أحدث المشاركات
صفحة 10 من 12 الأولىالأولى 123456789101112 الأخيرةالأخيرة
النتائج 91 إلى 100 من 118

الموضوع: الخلق والنشوء بين نظريات الماديين وحقائق القرآن الكريم

  1. #91
    الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    العمر : 82
    المشاركات : 229
    المواضيع : 13
    الردود : 229
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    آراء العلماء في التطور والخلق - 2 -


    كتبَ الكاتب والمفكر الفرنسي "مومنيه Momnieh" بحثاً في مجلة "الكوسموس" جاء فيه: (إذا إفترضنا بطريقة تعلو عن متناول العقل، أنّ الكون خُلِقَ اتفاقاً بلا فاعل مريد مختار وأنّ الإتفاقات المتكررة توصلت إلى تكوين رجُل، فهل يعقل أنّ الإتفاقات والمصادفات تُكَوِن كائناً آخر مماثلاً له تماماً في الشّكل الظاهري، ومبايناً له في التركيب الداخلي ـ وهو المرأة ـ بقصد عمارة الأرض بالناس وإدامة النّسل فيها؟ ألا يَدُلُ هذا وحده على أنّ في الوجود خالقاًُ مريداً مختاراً، أبدع الكائنات ونَوّع بينها، وغَرَزَ في كلّ نوع غَرائز، وَمّتّعَه بمواهب يقوّم بها أمْرَه ويرتقي عليها نوعه)[ 1]

    وما دمنا نتحدث عن التّناسُل لبقاء النوعين الإنساني والحيواني، والغرائز التي تثور متطلبة الإشباع، ليتم التزاوج والتلاقح الموصل إلى التناسل، فإلى بحث "التزاوج والتناسل" نرجع مرّة أخرى إلى "أ. كريسي موريسون" حيث يتناول الموضوع قائلاً: (إنّ الحياة تُرغم على التّناسل لكي يبقى النّوع، وهذا دافعٌ بلغ من القوة أنّ كل مخلوق يبذل أكثر تضحية في سبيل هذا الغرض... وهذه القوّة الإلزامية لا توجد حيث توجد الحياة، فمن أين تنشأ هذه الدوافع[ 2] القاهرة؟ ولماذا بعد أن نشأت تستمر ملايين السنين؟ إنّه قانون الطبيعة الحيّة... الذي يأتي من إرادة الخالق)[ 3]

    تحت عنوان "الأدلة الطبيعية على وجود الله" كتب أستاذ الطبيعة الحيوية، الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا، ومدير قسم النظائر والطاقة الذرية في معامل "أوك ريدج"، عضو جمعية الأبحاث النووية والطبيعة النووية، "بول كلارنس ايرسولد":(قال الفيلسوف الإنجليزي "فرانسس بيكون" من ثلاثة قرون: "إنّ قليلاً من الفلسفة يقرب الإنسان من الإلحاد، أما التعمق في الفلسفة فيرده إلى الدين، ".... ولا شَكّ أنّ إتجاه الإنسان وتطلعه إلى البحث عن عقل أكبر من عقله وتدبير أحكم من تدبيره وأوسع، لكي يستعين به على تفسير هذا الكون، يُعَدّ في ذاته دليلاً على وجود قوة أكبر وتدبير أعظم، هي قوّة الله وتدبيره. وقد لا يستطيع الإنسان أن يُسَلم بوجود الخالق تسليماً تاماً على أساس الأدلّة العِلمية وحدها، ولكننا نصل إلى الايمان الكامل بالله عندما نمذج بين الأدلّة العلمية والأدلّة الروحيّة، أي عندما ندمج معلوماتنا عن هذا الكون المُتّسِع إلى أقصى حدود الإتساع المعقّد إلى أقصى حدود التّعقيد، مع إحساسنا الداخلي والإستجابة إلى نداء العاطفة والروح الذي ينبعث من أعماق نفوسنا، ولو ذهبنا نحصي ألأسباب والدوافع الدّاخليّة التي تدعو ملايين الأذكياء من البشر إلى ألايمان بالله، لوجدناها متنوعة لا يحصيها حصر ولا عد، ولكنها قوية في دلالتها على وجوده تعالى، مؤدية إلى الإيمان به..... إنّ الأمر الذي نستطيع أن نثق به كلّ الثقة، هو أنّ الإنسان وهذا الوجود من حوله لم ينشأ هكذا نشأة ذاتيّة من العدم المطلق، بل إنّ لهما بداية، ولا بُدّ لكل بداية من مُبْديء، كما أننا نعرف أنّ هذا النظام الرائع المُعَقد الذي يسود هذا الكون يخضع لقوانين لم يخلقها الإنسان، وأنّ معجزة الحياة في حد ذاتها لها بداية، كما أنّ ورائها توجيهاً وتدبيراً خارج دائرة الإنسان، إنها بداية مُقَدَسة وتوجيه مُقّدّس وتدبير إلهي مُحْكم.)[ 4]

    إمّا أشهر من وضع نظريات علم الميكروبات، وكشف دور الجراثيم في الإصابة بالأمراض، كان الكيميائي البيولوجي الفرنسي "لويس باستورLouis Pastor"[ 5] فيقول:(الإيمان لا يمنع أي إرتقاء كان، لأنّ كلّ ترقٍ يبين ويسجل الإتساق البادي في مخلوقات الله، ولوكنت علمت أكثر مما أعلَم اليوم لكان إيماني بالله أشَد وأعمق مما هو عليه الآن... إنّ العِلم الصحيح لا يمكن أن يكون مادياً، ولكنه على خلاف ذلك يؤدي إلى زيادة العِلم بالله لأنه يَدُلُ بواسطة تحليل الكون على مهارة وتبصُر، وكمال عقل الحكمة التي خلقت النّواميس المدبرة للوجود كما لا حد له).

    كتب الكيميائي وعضو أكاديمية العلوم، وعميد كليّة الطب الفرنسية، "الدكتور ويتز Witts" يقول: (إذا أحسست في حين أنّ عقيدتي بالله قد تزعزعت وجَهْتٌ وجهي إلى أكاديمية العلوم.)

    أما الجيولوجي الذائع الصيت، والمدرس بجامعة السوربون "أدموند هيربرت" فيقول:(العِلم لا يمكن أن يؤدي إلى الكفر ولا إلى الماديّة، ولا يفضي إلى التشكيك.)

    كانت تلك الإستشهادات هي آراء بعض أقطاب العِلم الطبيعي، تم إختيارهم من جم كثير مما ذكره "ليون ووتي" الذي نشر بحثاً تحليلياً للدكتور الألماني "دينرت" لأكابر ومشاهير العلماء فتبيّنَ له من دراسة 290 عقل عالِم شهير ما يلي: "28 منهم لم يصلوا إلى عقيدة ما، 242 أعلنوا على رؤوس الأشهاد الايمان بالله الخالق، 20 فقط تبين أنهم غير مبالين بالوجهة الدينية ولا ملاحدة، فإذا إعتبرنا الغير مبالين من الملاحدة أيضاً، كانت نسبة المؤمنين منهم 92 %)[6 ]

    وجّهَ أحد رجال الأعمال سؤالاً إلى العالِم الفسيولوجي "أندرو كونواي إيفي"[ 7]:
    سمعت أنّ معظم المشتغلين بالعلوم ملحدين .فهل هذا صحيح؟ فأجابه: (إنني لا أعتقد أنّ هذا القول صحيح، بل إنني على نقيض ذلك وجدت في قراءتي ومناقشاتي أنّ معظم من اشتغلوا في ميدان العِلم من العباقرة لم يكونوا ملحدين....... إنّ الإلحاد، أوالإلحاد المادي، يتعارَضَ مع الطريقة التي يتبعها رجل العلوم في تفكيره وعمله وحياته، فهو يتبع المبدأ الذي يقول بأنّه لا يمكن أن تكون آلة بغير صانع، وهو يستخدم العقل على أساس الحقائق المعروفة، ويدخُل إلى معمله يحدوه الأمل َ ويمتليء قلبه بالإيمان، ومعظم رجال العلوم يقومون بأعمالهم حُبّاً في المعرفة وفي الناس وفي الله.... وكما قال "ماكس بلانك" العالم الطبيعي الذي فتح الطريق إلى أسرار الذرة: "إنّ الدين والعلوم الطبيعية يقاتلان معاً في معركة مشتركة ضدّ الشّك والجحود والخرافة، ولقد كانت الصيحة الجامحة في هذه الحرب وسوف تكون دائماً: الله")[ 8]

    وننقل عن "لورد كليفي" ـ وهو من علماء الطبيعة البارزبن في العالَم ـ قوله: (إذا فكرتَ تَفكيراً عَميقاً فإنّ العلوم سوفَ تضطرك إلى الإعتقاد في وجود الله)[9 ]

    ومرّة أخرى وكما ورد في كتاب "العالم وأينشتاين" تصريح العالِم الشهير "اينشتاين" صاحب النظرية النسبية: (إنّ الإيمان هو أقوى وأنبل نتائج البحوث العلمية).

    إنّ العلوم تدعم الإيمان بالله تعالى، هذا ما يؤكده الدكتور "ألبرت ماكوب ونشتر" المتخصص في علم الأحياء، والإخصائي في علم الوراثة وفي تأثير ألأشعة السينية على الدوسوفيلا، بعد أن حاولت عمته أن يعدل عن قراره دراسة العلوم، خوف أن يقضي ذلك على ايمانه بالله:

    (وانني لأشعر بالغبطة تملأ قلبي اليوم، بعد أن درست العلوم المختلفة، واشتغلت بها سنوات عديدة، ولم يكن في ذلك ما يزعزع لإيماني بالله، بل إنذ اشتغالي بالعلوم قد دعم إيماني بالله حتى صار أشد قوة وأمتن أساساً مما كان علية من قبل، ليس من شَكٍ أنّ العلوم تزيد الإنسان تبصراً بقدرة الله وجلاله، وكلما اكتشف الإنسان جديداً في دائرة بحثه ودراسته زاد إيمانه بالله)[ 10]

    نعم... إنّ الآيات والدلائل التي يجدها العالِم في مختبره، والباحث في مشاهداته، كلّ تلك الدلائل والمشاهدات إن أعمل العقل في التفكر بها بنزاهـة وتجرد، ورغبة في الوصول إلى الحقيقة، فستوصل حتماً وبدون شَك إلى النتيجة الحتمية القاطعة، وهي الإيمان بالله تعالى خالقاً لهذا الكون بموجوداته ومدبراً له، وستوصل بالتالي إلى الإيمان القاطع بعقم وتفاهة جميع النظريات المادية والإلحادية ونبذها.

    وفي مجال تصنيف الكائنات الحية، توصل العالم الإنجليزي "جون ري J. Ray" في القرن السابع عشر، لإيجاد نظام تصنيفي حين عرّفَ النّوع "Species" بأنّه المجموعة من الأفراد المتشابهة التي تنحدر من آباء تشبهها. وقال: "النّوع لا ينتج من نوع آخر" كما افترض "ري" أنّ عدد ألأنواع في الطبيعة ثابت ومحدود.[ 11]

    أما العالِم السويدي "كارل لينيوسC. Linnaes " (1707–1778) فقد توصل إلى الأسلوب التقليدي في التصنيف والذي ما زال قائماً حتى يومنا هذا، ويستند هذا النظام على أوجه الشبه في تركيب أجسام الكائنات الحية التي تنتمي إلى نفس المجموعة في التصنيف، مرتكزاً في نظامه على تعريف "ري" للنوع، وعلى اعتقاده أنّ كل نوع ثابت لا يعتريه تغيير، وبذلك فإنّ عدد الأنواع محدود.[ 12]

    لقد كانت تلك الآراء التي سقناها في هذا الفصل، هي آراء لمشاهير العِلم في معظم تخصصاته، وهي جميعها ـ وكثير غيرها، لايتسع المجال لذكرها ـ تُكَذِبُ إدعاء من قال بإجماع العلماء على صحة نظريات التطور المادي، بل تَدُلّ على توجه نَيِرٍ نحو الإيمان بالله تعالى، تدعمه الأدلة والبراهين القاطعة.

    أما من تلبسوا بثياب العلماء من دعاة التطور المادي، فإنَه ينقصهم الوعي والفكر المستنير والنّزاهة والتجرد، وإلا لكان مصير نظرياتهم التلاشي، فلو أعملوا عقولهم في المخلوقات وقوانين الوجود، وفي أنفسهم، لآمنوا كما آمن من كان قبلهم، وكما آمن من أتى بعدهم.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #92
    الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    العمر : 82
    المشاركات : 229
    المواضيع : 13
    الردود : 229
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    النوع لا ينتج من نوع آخر[/


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    كل جنس من المخلوقات الحيوانية والنباتية ينتج مثله في النوع والحجم

    ____________________
    [1] محمد فريد وجدي، دائرة المعارف العربية، مادة: إله.
    [2] المقصود بالدوافع: الغرائز.
    [3] الإنسان لا يقوم وحده، صفحه ( 146 ).
    [4] الله يتجلى في عصر العلم، الصفحات ( 35 – 38 ).
    [5] باستور، لويس ( 1822-1895 ): كيميائي بيولوجي فرنسي، أثبت أنّ الخمائر خلايا حيّة، وكشف دور الجراثيم في الإصابة بمختلف الأمراض، عقّم اللبن تعقيماً جزئياً بحرارة تقتل المتعضيات الضّارة من غير أن تُحدث في المادة المعقمة تغييراً كيميائياً جوهرياً وهو ما يدعى اليوم " البسترة "، استنبط طريقة ل[1] النصوص الأربعة السابقة، ترجمها محمد فريد وجدي، ونشرها في مجلة " الأزهر ".
    [6] النصوص الأربعة السابقة، ترجمها محمد فريد وجدي، ونشرها في مجلة " الأزهر ".
    [7] أندرو كونواي إيفي: من العلماء الطبيعيين ذوي الشهرة العالمية، من سنة 1925 إلى سنة 1946. رئيس قسم الدراسات الفسيولوجية والصيدلية بجامعة نورث وسترن، من سنة 1946 إلى سنة 1953. أستاذ في كلية الطب ووكيل الكلية في جامعة الينوى حتى سنة 1958، أستاذ الفسيولوجي ورئيس قسم العلوم الأكلينية بكلية الطب بجامعة شيكاغو.
    [8] الله يتجلى في عصر العلم، الصفحات ( 150 – 162 ).
    [9] المصدر السابق، صفحه ( 23 ).
    [10] الله يتجلى في عصر العلم، الصفحات ( 104 – 105 ).
    [11] د.عدنان بدران وآخرين، البيولوجيا، صفحه ( 104 ).
    [12] المصدر السابق.

    10440/ 91-92/9 194-200/2

  3. #93
    الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    العمر : 82
    المشاركات : 229
    المواضيع : 13
    الردود : 229
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    وأخــــــيراً...
    لقد كتب داروين منذ حوالي المائة وخمسين عاماً في الفصل السادس من كتابه "أصل ألأنواع"، يقول: (إني لا أشُكّ بأنّ إعتراضات كثيرة قد خطرت ببال القاريء قبل أن يصل إلى هذا الفصل من كتابي، وبعض هذه الإعتراضات خطير إلى درجة أني حتى اليوم، لا أفكر بها إلا وتعتريني هَزّه) !!!

    كان هذا النّص في الفصل السادس ـ باب مشكلات النظرية ـ، وظهر في الترجمة العربية طباعة سنة (1959)، ومما يلفت النظر أنّ هذا النّص بالكامل قد جرى حذفه من طبعة مطبعة النّهضه[ 1] التي قام بترجمتها "إسماعيل مظهر"!!!!.

    فهل يمكن لعاقل أن يؤمن بنظريّة واهيه كتلك على أنها حقيقة واقعة يجب الإيمان والتسليم بها، في حين أنّ من نُسِبَ إليه ابتداعها واختلاقها، ومن عُرفَ أنّه عَراب النظرية ومرجعها، حتى أنها قد إشتهرت بنسبتها إليه، يهتز للإعتراضات التي وَرَدَت، أو التي سَترِد على النظرية؟ ولا أخال عاقل سَيُفَسِرَ الهَزّة التي ستعتري داروين، أنها هزة الواثق المطمئن إلى صحة وسلامة نظريته!!!

    هذا علاوة على أنه بعد مرور قرن ونصف على ابتداع تلك النظرية، وعلماء التطور مستمرون في أبحاثهم، دائبون نشطون من أجل إثباتها، ورغم ذلك فإنهم عاجزون تماماً عن إثبات واقعيّة التطور المادي ومصداقية نظرياته، رغم الأبحاث الطائلة التي قاموا بها، ورغم الإمكانات الهائلة التي وضعت تحت تصرفهم، ورغم تسخير العِلم والمعامل والمختبرات، ورغم الخدع والتزويرات التي قام بها البعض الآخر منهم، ورغم توجيه الإعلام بكافة وسائله لصالحهم، وذلك ما اعترف به مؤلف كتاب "سنة العِلم" المطبوع باللغة الإنجليزية عام (1966) حيث يقول:(على الرغم من النجاحات التي أحرزها عِلم الآثار، فإنّ العلماء ما زالوا في بداية المهمة العظيمة التي يتوخونها، ونعني بذلك مَعْرِفَة تاريخ الإنسان.)
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    كما أنّ التناقض واضح جداً في أقوال وتصريحات مشاهير علماء النظرية المتحمسين لإثباتها، ففي مطالعة كتاب العالِم "دوبز هنسكي T.Dobzhansky" المعرف باسم "الأساس الحيوي لحرية الإنسان" نجده يقول بصراحة: (لقد ثبت بما لا يدع مجال للشك، حتى العقد الأخير من القرن التاسع عشر، بأنّ التطور أمر واقع...)[ 2] في حين أنّه بعد صفحتين من هذا القول يرجع ليقول وفي نفس الكتاب: (مما لا شَكّ فيه أنّ المظاهر التاريخية المتممة لحلقات التطور ما زالت غير معروفة تماماً... ولا نستطيع أن نرى الأسباب التي قرّرت تطور النّوع الإنساني إلا من خلال ضَباب.)[ 3]

    فهو من جهة يؤكد ويجذم بما يرغبه ويريده من أنّ التطور هو حقيقة وأمر واقع يجب الإعتراف والإيمان به، نجده من جهة أخرى يعترف ويقر بأنّ المظاهر التي قرّرت حلقات هذا التطور غير معروفة تماماً!! بل وأنه يراها من خلال ضباب!!! وهل يرى شيئاً ثابتاً واضح المعالِم من خلال ضباب؟ وما أخاله يقصد إلا أنّ كلّ تلك النظريات المادية ما هي إلا سَـراب خادع تشبث به وتعلق تائهون هائمون على وجوههم.

    أما "الموسوعة البريطانية" فتقول: (ليس لدينا أدنى شَك فيما يتعلق بكون التطور حقيقة واقعة، وأنّ الأدلة عليها في الوقت الحاضر غير قابلة للنقض.)[ 4]

    غير أنّه ورغم هذا التأكيد القاطع على رجحان أدلتهم التي لا يتطرق إليها النقض أو الشّك، نجد أنّ نفس الموسوعة المذكورة آنفاً وفي موضع آخر تصف تلك الأدلة الغير قابلة للنقض قائلة: (إنها غير كافية، وغير متسلسلة، بل أنّ بها كثير من الفجوات... )[ 5] وتردف نفس الموسوعة قائلة: (إننا ما زلنا لا نعرف شيئاً عن هذه الظواهر الحيوية التي قررت هذا التغيير)[ 6]

    أما "سير بيير Sir Gavin Beer" فلم يتردد بأن يقول في كتابه الأخير المطبوع بعنوان "شارل داروين" مايلي: (لقد أعلن داروين بأنّ الأدلة سوف توجد في يوم من الأيام، وقد أتى هذا اليوم لأنّ سلسلة المستحاثات التي مَرّ ذكرها تقدم لنا الأدلة القاطعة على أنّ الإنسان ثمرة التطور)[7 ]

    غير أنّ هذا التأكيد على الأدلة القاطعة التي إدعاها "بيير"، لم يمنع عالماً آخر هو "د. كلارك Le Gros Clark" أن ينقض ذلك الإدعاء قائلاً: (إنّ العثورعلى مستحاثات لأجدادنا الحقيقين، أوحتى العثور على نماذج الجماعات الجغرافية المحليّة التي انبثق عنها أجدادنا الحقيقيون أمر احتماله من الضعف بحيث نرى من العبث توقع امكان حصوله.)[ 8]

    إنّ ثبات نظرية داروين وشبيهاتها من نظريات التطور المادي، لهو أوهى من خيط العنكبوت، ولا يستطيع عاقل أن يطلق على نظرية التطور المادي صفة الحقيقة العلمية، لأن تلك النظرية هي في حقيقتها أبعد ما تكون عن كونها من الحقائق، بل هي تخيلات وأوهام لا تمت إلى الحقيقة بصلة، وقد قرّرَ ذلك "د. كلارك" وهو أحد علماء التطور المشهورين، ومن أشهر المتحمسين لها، بالعبارات التالية: (من المؤسف أن تكون كل الأجوبة التي طرحت لمعرفة أصل الإنسان، تقوم على دلائل غير مباشرة، وأكثرها يقوم على فرضيات.)[ 9]

    ونقص الأدلة أو حتى انعدامها، هو رأي أخبر به معظم علماء التطور، وممن اعترف بذلك "رئيس الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم"، حيث قال بصدد حديثه عن التطور: (تعال معي لنقوم برحلة فرضية فيما قبل التاريخ، ولنتصوّر الزّمن الذي ظهر فيه نوع الإنسان "سابين spiens"، ولنقطع بسرعة الآف السنين التي تعتمد في القسم الأكبر من معلوماتنا الحاضرة عنها على الحدس والتخمين والإستنتاج، إلى أن نصل إلى فترة الوثائق التاريخية التي تسمح لنا بالتقاط بعض الوقائع...)[ 10]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي الإنسان "سابين spiens"
    وأول عصر الوثائق، مضت الآف السنين من عمر الإنسان قبل أن تبدأ ـ على حد زعمهم ـ وعلمائهم يزعمون بأنّ مراحل التطور التي يظن بأنها قد سبقت عصر الوثائق، والتي لم يرها الإنسان الحديث رؤية العين، إنّما بُنيت على الحدس والظن والشَك والتأويل والتفسير والبحث النظري الإفتراضي، أي هي بالتالي عبارة عن مجموعة من الفرضيات.

    أمّا بالنسبة لعمدة كتبهم، وأشهر مراجعهم ومصادرهم، وهو كتاب عرابهم الشهير "داروين" صاحب النظرية المسماة باسمه وهو كتاب "أصل الأنواع"[11 ] فقد أبدى أحد مشاهير العلماء الإنجليز بالملاحظة التالية عليه:

    (لقد أحصي ما جاء في كتاب "أصل الأنواع" فوُجِد أكثر من 800 جملة إرتيابية، مثل قوله: قد نستطيع أن نستنتج، قد يمكن ان يكون....ألخ، فالمرء الذي يبحث ليفهم لا يلبث عند سماع هذه العبارات الإرتيابية أن يقع في حيرة من هـذه التناقضات، إذ يرى بعض العلماء يؤكدون على التطور بصراحة، ويرى آخرون يعترفون بأنّ كل الاستنتاجات هي فرضية)[ 12]

    ___________________

    [1] المرجع، الصفحات ( 328 – 390 ).
    [2] خلق لا تطور، صفحه ( 17 )، نقلا عن: The biology basis of human freedon.
    [3] المصدر السابق.
    [4] المصدر السابق.
    [5] خلق لا تطور، صفحه ( 17 ).
    [6] المصدر السابق.
    [7] المصدر السابق.
    [8] المصدر السابق، صفحه ( 18 )، نقلاً عن: غرو كلارك، أدلة المستحاثات على تطور الإنسان.
    [9] المصدر السابق.
    [10] المصدر السابق، نقلاً عن مقال للمذكور نشر له في مجلة " العلوم " الأمريكية.
    [11] The Origin of Species, Sharles Darwin.
    [12] خلق لا تطور، صفحه ( 19 ).

    10675/93/10/201/205/2

  4. #94
    الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    العمر : 82
    المشاركات : 229
    المواضيع : 13
    الردود : 229
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    وهذا التناقض هو الذي دفع العالِم الفسيولوجي الملحق باللجنـة المركزية للطاقة النووية "تهميسيان T.N.Tahmisian" إلى القول: (إنّ العلماء الذين يؤكدون على أنّ التطور واقع علمي هم منافقون، وأنّ ما يروونه من أحداث إنّما هو من الشعوذات التي ابتدعت ولا تحتوي على نقطة واحدة من الحقيقة) إلى أن يصف تلك النظرية بأنها: (خليطة مضطربة من الأحاجي وشعوذة الأرقام)[1 ] أما رئيس فرع العلوم بإحدى الجامعات "كلوتز J.W.Klotz" يقول: (إنّ الإعتقاد بالتطور يحتاج إلى كثير من السذاجة)[ 2]

    وذكر "ويكرز شامبرزWikers Chamber" في كتابه "الشهادة Witness" حادثاً كان من الممكن أن يصبح نقطة تحول في حياته، ذكر أنه بينما كان ينظر إلى إبنته الصغيرة استلفت أذناها نظرهُ، فأخذ يفكر أنّ من المستحيل أن يوجد شيء معقد ودقيق كهذه الأذن بمحض إتفاق، بل لا بد أنه وجد نتيجة إرادة مدبرة، لكنه طرد هذه الوسوسة عن قلبه حتى لا يضطر إلى أن يؤمن بالذات التي أرادت فدبرت، لأنّ ذهنه لم يكن على استعداد لتقبل هذه الفكرة الأخيرة.[3 ] ويعلق الدكتور "تامس ديودباركس" على ذاك الحادث بقوله: (انني أعرف عددا كبيراً من أساتذتي في الجامعة، ومن رفقائي العلماء الذين تعرضوا مراراً لمثل هذه المشاعر، وهم يقومون بعمليات كيماوية وطبيعية في المعامل.)[ 4]

    يتضح من تلك الرواية، أنّ الأدلة مهما كانت مقنعة وقاطعة، فمن الممكن ألا تقنع بعض الناس، لأن أبواب عقولهم المادية موصدة دون أي كلام عن الله والإيمان، ومن المؤكد أنّ موقفهم هذا ليس لأن الإستدلالات والبراهين المطروحة أمامهم ضعيفة أو عاجزة، بل إنّ ذلك راجع إلى تعصبهم المقيت ضد كل ما يوصل للإيمان، ويشير إلى ذلك العالِم البريطاني الشهير "سير جيمس جينز" قي كتابه "عالم الأسرار" حيث مرّ معنا سابقاً قوله: (إنّ في عقولنا الجديدة تعصباً يرجح التفسير المادي للحقائق)[5 ]

    إنّ غريزة التدين هي غريزة فطريّة في الإنسان، لايخلو منها أي انسان كان، ومن أبرز مظاهرها التقديس، وأمثال هؤلاء، يكابرون ويكبتون تلك الغريزة، فيصرفون مظهر التقديس المنبثق عنها إلى تقديس الطبيعة أوتقديس العلم أوتقديس مظاهر معينة، ليصرفو مظهر الغريزة لتقديس تافه بدل عبادة الله، فالتعصب الأعمى للتفسير المادي للحياة له جذور عميقة، يصعب معها اثناؤهم عنها حتى بالأدلة الدامغة، ويعلق على ذلك العالِم الأمريكي "جورج بلونت": (إنّ كون العقيدة الإلهية معقولة، وكون إنكار الإله سفسطة، لا يكفي لإختيار الإنسان جانب العقيدة الإلهية، فالناس يظنون أن الإيمان بالله سوف يقضي على حريتهم، تلك الحرية العقلية التي استعبدت عقول العلماء واستهوت قلوبهم، فأية فكرة عن تحديد هذه الحرية مثيرة للوحشة عندهم.)[ 6]

    يتضح مما سبق أنهم بتعصبهم اللاعقلاني الساذج للتطور المادي، قد قصدوا منه بعناد عدم الإيمان بالحقائق رغم سيطرتها علىعقولهم أحياناً، صارفين بذلك ثوران غريزة التدين المتطلب الإشباع إلى إشباع منحرف، ولا أرى تعليقاً على ذلك أبلغ من المثل العربي العامي القائل: "عَنزَه وإن طارت" وحقاً فإنّ الكفر في حقيقته لا يعدو أن يكون إلا عِناداً!!!

    ويرد الأستاذ "أ. كريسي موريسون" على نظريات التطور المادي مناقشاً:

    (إننا نستطيع أن نضع نظرية تبين كيف تطورت جميع الكائنات الحية من الخلية الأصلية، ولكن العِلم يقف عند هذا الحد، ويمكننا أن نتفق مع ذوي العقول الممتازة الذين أدت بحوثهم المضنية إلى اعطائنا فكرة حقيقية عن الوقائع الطبيعية للحياة المادية، ولكننا غير ملزمين بالوقوف حيث وقفوا، لأنهم لم يتبين لهم صنع الخالق في كل ذلك.

    إنّ كون الإنسان في كل مكان ومنذ بدء الخليقة حتى الآن، قد شعر بحافز يحفزه إلى أن يستنجد بمن هو أسمى منه وأقوى وأعظم،[ 7] يدل على أنّ الدين فطري فيه، ويجب أن يقر العِلم بذلك، وسواء أحاط الإنسان صورة محفوره بشعوره بأنّ هناك قوّة خارجية للخير أو الشّر أم لم يفعل، فإنّ ذلك ليس هو الأمر المهم، بل الحقيقة الواقعة هي إعترافه بوجود الله، والذين أتيح لهم العِلم بالعالَم لا يحقّ لهم أن ينظروا نظرة الإزدراء إلى فجاجة الذين سبقوهم أو الذين لا يعرفون الآن الحق كما نراه.بل أننا على العكس من ذلك يجب أن تأخذنا الرّوعة والدّهشة والإجلال لإتفاق البشر في نواحي العالم عن البحث عن الخالق والإيمان بوجوده! أوليست روح الإنسان[8 ] هي التي تشعر بإتصالها بالله؟ أم نخشى أن نقول بأنّ الحافز الديني[9 ] الذي لا يملكه إلا الإنسان هو جزء من هذا الكائن الواعي كأيّة صفة أخرى من خصائصه؟[10 ] إنّ وجود الحافز هو برهان على قصد العناية الإلهية[ 11] ولا يقل شأناً عن عقل الإنسان المادي الذي يكمن فيه كونه الحساس.[12 ]

    إنّ أي ذرة أو جزيء[13 ] لم يكن له فكر قط، وأي إتحاد للعناصر لم يتولد عنه رأي أبداً، وأي قانون طبيعي لم يستطع بناء كاتدرائية، ولكن كائنات حية معينة قد خلقت تبعاً لحوافز معينة للحياة، وهذه الكائنات تنتظم شيئاً تطيعه جزئيات المادة بدورها، ونتيجة هذا وذاك كل ما نراه من عجائب العالَم، فما هو هذا الكائن الحي؟ هل هو عبارة عن جزئيات وذرات؟ أجل، وماذا أيضاً؟ شيء غير ملموس، أعلى كثيراً من المواد لدرجة أنه يسيطر على كل شيء، ومختلف جداً عن كل ما هو مادي مما صنع منه العالَم، لدرجة أنه لا يمكن رؤيته ولا وزنه ولا قياسه. وهو فيما نعلم ليست له قوانين تحكمه.[14 ]

    إنّ روح الإنسان هي سيدة مصيره، ولكنا نشعر بصلتها بالمصدر الأعلى لوجودها، وقد أوجدت للإنسان قانوناً للأخلاق لا يملكه أي حيوان آخر ولا يحتاج إليه، فإذا سمى أحد ذلك الكيان بأنه أفضل لتكوين المادة، لا لشيء إلا لأنه لا يعرف كنهه بأنبوب إختبار، فهو إنما يزعم زعماً لا يقوم على برهان، إنّه شيء موجود، يظهر نفسه بأعماله وتضحياته وبسيطرته على المادة، وعلى الأخصّ بقدرته على رفع الإنسان المادي من ضعف البشر وخطئهم إلى الإنسجام مع إرادة الله.

    هذه هي خلاصة القصد الرّباني، وفيها تفسـيرات للإشـتياق الكامن في نفس الإنسان،[15 ] للإتصال بأشياء أعلى منه ومن نفسه، وفيها كشف عن أساس حافزه الديني، هذا هو الدين.[16 ]

    والعِلم يعترف باشتياق الإنسان إلى أشياء أسمى منه ويقر بذلك، غير أنّه لا ينظر نظرة جديّة إلى مختلف العقائد والمذاهب، وإن يكن يرى طرقاً تتجه إلى الله، والذي يراه العِلم ويقرره جميع المفكرين، هو أنّ الإعتقاد العام بوجود الله له قيمة لا تقدر.

    إنّ تقدم الإنسان من الوجهة الأخلاقيّة وشعوره بالواجب إنما هو أثر من آثار الإيمان والإعتقاد بالخلود، وأن غزارة التدين لتكشف روح الإنسان، وترفعه خطوة خطوة حتى يشعر بالإتصال بالله، وإنّ دعاء الإنسان الغريزي لله بأن يكون في عونه وخاصة في ساعات الشّدائد لأمر طبيعي، وإنّ أبسط صلاة تسمو به إلى مقربة من خالقه، إنّ الإنسان لا يقوم وحده)[ 17] ويستطرد "موريسون" متسائلاً عن سر الحياة، وهل هي من صنع المادة، فيقول: (إنّ المتفق عليه عموماً هو أنّه لا البيئة وحدها، ولا المادة مهما كانت موائمة للحياة ولا أي اتفاق في الظروف الكيماوية والطبيعية قد تخلقه المصادفة يمكنها أن تأتي بالحياة إلى الوجود)[18 ]

    وله أيضاً: (فالحياة هي المصدر الوحيد للوعي والشعور، وهي وحدها التي تجعلنا ندرك صنع الله ويبهرنا جماله، وإن كانت أعيننا لا تزال فوقها غشاوه.)[19 ]
    ________________

    [1] المصدر السابق.
    [2] المصدر السابق، صفحه ( 20 ).
    [3] الإسلام يتحدى، صفحه ( 42 )
    [4] المصدر السابق، نقلاً عن: The Evidence of God, p. 73-74.
    [5] المصدر السابق، نقلا عن: Mysterious Universe, p. 189.
    [6] المصدر السابق، صفحه ( 43 )، نقلً عن: Gorge H. Blount, the Evidence of God, P. 130.
    [7] إنّ الكاتب يشير هنا إلى غريزة التدين الموجودة فطرياً لدى الإنسان، والناتجة عن شعوره بالنقص والعجز والاحتياج.
    [8] الروح هنا: إدراك الإنسان لصلته بخالقه.
    [9] غريزة التدين .
    [10] كالعقل والإدراك والتكلم وانتصاب القامة مثلاً.
    [11] إنّ الدين الإسلامي وكل الأديان السماوية قبل تحريفها، تدعوا الإنسان إلى استعمال العقل والتفكر في الموجودات للأيمان بالله تعالى. والإسلام يرفض ما يسمى ( إيمان العجائز ) الذي لا يقوم على التفكر وإعمال العقل.
    [12] إنّ الإنسان من دون المخلوقات جميعاً ـ بما في ذلك جميع الحيوانات ـ هو الوحيد الذي يملك العقل المميز، والذي بواسطته يحكم على الواقع أو الشيء ما هو، وذلك بنقل الواقع إلى الدماغ بواسطة الحواس مع وجود معلومات سابقة تفسر هذا الواقع. وهذا ما يطلق عليه ( العملية التفكيرية ).
    [13] A tom or Molecale.
    [14] المقصود هنا هو الله تعالى خالق القوانين.
    [15] المقصود هنا: غريزة التدين، الناشئة عن الشعور بالعجز الطبيعي في الإنسان، وحاجته للخالق المدبر، وربط ذلك بالإيمان بوجود الآخرة حيث يحاسب الإنسان على ما قدمت يداه، وذلك ما يدفع الإنسان إلى ما يسمى ( مزج المادة بالروح ) الذي يدفع الإنسان للتقيد بما أمر الله والابتعاد عما نهى.
    [16] هذا هو الدين: اعتقاد جازم، وتقيد بالأحكام التي يفرضها هذا الاعتقاد.
    [17] العلم يدعو للإيمان، الصفحات ( 191 – 196 ).
    [18] المصدر السابق، صفحه ( 96 ).
    [19] المصدر السابق، صفحه ( 88 ).


    10920/94/10/205/209/2

  5. #95
    الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    العمر : 82
    المشاركات : 229
    المواضيع : 13
    الردود : 229
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    وفي إثبات بطلان نظرية المصادفة، يقول "الدكتور ايرفنج وليام نوبلوتشي"[1 ](إنّني أعتقد في وجوده سبحانه وتعالى لأني لا أستطيع أن أتصور أنّ المصادفة وحدها تستطيع أن تفسّر لنا وجود الألكترونات والبروتونات الأولى، أو البروتوبلازم الأول، أو الذرات الأولى، أو الأحماض الأمينية الأولى، أو البذره الأولى، أو العقل الأول، إنني أعتقد في وجود الله، لأنّ وجوده القدسي هو التفسير المنطقي الوحيد لكل ما يحيط بنا من ظواهر هذا الكون التي نشاهدها)[ 2]

    أما إخصائي الكيمياء الجيولوجية "واين أولت"[3 ] فيدلي بدلوه في الموضوع بقوله: (ويسلم كثير من الناس تسليماً منطقياً بوجود الغاية أو الحكمة من وراء الظواهر الطبيعية، ولا شك أنّ اعتقاد وجود اله خالق لكل الأشياء يعطينا تفسيراً بسيطاً سليماً واضحاً عن النشأة والإبداع والغرض أو الحكمة، ويساعدنا على تفسير جميع ما يحدث من الظواهر، أما النظريات التي ترمي إلى تفسير الكون تفسيراً آلياً فإنها تعجز عن تفسير كيف بدأ الكون، ثم ترجع ما حدث من الظواهر التالية للنشأة الأولى إلى محض المصادفة، فالمصادفة هنا فكرة يستعاض بها عن فكرة وجود الله بقصد إكمال الصورة والبعد بها عن التشويه، ولكن حتى بغضّ النظر عن الإعتبارات الدينية عامة، نجد أنّ فكرة وجود الله أقرب إلى العقل والمنطق من فكرة المصادفة ولا شك، بل لإنّ ذلك النظام البديع الذي يسود هذا الكون يدل دلالة حتمية على وجود إله منظم وليس على وجود مصادفة عمياء تخبط خبط عشواء)[4 ]


    وفي النّظر إلى الحقائق دون ملل أو تحيز، وهو ما عَنوَنَ به مقاله يقول "الدكتور ادوارد لوثر كيسيل"[5 ] (... فالعلوم تثبت بكل وضوح أنّ هذا الكون لا يمكن أن يكون أزلياً، فهناك انتقال حراري مستمر من الأجسام الحارة إلى الأجسام الباردة، ولا يمكن أن يحدث العكس بقوة ذاتية بحيث تعود الحرارة فترتد من الأجسام الباردة إلى الأجسام الحارة، ومعنى ذلك أنّ الكون يتجه إلى درجة تتساوى فيها حرارة جميع الأجسام وينضب فيها معين الطاقة، ويومئذ لن تكون هناك عمليات كيموية أو طبيعية، ولن يكون هناك أثر للحياة نفسها في هذا الكون، ولما كانت الحياة لا تزال قائمة، ولا تزال العمليات الكيموية والطبيعية تسير في طريقها، فاننا نستطيع أن نستنتج أنّ هذا الكون لا يمكن أن يكون أزلياّ، وإلا لإستهلكت طاقته منذ زمن بعيد وتوقف كل نشاط في الوجود، وهكذا توصلت العلوم ـ دون قصد ـ إلى أنّ لهذا الكون بداية. وهي بذلك تثبت وجود الله، لأنّ ما له بداية لا يمكن أن يكون قد بدأ نفسه ولا بد له من مبدئ، أو من محرك أوّل، أو من خالق هو الإله... ولا يقتصر ما قدمته العلوم على إثبات أنّ لهذا الكون بداية، فقد أثبتت فوق ذلك أنّه بدأ دفعة واحدة منذ نحو خمسة بلايين سنة، والواقع أنّ الكون لا يزال في عملية انتشار مستمر تبدأ من مركز نشأته، واليوم لا بد لمن يؤمنون بنتائج العلوم أن يأمنوا بفكرة الخلق أيضاَ، وهي فكرة تستشرق على سنن الطبيعة، لأنّ هذه السنن إنما هي ثمرة الخَلق، ولا بد لهم أن يسلموا بفكرة الخالق الذي وضع قوانين الكون، لأنّ هذه القوانين ذاتها مخلوقة، وليس من المعقول أن يكون هناك خَلق دون خالِق: هوالله... ولو أنّ جميع المشتغلين بالعلوم نظروا إلى ما تعطيهم العلوم من أدلة على وجود الخالق بنفس روح الأمانة والعِلم والبعد عن التّحيز الذي ينظرون به إلى نتائج بحوثهم، ولو أنهم حَرروا عقولهم من سلطان التأثر بعواطفهم وانفعالاتهم، فإنهم سيسلمون دون شَك

    بوجود الله، وهذا هو الحل الوحيد الذي يفسر الحقائق، فدراسة العلوم بعقلٍ متفتح سوف تقودنا بدون شّك إلى وجود السبب الأول الذي هو الله.)[6 ]

    وفي معرض حديثه عن الإنتخاب الطبيعي، في نفس المقال، يستطرد قائلاً:(....... والانتخاب الطبيعي هو أحد العوامل الميكانيكيـة للتطور، كما أنّ التطور هو أحد عوامل عملية الخلق، فالتطور إذن ليس إلا أحد السنن الكونية أو القوانين الطبيعية، وهو كسائر القوانين العلمية الأخرى يقوم بدور ثانوي، لأنه هو ذاته يحتاج إلى من يبدعه، ولا شك أنه من خلق الله وصنعه، والكائنات التي تنشأ بطريق عملية الإنتخاب الطبيعي قد خلقها الله أيضاً كما خلق القوانين التي تخضع لها، فالانتخاب الطبيعي ذاته لا يستطيع أن يخلق شيئاَ وكل ما يفعله هو أنه إحدى الطرق التي تسلكها بعض الكائنات في سبيل البقاء أو الزوال عن طريق الحياة والتكاثر بين الأنواع المختلفة، أما الأنواع ذاتها التي يتم فيها الانتقاء فإنها تنشأعن طفرات تخضع لقوانين الوراثة وظواهرها، وهذه القوانين لا تسير على غير هدى ولا تخضع للمصادفة العمياء كما يتوهم الماديون أو يريدوننا أن نعتقد)[7 ]

    وفي مقال بعنوان "الكشوف العلمية تثبت وجود الله" كتب عالِم الطبيعة، الدكتور "جورج ايرل دافيز"[8 ]: (ولا يمكننا أن نثبت وجود الله عن طريق الإلتجاء إلى الطرق المادية وحدها، إذ لم يقل أحد بأنّ الله مادة حتى نستطيع أن نصل إليه بالطرق المادية، ولكننا نستطيع أن نتحقق من وجود الله باستخدام العقل والإستنباط مما نتعلمه ونراه، فالمنطق الذي نستطيع أن نأخذ به، والذي لا يمكن أن يتطرّق إليه الشَك، هو أنّه

    ليس هنالك شيء مادي يستطيع أن يخلق نَفسَه، وإذا سلمنا بقدرة الكون على خَلق نفسه فإننا بذلك نصف الكون بالإلوهية، ومعنى ذلك أن نعترف بوجود إله، ولكننا نعتبره إلهاً مادياً وروحياً في نفس الوقت، وأنا أفضِل أن أومن بإله غير مادي خالق لهذا الكون تظهر فيه آياته وتتجلى فيه أياديه، دون أن يكون هذا الكون كفواً له.

    إنّ التطور الذي تكشف عنه العلوم في هذا الكون، هو ذاته شاهد على وجود الله. فمن جزئيات بسيطة ليس لها صورة معينة وليس بينها فراغ نشأت ملايين من الكواكب والنجوم والعوالم المختلفة لها صور معينة وأعمار محددة تخضع لقوانين ثابتة يعجز العقل البشري عن الإحاطة بمدى إبداعها. وقد حملت كل ذرة من ذرات هذا الكون، بل كل ما دون الذرة مما لا يدركه حِسٌ ولا يتصور صغره عقل، قوانينها وسننها وما ينبغي لها أن تقوم به أو تخضع له.

    هذه أدلة كافية، ولكن هنالك ما هو أشد إعجازاً وأكثر دلالة على وجود الله... إنّ كل ذرة من ذرات هذا الكون تشهد بوجود الله، وإنها تدل على وجوده حتى دون حاجة إلى الإستدلال بأنّ الأشياء المادية تعجز عن خلق نفسها.)[9 ]


    ________________________
    [1] أيرفنج وليام نوبلوتشي: أستاذ العلوم الطبيعية، حاصل على درجه الدكتوراه من جامعة أيوا، أخصائي الحياة البرية في الولايات المتحدة، أستاذ العلوم الطبيعية في جامعة ميتشجان منذ سنة 1945، أخصائي في وراثة النباتات ودراسة شكلها الظاهري.
    [2] الله يتجلى في عصر العلم، صفحه ( 54 ).
    [3] واين أولت: أخصائي الكيمياء الجيولوجية، حاصل على الدكتوراه من جامعة كولومبيا، زميل بحوث بالمعمل الكيماوي الجيولوجي بنيويورك، عضو الجمعية الجيولوجية الأمريكية.
    [4] الله يتجلى في عصر العلم، الصفحات ( 131 – 132 ).
    [5] د. إدوارد لوثر كيسيل: أخصائي في علم الحيوان والحشرات، حاصل على دكتوراه من جامعة كاليفورنيا، أستاذ علم الأحياء ورئيس القسم بجامعة سان فرانسيسكو، متخصص في دراسة أجنة الحشرات والسلامندر والحشرات ذوات الجناحين.
    [6] المصدر السابق، الصفحات ( 27 – 28 ).
    [7] المصدر السابق، صفحه ( 29 ).
    [8] د. جورج ايرل دافيز: عالم الطبيعة، حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة منيوستا، رئيس قسم البحوث الذرية بالبحرية الأمريكية ببروكلين، أخصائي في الإشعاع الشمسي والبصريات الهندسية والطبيعية.
    [9] الله يتجلى في عصر العلم، الصفحات ( 40 – 41 ).

    11096/95/10/210/213/2

  6. #96
    الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    العمر : 82
    المشاركات : 229
    المواضيع : 13
    الردود : 229
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    كلما تعمق العلماء المشاهير، والعباقرة الأعلام، أصحاب الفكر النّير، في أبحاثهم العلمية، تتضح لهم الحقيقة الثابتة القاطعة، وهي خطأ وضلال نظريات التطور المادي، مما يأكد لهم قطعية الحقيقة الثابتة وهي: أن الخلق قد تَمّ على يد الخالق المبدع المدبّر، وهذا هو فحوى ما صرّح به العالِم الدكتور "شارل ريشيه" عضو المجمع العلمي، مدرس الفيزيولوجيا في جامعة الطب الفرنسية، في مقدمة لكتاب "الظواهر النّفسية" بصورة مبطنة وعاجزة وغير جريئة: (ولماذا لا نصرح بصوت جهوري: أنّ هذا العِلم الذي نفخر به إلى هذا الحَد ليس في حقيقته إلا إدراكاً لظواهر الأشياء، وأما حقائقها فتفلت منا، ولا تقع تحت حواسنا، وأن الطبيعة الحقيقية للنواميس التي تقود المادة الحية أو الجامدة تتعالى أن تلم بها عقولنا.)[1 ]
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي هيربرت سبنسر
    لقد وصف الفيلسوف الإنجليزي "سبنسر Spencer"[2 ] الداروينية ـ وهو من أشهر دعاتها ـ بأنها نظرة مادية، فهي لا تستعين في تفسيرها الأشياء والوقائع بغير المادة، وبالتالي لا توافق على وجودٍ غير مادي في شيء من مظاهر الكون، وإنما تركز اعتمادها على أساس قوانين المادة وتفاعلاتها فحسب، في شتى مجالات الحياة، فإذا درست الإنسان مثلاً جنحت إلى شرح وتوضيح القوانين التي بها تستجيب الأشياء لبيئاتها وتتفاعل معها في عملية مادية طويلة استغرقت ملايين السنين، بدأت بتطور الأميبا لتنتهي بالإنسان الحاضر بجسمه المادي وعقله المدهش. فالمادة في نظرهم هي الوحيدة وهي المتنفذة وهي الفاعلة بتوجيه من قوانين التطور التي هي وحدها المتحكمة والمسيرة للمادة، لتظهر أولاً في وحيدة الخلية، ثم في المركبات البدائية، لتتبعها في الأحياء المعقدة التركيب، وأخيراً لتنتهي في الإنسان الممتاز عن غيره من المخلوقات بعقله وإدراكه، وبتعبير أدق: في عقل الإنسان ذاته... وهذه هي الحلقة الأخيرة من سلسلة التطور فقط، فيها من الغموض والإبهام مما يجعل الداروينية تتخبط في ظلام دامس.

    والسّر في ذلك أنّ موضوع العقل البشـري يعتبر للآن سِراَ من الأسرار التي لم يهتدِ العِلم إلى حقيقته، ولم يتوصّلَ أبداً إلى حَلّ أسرار وحقائق هذا اللغز المحيّر.فإذا جاز لأحَدٍ أن يؤمن بالتطور المادي حتى يصل إلى الإنسان، فإنّ أي عاقل لا يمكن أن يستوعب كيف تطور هذا الإنسان من بهيمي ـ كما يزعم الرويبضات[ 3] ممن يَدّعون العِلمَ ـ إلى إنسان عاقل مميز، يُدرِكُ الأدلة ويحكم عليها بعقله، هذا العقل الذي هو السّبَب في إبداع الإنسان في العلوم والصناعات والآداب والفلسفات؟

    وفي موضوع العقل البشري يتحدّث الدكتور أحمد البطراوي في حيرة وعجب قائلاً: (... ولا شَكّ أنّ استحداث الحياة من الجماد سِرٌ كانَ ولا يزال محجوباً عن بصيرة العلماء، ولكنَه ليس بالسّر المحير، فمثله ولا يقل عنه روعة ولا عجباً استحداث العقل البشري المبدع في واحد من ذلك الحيوان الذي حَيّرَ استحداثه أبا العلاء،[4 ] وهكذا يكون استحداث حيوان عاقل هو الإنسان أدعى للحيرة والعجب مرتين، ولعَلّ هذا هو السّبب في أنّ دراسة الإنسان لنفسه كانت تسير على مهل وكان خطوها وئيداّ، وهو فِعلاً ما زال حتى الآن في حيرة من نشأة الحياة، وفي عجب من نشأة عَقلِه)[5 ]

    وما دام العِلم الحديث قد عَجِزَ وفشلَ في أن يعرف من طبيعة العَقل شيئاً يمكنه التأكيد عليه، فَإنّ كل محاولاتهم الهادفة إلى تفسير العقل ليست سوى افتراضات متَشَككَة مُتَأرجحة، وحَلّ لنظريات واهية يرتاب العِلم في صحتها، لذا فلا يمكن بحال أن تتصف أحكام العاجزين بالصّحَة المطلقة، وإنّ أوهى تفسيرات في العقل كانت نظريات وتفسيرات الماديين حيث تخبطوا وعجزوا عَجْزاً واضِحاً في تفسير ماهيته أو الوصول إلى حقائق رموزه وأسراره.

    أمّا من أدرك نِعمَة العقل الذي وَهَبَه إياهُ من فَطَرَهُ، فهو يَسْتَعْمِلَهُ في تمييز الخطأ من الصواب، والحَقّ من الباطل، يستعمِلَه بعمق واستنارة تامة، بَعْدَ تمعنه في في أسرار الكائنات الحيّة، والقوانين التي تُسَيِرَ وجودها ونموها وتكاثرها، والقوانين التي فُرِضَت على المخلوقات جميعاً من كائنات حيّة أو حتى من جمادات، تُسَيِرَها بنظام بديعٍ دقيق ومتوازن، ليصلَ بذلك إلى الحقيقة القطعيّة وهي التّصديق الجاذم المطابق للواقع بأنّ كلّ تلك القوانين والعقول والمخلوقات قد كونها وأبدعها وفرضها خالق مدبر هو الله تعالى.

    يعلِّق "أدموند و. سينوت" على عمليات البحث عن تفوق الإنسان العلمي وتطوره ومحاولات علماء الآثار والأحافير الكشف عن مكنوناتها، في مقال له بعنوان "إبن الطبيعة الثائر" ورد في مقدمة كتاب "أصل الأنواع" حيث قال:

    (لم تكن قولة الشاعر "بوب" ـ بأنّ العِلمَ بالإنسان، أمثل سبيل بالإنسانيّة ـ بأبين قيمة، في أي وقت منها في عصرنا هذا، ففي مستوى من مستويات العِلم، نجد أنّ الإنسان موضع البحث الناشط الدّقيق، إحتفرت عظام أسلافه من جوف ألأرض لكي تُستَكنَه منها الوسيلة التطورية التي من طريقها وصل ألى مكانته العليا في هذا الزمن، أما العديد الوافر من المقومات التي تقوّم ذاته، فقد درست بوسائل من علم الوظائف حادة باترة، ومضى عِلم النّفس يكشف عن مكنون عقله، وطفق علماء البشر يصرفون من جهد البحث الدقيق في الكشف عن قوالب حياته الإجتماعية، مثل ما يصرف الأحيائيون نحو مستعمرات النّمل والنّحل، أما ماهي طبيعته، فقد انقطع لمدارستها الشاعر والفيلسوف واللاهوتي، بكل ما أوتوا من همّة وقدره، ولقد انكشف لنا الكثير من أمره، ولكن تبقى الأكثر مما لم يُعرَف، فالإنسان ما يزال قـادراً على الإفـلات من ثقوب الشباك التي تحاول أن نصيده بها، إنه عَقِد بحيث يتعذّر أن يحصر في قالب، شقيت النّواحي، بحيث يعسر أن يعرف ببساطة، إنّه مزيج من المتناقضات المحيرة، إنّه ما يزال بحق: جلال الكون ونكتته وسره)[ 6]

    ________________________________

    [1] عن كتاب: الظواهر النفسية، لمؤلفه " ماكسويل " النائب العام في مقاطعة بوردو الفرنسية.
    [2] هيربرت سبنسر Herbert Spencer: ( 1820 – 1903 )، فيلسوف إنجليزي، يعتبر احد أبرز القائلين ب ( الداروينية الاجتماعية ) آمن قبل داروين بتطور الأنواع من أشكال بسيطة إلى أشكال معقدة. أشهر آثاره ( الفلسفة التركيبية ).
    [3] الرويبضات: جمع رويبضة، وهي تصغير كلمة رابض، والتاء هي للمبالغة وليس للتأنيث: وهو الرّجل التافه يتكلم في أمور ألعامه. وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " وينطق فيهم الرويبضه..."
    [4] يشير الكاتب لأبي العلاء المعري يصف فيه الإنسان حيث يقول: والذي حارت البرية فيه حيوان مستحدث من جماد والبيت من قصيدة له مطلعها: غير مجد في ملتي واعتقادي نوح باكٍ ولا ترنم شادي.
    [5] الدكتور أحمد البطراوي، الجنس البشري في معرض الأحياء.
    [6] المرجع، الصفحات ( 48 – 49 ).
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    112656/96/10/213/216/2

  7. #97
    الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    العمر : 82
    المشاركات : 229
    المواضيع : 13
    الردود : 229
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    ينعت "سير راي لنكستر Sir Rey Lanketer" الإنسان واصفاً إياه "إبن الطّبيعه الثائر"، إلا أنّ داروين لم ينظر إلى الإنسان من هذا المنظار، كما لم ينظر إليه نظرة سينوت ـ الواردة في الفقرة السابقة ـ بل لقد نظر إلية من زاوية أخرى، أقصر باعاً من تلك مع قصرها وضحالتها، لقد نظر إليه من خلال الزّاوية التي رسمها في كتابه "أصل الأنواع"، وقد فَسّرَ فيه أسباب التطور العضوي، وقام بتطبيقها على الإنسان في كتابه الثاني "نشوء الإنسان" والذي نشره بعد كتابه الأول بعدة سنوات.[ 1]

    لقد اقتصر داروين في كتابيه عن أصل الإنسان وتطوره بالنّظر من زاوية واحدة افترضها افتراضاً هي: أن الإنسان يعود في أصله العضوي إلى عالَم الحيوان. لم يمرّ بذهنه قط أنّ فيه ازدواجيّة ، وأنّه علاوة على تركيب الإنسان الجسدي ، والذي قد يتشابه في بعضها بعض المشابهة مع بعض الحيوانات ، الاّ أنّه يختلف عن الحيوان بانتصاب القامه وبجمال الخلقة، والأهم من ذلك العقل المميز، أي بالدماغ الصالح للربط[ 2] والذي يستطيع بواسطته إجراء عمليّة التّفكير ليحكم بها على الواقع وأن يتصرّف طبقاً لذلك الحكم، وأنّ هذا الإنسان به طاقات كامنة، تحوى الغرائز والحاجات العضويّة والتي يسعى لإشباعها كلما ثارت متطلبة الإشباع إشباعاّ إنسانياً مميزاً، بعيد كل البعد عن طريقة الحيوان في إشباع غرائزه.

    نعـــــم: لقد تجاهل داروين كل تلك الفروقات الجوهرية، وبذل كل طاقاته وامكاناته صارفاً كل جهوده لإثبات أنّ الإنسان بجسده حيوان: حيوان لأنه يتكاثر كما الحيوان...... وحيوان لأنه يتغذى كالحيوان... وحيوان لأنه يتنفس كالحيوان... وحيوان لأنه يبول ويغوط كالحيوان... ولأنّ له أعضاء جسدية كما في الحيوان...

    لقد ساق كل تلك الحجج الواهية، وتجاهل بل تغافل عن حقيقة أن بعضّ الحيوان يحوى في تركيبه العضوي دماغاً كبيراً ضخماً، إلا أنه غير صالح، في حين أنّ الإنسان يحوى في تركيبه العضوي دماغاً ربما يكون أصغر حجماً من أدمغة بعض الحيوانات، إلا أنه دماغ صالح للربط وصالح لإصدار الأحكام... كما وتجاهل الغرائز الموجودة في الإنسان وطريقة اشباعها المميزة عن طريقة اشباع الحيوان لغرائزه. إنّ الإنسان يحوى في تركيبه العضوي دماغاً أصغر حجماً من أدمغة بعض الحيوانات، إلا أنه دماغ صالح للرّبط وصالح لإصدار الأحكام .[ 3]


    ولكن ما خطب صلة الإنسان بخالقه وهي إحدى تلك الغرائز ـ غريزة التدين ـ وما علاقة الحيوان بالروح التي هي صلة الإنسان بخالقه تعالى؟ إنّ ذلك ما لم يتعرّض له نفياً أو تأكيداً ولم يعره أي إنتباه.

    لقد حدد موضوعه مسبقاً، حاصراً إياه في دائرة أنّ الإنسان كائن حي تجري عليه سُنة وقوانين التطور جريها على كافة الأحياء التي هي دونه، وباختصار فإنّه قد وضع نتائج مسبقة لفكرته، ووضع القواعد لإثباتها، ومضى في الإسترسال لإثباتها بأي وسيلة ممكنة، مُعْمِياً نفسه بل متجاهلاً الحقائق التي تبرهن على عكس نظريته وتتبرها تتبيراً.

    نعـــــم، لقد فَشل داروين وكل المنادينَ بمقولة التطور العضوي من الرّدِ على كل تلك الحقائق، حتى أنّ "إسماعيل مظهر" وهو من اشدّ المتحمسين لنشر مذهبهم المادي، ومترجم كتاب "أصل الأنواع" إلى اللغة العربيّة، قد تعرّض لتلك الحقائق في مقدمته للكتاب المذكور، حيث يقول:

    (لقد وَقَفَ إنسان القرن التاسع عشر يترنح من أثر الصدمة، هل يودع الإنسان معتقداته القديمة كلها ويدفنها في ثرى الفكر كما دفن من قبلها معتقدات وأوهاماً؟ هل هو حيوان ولا شيء غير ذلك؟ ما خطب إنسانيته؟ وما خطب طبيعته المزدوجة التي رافقه الإعتقاد بها الألوف من السنين منذ أن كان كائناً قليل الحَول فاقد الحيلة يسكن الكهوف ويغتذي بما يجد، لا بما يشتهي؟ لقد انتهى "داروين" من أمر الجسد، فأثبت أنه جسد حيوان أرقى من غيره، ولكن ما خطب النفس؟ ماخطب الروح؟ وما خطب الغيب، الذي تحيط به أسبابه إحاطة السوار بالمعصم؟

    كان مذهب "داروين" انتصاراً للمادية الصرفه، ولكنه انتصار لم يكن حاسماً ولم يكن قاطعاً، غير أنّ الفكر بعد أن اصطدم بصخرة التطور مضى يتخبط غير مستقر، ومضى زمن طويل قبل أن يدرك سواد الناس أن داروين إنما يتناول

    ببحثه العلمي عصر "ما بعد الخلية" التي هي أساس الحياة بكل صورها، ولكنه لم يعرض للبحث في عصر "ما قبل الخلية" ليعرف كيف نشأت الحياة في تلك الصورة البسيطة، ومن أين هبط ذلك السر الرهيب: سر الحياة الذي جعل من المادة الجامدة كائناً حياً .

    إذن لم يكن انتصار المادية انتصاراً حاسماً قاطعاً، بل كان انتصاراً جزئياً، لم يتجاوز أنه تفسير لبعض وجوه من خصيات المادة، تناول داروين منه ناحية المادة الحيّة، أي المادة بعد أن دَبّت فيها الحياة، ولكن ما الحياة؟ ذلك هو سرّ الأسرار!

    عندما شعر الماديون بأنَ انتصارهم لم يكن حاسماً، وأنّ الحياة وإن شئت فقل ماهية الحياة، هي الصخرة التي تتحطم عليها أسس المادية، قالوا بالتولد الذاتي، أي أنّ الحياة قد تتولد ذاتياً من مادة غير حيّة ، غير أنّ ذلك لم يقم على شيء من حقائق العِلم، ولم يثبته الأسلوب العلمي، لأنّ العِلم إنما يثبت كما قال "باستيان": إنّ كل حي يتولد من حي مثله. وإذن فهناك حادث خطير وقع فاصلاً بين عصرين: عصر ما قبل الخلية، وعصر ما بعد الخلية، وفي الكشف عن السر الذي يختفي من وراء ذلك الحادث ينطوي مستقبل الإنسان كله، أيتجه إلى المادة؟ أم يتجه إلى الروح؟

    لقد ظهر للباحثين أن للأحياء مقومات تبثها فيهم فطرة الحياة، وأنّ لجميع هذه المقومات مظاهر لم يعللها العِلم الطبيعي ولا عِلم الأحياء، ولا تعود كذلك إلى تفاعلات كيموية، فما هي إذن؟ لقد عجز العِلم المادي عن أن يجيب على هذا السؤال حتى الآن].[4 ]

    إنّ تميز الإنسان بالعقل عن باقي المخلوقات، وسر بداية الأشياء وتوجه الإنسان الروحي نحو الإيمان بوجود خالق، والتي أشار إليها إسماعيل مظهر كما ورد سابقاً واصفاً إياها بأنها "سر الأسرار". كل تلك الأبحاث قد حَيّرَت داروين نفسه واصفاً إياها بالمشاكل العميقة كما ورد في في كتابه المنشور باسم"life & Letters " والذي يضم طرفاً من حياته وعدداً من رسائله إلى بعض العلماء المعاصرين له، حيث يقول: (إنّ ثمة مصدراً للإعتقاد في وجود الله يرتبط بالعقل، وله في نظري أهمية أكبر بكثير من المصادر المتعلقة بالمشـاعر والأحاسيس، وهذا المصدر يأتي من الصعوبة البالغـة ـ أو بالأحرى استحالة تخيل هذا الكون الفسيح الرائع الذي يشمل الإنسان بقدرته على النظر إلى الماضي البعيد وإلى المستقبل البعيد أيضاً ـ على أنه نتيجة للمصادفة البحته أو نتيجة للضرورة. وحين أفكر بهذه الطريقة أشعر بأنه لا بدّ لي من البحث عن علة أولى لها عقل بصير يشبه على حدّ ما عقل الإنسان. وهذا يعطيني الحق بأن اوصف بأني مؤمن بالله، وقد كانت هذه النتيجة واضحة في ذهني بقدر ما أتذكر في الوقت الذي كتبت فيه "أصل الأنواع". ومنذ ذلك الحين أخذت هذه الفكرة تضعف بالتدريج ولكن مع شيء من التّقلب والتّراوح، ولكن هنا يثور الشّك: هل يمكن أن نثق في عقل الإنسان ـ الذي أعتقد كل الإعتقاد أنه نمى وتطور من عقل بسيط كعقول أبسط الحيوانات وأدناها ـ حين يستنتج مثل هذه الإستنتاجات الضخمة؟)[5]

    ويرفع داروين يديه عند هذه النقطة مستسلماً ـ حسب ما يقوله داونز ـ ثم يعلن في النهاية:( لا أستطيع أن أدعي بأنني ألقي بصيص من الضوء على مثل هذه المشاكل العقيمة، فإنّ سر بداية الأشياء كلها غير قابل للحل، امّا فيما يتعلق بي شخصياً فإنني قانع بأن يكون موقفي هو موقف اللاإرادي حول هذا الموضوع)[6 ]

    ونحن بدورنا نقول أنّ العقل الذي وهبنا إياه الله تعالى لا يقف عاجزاً أمام ما وصفه داروين بالمشاكل العميقة إن استُعمِل َ استعمالاً صحيحاً وباستنارة، حيث سيقود حتماً لحل عقد الإنسان جميعها، وأولها الإيمان بالله تعالى، لــذا فقد خاطب الله تعالى العقل الإنساني للتفكر في مخلوقاته ـ بما فيها خلقه هو ـ ليستدل وليصل إلى الحقيقة الدامغة وهي الإيمان بالله تعالى الخالق الأحد الصمد، قال تعالى: (إفلا يَنْظرونَ إلى الإبِل كيف خلِقَت، وإلى السّماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الأرض كيف سطحَت، فذكر إنما أنت مذكر)[7 ]

    (فلينظر الإنسان مم خلق، خلِقَ من ماء دافق، يخرج من بين الصّلب والترائب، إنّه على رَجْعِه لقادر)[ 8]

    (سَنُرِيَهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحَق، أو لم يكفِ بربك أنّه على كل شيء شهيد)[9 ]

    (مااتخذ الله من ولد وما كان معه من اله إذاً لذهب كل اله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون)[10 ]
    يتبع

  8. #98
    الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    العمر : 82
    المشاركات : 229
    المواضيع : 13
    الردود : 229
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    الصبغيات Chloromosomes بالغة الأهمية لأنها تحمل المورثاتgenes التي تحدد الصفات الوراثية المميزة.[11 ]


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    إنّ الإنسان يحوى في تركيبه العضوي دماغاً أصغر حجماً من أدمغة بعض الحيوانات، إلا أنه دماغ صالح للرّبط وصالح لإصدار الأحكام .[ 12]
    _____________________
    [1] المرجع، صفحه ( 49 ).
    [2] الدماغ BRAIN: هو حشو المخ من أعصاب ونحوها، وفيه المخ والمخيخ والنخاع المستطيل، وهو مركز التفكير في الجسم، وموقعه الرأس. والفرق بين دماغ الإنسان وبين دماغ الحيوان: أنّ دماغ الإنسان صالح للربط لإعطاء الحكم على الواقع، في حين أنّ دماغ الحيوان ليس صالحاً للربط.
    [3] المرجع، الصفحات ( 59 – 60 ).
    [4] دورية ( عالم الفكر )، المجلد الثالث، العدد الرابع ( 1973 )، صفحه ( 7 ).
    - دورية ( تراث الإنسانية )، المجلد التاسع، العدد الأول ( 1971 )، صفحه ( 126 ).
    - ر. داو نز، كتب غيرت العالم، طباعة نيويورك ( 1956 )، صفحه ( 162 ).
    [5] ارجع إلى: هامش صفحه (61).
    [6] المصدر السابق.
    [7] الغاشية: 17 – 21.
    [8] الطارق: 5 – 8.
    [9] فصلت: 35.
    [10] المؤمنون: 91
    [11] ارجع إلى صفحه (214).
    [12] ارجع إلى: هامش صفحه (61).

    11500/98/10/217/222/2

  9. #99
    الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    العمر : 82
    المشاركات : 229
    المواضيع : 13
    الردود : 229
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    العقـــل يوصـــل إلــى الإيمـــان

    إنّ الملاحِظَ للموجودات الثلاث التي يدرِكها عقل الإنسان وهي: الكَوْن والإنسان والحياة، بِعمْقٍ وإستنارة، يَجِدُ أنها مَحْدودَة . فالإنسانُ مَحْدودٌ لأنّه ينمو في كلّ شيء إلى حَدٍ لا يَتَجاوَزَهُ، فهوَ مَحْدود، والحَياة مَحْدودَة لأنّ مَظهَرها فرديٌ فقط، والمُشاهَدُ بِالحس أنّها تنتهي بالفرد فهي محدودة.

    وَالحُكم على الإنسان يَجِبُ أن يَنْصَبّ على ماهيته، أي على جنْسِه، فما يَصْدُق على الماهِيَة يَصْدق على الجنس كلّه مهما تَعَدّدَت أفراده. وبِما أنّ الماهِيّة في فَرْدٍ مُتَحَقِقَة في الفَرْد الواحِد "وفي كلّ فَرْد" وَالفَرْد الواحِد يَموت، فَذلك يَعْني أنّ جنْس الإنسان يَموت، وما دامَت الحَياة تنتهي في الفَرْد الواحِد فَمَعْناه أنّ جنس الحَياة تَنْتَهي فَهِيَ مَحْدودَة.

    وَالحَياة في الفَرْد – إنْساناً كانَ أو حَيَواناً – أمْرٌ يُحَسّ وإن كان لا يُلْمَس، وَيُفَرّقُ بِالحِسّ بَيْنَ الحَيّ والمَيّت، وهذا المَحْسوس مَوجود في الكائِن الحَي ومن مظاهِرِه النّمو والحَرَكَة والتَكاثُر، وهو مُمَثّل كليّاً وجزْئِياً في الفرد ولا يرتبِط بِأي شيء مطلَقاً.

    والكون محدود، لأنّه مجموعة أجرام، وكل جرم منها محدود، ومجموع المحدودات محدود بداهة، وذلك لأنّ كلّ جرم منها لَه حُدود، أي لَه أوّل وآخر، فمهما تَعَدّدَت تلك الأجرام فإنّها تظلّ تنتهي بمحدود، والمحدود هو العاجز والنّاقص والمحتاج لايجاد شيء من العَدَم ،أي عاجزٌ عن إيجاد ما إحتاج إليه. ولا يقال أنّ الأشياء المُدْرَكَة المَحْسوسة إحتاجَت لِبَعْضِها ولكنّها في مَجْموعها مُسْتَغنِيَة عن غيرها، لا يُقال ذلك لأنّ الحاجَة إنّما تَظهَر وتَتّضِح للشيء الواحِد، وتُلمَسُ لمْساً ولا تُفْرَضُ فَرْضاً نَظَرِياً لشيء غير موجود فَيُفْتَرَض وجوده، فلا يقال أنّ النّـار فيـه

    قابليّة الإحراق وحتى تَحرِق فقد احتاجَت لِجِسْم فيه قابليّة الإحتراق، فلو إجتمعا معاً لإستغنيا ولم يحتاجا لغيرهما، لا يُقال ذلك لأنّه فَرَضٌ نَظَري، فالحاجة للنار وللجِسْم القابِل للإحتراق هي حاجَةٌ لشيء موجود حِسّاً ومَحْسوسٌ بِإحْدى الحَواس، أو مُدْرَك عَقْلِياً، وهو بالطبع مما يقع الحِسّ على مَدْلولِهِ حتى يَتَأتى إدراكه عَقْلاً، فالحاجة هي لشيء موجود، والنّار والجِسْم لا يوجَدُ من إجتماعهما شيء يحصل فيه الإستغناء أو الحاجًة.

    وكذلِكَ الأشياء التي في الكَوْن لا يحصل من اجتماعها الإستغناء أو الحاجَة. فالحاجَة والإستغناء متمثلان في الجِسْم الواحد.

    وبما أنّ مفهوم الإحتياج مُتَعَلِقٌ بعَدَم الإستغناء، الذي هو في الجِسم الواحِد، لذا فمفهوم الإشتراط المادي المتعلق بعدم فصل الأشياء بعضها عن بعض هو مفهوم خاطيء[1 ] لأنه لا يوجد شيء يتكوّن من مجموع ما في الكون حتى يوصف بأنّه مستغن أو محتاج. فقولهم أنّ مجموع الأشياء التي في الكون مستغنٍ أو محتاج هو وصف لواقعٍ غير موجود، لأنّه وصف لشيء متخيّل الوجود لا لشيء موجود. والبرهان يقوم على حاجة شيء معيّن موجود في الكون، لا لمجموعة أشياء يتخيل لها إجتماع يتكون منه شيء فيُعطى وَصْفُ الحاجة أو الاستغناء، لذا فهذا فَرَضٌ تَخَيّليٌ وليسَ واقِعِيّاً ولا يَرْقى حَتّى إلى أنّه فَرَض نظري.

    ولا يُقالُ أنّ الأشياء احتاجَت إلى بَعْضِها فَأكْمَلَت بعضها فنفت بذلك الإحتياج، لا يُقال ذلكَ لأنّ الإحتياج ولو إلى شيء واحِدٍ في الدّنيا يُثبِتُ أنّه لا يوجَدُ في الكَوْن شيئ مُسْتَغْنٍ الإستغناء المُطْلَق، فَمُجًرَدُ احتياجه لشيئ واحد في الوجود يُثْبِتُ ولا بُد وَصْفُ الاحتياج، فاحتياج الجزء إلى جُزْءٍ آخرَ يُثبِتُ لَهُ وَصْفَ الاحتياج قَطْعَاً. وهذا كله ملموس محسوس بالنّسبة لجميع الأشياء المَوْجودَةِ على سَطْح الأرض وَلِما وَصَلَ إليه الإنسان من الأجرام.

    هذا علاوة على أنّ الكَوْنَ هو مَجْموعَة أجرام، وكُلّ منها يَسير بِنِظام مَخْصوص ومُحَدّد، وهذا النظام إمّا أن يكون جُزء منه، أو خاصّة من خاصّياتِه أوشيء آخر غَيْره، فهو بالتّحديد أحَدُ هذه الإحتِمالات الثَلاثَة وليس غَيْرها ولا يُمْكِن أن يكون غَيْرها مُطْلَقاً، أمّا كونه جُزْءاً منه فباطل، لأنّ سَيْر الكواكب يكون في مدار معيّن لا يتعدّاه، والمدار كالطريق هو غير السائر فيه، والنظام الذي يسير فيه ليس مجرد سَيْرِهِ فقط، بل تَقَيُدِهِ بالسّير في هذا المدار لا يتعداه. ولذلك لا يمكن أن يكون هذا النظام جُزْءاً منه، وأيضاً إنّ السّيْرَ نفسه ليس جزءاً من ماهِيّة الكوكَب بل عملٌُ له، ولذلك لا يمكن أن يكون جزءاً منه، وأمّا أنّهُ خاصيّة من خَواصه فباطلٌ، لأنّ النظام ليس هو سير الكوكب فَحَسْب، بَل سَيْرَهُ في مَدار معين. فالموضـوع ليس السّير فقط بل السّير في مدار ونظام معيّن، فإن كان السّير من خَواصـه كـان عليه أن ينظم سَيْر نفسه، وحينئذٍ يستطيع أن ينظم نظاماً آخر ما دام مـن خواصـه التّنظيم، والواقـع أنّـه لا يستطيع ذلك، ولهذا لا يمكن أن يكون مـن خواصه، وما دام ليس جزءاً منه وليس من خواصه فهو غيره قطعاً وبالتّأكيد، فيكون قد احتاج إلى غيره، أي احتاج الكون إلى نظام ينظمه.

    وأمّا الحياة فإنّ احتياجها إلى الماء والهواء ملموس محسوس، وأمّا الإنسان فإنّ احتياجه إلى الطّعام والشّراب والهواء ملموس محسوس، وعليه فإنّ الكونَ والحياة والإنسان كائنة في حالة احتياج دائِم.

    ومدلول كلمة محتاج يعني أنّه مخلوق، لأنّ مجرد حاجته تعني أنّه عاجز عن ايجاد شيء من العدم، أي عاجز عن ايجاد ما احتاج إليه، فهو ليس خالقاً، وما دام ليس خالقاً فهو مخلوق. لأنّ الوجودَ كله لا يخرج عن خالقٍ ومخلوق ولا ثالث لهما قطعاً، وهذا ليس فَرَضاً وإنّما يَدُلّ عليه الواقع المحسوس للمخلوق، وهذا المخلوق إمّا أن يكون مخلوقاً لنفسه أو مخلوقاً لغيره، أمّا كونه مخلوقاً لنفسه فباطل، لأنه يكون مخلوقاً لنفسه وخالقاً لها في آنٍ واحد، وهذا باطل، فلا بُدّ أن يكون مخلوقاً لغيره، وهذا الغير هو الخالق. وهذا الخالق هو أزَلِيٌ واجب الوجود.

    أمّا كونه أزلياً لا أول له، فلأنّه إن كان له أولٌ كان مخلوقاً، إذ قد بدأ وجوده من حد معين، فكونه خالقاً يقتضي بأن يكون أزَلِيّاً. إذ الأزَلِي تَسْتَنِدُ إليه ولا يَسْتَنِدُ إلى شيء.

    والمحدودِيَة والأزَلِيَة ليستا اصطلاحاً وُضِعَ لَهُ تَعْريف اصطلاحي، ولا مدلولاً لكلمة وُضِعَ لها في اللُغَة لفْظٌ يَدُلُ عليها، وإنّما واقِعٌ مُعَيّن كالبحث في الفكر سواء بسواء، فحين نقول أنّ الكون محدود إنّما نُشـيرُ إلى واقع معين وهو كونه له بداية وله نهاية، فالبحث في هذا الواقع وليس في كلمة محدود. وكونه له بداية وله نهاية قد قام البرهانُ الحسي فيكون البرهان على واقع معين لا على معنى الكلمة لغوياً. فواقع المحدود هو أنّه له أول وله آخر، وواقع الأزَلِيُ هو ما ليس له أولٌ، فيكون واقع المحدود غير واقع الأزلي، فيكون الكلام عن واقع معين لا عن مدلول الكلمة لغوياً.

    والبرهان على أنّ وجودَ الخالق حَقيقة ملموسة محسوسة هو في منتهى البَساطَة، فإنّ الإنسانَ يحيا في الكَوْن فَهُوَ يُشاهِدُ في نفسه وفي الحياه التي يحياه وفي كُلّ شيء في الكون تغيراً دائماً وانتقالاً من حال إلى حال، وَيُشاهِدُ وُجودَ أشياء وانعدام أشياء، ويُشاهِدُ دِقّةً وتنظيماً في كل ما يرى ويلمس، فَيَصِلُ من هذا عن طريق الإدراك الحِسي إلى أنّ هناك موجِداً لهذا الوجود المُدْرَك المَحْسوس، وهذا أمْرٌ طبيعيٌ جِدّاً.

    __________________________
    [1] مفهوم الاشتراط الماركسي: ورد هذا المفهوم كبند أول من مواد قوانين المادية الجدلية " الديالكتك " والذي ينص على: إنّ الطبيعة شيء واحد مرتبط، ترتبط فيه الأشياء والظاهر ارتباطاً عضوياً فيما بينها ويقوم بعضها على بعض، ويكيف بعضها بعضاً بالتبادل. والديالكتك يعتبر الطبيعة كلاً واحداً متماسكاً ترتبط فيه الأشياء والحوادث ارتباطاً عضوياً، ويتعلق أحدها بالآخر ويكون بعضها شرطاً لبعض. والديالكتك لا يعتبر الطبيعة تراكماً عرضياً للأشياء، أو حوادث بعضها منفصل عن بعض أو أحدها منعزل. أي حادث لا يمكن فهمه إذا نظر إليه بمعزل عن الحوادث. يقول ستالين: الديالكتك يعتبر الطبيعة كلاً واحداً... كما يقول: ترتبط الأشياء والحوادث ارتباطا عضوياً. ويقول انجلز: وحدة العالم قائمة على ماديته. كما يقول ستالين: يكون بعض الحوادث والأشياء شرطاً للبعض. كما يقول مفسراً: أيّ حادث لا يمكن فهمه إذا نظر إليه منفرداً بمعزل عن الحوادث.. أما هيجل فيقول: الشيء بذاته ليس حقيقياً بينما الكل هو الوحيد الحقيقي.
    لمزيد من التوسع – لمن رغب – يمكن الرجوع إلى: - د. محمد عزت نصر الله، الرد على صادق العظم، الصفحات ( 303-320)
    - أسس الاشتراكية العربية، صفحه (67) وما بعدها.
    - - ستالين، المادية الجدلية والمادية التاريخية، الصفحات ( 16) وما بعدها.
    - الماركسية في الفلسفة، الصفحات ( 34 – 75 )
    - انجلز، ضد دهرنج، صفحه ( 74 ).
    - بيس وكافنج، بولتزير، الجزء الأول، الصفحات ( 50 – 80 )

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    11895/99/10/226/230/2

  10. #100
    الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    العمر : 82
    المشاركات : 229
    المواضيع : 13
    الردود : 229
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    العقـــل يوصـــل إلــى الإيمـــان - 2 -


    ........ومثال على ذلك فَإنّ الشّخْص ليَسْمَعُ صوتاً فَيَظُنُ أنّه صوت رجل أو إمرأة أو آلة، ولكن يوقن أنّه صوت ناتج عن وجود شيء نتج عنه الصّوت أمراً قطعيّاً عند سَماعِه، فقد قام البُرهان الحسي على وُجودِهِ، فيكون الإعتقاد بوجود شيء نتجَ عنه الصّوت إعْتِقاداً جاذماً قام عليه البُرْهان القَطْعي، ويكون هذا الإعتقاد أمْراً طَبيعِياً ما دام البُرهان الحِسي قد قام عليه.

    وكذلك فإنّ الإنسان يُشاهِدُ التّغَيُرَ في الأشياء، وَيُشاهِدُ إنعدام بعضها ووجود غيرها، ويُشاهِدُ الدّقَة والتّنظيم فيها، ويُشاهِدُ أنّ كُل ذلِكَ ليس منها، وأنّها عاجِزَة عن ايجادِه وعاجِزَة عن دَفْعِه، فيوقن أنّ هذا كله صادر عن غير هذه الأشياء، ويوقِن بِوُجود خالِقٌ خَلَقَ هذه الأشياء، هو الذي يُغَيِرها ويعدمها ويوجدها وينظمها، فكان وُجود هذا الخالِق الذي دَلّ عليه وُجود هذه الأشياء وتغيرها وتنظيمها أمْراً قَطْعِياً عِند من شاهَدَ تغيرها ووجودها وانعدامة ودقّة تنظيمها، فقد قام البُرهان الحِسي بالحِس المُباشر على وُجودِهِ وهو بُرْهان بمنتهى البَساطَة، لذلك جاءت أكثر براهين القُرآن الكريم لافتَة النّظَرَ إلى ما يَقَع الحِس عليه ـ أي حس الإنسان ـ للإستدلال بذلك على وُجود الخالق، كقوله تعالى: (يا أيها الإنسان ما غَرّكَ بِرَبِكَ الكريم، الذي خَلَقَكَ فَسَواكَ فَعَدَلَكَ، في أيِ صورَة ما شـاء رَكَبَكَ)[1 ]
    (أفَلا يَنْظُرونَ إلى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَت، وإلى السَّماء كَيْفَ رُفِعَت، وإلى الجِبالِ كَيْفَ نُصِبَت، وإلى الأرْض كَيْفَ سُطِحَت، فَذَكِر إنّما أنْتَ مُذَكِر)[ 2]
    (فَلْيَنْظُرِ الإنسانَ مِمَ خُلِق، خُلِقَ مِن ماءٍ دافِق، يَخْرُجُ مِن بَيْن الصّلْبِ والتَرائِب، إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِر)[3 ]
    (أم خُلِقوا مِن غَيْر شَيءٍ أم هُمُ الخالقون، أم خَلَقوا السّمَوات والأرض بل لا يوقِنون.)[4 ]
    (ما اتَخَذَ الله مِن وَلَدٍ وما كان مَعَهُ من إلهٍ إذاً لَذَهَبَ كل إلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضهم على بَعْض سُبْحن الله عَمّا يَصِفون)[5 ]
    (سَنُرِيَهُم آياتنا في الآفاق وفي أنْفُسهم حتى يَتَبَيَنَ لهم أنّه الحَقُ أوَ لَم يَكْفِ بِرَبِكَ أنّهُ على كُل شيء شَهيد .)[ 6]

    هذا هو واقع الإيمان: تصدقٌ جاذمٌ مطابقٌ للواقع عن دليل. وحتى يتحقق هذا الإيمان ويرسخ، فلا بد من أن يَحْكُم العقل على صِدْقِهِ بِالأدِلَةِ القَطْعِيَة، لذا فقد دعا الإسلام الإنسان إلى التّفَكُر في المخلوقات لِيَسْتَدِلّ بها على أنها مخلوقة لِخالِق، وتكرر طلب التّفكر في القرآن الكريم مصحوباً بضرب الأمثلة الدالة على الخَلق في مواضع كثيرة من القرآن الكريم.
    أمّا بالنِسْبَة لإنكار الخَلْق لدى الشيوعييين وغيرهم من الماديين في العصر الحديث، فإنّ موضع الإنكار عندهم يرتكز على قولهم أنّ العلاقات المتبادلة بين الحوادث وتكييف بعضها بعضاً بصور متقابلة، هي قوانين ضرورية لتطور المادة المتحركة، وأنّ العالم يتطور تبعاً لقوانين المادة المتحركة، أي لقوانين حركة المادة.[7 ]

    هذا هو موضع إنكار وجود الخالِق عندهم، فالتّعقيد جاءهم من تفسير ما في العالم من تغير وانتقال من حال إلى حال، وما فيه من وجود بعض الأشياء بعد أن لم تَكُن، وانعدام أشياء بعد أن كانت، أو على حَدّ تعبيرهم من تشكل المادة بأشكال مختلفة، ويفسرون ذلك بأنّهُ يحْدُث من قوانين المادة وليس من شيء غيرها، فقوانين حَرَكَة المادة هي التي تؤثِر في العالم الذي يتطور تبعاً لتلك القوانين، هذا هو موضع الإنكار، لذا كان المطلوب هو حَلُ تلك العقدة لديهم، أي أنّ محل البحث هو قوانين المادة وليس تغير العالم، وإذا حُلّت تلك العُقْدَة إنتفى جميع ما ينادون به من التطور والإرتقاء المادي وخلافه، لأنّ كل تلك الأبحاث ارتكزت على عقدة قوانين المادة، فإذا ثَبَتَ أنّ هذه القوانين لَم تَاتِ من المادة لا هي من خَواصِها، وإنّما هي مفروضة عليها فَرْضاً من غيرها أي من خارجها، فإنّهُ يكون هناك غير المادة من يؤثر فيها، وبذلك تبطل نظريتهم وَتُحَلُ العقدة لديهم، إذ يثبت لديهم أنّ العالم ليس سائِراً تبعاً لقوانين حركة المادة، بل سائِرٌ بتَسيير من أوجَدَ له هذه القوانين وفرضها عليه فَرْضاً وأجْبَرَهُ أن يَسير بِحَسبِها، فبذلك تنتقض النظرية وتحل العقدة حَلاً جَذْرِياً.

    أمّا كون تلك القوانين لَم تَاتِ من المادة، فذلك لأنّ القوانين هي عبارة عن جَعْل المـادة في نِسْبَة معينة أو وَضْع معين، فالماء مثلاً حتى يتحول إلى بخار أو جَليد، إنّما يتحول حسب قوانين معينة، أي حسب نسبة معينة من الحرارة، فإنّ حرارة الماء ليس لها في باديء الأمر تأثيرٌ في حالتِه من حيث هو سائل، لكن إذا زيدت أو أنْقِصَت حرارةُ الماء جاءت لحْظَةٌ تعدلت فيها حالة التّماسُكِ التي هو فيها وتحوّل الماء إلى بُخار في إحدى الحالات أو إلى جَليد في الحالة الأخرى. فإنّ هذه النّسْبَة المُعَيَنَة من الحَرارَة هي القانون الذي الذي يجري بحسبه تَحَول الماء إلى بخارٍ أو جليد، وهذه النسبة أي كونُ الحَرارَة بمقدار معين لمقدار معين من الماء لَمْ تًأتِ من الماء، لأنّه لوكانت منه لكان بمقدوره أنْ يُغَيِرَها وأنْ يخرُج عنها، وإنّما هي مفروضَة عليه فَرْضاً، فَدَلّ ذلك على أنا لَيْسَت منه قَطْعاً، وكذلك لم تأتِ من الحَرارَة بدليل أنها لا تستطيع ان تُغَيِّرَ هذه النسبة أو تخرج عنها، وأنها مفرضة عليها فَرْضاً، فهي ليست منها قَطْعاً، فتكون تلك القوانين ليست من المادة.

    أمّا كَوْنُ هذه القوانين ليست خاصية من خَواص المادة فلأنّ القَوانينَ ليست أثراً من آثار المادة الناتجةِ عنها حتى يُقالُ أنها من خواصِها، وإنّما هي شيء مفروضٌ عليها من خارجها، ففي تحول الماء ليست القوانين من خواص الماء ولا من خواص الحَرارَة، لأنّ القانون ليس تحول الماء إلى بُخار أو إلى جَليد، بل القانون هو تحوله بنسبة معينة من الحرارة لنسبة معينة من الماء، فالموضوع ليس التّحول وإنّما التحول بنسبة معينة من الحرارة لنسبة معينة من الماء، فهو ليس كالرؤية في العين التي هي من خواصها، بل هو كون الرؤية لا تكون إلا بوضع معين مخصوص، هذا هو القانون، فكون العين ترى خاصية من خواصها، ولكن كونها لا ترى إلا بوضع مُعّيّن وَمَخْصوص ليس خاصية من خواصها وإنّما أمْرٌ خارِج عنها، والنّار من خواصها الإحْراق، ولكن كونها لا تحْرِقُ إلا بأحْوال خاصة ليس خاصية من خواصها بل هو أمر خارج عنها، فخاصية الشيء هي غَيْر القواين التي تُسَيره، إذ الخاصية هي ما يعطيه الشيء نفسه وينتج عنه: كالرؤية في العين وكالإحراق في النّار وما شابه، ولكنّ القوانين التي تُسَِّيرُ الأشياء هي: كون الرؤية لا تحصل من العين إلا بأحوال خاصة ومخصوصة وكون الإحراق لا يحصل من النّار إلا بأحوال خاصة، وكون الماء لا يتحول إلى بُخار أو إلى جَليد إلا بأحوال مخصوصة، وهكذا......

    وبما أنّه ثبت أنّ هذه القوانين ليست من المادة ولا خاصية من خواصها فتكون آتية من غيرها ومفروضة عليها فَرْضاً من غيرها ومن خارجها، وبذلك يثبت أنّ غير المادةِ هو من يؤثر فيها، وبذلك يثبت بطلان نظرية الماديين عامة والشيوعيين خاصة لأنه ثبت أنّ العالَمَ ليس سائراً تبعاَ لقوانين حركة المادة بل هو سائر بتسيير من أوجد هذه القوانين وفرضها عليها فَرْضاً، فيكون العالم بحاجة لمن وضع هذه القوانين وفرضها عليها فرضاً، وما دام بحاجةٍ إلى من فَرَضَ علية هذه القوانين، فالعالَمُ ليس أزَلِياً، وما دام ليس كذلك فهو مخلوق، لأنّ كونه ليس أزَلِياً يعني أنّهُ وُجِدَ بَعْدَ أن لم يَكُن فهو مخلوق لخالق، وهذا الأزلي الخالق هو مدلول كلمة الله سبحانه وتعالى. نعم: إنّه الله تعالى الخالق المُصَوِرُ المُدَبِرُ الذي لا يمكن إلا أن يكون أزلياً سَرْمَدِياً واجِب الوجود.[8 ]
    _________________________
    [1] الانفطار: 6 – 8.
    [2] الغاشية: 17 – 21.
    [3] الطارق: 5 – 8.
    [4] الطور: 35 – 36.
    [5] المؤمنون: 91.
    [6] فصلت: 35.
    [7] قوانين حركة المادة: هي ثاني بنود قوانين المادية الجدلية " الديالكتيك "، ولزيادة الإطلاع على تفسيراتهم وخاصة تفسيرات: ستالين، انجلز، شيركوف، جارودي....الخ يمكن الرجوع إلى نفس المصادر المدونة في حاشية الصفحة (227) من كتاب الموسوعة .- المشاركة السابقة -
    [8] إنّ هذا البحث مقتبس من عدة مصادر، يمكن لمن شاء الرجوع إليها، وهي:
    - تقي الدين النبهاني، التفكير - نظام الإسلام - الشخصية الإسلامية.
    - محمد محمد إسماعيل، الفكر الإسلامي.
    - سميح عاطف الزين، لمن الحكم ؟ ، طريق الإيمان .
    - محمد حسين عبد الله، مفاهيم إسلامية.
    - جون كلوفر مونسما، الله يتجلى في عصر العلم.
    @11980/100/10/230/234/2

صفحة 10 من 12 الأولىالأولى 123456789101112 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. بدء الخلق بين الكتاب المقدس والقرآن الكريم
    بواسطة مراد مصلح نصار في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 13-01-2017, 01:57 AM
  2. من فلسفات التأويل إلى نظريات القراءة
    بواسطة عمار زعبل الزريقي في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 21-05-2011, 09:52 PM
  3. نظريات التعليم
    بواسطة بابيه أمال في المنتدى المَكْتَبَةُ العِلمِيَّةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 13-02-2011, 12:20 AM
  4. نظريات التحفيز
    بواسطة عبدالصمد حسن زيبار في المنتدى الحِوَارُ المَعْرِفِي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 25-05-2008, 12:01 PM
  5. نظريات نفسية في تفسير نمو الجريمة...
    بواسطة نورية العبيدي في المنتدى عِلْمُ النَّفْسِ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 10-01-2006, 08:36 PM