آراء العلماء في التطور والخلق - 2 -
كتبَ الكاتب والمفكر الفرنسي "مومنيه Momnieh" بحثاً في مجلة "الكوسموس" جاء فيه: (إذا إفترضنا بطريقة تعلو عن متناول العقل، أنّ الكون خُلِقَ اتفاقاً بلا فاعل مريد مختار وأنّ الإتفاقات المتكررة توصلت إلى تكوين رجُل، فهل يعقل أنّ الإتفاقات والمصادفات تُكَوِن كائناً آخر مماثلاً له تماماً في الشّكل الظاهري، ومبايناً له في التركيب الداخلي ـ وهو المرأة ـ بقصد عمارة الأرض بالناس وإدامة النّسل فيها؟ ألا يَدُلُ هذا وحده على أنّ في الوجود خالقاًُ مريداً مختاراً، أبدع الكائنات ونَوّع بينها، وغَرَزَ في كلّ نوع غَرائز، وَمّتّعَه بمواهب يقوّم بها أمْرَه ويرتقي عليها نوعه)[ 1]
وما دمنا نتحدث عن التّناسُل لبقاء النوعين الإنساني والحيواني، والغرائز التي تثور متطلبة الإشباع، ليتم التزاوج والتلاقح الموصل إلى التناسل، فإلى بحث "التزاوج والتناسل" نرجع مرّة أخرى إلى "أ. كريسي موريسون" حيث يتناول الموضوع قائلاً: (إنّ الحياة تُرغم على التّناسل لكي يبقى النّوع، وهذا دافعٌ بلغ من القوة أنّ كل مخلوق يبذل أكثر تضحية في سبيل هذا الغرض... وهذه القوّة الإلزامية لا توجد حيث توجد الحياة، فمن أين تنشأ هذه الدوافع[ 2] القاهرة؟ ولماذا بعد أن نشأت تستمر ملايين السنين؟ إنّه قانون الطبيعة الحيّة... الذي يأتي من إرادة الخالق)[ 3]
تحت عنوان "الأدلة الطبيعية على وجود الله" كتب أستاذ الطبيعة الحيوية، الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا، ومدير قسم النظائر والطاقة الذرية في معامل "أوك ريدج"، عضو جمعية الأبحاث النووية والطبيعة النووية، "بول كلارنس ايرسولد":(قال الفيلسوف الإنجليزي "فرانسس بيكون" من ثلاثة قرون: "إنّ قليلاً من الفلسفة يقرب الإنسان من الإلحاد، أما التعمق في الفلسفة فيرده إلى الدين، ".... ولا شَكّ أنّ إتجاه الإنسان وتطلعه إلى البحث عن عقل أكبر من عقله وتدبير أحكم من تدبيره وأوسع، لكي يستعين به على تفسير هذا الكون، يُعَدّ في ذاته دليلاً على وجود قوة أكبر وتدبير أعظم، هي قوّة الله وتدبيره. وقد لا يستطيع الإنسان أن يُسَلم بوجود الخالق تسليماً تاماً على أساس الأدلّة العِلمية وحدها، ولكننا نصل إلى الايمان الكامل بالله عندما نمذج بين الأدلّة العلمية والأدلّة الروحيّة، أي عندما ندمج معلوماتنا عن هذا الكون المُتّسِع إلى أقصى حدود الإتساع المعقّد إلى أقصى حدود التّعقيد، مع إحساسنا الداخلي والإستجابة إلى نداء العاطفة والروح الذي ينبعث من أعماق نفوسنا، ولو ذهبنا نحصي ألأسباب والدوافع الدّاخليّة التي تدعو ملايين الأذكياء من البشر إلى ألايمان بالله، لوجدناها متنوعة لا يحصيها حصر ولا عد، ولكنها قوية في دلالتها على وجوده تعالى، مؤدية إلى الإيمان به..... إنّ الأمر الذي نستطيع أن نثق به كلّ الثقة، هو أنّ الإنسان وهذا الوجود من حوله لم ينشأ هكذا نشأة ذاتيّة من العدم المطلق، بل إنّ لهما بداية، ولا بُدّ لكل بداية من مُبْديء، كما أننا نعرف أنّ هذا النظام الرائع المُعَقد الذي يسود هذا الكون يخضع لقوانين لم يخلقها الإنسان، وأنّ معجزة الحياة في حد ذاتها لها بداية، كما أنّ ورائها توجيهاً وتدبيراً خارج دائرة الإنسان، إنها بداية مُقَدَسة وتوجيه مُقّدّس وتدبير إلهي مُحْكم.)[ 4]
إمّا أشهر من وضع نظريات علم الميكروبات، وكشف دور الجراثيم في الإصابة بالأمراض، كان الكيميائي البيولوجي الفرنسي "لويس باستورLouis Pastor"[ 5] فيقول:(الإيمان لا يمنع أي إرتقاء كان، لأنّ كلّ ترقٍ يبين ويسجل الإتساق البادي في مخلوقات الله، ولوكنت علمت أكثر مما أعلَم اليوم لكان إيماني بالله أشَد وأعمق مما هو عليه الآن... إنّ العِلم الصحيح لا يمكن أن يكون مادياً، ولكنه على خلاف ذلك يؤدي إلى زيادة العِلم بالله لأنه يَدُلُ بواسطة تحليل الكون على مهارة وتبصُر، وكمال عقل الحكمة التي خلقت النّواميس المدبرة للوجود كما لا حد له).
كتب الكيميائي وعضو أكاديمية العلوم، وعميد كليّة الطب الفرنسية، "الدكتور ويتز Witts" يقول: (إذا أحسست في حين أنّ عقيدتي بالله قد تزعزعت وجَهْتٌ وجهي إلى أكاديمية العلوم.)
أما الجيولوجي الذائع الصيت، والمدرس بجامعة السوربون "أدموند هيربرت" فيقول:(العِلم لا يمكن أن يؤدي إلى الكفر ولا إلى الماديّة، ولا يفضي إلى التشكيك.)
كانت تلك الإستشهادات هي آراء بعض أقطاب العِلم الطبيعي، تم إختيارهم من جم كثير مما ذكره "ليون ووتي" الذي نشر بحثاً تحليلياً للدكتور الألماني "دينرت" لأكابر ومشاهير العلماء فتبيّنَ له من دراسة 290 عقل عالِم شهير ما يلي: "28 منهم لم يصلوا إلى عقيدة ما، 242 أعلنوا على رؤوس الأشهاد الايمان بالله الخالق، 20 فقط تبين أنهم غير مبالين بالوجهة الدينية ولا ملاحدة، فإذا إعتبرنا الغير مبالين من الملاحدة أيضاً، كانت نسبة المؤمنين منهم 92 %)[6 ]
وجّهَ أحد رجال الأعمال سؤالاً إلى العالِم الفسيولوجي "أندرو كونواي إيفي"[ 7]:
سمعت أنّ معظم المشتغلين بالعلوم ملحدين .فهل هذا صحيح؟ فأجابه: (إنني لا أعتقد أنّ هذا القول صحيح، بل إنني على نقيض ذلك وجدت في قراءتي ومناقشاتي أنّ معظم من اشتغلوا في ميدان العِلم من العباقرة لم يكونوا ملحدين....... إنّ الإلحاد، أوالإلحاد المادي، يتعارَضَ مع الطريقة التي يتبعها رجل العلوم في تفكيره وعمله وحياته، فهو يتبع المبدأ الذي يقول بأنّه لا يمكن أن تكون آلة بغير صانع، وهو يستخدم العقل على أساس الحقائق المعروفة، ويدخُل إلى معمله يحدوه الأمل َ ويمتليء قلبه بالإيمان، ومعظم رجال العلوم يقومون بأعمالهم حُبّاً في المعرفة وفي الناس وفي الله.... وكما قال "ماكس بلانك" العالم الطبيعي الذي فتح الطريق إلى أسرار الذرة: "إنّ الدين والعلوم الطبيعية يقاتلان معاً في معركة مشتركة ضدّ الشّك والجحود والخرافة، ولقد كانت الصيحة الجامحة في هذه الحرب وسوف تكون دائماً: الله")[ 8]
وننقل عن "لورد كليفي" ـ وهو من علماء الطبيعة البارزبن في العالَم ـ قوله: (إذا فكرتَ تَفكيراً عَميقاً فإنّ العلوم سوفَ تضطرك إلى الإعتقاد في وجود الله)[9 ]
ومرّة أخرى وكما ورد في كتاب "العالم وأينشتاين" تصريح العالِم الشهير "اينشتاين" صاحب النظرية النسبية: (إنّ الإيمان هو أقوى وأنبل نتائج البحوث العلمية).
إنّ العلوم تدعم الإيمان بالله تعالى، هذا ما يؤكده الدكتور "ألبرت ماكوب ونشتر" المتخصص في علم الأحياء، والإخصائي في علم الوراثة وفي تأثير ألأشعة السينية على الدوسوفيلا، بعد أن حاولت عمته أن يعدل عن قراره دراسة العلوم، خوف أن يقضي ذلك على ايمانه بالله:
(وانني لأشعر بالغبطة تملأ قلبي اليوم، بعد أن درست العلوم المختلفة، واشتغلت بها سنوات عديدة، ولم يكن في ذلك ما يزعزع لإيماني بالله، بل إنذ اشتغالي بالعلوم قد دعم إيماني بالله حتى صار أشد قوة وأمتن أساساً مما كان علية من قبل، ليس من شَكٍ أنّ العلوم تزيد الإنسان تبصراً بقدرة الله وجلاله، وكلما اكتشف الإنسان جديداً في دائرة بحثه ودراسته زاد إيمانه بالله)[ 10]
نعم... إنّ الآيات والدلائل التي يجدها العالِم في مختبره، والباحث في مشاهداته، كلّ تلك الدلائل والمشاهدات إن أعمل العقل في التفكر بها بنزاهـة وتجرد، ورغبة في الوصول إلى الحقيقة، فستوصل حتماً وبدون شَك إلى النتيجة الحتمية القاطعة، وهي الإيمان بالله تعالى خالقاً لهذا الكون بموجوداته ومدبراً له، وستوصل بالتالي إلى الإيمان القاطع بعقم وتفاهة جميع النظريات المادية والإلحادية ونبذها.
وفي مجال تصنيف الكائنات الحية، توصل العالم الإنجليزي "جون ري J. Ray" في القرن السابع عشر، لإيجاد نظام تصنيفي حين عرّفَ النّوع "Species" بأنّه المجموعة من الأفراد المتشابهة التي تنحدر من آباء تشبهها. وقال: "النّوع لا ينتج من نوع آخر" كما افترض "ري" أنّ عدد ألأنواع في الطبيعة ثابت ومحدود.[ 11]
أما العالِم السويدي "كارل لينيوسC. Linnaes " (1707–1778) فقد توصل إلى الأسلوب التقليدي في التصنيف والذي ما زال قائماً حتى يومنا هذا، ويستند هذا النظام على أوجه الشبه في تركيب أجسام الكائنات الحية التي تنتمي إلى نفس المجموعة في التصنيف، مرتكزاً في نظامه على تعريف "ري" للنوع، وعلى اعتقاده أنّ كل نوع ثابت لا يعتريه تغيير، وبذلك فإنّ عدد الأنواع محدود.[ 12]
لقد كانت تلك الآراء التي سقناها في هذا الفصل، هي آراء لمشاهير العِلم في معظم تخصصاته، وهي جميعها ـ وكثير غيرها، لايتسع المجال لذكرها ـ تُكَذِبُ إدعاء من قال بإجماع العلماء على صحة نظريات التطور المادي، بل تَدُلّ على توجه نَيِرٍ نحو الإيمان بالله تعالى، تدعمه الأدلة والبراهين القاطعة.
أما من تلبسوا بثياب العلماء من دعاة التطور المادي، فإنَه ينقصهم الوعي والفكر المستنير والنّزاهة والتجرد، وإلا لكان مصير نظرياتهم التلاشي، فلو أعملوا عقولهم في المخلوقات وقوانين الوجود، وفي أنفسهم، لآمنوا كما آمن من كان قبلهم، وكما آمن من أتى بعدهم.