(( ذا نص ولد إثر الاختبارات ..
و لأستاذي و أخي الفاضل الأندلسي فضل كبير في ولادته بهذا الشكل
شكري موصول إليك أيها الفاضل .. جزاك الله عني خيرا ))
تتمايل الصور على أوتار الذاكرة
كأنما تراتيلها حوافر برية تدك الطين بضرباتها القاسية
خيال جياد متدافعة
ستة عشر جوادا
بل ستة عشر عاما
تنحتُ آخر نظرة لمعت ذات لحظة ضائعة بين دهاليز الزمن
نظرة لمعت بين عينين لا زالتا تسكنان وجهي
و عينين توزعتا على خفق الحب الهادر بين ضلوع الأيام
ستة عشر عاما
سياج شائك يمزق الروح إلى شاطئين بينهما ألف لجة ألم
و سلاح غاشم ينتصب أمام القلب : عد من حيث أتيت
ستة عشر عاما
مذ صمتت ضحكة الفجر في حدقتي
و سقط آخر طيور السنونو حيا – حين غدى الممات حياة – و لا زال
مذ ودعتني شجرة برتقال لا تزال منتصبة أمام باب الذاكرة : عودي
و بين نفحات عطرها عبقت وصية شهيدين .. و معتقل
لا زالت ساعتي تتكئ إلى معصمي و الصمت يلف عقاربها
لا زالت تحمل لحظة فراق الوطن الحبيب
و لا تزال متشبثة بالذكرى .. لم تنس كما نسوا ..
و لم تدع لهيب الذكرى يكف عن التهام آخر قطرات الدم من عروق القلب
عيناها تشتعلان
تحدق بي
و تنتظر لحظة ولادتها مرة أخرى
لحظة يعود للزمن معنى و طعم .. كطعم ليمون بلادي
تعتصر كفي حقيبتي الصغيرة
و قبضة الذكرى تعتصر قلبي
حتى آخر الصور الماضية
حتى آخر الحنين – إن كان له آخر – ...
أنفاس الفجر لم تناغ السماء بعد
و الليل مستعر بجنون العيون الساهرة
نبضة ..
نبضة ..
و عاد الزمن إلى صمته
تاهت أعماقي بحثا عن جواز مرور إلى الذاكرة الماضية
إلى حضن دافئ و قلب يضم كل الأحزان إلى رحم محبة
لتولد الآهات بسمات طفلة لا تعرف الدمع
إلى أسراب طيور تحفظ الوطن .. شبرا .. شبرا
تهادت الطائرة
كآخر أوراق الغربة الضائعة ..
ستة عشر عاما منسيا
و يكاد قلبي يهوي بأجنحة الشوق المهيضة إلى تراب عابق
بالحب
بالفتنة
بحزن دفين
و عندما قبلت العجلات جبهة الأرض
قبلت صور الأحبة الدافئة قلبي الدامي
و عادت العقارب ترقص بجنون لتعبر أعوام الموت
و ترسل مع الفجر أول شعاع حياة
بحثت عيناي عن وجوه حبيبة ..
عن قلوب غالية تتوق للانهمار بين نبضها
فما صافحني غير القلق مصعرا خده
صرخ الفؤاد مع أول لحظات النهاية : أرسلت إليهم
انتفضت الأنسام تحت سياط النور .. و لا قلب هنا
عادت ساعتي تلتزم الصمت ..
أغربة أخرى ؟
استندت إلى ذاكرتي الواهنة و مضيت ..
كم تغيرت ملامح وطني !!
غدا ثوبا زاهي الملامح
ملطخا بريشة تجميل
يحمل عينين زرقاوتين
و قلبا تغلفه صناديق كاذبة
ضعت
وطني .. أغدوت غربتي الثانية ؟
و بين خصلات المدينة المنشورة حتى الأفق لاحت خصلة شهباء
مضيت بين الجدران الخرساء و البرد يلفني ..
و حين لوّح الباب الخشبي لعيني التائهتين
خمدت اللهفة .. و اشتعل الحزن حارقا عاصفا ..
دنت عيناي تبحثان خلف الأنفاس عن برتقالة قبلتني .. و وعدتني أن تنتظر
لم يبق إلا شاهد من جذع مقطوعة .. يابسة
ضممتها و ضمني الدمع
رنا الدمع يحدق بالباب الموصد
كباب الأمل الباهت الذي خلته فتح يوم قبضت أصابعي على تذكرة الرحلة
تبادلنا النظرات ..
و أدركت أنهم ليسوا هنا ..
و لن يكونوا ..
ربت على خد البرتقالة ..
ها قد غدوا ..
معتقل .. و ثلاثة شهداء .. و .. غريبة
غموض