|
سِفْرُ أبي الفداء |
تثورُ بضِفّةِ العاصي حَماةُ |
يُمزقني على ملأٍ تملَّوا |
بشاشتِهم يُدغدغُهم سُباتُ |
أرى الأقطارَ ترمقُني بصمتٍ |
وإشفاقٍ وترقبُني النُّعاةُ |
كأن منيّتي حتمٌ بسيفٍ |
على سَغَبٍ يغذّيهِ البُّغاةُ |
نواعيرُ الردى ما انفكَّ تسقي |
نجيعَ دمٍ وما يروي السُّقاةُ |
على الأشلاءِ قد رقصوا سُكارى |
كذلك يثملُ الدُّونُ الطُّغاةُ |
وفي جرحي القديمِ جرتْ مُداهمْ |
تُفتِّحُ ما تضمّنه الرفاتُ |
هنا للموتِ نكهتُه قديماً |
ولذعتُه إذا انتحبَ البُكاةُ |
فما جفّتْ على جُدُري دماءٌ |
لآباءٍ تَراشقَها الجُناةُ |
يغصُّ مَدايَ بالشهداءِ حتى |
تحيّرَني بقبلتِها الصلاةُ |
فمِن كلِّ الجهاتِ أرى صبياً |
على رجُلٍ تُزاحمُه فتاةُ |
هنا قُتلوا هنا ذُبِحوا هنا في |
زنازينِ الطُّغى والجِبتِ ماتوا |
يُطلُّ الموتُ من جهةٍ لأخرى |
كدائرةٍ توحّدُها الجهاتُ |
وعادوا كي يُعيدوا دَورَ ماضٍ |
تناقلَه مواريثَ الولاةُ |
فأين همُ بنو أيوبَ عني |
وقد لاثتْ بمُلكِهمُ الزناةُ |
وأين أبو الفداءِ يخُطُّ سِفْراً |
حديثَ العهدِ يرويهِ الثقاتُ |
تحاصرُني الضِّباعُ غَداةَ صحوي |
ويمنعُني قذى نومٍ ثَباتُ |
أُدافعُ مِخرزَ العادي بكفٍّ |
ويخشى عاريَ الكفِّ العُداةُ |
يُغالبُني مُراغَمَةً وأنفي |
أشَمٌّ من كرامتِه قناةُ |
وأصفعُ جُبنَهم إن هم توارَوا |
ويُسفرُ عن وجوههمُ الكُماةُ |
ويحبوني من الإفلاسِ وعداً |
وما تُغني وتخدعُني العِداتُ |
يراني قِطّةً جزّارُ لحمي |
يُصبِّرُها بحضرتِه فُتاتُ |
تمسَّحَ بالبراءةِ ظُفرُ ذئبٍ |
وليس يقرُّ للذئبِ الرعاةُ |
فما عرف الكرامةَ مَن سَباها |
ولا السجانُ أعجبَه انفلاتُ |
وكم تحلو الشهادةُ في سبيلٍ |
ويملُحُ في فمِ الصادي فُراتُ |
فلولا يستحي وبنيَّ قَسراً |
يغصُّ بهم على سعَةٍ شتاتُ |
عوائلُ بالأسى تمشي رزايا |
وكم داستْ على لغَمٍ حُفاةُ |
تلوذُ بحدِّ جارٍ من قريبٍ |
وتطردُها القواذفُ والمُشاةُ |
فهل في الأرضِ جيشٌ حَزَّ شعباً |
له ورَمَتْ بَنِيهِ الطائراتُ |
يُشوّهُ صورتي خبرٌ دسيسٌ |
وكم يغتالُ ثورتَنا افتئاتُ |
وتأكلُ جَوقةٌ لحمي بِزورٍ |
وكم يُردي فوارسَنا الرواةُ |
أولئك مَن شَرَوا وطناً ببخسٍ |
فما وَجبتْ على البيعِ الزكاةُ |
وتطعنُني دمشقُ بسيفِ صمتٍ |
ومن حلبٍ يُؤرقُني بَياتُ |
تُناصرُ ثورتي مُدنٌ تناءتْ |
وتخذلُني فوا أسفي لِداتُ |
ولو تدري إذا أُكِلتْ بيومٍ |
فيومَ الصمتِ إذْ أُكِلتْ حَماةُ |
فمِن قدَرٍ إلى قدَرٍ مُشينٍ |
تفِرُّ دمشقُ، أين لها النجاةُ |
أنا علَمٌ وفوق الرأسِ نارٌ |
تشِبُّ لظىً ليأتمَّ الهُداةُ |
ثلاثينيةُ الذكرى انبعاثٌ |
ومِن رحِمِ الردى تسخو الحياةُ |
وأحرقتُ السفينَ فلا رجوعٌ |
وقبّحتِ التراجعَ ذكرياتُ |
تُلفّعُ حمرةُ الآفاقِ شمسي |
مخاضاً تقتضيهِ مقدماتُ |
ولا أطوي على نزفي ضماداً |
فمنهُ تخصبُ الأرضُ المَواتُ |
هو الفجرُ الذي يحدوه ليلي |
فسَلْ عينيك هل كذبَ الحُداةُ |
أُغيِّرُ وجهَ أسفاري وأمحو |
رؤى أمسٍ لتكتبَها غَداةُ. |