|
وحيدٌ بينَ أمواجٍ غاضبة
..
فجأةً وجدتُ نفسي بينَ الأمواجِ أتعلّقُ بقطعة خشبيـّةٍ هي ما تبقّى
منْ زورقٍ صغيرٍ داهمتهُ أمواجٌ ثائرةٌ غاضبةٌ فتحطّمَ بينّ فكّيها, كأنَّ
بينهما ثأرٌ قديمٌ , وقدْ حانَ وقتُ السّداد, وكالعادةِ في الأخذِ بالثأرِ يكونُ
هناكَ ضحايا منَ الأبرياء.
تشبّثتُ ما استطعتُ في هذهِ القطعةِ الخشبيّةِ التي أصبحتْ تعني لي
كلّ ما لهُ علاقةٌ بالحياةِ ورأيتُ دونها الموت.
واجتمعَ عليَّ البردُ والليلُ والخوفُ وهواجسُ ما فتئتْ تراودني عنْ
نفسي كأنّها رصّتِ الصّفوفَ لمعركةٍ حاسمة.
أعياني التّعبُ الشّديدُ وأحسستُ أنّ هذهِ القطعةُ الخشبيّة التي باتتْ
ملاذي الوحيدَ على وشكِ أنْ تتفلّتَ منْ بينِ يديّ كلّما شعرتُ بالنّعاسِ
وأنا تتلاطمني الأمواجُ العاتيةُ , وكانَ يجبُ أنْ أقرّرَ بينَ أنْ أستسلمَ
للبردِ فأنزعَ قميصي وأشدّهُ على القطعةِ الخشبيّة وأربطُ بهِ إحدى يديّ
فينالُ البردُ القارصُ منّي أوْ أنْ أبقى على ما أنا عليهِ فينالُ منّي النّعاسُ
والتّعبُ وضياعُ القطعةِ الخشبيّة وبعدها كلّ الاحتمالاتِ ستفتحُ ذراعيها لنهايتي الأكيدة.
أشعرُ بمنْ أعرفهمْ حولي كأنّني أتلمسهمْ, ولكنْ لماذا لا يفعلونَ شيئًا منْ أجلي؟
وماذا ينتظرون؟ هلْ همْ هنا كما أشعرُ أمْ ربّما كانَ ذلكَ منْ أمنياتِ النّفسِ ورجائها في تلكَ اللحظة.
ويلي .. كمْ قلتُ أنّني سأتعلّمُ السّباحةَ , ماذا لوْ كنتُ تعلّمتُها ولمْ أرضخْ لضيقِ الوقتِ ,
فها هوَ الوقتُ يداهمني عبرَ هذهِ الامواج القاسيةِ , آآآآهٍ هيهاتَ هيهاتَ وقدْ أزفتْ آزفتي .
أشعرُ بأنَّ كلَّ شيءٍ يتربّصُ بي خلفَ هذا الليلِ وتلكَ الامواجِ, حتّى
تلكَ الأفكارُ والخواطرُ المخيفةُ باتتْ تنهشُ جسدي وروحي ,
أتساءلُ وأنا ترفعني موجةٌ وتحطّني أخرى ,هلْ كانَ يجبُ أنْ
أشاهدَ ذلكَ الفيلمَ المخيفَ قبلَ أسبوعٍ عنْ تلكَ الأسماكِ الوحشيّةِ
لتزيدَ الآنَ منْ فزعي ولكيْ أموتَ أكثرَ منْ مرّة !؟
إلا يكفي ما أنا فيهِ منْ خوفٍ وتشتّتٍ للأفكارِ بينَ الغرقِ وبين الافتراسِ منْ تلكَ الأسماك ؟
كمْ أكرهُ أسماكَ القرشِ هذهِ , وكمْ أكرهُ فكرةَ أنْ أغدو لقمةً تمزّقها تلكَ الأضراس .
يا إلهي !! ما هذا ؟ صرختُ بصوتٍ أسمعَ آذانَ الغيوم ,
اللهمّ سلّم سلّم , ما هذا ؟
هلْ هي موجةٌ عارمةٌ تلكَ التي أراها أمْ شفاهٌ غليطةٌ جائعةٌ لسمكةِ قرشٍ كبيرةٍ
تركَتْ البحرَ وراءها وما عادتْ ترى غيري ؟
ربّاااااااااااهُ ماذا يجري هناك ؟
هلْ انتهى كلُّ شيء ؟ هلْ هكذا ستكونُ النّهاية بكلِّ بساطة؟
أغمضتُ عيني في تلكَ اللحظةِ مستحضرًا كلّ تميمةٍ تنفعُ ولا تنفعُ,
وذهبتُ بعدها في غيبوبةٍ قصيرةٍ , وصحوتُ على صوتِ زوجتي
تقولُ لي قمْ يا رجلْ , قدْ تأخّرتَ , قمْ يكفي نومًا وصراخًا كلّ يوم.
سمعتها تقولُ متسائلةً : لكنْ منْ أينَ لكَ بكلِّ هذا الماءِ على وجهكَ
وقد ملأ الوسادة ؟ أفّ لهذا اليوم ألا يكفيني عمل البيت؟.
فوقفتُ أتصببُ عرقًا وقدمايَ لا تكادانِ تحملاني ..
ثمّ انفجرتُ بالضّحك وأنا أقبّل يديها لإنقاذي, أمّا
زوجتي فهي كعادتها في كلَّ يومٍ تصُكُّ خدّها وتقولُ :
لقدْ جنَّ زوجي ثانية .
بقلم : مهندس رفعت زيتون
القدس في 10 \ 1 \2011
|
|