أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: قراءة من الذاكرة ( 2 ) ..

  1. #1
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي قراءة من الذاكرة ( 2 ) ..

    بسم الله الرحمن الرحيم
    قراءة من الذاكرة ( 2 )
    عبدالغني خلف الله
    لدي زيارتي للمتحف الجنائي بمدينة( فيسبادن ) الألمانية مقر رئاسة الشرطة الجنائية المعروفة اختصاراً بال ( البي. كا. آ .) لفت انتباهي مصحف بالحجم الكبير وقد أخذ موقعه بين أرفف المعروضات الجنائية للجرائم المرتكبة بواسطة الأجانب والمقيمين ..وعندما إطلعت علي التفاصيل اكتشفت أن أحد الجناة القادمين من ذلك البلد الإسلامي غير الناطق باللغة العربية قد قام بتجويف المصحف الكريم تماماً من الأوراق التي تحتوي علي سور القرآن الكريم وأحل مكانها كمية من المخدرات ومن ثمّ طوي غلاف المصحف وتأبطه وهو يدلف إلي مطار فرانكفورت وكأن شيئاً لم يكن اعتماداً منه علي ذلك القدر من الإحترام الذي توليه الشرطة الألمانية للمعتقدات الدينية ولكن الله سبحانه وتعالي لم يكن ليساعد ذلك المجرم البائس الذي لم يجد شيئاً سوي كتاب الله الكريم ليخفي بين ثناياه ذلك السم الزعاف فاشتبه أحد رجال الشرطة في الأمر ولدي تصفحه للمصحف فوجيء بكمية كبيرة من المخدرات المصنعة لينال الجاني عقوبته المستحقة ..وهكذا وثقت الشرطة الألمانية بمتحفها الجنائي لتلك القضية بجوانبها المختلفة من حيث اسم الجاني والبلد الذي أتي منه وصورته الفوتغرافية وكيفية قطعه لأوراق المصحف الشريف وما إلي ذلك من تفاصيل وفي جانب آخر وثقت الشرطة لما اعتبرته الجريمة الأقرب للكمال في تاريخ ألمانيا من حيث دقة التخطيط والتنفيذ وإخفاء معالم الجريمة وملخص الجريمة يقول أن طبيباً قتل صبياً في منطقة مساقط الراين الشمالية بمنطقة ( الرور ) المنطقة الأشهر في انتاج الفحم الحجري علي نطاق العالم والتي يعمل بها زهاء الخمسة ملايين عامل في وقت كانت البلاد فيه تعتمد كلياً علي الطاقة المستخرجة من الفحم الحجري ..وبعد قتله للصبي حمله بعربته وأدخله لمنزله حيث يعيش لوحده وهنالك وضعه بغرفة الحمام وقام بسلخ بصمات اليدين وسلخ أيضاً جلد الوجه حتي لا يتم التعرف عليه وبعد ذلك عكف في صبر وأناة علي تقطيعه قطعةً قطعة ولف كل قطعة بورق الصحف ووضع تلك القطع الملفوفة بعناية فائقة داخل حقيبة كبيرة واستغل قارباً من أقصي نقطة في شمال الراين وصار يقذف في الماء بضاعته وهو يمخر عباب النهر.. وبعد الإنتهاء من هذه العملية قام بتنظيف حوض البانيو المستخدم كمسلخ وأية آثار من الممكن أن يستدل بها ضده ..افتقدت أسرة الصبي ابنها وأبلغت الشرطة بفقده ومضت أيام وأيام ولا أثر للإبن المفقود ..وذات يوم وبينما كان أحد المواطنين يتسكع علي ضفاف النهر قذف الموج تحت قدميه بلفافة الصحف تلك ليكتشف أن بداخلها قطعة لحم بشري فأبلغ الشرطة التي بذلت جهوداً جبارة وهي تفتش النهر صعوداً وهبوطاً حتي تمكنت من جمع أكبر قدر من تلك القطع المبعثرة ..ومن تاريخ صدور الصحيفة التي استخدمت في لف القطع استدلت الشرطة علي تاريخ الجريمة بالتقريب ومن ثمّ راجعت أسماء جميع الأشخاص المبلغ عن فقدهم في ذاك اليوم وكان من ضمنهم الضحية ولكن سلخ البصمات زاد من صعوبة التعرف علي شخصية أي مفقود ..وقد فات علي الطبيب الحاذق إتلاف القفص الصدري للضحية .. ونسبة لتعرض عمال مناجم الفحم الحجري للإصابة بالأمراض الصدرية والصبي منهم بالطبع فقد كانت شركات استخراج الفحم تخضعهم لفحص دوري بالأشعة ..لملمت الشرطة عبر الطبيب الشرعي أضلع الضحية وقامت بتصويرها ومضاهاتها مع خمسة ملايين صورة أشعة لتتطابق مع صورة أشعة للصدر أخذت حديثاً للصبي ومن ثّم قاد التحري لشخصية آخر شخص شوهد معه وكان ذلك الطبيب المعروف بشذوذه الجنسي فتم تفتيش منزله بعناية بالغة لتُكتشف بقعة دم صغيرة جداً في حمام البانيو وعلي صفحة باب الحمام والأجزاء المتبقية من نفس الصحيفة المستخدمة في لف اللحم البشري ..وبمواجهته بتلك الأدلة انهار واعترف بجريمته النكراء ..هذه الحادثة وسواها تقودني لذلك العدد الكبير من الجرائم الغامضة التي قامت الشرطة السودانية بفك طلاسمها لا سيما شرطة المباحث المركزية عبر التاريخ والتي توشك أن تغيب في عالم النسيان..ولو حاولنا أن نتطرق لتلك الجرائم لوجدنا قائمة طويلة من الحوادث منذ قتيلة الشنطة وأحداث نهب البنوك علي محدوديتها وقضية الطفلة شيماء التي أغتصبت وقتلت ومن ثمّ ألقيت جثتها في النهر ومرة أخري تتدخل العناية الإلهية لتلقي بالجاني البغيض في قبضة العدالة ..فلماذا يغتصب مراهق طفلة صغيرة ويقتلها ..هل سأل أولي الأمر في أمتنا أنفسهم كيف وبم يقضون هؤلاء أوقاتهم والقنوات الفضائية الماجنة تعبئهم بالرغبات المحرمة فيلجأوون لمثل هذا السلوك الإجرامي المرفوض في غياب شبه تام للرقابة الأسرية ..وكذلك جرائم غسل الأموال والإحتيال بأنواعه والجريمة العابرة للحدود .. فليتنا ننشيء متحفاً جنائياً بالخرطوم لتوثيق تلك الجرائم بمساعدة الفنانين التشكيليين والمختصين في فنون النحت والديكور والضباط الذين قادوا عمليات التحري واختيار موقع متميز يمكّن المواطنين والأجانب من زيارة المتحف مقابل رسم بسيط ولمنح الدارسين في علوم الإجرام مادة حيوية للبحث والتعلم وبالله التوفيق .

  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.69

    افتراضي

    في قصة الطبيب والفتى القتيل ما حيّرني
    ألم يغتسل الطبيب في ذلك البانيو منذ جريمته حتى يحتفظ البانيو ببقعة الدم تلك؟
    ولماذا اختار إلقاء قطع اللحم في النهر ما دام نهرهم يخلو من أسماك تاكلها؟
    لا شك أنهم أطلقوا عليها الجريمة الأقرب الى الكمال لإطراء قدراتهم، فليس فيها ما يقترب من الكمال في شيء...
    ....
    في كل حرف تكتبه ثمة قيمة وهدف ورسالة
    لهذا أكره ان يفوتني حرفك
    دمت مبدعا
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي قراءة من الذاكرة ( 3 )

    قراءة من الذاكرة (3 )القنصل المزيفرحلة نحو البداية: الشخصية السودانية يغلب عليها التواضع والحياء وهي تميل إلي التقوقع والإنكفاء عندما يتعلق الأمر بالإعلان عن إنجاز ما ..لذلك تظل كثيراً من الأعمال العظيمة طيّ الكتمان وقد يغادر العالم أو الباحث السوداني الحياة دون أن يسمع به أحد ..وفي بلاد أخري تقوم الدنيا ولا تقعد لمجرد أن شخصآ ما إكتشف شكلآ جديداً من أشكال جزئية صغيرة في آلة ليست ذات بال ..وتتحدث وسائل الإعلام في البلد المعين عن الأرض الطيبة التي تنجب العباقرة ..فإذا كان لدي الواحد منا ما يقدمه للعالم من إنجاز علمي أو إبداعي ..فعليه أن يتقدم الصفوف ويقول بالصوت العالي ( هأنذا ) .من هنا نبدأهذه المقدمة لا بد منها ونحن نبحر في إنجازات الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية السودانية ولتكن ضربة البداية من إدارة المخدرات ..تلك الإدارة الفتية التي ما فتئت تصنع أعظم النجاحات .وردت معلومات ذات يوم في غاية الأهميه ..فحواها أن أحد المواطنين بالخرطوم يحتفظ بكميات كبيرة من الكوكايين وحبوب ال( l.s.d.) ..بما يقدر بخمسة كيلو كوكايين وخمسة ألف حبه .. وضع ذلك المواطن تحت الرقابة اللصيقة علي مدار الساعه ..ووظفت عربتان بينما تتطلب المهمة سبعة عربات علي أقل تقدير ..إذ عندما تتنطلق إحدي العربات خلف الهدف يجب ألاّ تنعطف معه يميناً أو شمالاً وتترك المهمة لأقرب عربة إحتياط ومن ثم تلتّف لتشكل خلف آخر عربه وهكذا مع كل إنعطاف جديد حتي لا يلاحظ الهدف أن ثمة عربة أو عربتين تتبعان خطاه فيتخذ من الحيطة والحذر بما يؤدي إلي إفشال المهمه ..وثمة ملاحظة أخري لا بد من الإشارة إليها في هذا الصدد إذ يمنع منعاً باتاً علي كل شرطي يتولي مراقبة شخص ما النظر إليه في عينيه أو أن يسمح بمجرد تلاقي نظراتهما حتي ولو للمحة عابره ..ثم ماذا بعد ؟خمسة كيلو كوكايين تدخل مدينة بحالها في تلك الدائرة الجهنمية دائرة الإدمان ..وتكلف عشرة مليارات من الجنيهات ..فهل ستوزع في الخرطوم وهل ستستوعب الجيوب الصغيرة التي تتعامل مع هذا النوع من المخدرات كل هذه الكمية والكل يعلم أن السودان لا يزال يعيش الجيل الأول من المخدرات ألا وهو ( الحشيش ) وليست لديه ثقافة تذكر في تلك الأنواع القاتله إلا في نطاق ضيق ومحدود للغاية ..فما هو الهدف من إدخال تلك الكميات للخرطوم ..تلك كانت واحدة من المحاور التي كان الشرطة البحث والتقصي إزاءها ..وجاءت الإجابة علي دفعات ..في البداية إتضح أن للهدف إتصالات مشبوهة مع قنصل إحدي الدول الإفريقيه ..الشيءالذي اقتضي ادخال جهاز الأمن العام في صلب القضية.وتمددت العملية خارج الحدودكان التنسيق وتبادل المعلومات علي أشده بين المباحث و جهاز الأمن العام وحدث ما كان متوقعااً .. إذ تم رصد مكالمات مشبوهة بين تلك الخلية بالسودان وشبكة أخري بذلك القطر الشقيق ..فقد كانت كميات الكوكايين وحبوب الهلوسة معدة للإنتقال عبر ميناء الخرطوم الجوي ولكن متي وكيف ومع من ؟ ..اسئلة أخري حائرة وتتطلب الإجابة ..ورويداً رويداً بدأت فصول المؤامرة تتكشف للشرطة ..وبمزيد من التصنت علي المتهمين وتكثيف الرقابة ودخول إمكانات جديده تم التعرف علي تفاصيل الخطة وشفرة التخاطب بين الخرطوم وذاك البلد وكانت الجملة الواحدة تتم ترجمتها إلي الفرنسية والإنجليزية والسواحيلية لإستبعاد أي نوع من الإختراق الأمني .الدائرة تتسع أكثر فأكثر كان بالإمكان إلقاء القبض علي الجناة وبحوزتهم المخدرات ولكن لماذا لا نتركها تعبر الحدود ونضع أجهزة ذلك البلد الشقيق في الصورة لتقوم هي بتكملة المشوار وإلقاء القبض علي بقية الشبكة هناك ..؟ وبالفعل وافقت رئاسة الشرطة علي هذا المقترح بإعتبار أن الأمن العربي لا يتجزأ وأن أي ضرر يطال شباب أي بلد عربي يأتي خصماً علي رصيدنا القومي من الشباب ..وكان أن أخطرناهم عبر القنوات الرسمية بما ننوي فعله وجاءت الإستجابة فورية وسريعة ..إذ حضر للخرطوم ثاني يوم عنصر أمني رفيع المستوي لمزيد من التنسيق وتبادل المعلومات ..وأول عمل قام به هو إعطائنا فيزا مفتوحة لأي عدد من عناصرنا وقام بحجز مقعدين علي أية طائرة تغادر الخرطوم تابعة للناقل الوطني لبلده ..ومن ثم قمنا بشرح خطة العمل التي أعددناها وكانت بالضرورة لا تحتمل أي لبث أو غموض .إستنساخ دبلوماسيتتلخص خطة الخصم في أن يقوم القنصل إياه بحمل المخدرات داخل بذلته بعد تحريزها وحياكتها بالجزء الداخلي للبذلة الأنيقه وأن توضع حبوب الهلوسة داخل جيوب خاصة أضيفت للحقيبة (السامسونايت ) ..ومن ثمّ يغادر عبر غرفة كبار الزوار وسيتولي المتهم الثاني توصيله حتي المطار وعند وصوله إلي هناك يتصل بإرقام هواتف معينه ليقول لهم أنه وصل وعليهم الحضور إليه بفندق كذا لعمل أشياء محدده نحجم عن توضيحها .. علي أن يقال كل هذا باللغات الثلاثة المتفق عليها ..وكانت الخطة تقوم علي إستدراج القنصل حتي المطار وعندما يعلن عن موعد مغادرة الطائرة تتدخل المباحث وتواجهه بالحقيقة المرّة وهي إنكشاف جريمته ثم تطلب منه أن يتعاون معنا أو يواصل السفر ليجد الإعدام بإنتظاره وبعد ذلك يقوم عنصر أمني يشبه القنصل في كل شيء لدرجة طريقة حلاقة الشعر والمشي وتقضي الخطة بأن يرتدي عنصرنا ملابس القنصل ويحمل معه المخدرات إلي الطائرة وعند وصوله سيقوم بالإتصال بالشبكة هناك ويعيد علي مسامعهم العبارة المتفق عليها باللغات الثلاثة والتي حفظها عن ظهر قلب وحفظها كذلك المنسق الضيف وقد تعرف علي القنصل المستنسخ..ويقع هو وهم في الكمين المحكم الذي أعد بواسطة الأجهزة الأمنية هنالك والذيّ وظفت له خمسة عشرة عربة بأطقمها بالتمام والكمال . للموضوع أكثر من زاويهتقوم شبكات الجريمة المنظمة عبر الحدود بإتخاذ تحوطات لا حصر لها وليست بالسذاجة التي يمكن تصورها ومن أساليبهم المعروفة ..مراقبة عناصرهم بأكثر من فرد وأحياناً لا يعلم هذا العنصر أو ذاك بأن شخصاً ما يراقب ويصحح خطواته وقد يتخذ قراراً بإلغاء العملية بكمالها لدي بروز أي مهدد حتي ولو كان ضئيلاً وأحياناً يقوم عنصر ما بإدخال الشحنة إلي الطائرة أوالقطار ثم ينسحب إما لكشف درجة اليقظة الأمنية أو للتضحية بالمخدرات علي حساب ضمان أمن عناصرهم ..وتتم مراقبتها من علي البعد ..فأما أن تصل وهذا هو المطلوب وأماأن تقع في قبضة الشرطة ويتم تعويضها لاحقاً ..لذلك كان السؤال الذي يفرض نفسه يتمثل في كيفية التصرف بالمتهم الثاني وقد أوصل القنصل للمطار ثم غادر لإجراء الإتصالات اللازمه ..في البداية فكرت المباحث في إفتعال حادث حركة معه داخل المطار وخطط لذلك ولكنها عادت لإستبعاد ذلك الخيار فماذا لو نتج عن الحادث وفاته في الحال .؟ توقفنا عند وصول قنصل ذلك البلد إلي مطار الخرطوم وبحوزته خمسة كيلو كوكايين وخمسة ألف قرص من أقراص الهلوسه ..وصل صحبة شريكه السوداني وعلامات الرضا والسعادة تلون وجهه الحليق ..بدا كل شيء أمامه علي ما يرام ..لم ينتبه إلي سلاسة وسهولة إجراءات المغادره ولعله أرجع ذلك إلي حقيقة كونه دبلوماسي يتمتع بمعاملة خاصة كما جري العرف بذلك وحتي لو شكت الشرطة في تصرفاته فبإمكانه أن يلوذ بحصانته الدبلوماسية ويرفض التفتيش ..وأخيراً جلس علي المقعد الوثير بغرفة كبار الزوار بالمطار ونشط النادل في تلبية طلباته ..عدد من أقداح القهوه ..إذ أن التوتر هو سيد الموقف وما هي سوي ساعات يطرح بعدها عباءة الفقر ربما إلي البلد ..سوف يترك موقعه في ظل التيارات الرهيبة التي تعصف ببلده والحرب الأهلية التي تأخذ بخناقه ..وسوف يطلب حق اللجوء السياسي في ذلك البلد الأوروبي بعد أن يكون قد أودع حسابه الخاص حفنة لا بأس بها من الدولارات تكفل له حياة كريمة هو وأسرته بعيداً عن أفريقيا ومآسيها المتجدده ..لقد درس في فرنسا ويحفظ باريس شارعاً شارعاً وله أصدقاء في وزارة الخارجيه سيساعدونه علي الحصول علي حق اللجوء هذا إذا ما تمت العملية بنجاح ولم تلوث صحيفته شبهة الإتجار في المخدرات وهو يعلم تماماً أن جميع إدارات المخدرات في العالم لا تهتم بالمدخن العادي ..تراقبه ليقودها للحلقة الأولي من شبكة ترويج وبيع المخدرات ويراقبون الحلقة الأولي لتقودهم لدائرة أوسع وهكذا إلي أن يقع العراف الكبير في الفخ .وداع ووصايا ودعه شريكه بحراره ومن ثم إمتطي عربته لينقل لرفقاءه بذاك البلد مجريات العملية وأن الطائرة توشك أن تقلع وعلي متنها البضاعة التي طال إنتظارها وهي تعبر الغابات والبحار والوديان ..أكثر من عام منذ أن عبرت المخدرات أفريقيا لتخزن بمنزل متواضع بالخرطوم وليتها كانت حشيش أو شيء من هذا القبيل ..إنها كوكايين ..ذلك السم الزعاف الذي يطوقك بالإدمان بعد الجرعة الثانية مباشرة وهو يعني في النهاية الموت الزؤام ..ولمدمن الكوكايين عوالم غريبة وتخيلات لا تخطر علي بال ..فهو عندما يهم بعبور الشارع يتردد كثيراً إذ يخيل إليه بتأثير الكوكايين أن أنفه صار ضخماً لدرجة أنه يعطل حركة السير ..وفي مرحلة لاحقة تبدأ أعضاء جسم المدمن ترسل إشارات خطيره ..فثمة سائل أبيض اللون يخرج من الأذن بإستمرار وتتعرض الذاكرة لتدمير كلي يتبعها دمار شامل بالدماغ ..فماذا تبقي إذن ؟ ..إنها النهاية المحزنة ولا ريب ..وكل ما يقال عن فوائد ليس سوي مجرد أوهام ..فالطاقة الجنسية مثلاً تضعف وتلك ميزة يروج لها تجار المخدرات وينطوي المدمن علي نفسه وينعزل تماماً عن محيطه الأسري ومحيطه العام .الإعلان عن قيام الطائره( بهذا تعلن خطوط كذا وكذا عن قيام رحلتها رقم كذا وكذا المتجهة إلي ..وعلي السادة الركاب التوجه نحو الطائره ) ..هكذا إنداح صوت المذيعة الداخلية بالمطار ..قام سعادة القنصل الهمام وتمطي للمحة ..نظر إلي ساعته وحمل الحقيبة السامسونايت التي تحتوي علي أقراص الهلوسة داخل جيب خاص يفتح عبر (خرم ) صغير لا يري بالعين المجرده به زر يفتح الجيب إذا ما لامسته براس دبوس صغير ..وتحسس الكوكايين المخبأ في جيوب خاصة بالجزء الداخلي لبذلته الأنيقه وبينما هو يتقدم نحو الباب إستوقفته الشرطة لتقول له بهدوء شديد ( إنك يا سعادة القنصل تحمل كمية من الكوكايين وحبوب الهلوسه ) وشرطة ذلك البلد بإنتظارك لتقبض عليك بمجرد دخول الطائرة إلي أجوائها .. وأنت تعلم قبل غيرك بأن العقوبة التي بإنتظارك هي الإعدام ..لذلك عليك إتباع التعليمات دونما أي تشنج إن كنت ترغب في البقاء علي قيد الحياه ) ..كاد الرجل أن يفقد وعيه من هول المفاجأة وترنح يمنة وشمالاً وأدرك أنه في مأزق حقيقي ..قال لهم أنا تحت أمركم ..أمروه بأن يدخل إلي غرفة جانبية وطلبوا منه أن يخلع بذلته ويرتدي جلباباً علي قدر مقاسه أعد سلفاً وجيء بالقنصل المستنسخ الذي يشبه القنصل في كل شيء وكأنه توأمه وهو فرد أمني ..إرتدي البذلة علي عجل حمل الحقيبة وجواز سفر القنصل وال ( بوردنق كارد ) وتوجه بخطي ثابته نحو سلم الطائرة كأول سوداني يغادر البلاد وبحوزته خمسه كيلو كوكايين وخمسة ألف قرص هلوسه ( علي عينك يا تاجر ) ..كما يقولون .شريك القنصل يبتلع الطعم أحياناً يكون الإستفزاز خير وسيلة للإيقاع بالمتهمين ..إذ عندما غادر المتهم الثاني المطار لينقل لبقية الشبكة في ذاك البلد أن الأمور تسير علي ما يرام تلقفه بعض ضباط المباحث لدي تقاطع شارع إفريقيا بالشارع الذي يوصل بالمطار وكانوا يرتدون زي عساكر الحركه .. وكلمة من هنا وكلمة من هناك أثناء عملية فحص رخصة القيادة وأوراق العربة تعامل المتهم بردود الأفعال وتبادل مع رجال المرور غير الحقيقين الكلمات الجارحة وتطور الأمر إلي شجار أخذوه علي إثره إلي قسم شرطة الإمتداد القريب من المكان وهناك فتحوا له عدداً من البلاغات تمثلت في معارضة رجل شرطة أثناء تأدية واجبه والتهجم علي آخر .. وامروا بحبسه ومنعوا عنه أي نوع من الإتصال مع العالم الخارجي وكذلك تم حبس القنصل في غرفة كبار الزوار بالمطار وما هي سوي لحظات حتي أقلعت الطائره ولدي وصولها تعرف مندوبنا علي ضابط الأمن الذي كان قد زار الخرطوم للتنسيق معنا وتبادل معه الإشارات المتفق عليها .. ومن ثم غادر المطار نحو الفندق المعين في وقت كانت حوالي خمسة عشرة عربة أمن بأطقمها تتابعه من علي البعد حتي لا تلفت إنتباه أحد من بقية أعضاء الشبكة المقيمين هناك .بداية التنفيذ الفعلي للخطه لم يضيع رجل الأمن السوداني وقتاً فقد إتصل بالأرقام التي معه ونقل لشخص بالجانب الآخر الجملة المتفق عليها بالفرنسية والسواحيلية والإنجليزية ..فطلبوا منه أن يغادر الفندق بهدوء ويلتقيهم ومعه الأمانة في مكان حددوه له ..فكان أن وجدهم في المكان والزمان وكانوا ثلاثه ..رحبوا به أيما ترحيب ودخلوا به إلي مسجد في حي هامشي حيث بدأت عملية التسليم والتسلم ..الكوكايين تمام ..حبوب الهلوسه تقريباً تمام وإليك بالعربون ..كان مبلغآ كبيراً يساوي الملايين بالجنيه السوداني ..عربون ؟! كل هذا المبلغ عربون ..تلفت صاحبنا وهو يتوقع وصول شرطة ذلك البلد في تلك الحظه ليقبض علي أفراد العصابة وهم متلبسين بجرمهم ولكن أحداً لم يظهر ..قال لهم إذا سمحتم لي بمراجعة المبلغ أكون ممتناً لكم ..قالوا له لا مانع لدينا ولكن بسرعه .. بدأ في مراجعة المبلغ ببطء شديد ليكسب دقيقتين إضافييتين ..حينها إقتحمت الشرطة المكان وألقت القبض علي الجميع .القبض علي بقية أفراد الشبكه أخذت الشرطة المتهمين الثلاثة للشقة التي يقطنونها وهنالك كانت المفاجأه فقد وجدوا أكثر من عشرة أشخاص ينتظرون نصيبهم من ( الكيكة الغاليه ) تم التحفظ عليهم أيضاً وبينما كنا نحن هنا بالخرطوم نعيش علي أعصابنا إتصل بنا اللواء المسئول عن مكافحة المخدرات شخصياً حوالي العاشرة مساءاً لينقل لنا نبأ نجاح العملية وقطع تلفزيونهم إرساله ليعلن خبر السيطره علي أكبر شبكة لترويج المخدرات بمساعدة قطر جار وشقيق وكان المقصود هو السودان .

  4. #4
    الصورة الرمزية سالم العلوي شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    المشاركات : 2,519
    المواضيع : 69
    الردود : 2519
    المعدل اليومي : 0.38

    افتراضي

    ما كل هذا الألق يا أستاذنا الكريم
    حضور لافت متميز
    ومواضيع بنكهة خاصة رائقة شائقة مميزة تحمل في طياتها معان كبيرة جدا ..
    حفظ الله السودان والعرب والمسلمين من كل شر .. وزادهم خيرا على خير .. وإن لم يكن العرب والمسلمون للملمات وللدواهي الكبار فمن ؟ المهم أن نثق في أنفسنا وقدراتنا ..
    بوركت وبورك ألقك
    وتقبل خالص التحية.

  5. #5
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سالم العلوي مشاهدة المشاركة
    ما كل هذا الألق يا أستاذنا الكريم
    حضور لافت متميز
    ومواضيع بنكهة خاصة رائقة شائقة مميزة تحمل في طياتها معان كبيرة جدا ..
    حفظ الله السودان والعرب والمسلمين من كل شر .. وزادهم خيرا على خير .. وإن لم يكن العرب والمسلمون للملمات وللدواهي الكبار فمن ؟ المهم أن نثق في أنفسنا وقدراتنا ..
    بوركت وبورك ألقك
    وتقبل خالص التحية.
    الشقيق الأصغر سالم السلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته قلت لك وفي مرة سابقة إن مجرد وجود إسمك في أي مشاركة لي هو بمثابة وسام أفخر به وأتألم حين يختفي ..نحن أناس مجتهدون لا أكثر ولو كنا نستطيع توحيد الأمتين العربية والإسلامية في كيان واحد لفعلنا ..ومع ذلك نظل مهمومين بأحوال أمتنا العربية ونحرص علي أن تظل والأمة الإسلامية في مقدمة الأمم ..فنحن خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهي عن المنكر وليس اسوأ من المخدرات من منكر لأنها المحرض علي ارتكاب المعاصي وقد تعلم عزيزنا سالم بأن الجسم يقوم بتعديل اولوياته بعد الجرعة الثالثة من الكوكائيين والهيروين ليكون المخدر بعد الأوكسجين مباشرة وقبل الماء والأكل والعياذ بالله ..وندعو الله سبحانه أن يحفظ الجميع.. هذا مع تحياتي .

  6. #6
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Oct 2007
    العمر : 37
    المشاركات : 117
    المواضيع : 7
    الردود : 117
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    بوركت موضوعك قيم جداً وبه خير كثير

    وحيرني في قصة الفتي والطبيب أيضاً كيف تم معرفة تاريخ الجريدة // ألم تذوب الجريدة في المياه ؟

  7. #7
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    الإبنة العزيزة زينب وليد ..أسعد الله مساءآتك بكل الخير ..بداية أعتذر بشدة من عدم ردي علي مروركم المفرح والذي غاب عني لسببين ..أولهما وجودي خارج الخرطوم بالريف لأكثر من أسبوع وثانيهما أنني كنت استخدم متصفحاً قديماً لا يتيح لي الدخول للملتقي أما بخصوص عدم ذوبان الجريدة في النهر ذلك لأن مياه نهر الراين قد أصبحت ملوثة لدرجة لا توصف وقد تكوني ممن رأي ذلك بنفسه وليس به تيار عاتِ كما في أنهارنا الشي الذي حال دون ذوبانها وأيضاً لسرعة تحرك الشرطة ..ومن خلال معايشتي لعقيدة الشرطة الألمانية وقد أمضيت معها زهاء العامين في فترة تدريبية ..تنطلق عقيدتها من عدم تقييد قضية قتل ضد مجهول مهما كان غموضها وفي نفس الوقت لا تكترث للجرائم ضد المال وبينما تتراوح نسبة اكتشاف جرائم القتل بين 96 إلي 98 في المائة فإنها في حدود 17 في المائة فقط في جرائم المال..أعذريني فيما لوأطلت عليك يا ابنتي مع كل الود .

المواضيع المتشابهه

  1. إشْراقاتٌ مِن دفاتِر الذاكرة
    بواسطة عبد اللطيف السباعي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 11-10-2016, 09:46 PM
  2. عندما يغضب الشيطان .. قراءة من الذاكرة ( 3 )
    بواسطة عبدالغني خلف الله في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 16-12-2010, 09:23 AM
  3. الرصاصة القاتلة .. قراءة من الذاكرة ( 4 )
    بواسطة عبدالغني خلف الله في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 29-11-2010, 01:21 PM
  4. قراءة من الذاكرة ( 1 ) ..
    بواسطة عبدالغني خلف الله في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 29-06-2010, 02:31 PM
  5. قراءة في "أمواج على شواطئ الذاكرة"/محمد الشحات محمد
    بواسطة محمد الشحات محمد في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 04-06-2010, 01:29 AM