القات و القات الآخر..
بقلم: بيروك محمد النعمة
من حسن الحظ أن "القات" نبتة.. بمعنى أنها تخرج من تربة اليمن، وإلا قالوا أنها مُستَوْردة مثل حبوب الهلوسة في ليبيا، و من قبلها "الكنتاكي" في مصر..
لكن -ورغم ذلك- فإن النظام اليمني لم يأل جهدا في إعطاء شرحا مقنعا للدور الخارجي في تأثير "القات" على الناس..
ولكن كيف يمكن أن تجعل شخصا يُصدِّق أن هذه النبتة مشوبة بتأثيرات خارجية إذا كان الناس يقتلعونها من جذورها بأنفسهم و بأيديهم من التربة؟!
في الحقيقة لم يجد النظام اليمني صعوبة في التشكيك ب"القات" الذي يُباع مُقتطفا، فخرجتْ بعض الاشاعات تقول بأنه في الواقع ليس سوى "غردق"! وبأن أياد صهيونية تروج لنبتة بني إسرائيل في اليمن السعيد، وأن اليمنيين مع الوقت سيشعرون بالولاء لهذه النبتة، في مخطط صهيوني بعيد المدى.. وهو ما يفسر اتهام الرئيس للكيان الصهيوني.. لكن أحدا لم يقتنع بهذا الطرح، لأن "الغردق" في الحقيقة يكره العرب ولا يمكن أن يستملحوه..
لذلك حاولوا إلصاق تهمة الارهاب بالنبتة، خصوصا وأن أصلها أفغاني(*)، وقد حرمها بن باز. (*) لكن الخطة فشلت بعد أن أباح "القات" الشافعيون والزيديون (*).
لذلك روجتْ السلطة إشاعة أخرى تفيد بأن هذه النبتة ليست في الحقيقة سوى نوع مزور يُصنَّع في الولايات المتحدة! وهو نوع يجعل المرء لا يعرف ماذا يريد.. وهو ما يُفسر -أيضا- قول الرئيس بأن الثورات العربية تُطبخ في البيت الأبيض.. وإن تراجع عن هذا القول فيما بعد، مما جعل البعض يقول أن الرئيس نفسه يأكل "القات"!..
لكن هذا كله يتعلق بما يُباع مُقتطفا، فماذا عن ذلك الذي يقتطفه الناس بأيديهم..
الحقيقة أن السلطات لم تجد صعوبة في التشكيك بذلك أيضا، إذ عرَض التلفزيون اليمنى عالِما بيلوجيا يقول أن النبتة حقيقية، لكن البذرة مزورة، مما يعني أن النبتة أصلا ليست "قاتا"، وإنما نوع من النباتات الضارة، وإن كان آخرُ قد أكد أن المُشكل هو في الماء الذي تُسقى به النبتة..
ومهما يكن من أمر، فإن السلطات استطاعت التشكيك حتى بالقات الذي يخرج من التربة.. ولم تستبعد السلطة -بالمناسبة- التلميح إلى المؤامرة الخارجية حتى فيما يتعلق بما يخرج من الأرض أمام أنظار الناس!!..
لكن الناس استمروا في أكل "القات" رغم كل شيء، مما دفع السلطة إلى التسابق مع المتظاهرين نحو الساحات العمومية لحصد النبتة قبل وصول الجموع الغفيرة إليها.. وقيل أن الإقالات التي طالت عدة ولاة كانت بسبب ورود أنباء عن تناول هؤلاء الولاة "للقات"..
لكن، وفي آخر رد فعل رسمي على تأثير "القات" في الجماهير، قيل أن السلطات اليمنية نفسها قررت أكلها بتعليمات من القصر الجمهوري، وقال شهود عيان أنهم رأوا نبتة القات في حديقة القصر، فلأن الجماهير أكلتها، فقد قرروا أكلها، لا أقصد أنهم أكلوا الجماهير بل "القات"، وذلك من أجل إحداث نوع من توازن الرعب.. فقد اتهمت النبتة أنها وراء صبر الناس على عنف السلطة، لذلك قررت هذه الأخيرة أكلها أيضا من أجل الصبر على ضربات الجماهير، فربما يُفيد ذلك في تحمل الوضع حتى نهاية ولاية الرئيس، من أجل أن يخرج بماء قاته.. أقصد وجهه.
والحقيقة أننا في كل أنحاء الوطن العربي لن نكون في مأمن من القات، ففي آخر ما صدر عن الثوار هو نيتهم -بعد الإطاحة بالرئيس- تصدير الثورة على شكل أكياس من "القات" تشبه تلك التي تُقدم في المناسبات السعيدة.
وكل قات وأنتم بخير.
(*) وكيبيديا: الموسوعة الحرة