|
أُزيحَ سِتارُ الليلِ إذ طلعَ البـدرُ |
و هدَّ جدارَ السرِّ ما قوّضَ الجهرُ |
و زلزلَ أركـانَ الظـلامِ مزمجـراً |
فما صـدّهُ بطـشٌ ولا ردَّهُ زجـرُ |
"أرادَ حيـاةً" فاستشـاط تسعّـراً |
"وكسّرَ قيداً" فاستجابَ لهُ النصـرُ |
وأشرقَ من أُفـقِ التحـررِ موقنـاً |
بأنَّ ظـلامَ الليـلِ يعقبُـهُ الفجـرُ |
وضحّى ببذلِ النفسِ لم يرهبِ الردى |
"و من يطلبِ الحسناءَ لم يُغلِها المهـرُ" |
و رصّعَّ "للحـقِ المُحطـمِ تاجُـهُ" |
جبيناً زها في تاجِهِ البِشرُ والتِبرُ |
فهدّ عروشاً إذ بنـى صـرحَ أُمّـةٍ |
و حرّرَ أُسداً ضاقَ عن أسرِهِا الصدرُ |
وإن كانَ حقّاً لا مناصَ من الـردى |
إذا أزمع الطغيانُ فالمـوتُ والقبـرُ |
نعيشُ كرامـاً أو نمـوتُ بعِـزّةٍ |
و نفنى أُباةً كـي يخلدنـا الدهـرُ |
وقد كان صوتُ البوعزيزي شرارةً |
وها قد ذوى بالنفي ِ ما أحرقَ الجمرُ |
تضرّجَ في وهجِ اللهيبِ مضحّياً |
وأكفانُهُ من نسجِ إيثارِهِ خضرُ |
بكاهُ الأسى المفجوعُ في جذوة اللظى |
بكاهُ ، فضجَّ القلبُ إذ أيّدَ الصدرُ |
وأرسى دعاماتِ النضالِ على الندى |
ليبقى نديَ الروحِ ما زارَهُ القطرُ |
تنازلَ عن تفاحةِ الخُلدِ طالباً |
لدُنياهُ قوتاً حين قيّدَهُ الفقرُ |
و مهّدَ للأحرارِ درباً معبّداً |
مسالكُهُ زهرٌ وحصباؤهُ دُرُّ |
و سارَ على آثارِهِ الشعبُ ثائراً |
يرددُ: لا صبرٌ على الذلِ أو عذرُ |
وقد كانَ شعباً هبَّ بالعزمِ ساخطاً |
و لا عسرَ إلاّ جاءَ من بعدِهِ يُسرُ |
و شيّدَ من إرثِ البطولةِ معلماً |
أساساتُهُ عزمٌ وتيجانُهُ فخرُ |
إرادةُ شعبٍ وانتفاضةُ غاضبٍ |
أزالت بنورِ الطُهرِ ما دنّسَ الوِزرُ |
إلى منّةِ الرحمنِ سِرتَ لعفوِهِ |
و عن تونس الخضراء يُزجى لك الأجرُ ! |