كالنخل كابَر في آلامكَ البلدُ
جرحُ العراق رداء حاكَه الجلدُ
ما زلتَ تمسك هذا الحزن مرتعشا
كي لا يُساقط حزنا ما له أحدُ
أدري ويجهل كل الناس أن لهم
في سِفر صبركَ تاريخ ومعتقدُ
ذرني اُريك من الأيام ما فعلت
بالثائرين وما ألفوا وما فقدوا
يممتَ وجهكَ شطر البحر تسأله
يا بحرُ هل لغدي أن يبتنيه غدُ
هل كنتَ تجهل أن البحر ليس له
نذر وأنكَ في أمواجه زبدُ
يا نهر دجلة يا نهر الفرات إذا
جفا جرى بهما من دمعك الأبدُ
قاص إباؤكَ عمن لا إباء لهم
دان بجودكَ من جود حكته يدُ
تبكي فتنبت صحراء الأسى ألقا
حتى يشيخ بها من يأسه الرمدُ
عينان قد جرتا حزنا على وطن
لا شمس تدفئه مذ لفه البردُ
عينان غســلتا بالدمع من سقطوا
تحت الحصار وقوفا بعدما صمدوا
يا أمة برجال الأرض لو وُزنت
كانت لترجح عزا خطه الأمدُ
يا شعبُ أنت نشيد الحق في زمن
كُـذبت فيه فداك الروح والجسدُ
سروا عرفتك، صفصافا، ودالية
للريح يسرق منك الموت ما يجدُ
فاخرتُ باسمك من باعوك عن ترف
واخترتُ صفك حرا ما له سندُ
راهنتَ أنكَ تبقى في ضمائرهم
نارا، فكيف لهم بالنوم إن رقدوا
كانوا حيالكَ لما كنتَ قبلتهم
صاروا وراءكَ مذ خانوك وابتعدوا
ما إن يريكَ سواد الليل عقدتهم
حتى يحل ضياء الصبح ما عقدوا
بادٍ عليكَ خريف العمر في صغر
ها أنت ينطق فيك الشيخ والولدُ
عارٍ – كصبركَ مما يحتمون به –
داريتَ جرحَكَ دهرا.. والسوى جحدوا
خلدتَ قلبك مصلوبا على جُذُع
للنخل، لا سعف للظل أو مَدَدُ
منفاكَ فيكَ وتلك الأرض صحتَ بها
" إن الخيام أنا.. لو ينطق الوتدُ "
أغوت خُطاكَ دروب لا يَضِل بها
من كان خَـفه فقرا، والثرى رغدُ
شيعتُ عنكَ مديحَ الناي في لغة
كالغيم تُرفع، لا سقف ولا عمدُ
ألق القميصَ على عينيكَ، سوف ترى
يعقوبَ فيكَ، ومن بالزور قد شهدوا
إخوانَ يوسف من كادوا له حسدا
إذ خادعوكَ دما، والشكُ يتقدُ
واهٍ عليكَ ضريرا صرتَ تبصره
الآن تدركُ ماذا يفعل الكبَدُ
إذ ضَل يهمس ملء التيه " يا أبتي
ماذا فعلتُ، وفيمَ الحقدُ والحسدُ
لا ضوءَ يكشفُ ما في الجب، خذ بيدي
فالخوفُ يملؤني، والروحُ ترتعدُ "