|
يا نفسُ هل مِنْ عودةٍ ومآبِ |
من قبل طيِّ صحيفتي و كتابي |
مالي أراكِ بظلمةٍ ومتاهةٍ |
تستعذبينَ مَشَقَّتِي وعذابي |
زَحَفَتْ جيوشُ الشَّيْبِ زَحْفاً فَاْعتَلَتْ |
عَرْشَ الفؤادِ تَدُكُّ صَرْحَ شبابي |
و الأربعونَ تُذيعُ سِرّاً ، لمْ أَكُنْ |
مِنْ قَبْلِها أدخلته بحسابي |
هذا الشبابُ الغضُّ راحَ زَمَانُهُ |
وَ الدَّهْرُ كشَّر غاضباً عن نابِ |
واْنقَضَّتْ الدُّنيا على طُلاّبِها |
بزخارفٍ براقةٍ و ثيابِ |
فسقتهمو لما تـَنـَاسَوْا غَدرَها |
كأساً من الآلامِ و الأوصابِ |
كم أنْشَبَتْ أظـفارَها بِلحومِهِمْ |
فاستسلموا كفريسةٍ لعُقابِ |
وَلَكم هَوَتْ بالمُولَعينَ بسحرها |
من سامقاتٍ في السما لترابِ |
ولكم تمنَّاهَا أخو الدنيا ، فَلَمْ |
يظفرْ طوالَ حياتِهِ بِطِلابِ |
أعيتهُ ركضاً خلفها ورَمَت بِهِ |
ظَمِئاً ، كمن أعيتهُ خلف سرابِ |
لا تدهشي يا نفسُ لا تتعجبي |
لا تنظري ليْ نظرةَ اْستغرابِ |
هذي هي الدنيا ، ألم تـتـعلمي ؟ |
أم أنتِ ممنْ سفَّهوا أسبابي ؟ |
فتشدَّقوا بالقولِ أنِّي يائسٌ |
أبصرتُها من أضيقِ الأثقابِ |
وبأنني لما زهدتُ أطايبي |
أوصدتُ في وجه الدُّنا أبوابي |
وحبستُ نفسي في قيودِ تَغَرُّبي |
و زجرتُها أن بَادَرَتْ بعتابي |
كَلا َّ، فلستُ من الذين توهموا |
زوراً ، و لكن من أولي الألبابِ |
والمرءُ إنْ أعطاهُ ربي حكمةً |
كانت كبدرٍ ساطعٍ خلاّبِ |
يسبي العقولَ بهاؤهُ ، فيزينُها |
كالوشيِ يُبدي زينةَ الأثوابِ |
هذي هيَ الدنيا كما أبصرتُها |
مرَّت أمام العين مرَّ سحابِ |
حدَّقْتُ فيها ناظريَّ ، فلم أجد |
إلا ذئاباً أَوْقَعَتْ بذئابِ |
و الكلُّ فيها شاخِصٌ مُتَرَبِصٌ |
بقواطعٍ مسلولةٍ و حِرابِ |
و رأيتُ خلقاً يلهثون وراءها |
فأنَخْتُ في وسَطِ الطريقِ رِكابي |
وعلمتُ أنَّ العمرَ فيها لحظةٌ |
قد تنقضي في جيْئَةٍ و ذَهابِ |
و الموتُ آتٍ لا يُفَرِّقُ سيفُهُ |
بين الصبيِّ و ذلك المُتَصابي |
فأخذتُ حِذري بالرجوع إلى الذي |
خَلَقَ الدُّنا، أرجو قبولَ متابي |
فَوَجَدْتُهُ ربّاً غفوراً راحِماً |
أنعم بِهِ من غافِرٍ توّابِ |
أنَّبتُ نفسي ، لُمتُها ، وبَّختُها |
أن لم يكن من قبل ذاكَ إيابي |