بسم الله الرحمن الرحيم
الوجه الآخر للمدينة..قصيدة شعر
عبدالغني خلف الله
(1 )
مدينتي ..الزعزع النكباء
مغلولة الجناح..
يا ليت شعري كيف تُهزم الرياح ؟
فلا هدير لا اندياح ..
إعصار ..يا إعصار ..
هوّم في مسارب حينا
أمي هنالك هل ستنسي أمنا ؟
قد أوقدت بدربك المصباح
وأشرعت أحضانها تستقبل الصباح
الليل استرق عمرها
والبؤس قد أضاع صبرها
والاخطبوط لا يني
جاثماً بصدرها ..
فالليل إن لم يرعو
وإذا انتكست ولم تجيء
سيموت مليون صبي ..
وستخنق الأنفاس أشلاء الرفاة
فتعال يا إعصار
رفقاً بالسنين الغابرات ..
أرايت لما جئت في ذاك الصباح
ذعُرت خراف مدينتي وعلا الصياح
وتعثرت خطواتها .. تجاوبت صرخاتها
جبانة هذي الخراف
ألا تري مأساتها ؟!
والزعزع النكباء ما كانت مغلولة الجناح
( 2 )
مدينتي في قلبها كنيسة
أيقونها يضيء في إصرار
يسربل الوجود كالنهار
فتخرج المخاوف الحبيسة ..
بُنيتي تكلمي ماذا اغترفت
عند فورة الشباب ؟
يا ذا الصليب ..مدينتي شرانق البخور
في سمائها سحاب
تسعّر الشعور بالعذاب
وتبعث الخدر ..ستائر تستعبد النظر
أذيالها وردية الجيوب
يا ذا الصليب ..
قد كان وهماً شل حسي وخطاي ..
مجنونة خطاي ..
قد أسكرتها رغبة عنيدة
ساقتني للمغاور البعيدة
وجاءني ..خطواته مهتزة وئيدة
نظراته تنهشني ..أمسكني هدهدني
يا ذا الصليب لم أعد
من يومها لمسكني .
(3 )
مدينتي دروبها وشيها جميل
هزارها منمق الهديل
لكنها بلهاء .. جمالها بريقها خواء
الناس فيها آلة تسير
تصلبت بعروقها الدماء
في قريتي ..إعشوشبت دروب قريتي
وشيها جميل..هزارها منمق الهديل
قد وشوشته أذرع الخميلة
وعانقته النسمة الخجولة
تزفها عرائس المساء
مساؤنا غناء ..
لا يعرف الضياع والخدر
لا ( جاز ) لا (توست ) لا صفير
هيا اسمعينا يا صبايا قريتي
ورقصي بصوتك الغدير
فإنني هربت من مدينتي
وجئتكم بالشوق بالكثير يا صبايا جنتي
( 4 )
مدينتي قد قيدت طلاقة الطفولة
وضيعت سماتها الجميلة
في قريتي .. كانت لنا دنيا
يضاحكها القمر
أواه يا ليالي السمر
هل تذكرين تلكم البراعم الصغيرة
أصواتها تختال في سمائنا الكبيرة
إيقاعها يهزنا كثيرا
تصيح في توثب صبي
( يا مطارق يا عصي ..
إنعل أبوه الما يجي ) *
وتنتظم ملاعب ( الشليل )*
أرواحنا لا ترضي بالقليل
من مباهج الطفولة
مدينتي قد ضيعت سماتها الجميلة
( 5 )
مدينتي الحب فيها كلمة طريدة
قد مزق التكرار عنفوانها والآهة المردودة
أصداؤها تطير بي بعيدا
قالتهاعيناي
اشاعت الذهول في رؤاي
لكن صبية المدينة تجاهلت عيناي
مسكينة خطاي
مسكينة أدمعي الحزينة
قد قلتها في قريتي
والنهر حولنا يفجر الحنين
فاستبشرت مرافيء العيون
استعبدت خطاي تلكم العيون
سعيدة عيناي ..
مجنونة خطاي
قالت فتاة قريتي ..
عيناك فيهما عوالم تبين
حزينة عيناك .. تفجرت شجون
إذاً فأنت تعلمين ..
صبية المدينة لا تريد أن تعي
حرارة الشكاة والأنين .
*تنويه .. كتبت هذه المحاولة الشعرية وأنا طالب بالجامعة في العام 1964 قبيل ثورة أكتوبر التي أطاحت بحكم الجنرال عبود وأرفعها بدون تنقيح .
* بعض من ألعاب الطفولة بالريف .