المستوطنون الاسرائيليون في الضفة الغربية المحتلة الذين يزيد تعدادهم عن نصف مليون مستوطن يستمتعون بالارض والمياه وبرك السباحة والطرق الخاصة، والحماية الأمنية من قبل قوات الامن الفلسطينية، ولكنهم يشعرون بالإنزعاج الشديد من امر واحد فقط هو 'صوت الآذان' في مساجد 'الأغراب' أي سكان الضفة، الذي يتردد عبر مكبرات الصوت خمس مرات في اليوم.
قادة المستوطنين نقلوا هذا الأمر إلى حكومتهم اليمينية المتطرفة، التي قامت بدورها بنقل هذه الشكوى الى السلطة الفلسطينية في رام الله، مطالبة بالتجاوب معها في اسرع وقت ممكن حتى ينعم المستوطنون بطيب الاقامة في مستوطناتهم دون اي ازعاج.
صحيفة 'يديعوت احرونوت' الاسرائيلية أكدت ان السلطة الفلسطينية 'تفهمت' مطالب المستوطنين 'العادلة' هذه، وتوصلت مع الإدارة المدنية التابعة للجيش الاسرائيلي الى 'تفاهمات' مع وزراء ورجال دين مسلمين تقضي 'بتخفيض' ارتفاع صوت الاذان، وسيكون محظورا بمقتضاها على المؤذنين خرق نص الآذان الموحد، وأن تتم اقامة صلاة الجمعة في مسجد واحد في كل قرية. ووصفت الصحيفة الإسرائيلية ان صوت الاذان الذي يصدح من المآذن خمس مرات يوميا بأنه ضجة مؤذية، وخصوصا الآذان الذي يدعو الى صلاة الفجر.
أن يحتج المستوطنون الغاصبون للأرض من أصحابها، فهذا أمر متوقع، ولكن ان تستجيب السلطة، ورئيسها، ووزير اوقافها ورجال دينها لهذا الطلب، فهنا تكمن الفضيحة الكبرى التي تضاف الى مسلسل طويل من الفضائح جرى ارتكابها على مدى العقدين الماضيين من عمرها تقريبا.
لم يبق أمام المستوطنين غير أن يتدخلوا في العقيدة الاسلامية، ويحذفوا أركانها او بعضها والآيات القرآنية التي لا تعجبهم، ثم يتدخلوا بعد ذلك باختصار الصلوات، وتحديد اعداد المساجد والمصلين فيها، وان يجدوا من هذه السلطة ورئيسها ورئيس وزرائها وقوات أمنها كل السمع والطاعة.
هذه ليست سلطة، ولا فلسطينية، التي ترضخ لمثل هذه المطالب المشينة التي تتعارض مع تعاليم الاسلام وفروضه وسننه واحكامه. فلو كانت سلطة، ووطنية فعلا، لما قبلت بهذا الطلب فقط، وانما لطالبت المساجد والمؤذنين فيها باعلاء اصوات الاذان اضعاف ما هي عليه الآن، لالحاق اكبر ازعاج ممكن بالمستوطنين وحكومتهم. ولكنها لم تفعل ولن تفعل. وربما يفيد التذكير بان اسرائيل لم تفرض هذا الطلب على مساجد الضفة وغزة قبل قيام السلطة الفلسطينية.
نشعر بالخجل والعار معا ونحن نقرأ مثل هذه الاخبار، مثلما نشعر بالخجل والعار أيضا ونحن نقرأ ان مثل هذه الطلبات الإسرائيلية والتفاهمات حولها جرى تطبيقها منذ الأسبوع الماضي.
نصدق ولا نستغرب، فمن أعطى تعليمات لأئمة المساجد في الضفة الغربية بشن هجمات ضد الشيخ يوسف القرضاوي رئيس هيئة علماء المسلمين والتطاول عليه والتشكيك في علمه ودينه وربما تكفيره لن يتورع عن اعطاء تعليمات بتخفيض صوت الآذان ومكبراته ومؤذنيه لتوفير اكبر أجواء الراحة وافضلها للمستوطنين، ولن نفاجأ إذا ما صدرت في الأيام القادمة تعليمات من السلطة بخنق الاذان والمؤذنين معا للهدف نفسه.
رأي القدس