذا الرجل ..يتصل بها عبر الهاتف ليل نهار وأحيانآ يخرج إلي الحديقة منتصف الليل بعد أن يتأكد أن صفاء وأمل وأسامة قد غرقوا في النوم يبثها لواعج الشوق والحنين ..في البداية كانت سعيدة بهذا الهيام العريض ولكنها بدأت تشعر بالتعب جراء ذلك لا سيما وهي تأوي عادة لفراشها مبكرة حتي تلحق بحصصها وتلميذاتها حسب الجدول الموضوع وما فتئت تنام متأخرة بسبب مكالمات الشيخ البغدادي فقررت أن تغلق الهاتف في وقت مبكر فلا يصلها صوته ..فما كان منه إلا أن تمادي في زياراته لها بالمدرسة مما استدعي محاسبتها بواسطة المديرة التي وبختها بشده وطلبت منها حسم هذا الموضوع بأسرع فرصة ممكنه ..إما أن يتزوجها وينتهي القيل والقال وإما أن يكف عن زياراتها نهائيآ .
    *******
    توترت العلاقة تمامآ بين مرتضي وزوجته هبه ..والسبب إبنه الغضنفر ..فقد طلبت هبه من الغضنفر حمل (صينية) الشاي إلي منضدة الطعام في ذلك الصباح الباكر وكان المسكين لم يستيقظ بعد تمامآ فسقط كل شيء منه وتهشم (طقم ) الشاي الفاخر الذي أهدته لها والدتها العمة سميه بمناسبة عقد قرانها ..فما كان منها إلا أن إنهالت عليه ضربآ وشتائم بكل ما أوتيت من قوة .. فوقف أمامها لا يحرك ساكنآ وعندما أصابها الإعياء جلست في أقرب أريكة وانخرطت في بكاء شديد ..سمع مرتضي بالجلبة والضوضاء فهرع من غرفته علي عجل ووجد زوجته منكفئة علي نفسها تبكي والغضنفر وقد إنحني يلملم ما تهشم من زجاج .. عمل علي تهدئتها وأخذها إلي غرفة نومهما يطيب خاطرها ..بيد أنها أصرت علي أن يلتحق الغضنفر بمدرسة داخليه وكان مرتضي قد رفض من قبل إقتراحآ كهذا في رعب وفزع ..وتحت ضغطها المتواصل فكر مرتضي في الأمر بجدية أكثر..وكانت لحظات رحيله لداخلية المدرسه الإعداديه الفرنسية قاسية ومدمره ..فقد شعر مرتضي أن قطعة من جسده تقتطع منه ..وكان عزاؤه في أنه إختار له مدرسة خاصه يؤمها أبناء الدبلوماسيين والأثرياء من سكان القاهره ..حاول الغضنفر التأقلم مع بيئته الجديده ولكنه لم ينجح ..لكّم يشتاق آسيا والحاجه عيشه والأستاذ عبدالسلام ..لماذا تخلت عنه أمه ؟!..لماذا ؟..ومن ثمّ واصل دراسته دونما حماسة تذكر ..وكان أن اكتشفت معلمة الصف موهبته الفذة في الرسم والتي لا تعبر عن عمره الحقيقي ..فطلبت من معلمة الفنون إيلاءه إهتمامآ خاصآ ..وهنالك تعرف الغضنفر علي الطفل (دوغان )الذي يكبره بثلاثة أعوام ..وبالرغم من فارق السن فقد نشأت بينهما صداقة عظيمة وكأنه يعرفه من سنين وسرعان ما زالت صعوبة تعلمه للغة الفرنسية بفضل دوغان ..والده فرنسي مقيم بالقاهره وهو مدير لواحدة من أكبر الشركات الفرنسية في مصر ..وكان مرتضي يزور إبنه في عطلة نهاية الإسبوع ..يأخذه إلي السينما والحدائق العامه ثم يعيده للداخليه ....وشيئآ فشيئآ إستعاد الغضنفر ثقته بنفسه وكان يحصد كل الجوائز المرصودة لمسابقات الرسم علي مستوي مدارس الجمهوريه ..وبدأت تعتريه أفكار غريبة ومثيره ..الهرب ..الهرب؟!!ولكن إلي أين ؟ إلي أي مكان ..قال له ضميره ..لماذا لا تفاتح دوغان في الأمر ..رفض صديقه الفكرة جملة وتفصيلآ لمشاعره النبيلة نحوه ..ولكن تغيرت الصورة عندما فتح الغضنفر قلبه لدوغان وحكي له قصة حياته المزدحمة بالأحداث بالرغم من صغر سنه وكيف أن الجميع تخلوا عنه ..والده من أجل هبه ووالدته آسيا من أجل فيصل ..وبشقاوة الصبية المعهوده قال له دوغان أن عمه (ميشيل) يعمل كقبطان في إحدي سفن البضائع التي تجوب البحار شرقآ وغربآ وسوف يكتب له بقصته لا سيما وأن باخرته سترسو في الإسكندرية في غضون ثلاثة أشهر ..وجاءت النتيجة مشجعة وملبية لطموحات الغضنفر ..فقد وافق علي إصطحابه معه لدي أول زيارة لباخرته للشواطيء المصريه ..وهكذا رحل الغضنفر في صمت مع القبطان ميشيل ..وبينما كانت الباخرة تمخر عباب المتوسط كان الغضنفر يقرأ كتاب حياته ويغلقه برفق لحين إشعار آخر .
    *******

  6. #26
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    الحلقة الواحدة والعشرون
    لم يفق الشيخ البغدادي بعد من صدمة العمارة التي جثمت فوق صدره مثل صخرة ضخمه تحّملها وكأنه (إيزيس )..لقد كان بإمكانكم وقف البناء يا صفاء ..كان بإمكانكم ..ولكنكم شرذمة من الأغبياء ..كيف فات عليكم أننا نستحق هذه القطعة بنص القانون ..فنحن الأقرب إليها وكنا علي إستعداد لدفع كل ما تتمناه نوال الشاميه ..ولكنكم جبنتم وتخاذلتم وتركتم إسماعيل يمرر عليكم أكبر كارثة في حياتكم ..وأسوأ وصمة عار في جبين العائله ..الحمد لله أن والدي مات قبل أن يشهد هذه المأساة ..بيد أن صفاء كانت تسمع من ناحية وتتشاغل بكتاب من ناحية أخري لا تعيره إهتمامآ ..فغادر المنزل مسرعآ يلتمس العزاء عند الأستاذه سميره ..ماذا ؟!!! ماذا قلت يا رجل ..؟قلت لك أن الأستاذه سميره في إجازه زواج ..ستتزوج يا أخي ..وبالتحديد عقد قرانها اليوم بالخرطوم .. سافرت قبل يومين ..فتح باب العربة بصعوبة شديدة وشعر كما لو أنه سيغمي عليه ..وجلس خلف المقود يرسل الزفرات الحارة وهو يردد (ليه كده يا سميره ..ليه كده يا سميره ..كان علي الأقل تاخدي رأيي ..) وأنطلق بالعربة يمشط بها شوارع البلده شارعآ شارعآ ومنعطفآ منعطفآ..ومنها إلي الوادي البعيد ..وهنالك ذرف الدمع سخينآ علي سميره وشعر أن الأيام تخذله بلا رحمه ..فقد والده وسنده الكبير ..وفقد زوجته صفاء ..وترك مرتضي البلد وهاجر إلي مصر ..يا الله !! كم هو متعب وضائع ..وعاد للمنزل وقد وجده في فوضي عارمه ..ماذا حدث يا أمل ..إنه مرتضي ..إتصل من القاهرة قبل قليل وأخبرنا أن الغضنفر قد هرب ..وقد بحث عنه في كل مكان بالقاهرة ولم يعثر له علي أثر وهو يعتقد أنه ربما عاد للسودان ..الغضنفر ..الغضنفر ..لقد ظننت أن مصيبة قد حصلت في البيت ..لكن يا أبي ..خلاص ..خلاص أنا تعبان وداخل أنوم ..مافي زول يصحيني .
    *******
    أوصل الحقد الأعمي مني علي زوجها إسماعيل درجة لا توصف وظل هاجس التخلص منه يلّح عليها ليل نهار فكانت تتصل ب (بصله الأرعن ) عبر الهاتف تدعوه لمنزلها عندما يكون زوجها غائبآ ..وعندما يكونان لوحدهما تمارس ضده أنواعآ من الإغراء لا تخطر علي بال ..وحينما يصدق المسكين تمثيلياتها المتقنة تنفلت منه في غنج ودلال ..ولا تمكنه من نفسها ..كانت تفتعل هذه الأشياء وهي تشعر بالتقزز منه ..وتهدهده بمعسول الكلام وتحيله إلي وحش كاسر وما أن تشعر أنها قد أوصلته إلي حالة من الجنون المسعور تذكره بإتفاقه معها ..ليس قبل أن يتخلص من إسماعيل ..فيطأطأ رأسه في حيرة وغباء ..وشيئآ فشيئآ إختمرت فكرة التخلص من إسماعيل في ذهنه ..كيف وهو يلامس ذلك الفردوس الموعود كل مرة ولا يناله..وعندما يكون لوحده يستعيد دفء تلك اللحظات التي تزيده ظمئآ علي ما هو عليه من ظمأ ..فيتقلب في فراشه كمن لدغته حيه ..ويا لها من حية ماكرة تعرف كيف ومتي تنفث سمومها في جسده الواهن ..ثم يروح في نوم متقطع..تنتاشه الكوابيس والهواجس الغريبه ..دماء وإغراء ومشانق ..فيصحو مذعورآ ظامئآ ..ويهرع نحو زير الماء يشرب لا يرتوي .
    *******
    تعقدت الأوضاع داخل البرلمان وحدث شد وجذب بين الأعضاء بسبب بعض التعديلات الدستوريه فيتدخل رئيس الجمهورية ويحل البرلمان ويأمر بإنتخابات جديدة في غضون أشهر قلائل ..وشعر الوجيه إسماعيل أن هذا القرار قد جاء بمثابة هدية من السماء ..فقرر خوض المعركة الإنتخابية ليثأر لنفسه من الهزيمة الماحقة التي تجرعها من خصمه اللدود الشيخ البغدادي في الإنتخابات الماضيه ..أما غريمه العائد من الخرطوم بعد حل البرلمان فقد قرر عدم خوض التجربة مرة أخري وهو في تلك الحالة من الضعف والإستكانه ..ولكن الحزب أرسل له وفدآ رفيعآ ليقنعه بضرورة خوض غمار المعركة ووعده بدعم مادي ومعنوي يمكنه من الفوز في الدائرة ..كل هذا لما تنطوي عليه من أهمية إستراتيجية بإعتبارها دائرة مفصلية تؤثر علي ما حولها من دوائر أخري وهي التي تحدد ملامح النصر أو الهزيمة في خمس دوائر بالكامل ..ومع مرور الوقت إشتعلت حمي المنافسة بينهما وشهدت المدينة تظاهرات سياسية لم يسبق لها مثيل ..وفهم إسماعيل اللعبة السياسية فكان يمر علي القري والفرقان لا يعد بحل مشاكلها فحسب بل يغدق الأموال في مشاريع تحتاجها تلك الأنحاء ..ومرة أخري تتلون الأمسيات باشياء جد غريبه ..فكنت تجد ليالي الوجيه إسماعيل السياسية الأكثر حضورآ ..تنصب لها السرادقات الفخمة وتمد الموائد ..وكانت سابينا تتحرك وسط المدعوين كحمامة بيضاء تلهب الأكف بالهتاف والتصفيق ..ولم تنس المدينة له صنيعه عندما تعطل المولد الضخم ماركة ( الرولزرويس ) ..وكيف أن المدينة باتت علي شفير الهاوية لولا تبرعه السخي بمائة ألف دولار ..وبالمقابل كانت ليالي الشيخ البغدادي تشهد حضورآ ضعيفآ ويتبرع أكثر من شخص لإحداث الفوضي والمشاكل وقد إفتقد الأستاذة سميره ووقفتها الصلبة إلي جانبه بيديها النفاضتين وشعرها المسافر مع الريح ..ولن تمضى بضعة أيام حتي تعلن النتائج ..وعاش الناس علي أعصابهمم بيد أن كل المؤشرات كانت تفيد بفوز إسماعيل ..جثم الكل خلف المذياع بإنتظار النتيجه ..وجاء صوت المذيع وكأنه يخرج من بئر سحيقه ..الدائره رقم كذا ..وكذا ..الفائز إسماعيل ..ولم تتركه الجماهير يكمل باقي الإسم ..فخرجت في عفوية إلي الشوارع تهتف وتنادي ( الدايره لمين ..لإسماعيل ..نائبكم مين ..إسماعيل ..) ومن ثمّ توجهت الحشود الضخمة نحو منزل الوجيه إسماعيل فتلقفهم المهندس هشام والدكتوره مني نيابة عن والدهم الموجود بالخرطوم ..وعلي الجانب الآخر جلس الشيخ البغدادي وزوجته وإبنهما أسامة والحزينة أمل ..وقد تناهي إلي أسماعهم دوي الهتافات ..( وحبيبكم مين ..إسماعيل ..إسماعيل ..إسماعيل ) .
    *******
    كان عرساً متواضعاً حضره أقرباء العروسين وبعض الأصدقاء ..وكان الرائد طارق موجوداً بالخرطوم في زيارة قصيرة فشكل حضوره معني خاصآ لحفل الزفاف لا سيما والعريس الدكتور كمال صديق عزيز بالنسبة له وهو من فك طلاسم حياته عندما كان يعيش بشخصيتين متناقضتين ..الباشكاتب والدكتور ..وبإسمين مختلفين كمال ومامون ..ولبست العروس الأستاذه سميره حلة زاهية الألوان ..ولم يتوقع كمال ولا أفراد أسرته أن الأستاذه سميره رائعة الجمال بهذا القدر ..بالرغم من كونها متزوجه لفترة قصيرة من قبل ..فبدت كوردة يانعة كثيرة الجمال ..وما كان الرائد طارق ليفوت هذا العرس ذي المفاجآت السارة وقد شهدته من أهل العريس ..الكنينه ..كانت بحق نجمة العرس الأولي ..وبالرغم من بساطة هندامها إلا أنها أدارت روؤس أهل العروس وأرسلتهم إلي عالم من النشوة لم يحلموا به من قبل ..ونسي الجميع العرس والعريس وتركزت أنظارهم في شقيقة العريس ..إسمها منو ؟!!..الكنينه ..الكنينه ؟! إسم قديم ..لكنو ما بعبّر عن شخصيتها الحقيقيه ..ما تنسي إنها جامعيه ..أيوه تربيه وعلم نفس ..وشعر الرائد طارق بأنه لم يوف الكنينة حقها من الإهتمام ..وندم علي أنه تجاهلها بذلك الشكل المزري في زيارتها الأخيره لهم صحبة شقيقها حتي أنها غادرت بدون أن تكلف نفسها مشقة توديعه ..لقد أقامت أمل حاجزآ رهيبآ بينه وبين كل فتاه ..فلا يري سواها ..بيد أنه بدأ يزداد يقينآ بأنها ليست له ولن تكون ..وأن الكنينة هي من تناسبه ..أوضاعهما متشابهه ..وسيعملان معآ علي بناء أسرة متفاهمة قوامها الحب والتواضع ..وهو إن تزوج أمل فلن يجن سوي التعب والشعور بالتقصير ..وكانت الكنينة سعيدة بإهتمامه بها بعد أن يئست منه ولم تعد تفكر به إلا لمامآ لتحصد الحسرة والدموع والشجن ..كان يأخذها في جولات بالعاصمه يقضيان الساعات الطوال دون أن يتسرب الملل إلي نفسيهما ..يعيدها لمنزل عمها مساءآ ليأخذها صباح اليوم التالي ..وعندما إنتهت أيام المامورية عبر للدكتور كمال عن رغبته في خطبة الكنينه ولكن من والدها الحاج الرشيد وفي مسقط رأسها وسط الأهل والعشيره وبالصورة التي تليق بها..فغادر علي وعد منه بذلك .


  7. #27
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    الحلقة الثانية والعشرون
    أسامة المنفلت من قبضة والده لا يدخر وسعاً في الذهاب إلي الكافتريا والتحليق في سماوات سابينا يدوزن الأغاني لأجلها ..وكانت تترك مقعدها خلف ماكينة الكمبيوتر وتجلس إليه تدغدغ مشاعره بكلام لذيذ ..وما أن يسمع الشيخ البغدادي الموتور بذلك حتي يقتحم الكافتريا ويحدث فوضي لا مثيل لها ..ويتمالك الوجيه إسماعيل أعصابه فلا يرد عليه خاصة بعد أن أصبح نائبآ للدائرة ولو أنه يتمني لو تفلح محاولاته في إقناع إبنه أسامة بعدم الحضور للكافتريا فقد بات يؤرقه إهتمام سابينا به ..ولم يشأ أن يفصح عن ذلك صراحة إذ لا مجال للمقارنة بينه وبين أسامة ..هل يشعر بالغيرة من غرّ عبيط مثل أسامه ..يبحلق في سابينا طول الوقت في بلاهة لا يحسده عليها أحد..ولكنه يمثل خطرآ لا يجب عليك أن تستهين به ..إنه غض الإهاب ..إهاب الشباب ..وأنت متعب ومرهق ..وهاهو الشيب يزحف علي فوديك ..وتتغضن في بطء بشرتك التي تجهد في ترميمها ..وهل يصلح العطّار ما أفسده الدهر ؟..هذه آراء متخلفه ..إن عمر الرجولة الحقيقي يبدأ بعد الخمسين هكذا يقول الأوربيون ..وأنا بالكاد تسع وأربعين سنه بالساعة والدقيقه ..وهذا الشاب عمره عشرون سنه وسابينا إثنان وعشرون سنه ..ولو أنها تبدو أصغر من ذلك بكثير ..لا لآ ..سابينا هذه ملكي أنا حياتي أنا ..عالمي ومتكأ أحزاني ومسراتي ..كنت سأقتله بطلقة واحدة تستقر في رأسة المدورة هذه مثل كرة ( الباسكتبول ) لو أنه تعدي هذا التهافت الغبي علي سابينا ..إنها ترثي لحاله ..(أيوه )..لقد قالت لي ذلك بنفسها ..لقد غضبت لمجرد أنني بدأت أشك في إخلاصها لي وتعتذر لي عن أي قدر من المضايقه سببته لي ..أعلم يا إسماعيل أنك تحبني وأنا أحبك ..أقسم لك ..كفي ..كفي يا سابينا لا تقسمي فأنا أصدقك ..أنت عمري وشبابي ..وأخي العائد برهانو ..وأبي ..وصديقي ..أنت كل ما تبقي لي في هذه الحياة بجانب أمي ..( وأيه كمان ؟..بس كده ؟! ) ..وحبيبي ..قالتها في حياء وخفر ..( خلاص إرتحت ..سبّوغ ؟) ….( سبّوغ) يا سابينا يا زهرة حياتي و يا وردتي اليانعه ..لم يتبق إلا أن أكتب فيك شعرآوقد حاولت.. ولو كنت أعرف لسطّرت فيك آلاف الكلمات .
    *******
    خمسة أعوام أمضاها الغضنفر وهو يجوب البحار علي ظهر الباخرة ( إنقرام )..يدمن قراءة البحر بأمواجه الصخابة وصفير الريح الهوج ..ويدمن التسكع فوق أرصفة الموانيء ..يرتاد حاناتها صحبة ميشيل ..وعندما تنتابه الأشواق لآسيا والدته المغلوبة علي أمرها يبكي في جنح الليل لوحده ويهرق كل عذاباته في لوحات مثقلة بالأوجاع ..كان يرسم ويرسم ولا يملّ الرسم ..يجد فيه الراحة والسكينة ويبثه أسراره وأحزانه ..وتجيء معظم اللوحات قاتمة غريبة الألوان والخطوط ..وأحيانآ يخرج من سجنه ذاك فيرسم لوحات مشرقة مفعمة بالأمل ..وكان هذا يحدث إثر تعرفه علي صبية حلوة في ميناء ما.. في بلد ما ..فيسفح بين يديها كل أحزانه وأوجاعه ..ومن ثمّ يبدأ في رسمها ..وكانت كل واحدة منهن تلحّ عليه في إهدائها تلك اللوحات ..فيرفض في عناد ..ثم يعود لرسمهن من جديد بدرجة أقل عمقآ ..وبرغم ذلك تطير كل واحدة منهن فرحآ بهديتها تزّين بها غرفة نومها وتفاخر بها صديقاتها ..ما أروعه من فنان ..أنظري ..إنه عبقري موهوب وسوف يراسلني ..لقد أقسم بأنه لن ينساني وسوف يعود يومآ ما إلي هنا .. هذا الإفريقي الرائع .. وأخيرآ تقاعد القبطان ميشيل واستقر به المقام في مارسيليا ..إشتري منزلآ هنالك قريبآ من البحر ..البحر الذي وهبه عمره وسنيّ حياته الذاهبات ..لا زوجة ولا أطفال ..ولكن الغضنفر موجود ..وقد أضحي له بمثابة الإبن يخدمه في إخلاص ..يبقي بجانبه طوال الليل حين تعصف به حمي دوار البحر في أعالي الخلجان والمحيطات ..كانا يخرجان كل مساء يؤمان المقاهي علي شواطيء مارسيليا المشرقة يتفرجان علي السواح القادمين من شتي أنحاء أوروبا هربآ من الشتاء ..وفي كل صباح وبعد أن يتناول ميشيل إفطاره يخرجان للنزهة قليلآ فوق رمال الشاطيء ثم يعودان للمنزل ..ميشيل لأخذ قسط من الراحة وقراءة الصحف والفرجة علي التلفاز والغضنفر ينكبّ علي لوحاته وقد خصص له صديقه جانبآ من المنزل كمرسم ..وشيئآ فشيئآ ذاعت شهرته كرسام بارع ..وتعرفت إليه جميلات مارسيليا الثريات يرسمهن مقابل مبالغ خيالية من الفرنكات ..واقترح عليه ميشيل إقامة معرض في القاعة الكبري بالمدينة ..راقت له الفكره بيد أن معرضآ كهذا يتطلب تحضيرآ جيدآ ..فانهمك بالأيام والأسابيع يراجع رسومتاته ويعالج مواضع الضعف فيها تحت إشراف رسام فرنسي مشهور يقيم في مارسيليا وقد وجد في ما يرسمه الغضنفر من لوحات نوعآ جديدآ من الإبداع الموسوم بالصدق والمعاناة الحقيقيه ..وروّجت له القناة المحلية وصحف مارسيليا قبل وبعد إفتتاح المعرض الذي إفتتحه عمدة المدينة وزاره مجتمع مارسيليا بكل شرائحه لا سيما النقاد والفنانين وأثرياء المدينة.. وبيعت لوحاته بملايين الفرنكات الفرنسيه وأضحي ثريآ..نعم ثريآ جدآ ما بين ليلة وضحاها ورقمآ لا يمكن تجاوزه في مجتمعها المخمّلي المسكون بحب الفن والفنانين .
    *******
    ساءت أحوال البغدادي إثر خسارته للإنتخابات ..ولعل أقسي ضربة تلقاها في حياته هو زواج الأستاذه سميره من الدكتور كمال وعودتهما من الخرطوم للإستقرار هنا.. وقد بذل زملاء الدكتور كمال من الممرضين والعمال جهدآ عظيمآ لإضفاء مظاهر النظافة والأناقة علي منزل الطبيب البيطرى الذيّ كان شبه مهجور ..وصل العروسان وسط حفاوة وترحيب الموظفين وزوجاتهم بالجوار وتزامن وصول الدكتور كمال مع إستلامه لعربة جديدة تبرعت بها إحدي المنظمات العاملة في مكافحة الطاعون البقري ..إذ يقوم بتوصيل عروسته للمدرسة بنفسه وعند إنتهاء اليوم الدراسي يرسل لها سائقه ..وكان الشيخ البغدادي يقبع داخل عربته في محاذاة الطريق المؤدي للمدرسة ليفوز ولو بنظرة عابرة من عينيها الساحرتين ..وكانت هي تتابع هذه التصرفات اليائسة من رجل في قامتة يعتصرها الألم الممض لشعورها بأنها هي السبب في تعاسته ..ألم تعطه الأمل في الإرتباط بها ؟..هل خانته ولم تحافظ علي عهودها له ؟..إن الزواج قسمه ونصيب وكم أتمني من قلبي أن يسعد في حياته بدوني ..نعم أتمني ذلك من صميمي ..وقد أصابها هذا السلوك اليومي بحالة من التوتر ..فأضحت عصبية مع تلميذاتها وزملائها من المعلمين .. وكذلك مع الدكتور كمال الذي عزا ذلك لجنينها الذي دخل في شهره الثالث وما يصاحب الحمل من توترات ..هل تخبر زوجها ؟ ..لالا ..ربما يتصرف معه بشكل قاس وقد يتطور الأمر إلي ما لا تحمد عقباه ..لذلك قررت الإتصال به عبر هاتفه النقال تطلب منه أن يدعها وشأنها ..إنتفض كالملدوغ وقد غمره صوتها الآسر ..سلمت عليه وسألته عن أحواله فلم يقو علي الرد ..وظل يكابد غصة في الحلق منعته من الحديث لأكثر من ثلاث دقائق وأخيرآ تمالك أعصابه وهمس في وجهها ..مبروك يا أستاذه سميره ..الله يبارك فيك ..لعلنا نظل أصدقاء أوفياء يا بغدادي وأنت تعلم أنني أصبحت الآن في عصمة رجل له وضعه المتميز في البلد ولا داعي لملاحقتي بهذا الشكل لأن هذا يؤلمني ويشعرني بأنني قصّرت في حقك ولكن لا تنسي يا بغدادي أننا نسير في طريق مقدّر سلفآ ولا خيار لنا في ذلك ..وأكيد سأحتفظ لنفسي بذكريات تلك الأيام الحلوة التي أمضيناها معآ ..أنت جزء من حياتي من تاريخي يا بغدادي وسأكون فخورة بتوطيد العلاقة بيننا وأسرتكم الكريمه ..قالت له كلامآ لطيفآ نزل بردآ وسلامآ علي قلبه فكف عن مضايقتها ..وليته لم يفعل فقد كان البديل هو الأسوأ ..إذ لجأ للخمر والحشيش يكاد لا يفيق منهما ..وعندما تنتابه لحظة يقظة عابرة يقتحم الكافتريا يسب ويتوعد الوجيه إسماعيل وسابينا بالويل والثبور ..ولا ينجو من هذه الدوامة إلا حين يسافر إلي الخرطوم..وسطع نجم الوجيه إسماعيل في أروقة البرلمان ..وبالرغم من أن حزبه الجديد خسر الإنتخابات إلا أنه سرعان ما أضحي الصوت المدافع عن قضايا الجماهير ..يحدد حجم المشكلة ..يقترح الحلول ويوظف معرفته بالعالم الخارجي وإمكاناته الضخمة من إجل إسعاد الناس ..ولأنه يعلم قبل غيره مدي التأثير الذي يحدثه الإعلام ..إهتم بهذه الشريحة ..فاشتري لها دارآ فخمةً في أحد أحياء الخرطوم إشتملت علي ناد للاسرة ومكتبة ومستوصف صحي جلب له أحدث التقنيات الطبية الموجودة في الغرب ..ومن ثمّ إتجه نحو الجامعات فاشتري عددآ من المنازل في أنحاء متفرقة من العاصمة وأهداها للروابط الطلابية من أبناء الأقاليم ..فساهم بذلك في حل مشكلة إسكان الطالبات ..بل ذهب لأبعد من هذا فأهدي عددآ من الجامعات مجموعات ضخمة من المراجع العلمية التي تحتاجها وأغدق الأموال بلا تردد علي هيئات البحث العلمي ..وكان ظهوره المفاجيء هذا علي الساحة قد أدهش المراقبين من جميع ألوان الطيف السياسي..وحاول حزبه الأول بشتي الطرق إستعادته إلي صفوفه وعرضوا عليه عددآ من الحقائب الوزارية ليختار من بينها لا سيما وزارات القطاع الإقتصادي ..بيد أنه رفض كل تلك العروض بعناد شديد وثبت علي موقفه منافحآ ومدافعآ عن المباديء التي يؤمن بها ..وكان بحق فاكهة كل المنتديات والندوات والحوارات الصحفيه .
    وفي الجانب الآخر كانت زوجته مني تحكم سيطرتها علي بصله الأرعن ..تعبيء مسامه وكل ذرة من كيانه بالشهوة والوعود الخلابة وما تمنيه سوي السراب ..وصدق المسكين وعودها وأصبح عبدآ لأشواقه ونزواته ولها تفعل به ما تشاء وهو يطيعها كالمنوّم (مغنطيسيآ ) ..وبات جاهزآ تمامآ لذبح الوجيه إسماعيل من الوريد إلي الوريد لدي عودته في أول عطلة للبرلمان .
    *******
    إكتمل البناء الفخم ولم يتبق سوي الأثاث والديكور ..وعكف المهندس هشام علي صياغة جميع الإحتياجات تساعده في ذلك أمل البغدادي ..وشعرا في وقت ما وكأنهما ينخرطان في تفاصيل حياتهما القادمه ..وكان المهندس هشام حريصآ علي إرضائها ..يختار الألوان التي تعجبها ويتواضع علي رغباتها في الشكل النهائي للشرفات والحدائق ..كانت تغتنم فرصة مغادرة والدها للمنزل فترتدي ملابس بسيطة أشبه بملابس البيت ..ومن ثمّ تضع فوق عينيها الواسعتين نظارتها السوداء الأنيقة فتضفي عليها مظهرآ أرستقراطيآ لا يشبه أجواء هذه البلده ..وكانت والدتها صفاء تشجعها وتلحّ عليها بأن تكون قريبة منه لمّا قرأت فيه مستقبل إبنتها الوحيده ..في وقت غربت فيه شمس إمبراطورية البغدادي ..لكمّ تأسي علي زوجها بالرغم من أنه أدار لها ظهره وتوجه نحو أخري وماذا جني في النهاية ..ضحكت عليه وتلاعبت بمشاعره وركلته كأي كلب أجرب ..لولا أسامة وأمل لكان لها معه تصرف آخر ..تهجرينه أم ماذا ؟..أهجره ..؟!!..بل قل أطلب منه الطلاق وأعرف كيف أحصل عليه ثم أمسحه من كراسة أيامي ..ألهذه الدرجة تكرهين زوجك يا صفاء وأنت العاقلة بنت الأصول ..؟! ..لقد جرح كبريائي وأهانني وجعلني مضغة في الأفواه ..وكان بإمكانه الإعتذار لي وطلب الصفح مني ..كنت سأسامحه وأغفر له أخطاءه ولكنه يتشبث بمجد زائف وأسطورة قد إنتهت فصولها من (زمان )..أنا يفعل بي ذلك ؟!!!..إييه يا دنيا ..هذا زمانك يا مهازل فالعبي .

  8. #28
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    الحلقة الثالثة والعشرون
    نعم يا عزيزي الرائد طارق ..أمل البغدادي ..حلم حياتك وملتقي أحلامك ومشتهي أوقاتك ..مع المهندس هشام طول الوقت لا تفارقه لحظه ..يقومان معاً بوضع اللمسات الأخيرة للعمارة الجديده التي ستشهد ولا ريب حفل زفافهما المرتقب ..فأين ذهبت تلك الوعود والآمال ؟..أين عزيف تأوهاتها وأشواقها تنهمر شلالاً عبر الهاتف ؟..بل أين زياراتها المتكررة لك بالمكتب ؟ ..جميعها ذهبت أدراج الرياح ..ولم يتبق لك سوي الكنينه بقسماتها الحنينه وضحكتها المموسقة مثل تساقط المياه في الوديان البعيده ..فهل تتركها للأيام وتلهث وراء حلم كذوب فتفقدها هي الأخري ..تذكر أنك ستصبح (مقّدمآ ) في يناير القادم ..هل ستتم ترقيتك إلي رتبة المقّدم وأنت عازب ..كيف ستتحمل مسؤولية أمن منطقة بكاملها وأنت تتقاعس عن مسئولية بناء أسره صغيره علي قدر الحال ..ومع من ؟ ..مع الكنينه ..هل أدركت أبعاد هذه الفتاة الذهبية ..الفريدة في كل شيء ..إنها أجمل من أمل البغدادي بمقاييس الجمال المعتاده ..القد المتناسق والعينين الطيبتين والعنق العملاق ..ومن قبل كل هذا ثقافتها وأنوثتها الطاغية وأصالتها ..فهيا تقدم يا رجل قبل فوات الأوان ..غدآ يحل بين ظهرانيّ بلدتها إبن عمها أو إبن خالها من ديار الغربة البعيده فيخطفها منك في دقائق ..وأنت تعلم كيف يفكر العائدون من الغربة ..هؤلاء الشباب عمليون في مسائل كهذه ..يمسح القرية شمالآ وجنوبآ ..شرقآ وغربآ تساعده بنات العائله ..يشيرون إلي هذه أو تلك من البراعم الطالعة في أناقة باذخه أثناء غيابهم و(هوب) ..تقع الفريسة في الشباك المخملية ..ولكنها وعدتني ..هي ستنتظرني ..لقد أقسمت بذلك ..لا تطمئن نفسك ولا تركن إلي وعد فتاة في هذا البلد.. فما أن تتخذ الأسرة قرارها حتي تتواري خلف الإذعان تتظاهر بالتعاسة والحيرة ومن ثمّ تنتفي كل الكلمات والوعود االمسكوبة بلا حدود .. وتمضي الأيام فترزق بطفل أو طفلين فلا يعود لها إهتمام أو حديث إلا عن زوجها وأطفالها ..أبو فلانه قال حيبني لينا بيت وأبوفلان إشتري عربيه جديده .. وما إلي ذلك من إهتمامات .. (وتروح )أنت وأمثالك من المترددين في (شربة ميّه ).

    لم تكن الدكتوره ندي تدرك حجم ذيول المأساة التي بانتظارها عندما أدخلت سابينا المستشفي وهي في حالة إنهيار عصبي مريع تبعه دخولها في غيبوبه وكانت قد غادرت منزلهم باكرآ ذاك الصباح إثر مكالمة تلقتها من المستشفي بوجود حالة ولادة متعسرة قادمة من الريف .
    أشرفت بنفسها علي سابينا وأمرت لها ببعض الأدوية والمحاليل ..وكانت تهذي بلهجتها الأمهرية دون أن يلمّ من حولها بمضمون ذلكم الهذيان باستثناء عبارتي (ماما)و( إسماعيل) ..بيد أنها تدرك كطبيبة أن كل شخص في حالة أشبه بحالتها يهذي باسماء أفراد أسرته وهي تعلم كم هو قريب من قلبها والدها حضرة النائب إسماعيل ..ولم تمض لحظات حتي كان الرائد طارق يقتحم عليها ( العنبر ) ويهمس في أذنيها ببعض الكلمات ..قال لها أن والدها في وضح صحي حرج وأن شخصاً ما طعنه بسكين في ظهره وهو الآن في طريقه للمستشفي ولكن إصابته ليست قاتله ..قال لها ذلك حتي تتقبل خبر مقتل والدها علي دفعات ..ركضت أمامه نحو البوابة الخارجية للمستشفي لإستقباله ولكنه إستوقفها وهمس في وجهها ببعض الآيات القرآنية والأقوال المأثورة ففهمت المسكينة أن والدها قد قتل ..ولكن أين هو الآن أريد أن أراه فورآ ..قالت ذلك وهي تترنح من شدة الصدمة وتردد ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) ..لالا يا دكتوره ..من الأفضل أن نذهب للبيت ونقابل شقيقك المهندس هشام ووالدتك مني لمتابعة الموضوع وتبقين أنت بجانب والدتك التي تحتاجك بشدة في هذا الظرف العصيب ..أبوي ..إسماعيل ؟!! ..مات مكتول ؟!!..كيف يا طارق ؟ ..كيف ؟!!..قال ذلك وتهاوي نحو أقرب مقعد ودفن وجهه بين كفيه ..إسماعيل مالو ..؟ ..مات ؟! ..قالتها وقد جحظت عيناها وتموج وجهها بأحاسيس هائله ..عبرت خلالها لحظة حبور خاطفة سرعان ما وئدتها وعادت لترتدي قناع الزوجة المكلومة بفقد زوجها ..ومن ثمّ دخلت غرفتها وصفقت الباب من خلفها وهي تنشج بصوت عال لتوهم الجميع بالمدي الذي وصلت إليه من شدة التأثر ..وحاولت الدكتورة ندي أن تلحق بها دون جدوي ..فالباب مغلق تمامآ من الداخل ..(عملتها يا بصله خارج البيت ..برافو عليك يا بصله )..وتذكرت كيف أنها أمضت ليلتها الماضية في حالة من التوتر والترقب إنتظارآ لعودة زوجها إسماعيل لينال جزاءه علي يد بصلة المتربص في مكان ما داخل الحديقة وعندما أسفر الصبح لم تجد له أثر ..لعله ذهب إليه حيث كان وقتله ..يا إلهي كم هذا رائع ..ولكنها سرعان ما شعرت بحالة من الرعب الشديد عندما أدركت حجم الجريمة التي حدثت ..ولن تكون الأماني والتمنيات بالطبع مطابقة للواقع خاصة عندما تتحول مؤامرة بالقتل إلي جريمة قتل حقيقيه ..لقد أضحي الموضوع جد يا مني ..الموضوع جد يا مني ..الموضوع جد يا مني .. الموضوع ..صرخت بأقصي ما تستطيع فهشم الرائد طارق باب الغرفة بمساعدة هشام وندي ودخلوا عليها وقد وجدوها فاقدة للوعي ..بيد أنها استعادت نفسها بعد دقائق وسمعت إبنتها ندي تصرخ في وجه هشام ( طلع العربيه بسرعه يا هشام ..بسرعه يا هشام لازم تنقل للمستشفي فورآ ..)..وعنما تبينت أنها ستنقل للمستشفي أفاقت وبدأت تولول وتصرخ ..إسماعيل ..إسماعييييل..وعبارات مثل ( الليله ووب علي ّ يا اخواني ) .
    عملت ندي علي تهدئتها ومنعت عنها الناس الذين تقاطروا علي المنزل من كل حدب وصوب ..وعاد الرائد طارق لمتابعة مهمته وكان أول عمل قام به إثر تلقيه النبأ هو فرض حراسة مشددة علي مسرح الجريمة ..أغلق الشوارع الجانبية المؤدية للكافتريا ..وأرسل برقية عاجلة لرئاسة الشرطة بالمديرية التي أخطرت الخرطوم وأرسلت له فريقآ من مباحث المديرية علي جناح السرعة ..لرفع البصمات وتحريز المعروضات وفريق للتصوير الجنائي ..ووصل معهم طبيب متخصص لتشريح الجثة إذ لا يعقل بالطبع أن تقوم الدكتورة ندي بتشريح جثة أبيها ..ولم تمض سحابة ذلك اليوم حتي وصل مدير عام الشرطة ومدير شرطة المديرية بطائرة خاصه ومعهم فريق من المباحث الجنائية المركزيه يقوده العقيد أزهري الذي سبق له العمل هنا ولصلاته الشخصية بأسرة القتيل ..وأنهمك الجميع في جمع البينات والإستدلالات ..ولحق بهؤلاء عن طريق العربات في اليوم التالي رتل من أفراد المباحث تحت أكثر من غطاء ليجوسوا خلال الديار لجمع المعلومات ..كل هذه المظاهر تعكس ولا ريب المكانة المرموقة التي يحظي بها النائب الراحل علي مستوي المركز والمديريه ..
    خرجت صحف الخرطوم في ثاني يوم وهي تحمل نبأ مصرع النائب إسماعيل علي صدر صفحاتها الأولي وتناقلت النبأ الإذاعات والقنوات المختلفة ونعته رئاسة الجمهورية ورئيس البرلمان وكافة القطاعات التي عرفته عن كثب ..
    أراح العقيد أزهري عينيه فوق عينيها وهويعزيها في فقد والدها وصديقه الشخصي الوجيه إسماعيل ..كانا لا يفترقان في الخرطوم ..فما أن تنتهي جلسات البرلمان وينهي أزهري ساعات العمل الرسمي حتي يلتقيان كصديقين حميمين يمشطان شوارع الخرطوم معآ يحضران الندوات والمحاضرات وفي المساء يرتاحان علي هدب شاطيء ما بمقهي لتناول القهوة والشاي وكثيراً ما عرجا علي سيرة الدكتورة ندي فيخفق قلبه بشده ..لكم يشتاقها ويحن إليها وقد مزقه إهتمامها المتزايد بمرتضي البغدادي قبيل نقله التعسفي أو هكذا يخيل إليه من ذلك المكان الذي أحبه وأحب أهله وتمني لو يبقي فيه إلي آخر لحظة من عمره ..لم تتمالك نفسها فبكت بحرارة بين يديه وأخذه المهندس هشام بالأحضان وانخرطا في البكاء
    وأخيراً هدأت الخواطر ولا بد من العمل لكشف غموض الجريمة والوصول إلي القاتل الحقيقي ..درس مع الرائد طارق كل المعلومات المتاحة وراجعا مسرح الحادث وناقشا وضع الجثة وكيف أن المرحوم قاوم قاتله بضراوة وبقي ممسكا بين أصابع يديه بقطعة صغيرة من قماش لعله جزء من (جلابيه ) أو شيء من هذا القبيل وهي تعود حتمآ للقاتل الذي غادر الموقع علي عجل وكشفت التحريات أيضآ أن الوجيه إسماعيل كان علي موعد هام مع أحد التجار ليسلمه مبلغآ من المال كان يحتاجه كسيولة ليعالج به بعض المستحقات وقد شهد الرجل بذلك وشهد بأنه سلم الوجيه إسماعيل المبلغ في حضور عمال الكافتريا وعدد قليل من روادها ..كذلك درسا بعناية فأئقة موضع الطعنه وإتجاهها والموقع الذي من الممكن أن يكون الجاني قد إتخذه ومسافته لا سيما وأنه طعن من الخلف ..وبتفتيش المطبخ الملحق بالكافتريا وجدا أن السكين المستعملة في الحادث من نوع طقم كامل يستخدم في المطبخ وهكذا إستمر التحري ببطء ولكن بمؤشرات طيبة ستساعد علي الوصول إلي الجاني ..فهاهي نتائج تحاليل الدم والطبيب الشرعي والبصمات تأتي تباعآ ..وبدأ إستجواب الشهود وأولهم بالطبع سابينا التي إكتشفت الحادث عندما حضرت مبكرة كالعاده وبينما هي تفتح باب الكافتريا واجهتها جثة المرحوم قريبآ من الباب والسكين منغرزة في ظهره ..صرخت بأعلي ما تستطيع فتجمع بعض المارة الذين أسعفوها للمستشفي وأبلغوا الشرطة بما حدث ..كانت مرهقة وشاحبة وهي تقص قصتها ومن ثمّ تتوقف عن الكلام تخنقتها العبرات .. وقد نهضت غابة من المحاليل الوريدية فوقها..أسامة البغدادي هنا بالمستشفي ؟..أي جنون هذا ؟! منذ متي وأنت هنا يا أسامة ؟ العقيد أزهري يتساءل في حيره ؟ماذا تفعل هنا يا أسامة ؟ ولكن الرائد طارق غمز له وشرح له قصة الوله الغريب بين أسامه وسابينا وكيف أنه أحدث أزمة بين العائلتين ..كذلك تم إستجواب بصله وفيصل وآسيا ..وأخيرآ أفراد عائلة الوجيه إسماعيل ..سألهم العقيد أزهري إن كانوا يشكّون في أحد ..الشيخ البغدادي ..مني وهي تجاوبه من وراء ستار ..الشيخ البغدادي ؟!..يقتل زوجك ؟..ولم لا وقد هدده بالقتل أكثر من مره ..رفض المهندس هشام هذه الفرضية رفضآ قاطعآ..فهو يدرك أن إتهامآ كهذا سيقوض كل الجهود والآمال التي شيداها هو وأمل البغدادي ..لالا يا ماما مستحيل يحدث شيء كهذا ..والتزمت ندي جانب الصمت وعبرت عن قناعتها بالشرطة وثقتها في العقيد أزهري ..دم أبوكم في رقبتكم يا أولاد وأنا ما عافيه منكم إذا ما أخدتو بتار أبوكم ..ما هذا الكلام الغريب يا أستاذه مني ..إنت إنسانه واعيه ومسؤوله ..عيب تفكري بالطريقه دي ..تعرفي إتهام خطير زي ده بدون أدله سيخلق إشكالات لا حصر لها ..ومن ثمّ غادر طارق وأزهري الدار ولكن الدكتوره ندي أبطأت قليلآ مع العقيد أزهري وانتحت به نحو ظل شجرة في ركن المنزل ..لامته علي عدم السؤال عنها بعد رحيله ..قالت له ( بقيت جافي يا أزهري واتغيرت من زمان ..يا تري دي الترقيه عملت فيك كده ..أقسم لها بأنه ما نسيها لحظة واحده وأنه يحبها من أعماقه ..لكنها هي التي باعته من أجل مرتضي البغدادي ..قالت له أنت لم تفهمني يا أزهري ولا أظنك ستفهمني ..قال لها أنا مستعد أن أطلب يدك الآن وفوراً من المهندس هشام والخاله مني إذا كان هذا يرضيك ..قالت له الظرف غير مناسب ولم تجف دماء أبي بعد .

  9. #29
    الصورة الرمزية اماني محمد ذيب قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الاردن
    العمر : 36
    المشاركات : 95
    المواضيع : 6
    الردود : 95
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اتابع ابداعك حتى قبل انتسابي الى هذا المنتدى


    اتابع بشغف




    دمت مبدعا

  10. #30
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    الإبنة العزيزة أماني ..أسعد الله أوقاتك بكل خير..
    لك ولكل القلوب الخضراء في واحتنا المتألقة دوماً بمبدعيها أهدي أحرفي وأعد كل من قرأوني ويودون قراءتي من جديد بأكثر من رواية إن شاء الله في المستقبل القريب ودمت وكل الشباب العربي الأبي في أمان الله مع أمنياتي لك بالتوفيق وموفور الصحة والعافية ..آمين .

صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. أنين البوصلة
    بواسطة احمد المعطي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 16-09-2016, 10:58 PM
  2. البوصلة والمثقف
    بواسطة محمد إسماعيل سلامه في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 03-08-2013, 08:04 PM
  3. تمزق...رواية جديدة .
    بواسطة عبدالغني خلف الله في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 60
    آخر مشاركة: 06-01-2011, 05:47 PM
  4. يارا..رواية جديدة للمُبدع محمود خفاجي
    بواسطة محمود سلامة الهايشة في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 29-07-2010, 12:57 PM
  5. خيانة البوصلة
    بواسطة عبد الصمد الحكمي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 30
    آخر مشاركة: 18-05-2009, 01:08 PM