مرثيّة الوَطَنْ
النزوح إلى الوطن
في يومٍ من الأيام كان لنا وطن... ومياهٌ وهواءٌ وسماءٌ...وماءٌ معينٍ... صار غوراً بعد أن ضاع الوطن...وكان الشوقٌ يعلونا كما الرايات...وكان السُهد بيارات... وأشعارٌ ترجٌ الليل والرنات... وصبحٌ يهوى ألحاني رباعيات ... وكان الحَبٌ والغلات ... وعمٌ حادَي العمّات ... وكان الخال والخالات ... وجداتٌ فدائيات ... يحيطُ الكلُ بالفدّان ... كذا ترنيمةُ البيدر ...وكان الجارُ والجارات ...وطفلٌ يذرعُ الحارات ... وكان الزرعُ والغرسات ... ونبعُ الماءِ والظهرات ...وتلٌّ يرسلُ الراعي مع الربوات ...هنا شيحٌ وطيونٌ ... هناك الغار والزعتر ...
وكان البحرُ في وطني فدائياً ... يسبحُ الرحمن ... يقبلُ الشطآن ... يداعبُ الصخر... وكان البحر في وطني جهادياً ... يحطمُ المراكبَ والغزاة ... يصيحُ في معارج الأفق. (لا اله إلا الله) ... مدويةً ... مجلجلة ... ترجّ أعماقَ البشر ... تهزّ سيقان الشجرْ... في بيت المقدس حلَّ (عمر) ...فرعى عهداً ... وبنى مجداً وعلى أثر جال أبو ذر... يا قدسُ ... يا معشوقة الخلفاء ...والأمراء ... و الشهداء ... يا ريحانةَ الأحرار ... يا قلادة الزمن ... يا ذكرى السامر والسمّار ... وهُدى الأيام ومجد الدار ... وقوافل تسري في الأغوار ... ومساجد ربي في الأسحار ... وناقوسٌ يدق الليل ... فتعلو صرخة الأحرار ( يا ثوار) ...
في يوم من الأيام كان لنا وطن ... وخيول وعيون ... وطواحين ... وفصول ... ووصول وسفر ... وروابي سندسية ... ونجوم وقمر ... ودعاء ورجاء بين صحو ومطر ...
*****
وكان الليل والسمّار ... ونجمٌ يرقب الأقمار ... وكلبٌ ينبح الزوّار ... وصبحٌ يرسل الأطيار ... وبدر الليل يصحبني فأمضي أنشد الأشعار ... وكان الزيت والزيتون ... وكرم اللوز في قاقون ... وحقلٌ يرسم الحنون ... وتنغيمٌ مع الحسون ... وساري الليل والحجّار ... وكان البيت عزتنا ... وكانت دارنا مشوار ... وصحن الدار مرتعنا ومرقدنا ...وفيه تسطع الأقمار ... ونذكر كيف كان الطلّ يغسلنا مع الفجر ... وكيف الشمس في آذار ... وكيف السِّدرة الكبرى تظللّنا من الحرِّ ...
فنعدوا في شواطئنا من البحر الى البر ... ونشتاق لوعرتنا ... وللخروب والمنطار. ويهفوا القلب للوادي ... أيا مصين ما الأخبار؟!...
هوى حيف يؤرقني ويسأل : أين أهل الدار؟! ... يسألني عن الجيران والخلّان والثوار ... يسأل عن نشيد الحرب ... عن شهدائنا الأبرار ...
*****
وداهم الغزو بلادي ... وخبت نيران قومي ... فصار القوم في نزوح ... لا الدار داري ... ولا الخلّان خلّاني ... ولكن ما حيلة الرامي إذا انقطع الوتر ؟!
وكان الريح في وطني ... هبوبياً ... شمالياً ... أرق من دمع الغمام ... في هبوب وسكون وشجون ... وأطياف الكرى تتهادى ... والقلب يشدو ما الخبر ؟!... ونعود نحدّق في تيه ... ونلملم كل مآسينا ... وننزح صوب المنسيين ...
*****
يا حيفا يا جرحي الدامل ... يا عكا يا راية مجد خفاقة ... يا قلعة عزّ في قلبي ...
سنعيد إليك الجزار ونحرق كل ثياب العار ... يا جوهرة ... يا لؤلؤة في قلب محار... الليل بهيم ... والفصل خريف ... وشراع الأمس حرقناه في يوم القدس ... ويزورك شيخ الثوار في قمر بدريٍّ دوار ...
مراكب أيلول وتشرين ليست من أرض فلسطين ... مراكب أيلول وتشرين ... مهربة مزيفة ... كرايات التحرير العربية ...
في يوم من الأيام كان لنا وطن ... وسيوف ورماح ... وخطوب ومحن ... وليل مقمرات وحمّام الدوح طن ...
الجيل الآتي فوق النار ... من بيروت الى الأغوار ... لن يترك ثغراً مكشوفاً ... أو صوت نشاز في وطني ... ما ازداد الناس به إلا رهقاً ... يا صوتاً ربانياً يصرخ في قعر الوديان ... وألوية الرحمن تهادى والخطب وطن ...
رباه سوف تبقى في حنايانا رجاء ... وشفاءٌ ... وانتظار ... ورضاء ...
ويبقى القلب في كبدٍ ... وفي شوقٍ ... ونزوح للوطن ...