بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي القاضي ... اسْمَعنِي من فضْلِكَ، أصِخْ بسمْعِك لي وسأهَوِّنُ عليْكـُمْ أمْري ... ارْمِ أورَاقكَ جانبًا وعانقْ جهَتِي فمِنهَا الحقيقة ومنها الجوابُ ... أوليسَ إلى الحقيقة تصبُون ؟ أوليس الاعتِرَافُ بسيِّدِ الأدلة ؟ هاكـَنِي إذا ... أنا المُذنبُ سيِّدي القاضي ... أنا المُذنبُ سادَتي ... أقيمُوا عدلكـُمْ فِيَّ وارْجُمُوني ... هاكـُمْ فِيَّ محلَّ قصَاص عَادِل ... لن تندَمَ سيدي ولن يخزُكَ ضميرُ العدْل ... ستنامُ قريرَ العين لأنـَّكَ ستـُعْلنُ عِقابكَ بفمِي .. بكلمَاتِي .. باعتِرَافِي ... عقابُكمْ لي عدْل أنشُدُهُ، لي فيه مآربُ عديدةٌ .. به أتطيَّبُ وبه أزْهُرُ ... به أتطهَّرُ من أدْرَان الجُرْم الذي ارتكبتُ وعلى مِقصَلتِهِ أقَدِّمُنِي قـُرْبانـًا حتى ألجُمَ سطوةَ الأنـَا في نفسِي.
آه يا سيدي القاضي ... لا تبْتئِسْ ودَعْ عنكَ مُرَافعاتِ ألسِنةِ الدِّفاع واصْغَ فقط إليَّ ... أنا الجانِي بالإصْرار ، أنا الجَاني بالتخطيط، أنا الجَاني بالإيحَاء، علِمْتُ منهُ أنـَّهُ لم يَحْضَ بالخلفِ الصَّالِح فحزنتُ، أخبرَنِي عن تطبُّبهِ المُتواصِل فصبرتُ معهُ وتمنيْتُ لهُ كلَّ فرَج وصُعقتُ عندمَا بلـَّغنِي بنتائج السَّعْي الطويل التي انتهتْ إلى فرَاغ مَقِيتٍ ... عجز تام لا بُرْءَ مِنهُ. ... كان صديقي يا سَادة، كنتُ به أزأرُ حين الشـِّدَّةِ، كان بي يفـْخـَرُ حين الغُبْن، لم تـُفرِّقنـَا إلا بعضُ أسْفاري البعيدة التي غالبًا ما أطـَلـِّقـُهَا لهْفة للقاءَاتِه وشغفا بمُسَامرته والجُلـُوس معهُ وإليهِ حين البوْح العَميق. ظللتُ فيهِ ومعهُ حتى بعدما انـْتبذ لنفسِهِ مكانـًا بين الأنسَاب والأصْهَار. صحيحٌ أن هامِش الغيرَةِ على الصَّديق الصَّدُوق قد ارتفعَ، لذا كرهْتُ من سحبتهُ إليهَا ومجَجْتُ البَاءَةَ والسَّكنَ إليهَا، وملأنِي الحقدُ الدفينُ على ظالِمَتِي في صَديقي. لكن مَبْعثُ الفرَج دومًا أنهُ ظلَّ وفيًّا لدَأبنـَا .. حاضرًا أنـَّى شككـْتُ في حضُورهِ .. ساوَى بين التزامَيْهِ فغفرْتُ لهَا فيهِ وعملتُ على تفعيل هذين الالتـِزامَيْن حتى أفِي بقِسْطي من الجُهْدِ.
كانت تعلمُ ما يجمعُهُ بي من نـُبْل عواطفَ ... وطبيعِيٌّ أنها وقفتْ مُحاربة شرسَة لمواقفَ تِلوَ المواقفِ وسحبتْ منهُ أنفاسًا كانتْ تكسُونِي، وفزعتْ كما فزعْتُ لكلِّ إيمَاءَةٍ للشقِّ الآخر، وظلتْ ترمُقنِي بُغضًا لحين ثم لانتْ مشاعرُها رويدًا رويدًا لما اقتنعتْ منهُ كما اقتنعْتُ أنا منهُ أنَّ مصيريْنـَا مُعَلقيْن بهِ وأنَّ ذنبيْنـَا أننا شربْنا من نفْس المنـْهَل وأن الواصلَ بيننا كانَ ذا وفاءٍ غامِر يسَعُ ما حوْلهُ .......
والله سيدي القاضي كنتُ وإيَّاها نتنافسُ على طلب ودِّهِ ونقيمُ لهُ، في الخفاءِ وفي العَلن، روافدَ لسقطاتِهِ ولأحزانِهِ ولابتئاسِهِ الدَّائم مُذ علمَ بعجْزهِ عن الإنجَاب. آنئـِـذٍ، وجَدَتْ فِيَّ مكمَنَ الأسْرَار وكانتْ تـُعْلمُني بدقائِق الأمُور وبالمِثل، كنتُ أخبرُهَا بمَا يدُورُ في عالمِنا الضَّيق بعيدًا عنـْهَا وأصفُ لهَا ما يكنـُّهُ لها من عبق العواطفِ وحُزن دفِين على مصِيرها معهُ ... فكـَّرْتُ سيِّدي القاضي طويلا ... سئِمْتُ التفرُّجَ وبحثتُ في مراجعِي عن حلٍّ وفعْلا وجدتــُه ُ...
تحرَّكَ في شيطانُ القوْل، وسحبْتُ سكينَ الكلِـم وتدثـَّرْتُ بعُقدَةِ الأدِيبِ في نفسِي وسكبْتُ دَمَ مِحْبرتي على أورَاق كرهْتـُها حينَ علِمْتُ أنهُ قرَأهَا في محلِّ لقاءاتِنا المُتواتِرَةِ ... لقدْ جلسَ إلى ما كتبتُ دُونَ علمِي ودرسَهُ باهتمَام والدَّليلُ، أنـَّهُ اقتنعَ بالنصيحَةِ التي دوَّنتـُها في آخِر الشَّخْبِ، وفِعْلا لمَّا عُدْتُ إلى المنزل وجدْتهُ يتدلـَّى وقدْ شنقَ نفسَهُ ... صحيحٌ أنـَّهُ تركَ صكَّ براءةٍ لـِي ولهَا، وصحيحٌ أنـَّهُ بالغَ في تمْجيدِ علاقتيْنـَا بهِ، وصحيحٌ أنـَّهُ طلبَ مِنـِّي أن أنـُوبَهُ فيما كانَ عليْهِ وأن أتزوَّجَهَا لأنجبَ لهُ ولهَا ما عَجزَ عنـْهُ ... ظلَّ نبيلا حتى في مَمَاتِهِ سيدي، لكن أليسَ من العار أن أصمُتَ عمَّا يخْتزلـُهُ صكُّ النجاسَةِ الذي ترَكتـُهُ أنا ... لقد تخيـَّلتُ "كتابة" أن إبْليسَ استغلَّ اسْتعْدَادَ حوَّاء للتنفيس عن آدَمَ وهو في أحلكِ حالهٍ وأقامَا المحضُورَ ليُهديانِهِ خلفـًا منشُودًا تعبيرًا عنْ نـُبْل مزعُوم لعواطفِهما تُجاهَهُ ... لكن عُقدتي ككاتب جعلتني أخُصُّ النهاية بفصْل من التعَاسَةِ يُضْمرُ سعادةً ... وأية سعادةٍ : سعادةُ ابليسَ وحوَّاءَ على نخب جُثةِ آدمَ المسْكين ...
هل اقتنعتَ سيدي القاضي ؟ ... هكذا كانَ جُرْمي ...... جُرْمًا بجرَّةِ قلــَم.
ملاحظة : كان لي شرفُ المشاركة بهذه الأقصوصة في فضاءات أخرى غير أن المستوى الرَّاقي لهذا الصرح أغراني بالدلو هنا علـَّني أحضَى بمزيد من النقد البناء ... وكلي آذان صاغية فلا تحرموني مدادكم.
رمضان مبروك لكم جميعا ولكل المسلمين