بسم الله الرحمن الرحيم
أبي الفتح البستي
رغبت أن تكون هذه المشاركة بشاعر الحكمة
الذي همت بشعره كما هام المجنون بليلاه
وهو : أبوالفتح علي بن محمد الكاتب البستي الشاعر المشهور؛
صاحب الطريقة الأنيقة في التجنيس الأنيس البديع التأسيس، فمن ألفاظه البديعة قوله:
من أصلح فاسده، أرغم حاسده.
من أطاع غضبه، أضاع أدبه.
عادات السادات، سادات العادات.
من سعادة جدك، وقوفك عند حدك
. الرشوة رشاء الحاجات.
أجهل الناس من كان للإخوان مذلا، وعلى السلطان مدلا.
الفهم شعاع العقل.
المنية تضحك من الأمنية.
حد العفاف، الرضا بالكفاف. ما لخرق الرقيع ترقيع.
ومن نادر شعره قوله:
إن هز أقلامه يوماً ليعملها ** أنساك كل كميٍ هزعامله
وإن أقـــر على رق أناملـه ** أقر بالــــرق كتاب الأنام له
وله:
وقد يلبس المرء حر الثياب ** ومن دونها حالة مضنـيه
كمن يكتسي خــده حمـرةً ** وعلتــها ورم فـي الـريه
وله:
إذا تحدثت في قوم لتؤنسـهـم ** بماتحدث من ماض ومن آت
فلا تــَعُد لحديــــــث إن طبعـهـم ** موكل بمعــــاداة الـمـعـادات
وله:
تحمل أخاك على ما به ** فما في استقامته مطمع
وأنــــى له خلـق واحـد ** وفيـــه طبـــــائعـه الأربـع
وللبستي حين تغير عليه السلطان، وهومعنى بديع:
قل للأمـير أدام ربـي عـزه ** وأناله من فضله مـكـنـونـه
إني جنيت ولم يزل أهل النهـى ** يهبون للخدام مـا يجـنـونـه
ولقد جمعت من العيون فنونهـا ** فاجمع من العفو الكريم فنونـه
من كان يرجو عفو من هو فوقه ** عن ذنبه فليعف عمـن دونـه
وله أيضاً:
إذا أحسست في لفظي فتوراً ** وحفظ والبلاغة والـبـيان
فلا ترتب بفهمي إن رقصي ** على مقدار إيقاع الزمـان
هكذا قاله في " زهر الآداب "، والله أعلم.
وشعره كثير في التجنيس وغيره.
وتوفي سنة أربعمائة، وقيل سنة إحدى وأربعمائة ببخارى،والله أعلم، رحمه الله تعالى.
وفي أول ديوانه أنه أبو الفتح علي بن محمد بن الحسن بن محمد بن عبد العزيز الكاتب الشاعر، والله أعلم".
وقال في ترجمته الخطابي :
"والبستي-بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وبعدها تاء مثناة من فوقها-
هذه النسبة إلى بست، وهي مدينة من بلاد كابل بين هراة وغزنة كثيرة الأشجار والأنهار".
زيادة المرء في دنيــاه نقصــان & وربحه غير محض الخير خسران
وكل وجدان حــظ لا ثبـــات لــه & فإن معناه في التحقيــق فقدان
يا عامراً لخراب الدهر مجتــهداً & تالله هل لخراب الدهـــر عمران؟
وياحريصاًعلى الأموال تجمعها & أنسيـــت أن سرور المال أحزان
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته & أتطلب الربــــــح فيما فيه خسران
أقبل على النفس واستعمل فضائلها & فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
دع الفؤاد عن الدنيـــا وزخرفها & فصفوها كـــدر والوصل هجران
وأوع سمعـــــك أمثالاً افصـلها & كمـــا يفصـــل ياقوت ومرجــان
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم & فطالمــــااستعبد الإنسان إحسان
وإن أساء مسيء فليكن لك في & عروض زلتـــــه صفح وغفران
وكن على الدهر معواناً لذي أملٍ & يرجو نداك فإن الحر معـــوان
واشدديديك بحبل الله معتصماً & فإنه الركن إن خانتـــــك أركان
من يتقي الله يحمد في عواقبه & ويكفه شر من عزوا ومن هانوا
من استعان بغير الله في طلب & فإن ناصـــره عجـــز وخـــــذلان
من كان للخيــر مناعاً فليس له & على الحقيــــقة إخوان وأخدان
من جاد بالمال مال الناس قاطبة & إليــه والمال للإنسان فتـــان
من سالم الناس يسلم من غوائلهم & وعاش وهـــــــو قرير العين جذلان
من مد طرفاً لفرط الجهل نحو هوى & أغضى على الحق يوماً وهو حزنان
من عاشر الناس لاقى منهم نصباً & لأن أخلاقـــــهم بغي وعدوان
من كان للعقل سلطان عليه غداً & وما على نفسه للحرص سلطان
ومن يفتش على الإخوان يقلهم & فجــــل إخوان هذا العصر خوان
ولا يغرنــــك حظ جـــــــره خرق & فالخرق هدم ورفــق المرء بنيان
فالروض يــــزدان بالأنوار فاغمة & والحر بالعدل والإحســـان يزدان
صن حر وجهك لا تهتــــك غلالته & فكل حــــر لحر الوجــــــه صوان
وإن لقيـــــــت عدواً فالقـــه أبداً & والوجه بالبشر والإشراق غضان
من استشار صروف الدهر قام له & على حقيـقة طبع الدهر برهان
من يزرع الشر يحصد في عواقبه & ندامة ولحــصد الزرع إبـــــــــان
من استنام إلى الأشرار قام وفي & قميصــــه منـــــهم صل وثعبان
كن ريق البـــــشر إن المرء همته & صحيــــفة وعليها البشر عنوان
ورافق الرفـــــــق في كل الأمور فلم & ينــدم رفيق ولم يذممه إنسان
أحسن إذا كـــــان إمكان ومقدرة & فلن يـــدوم على الإنســـان إمكان
دع التكاسل في الخيرات تطلبها & فليس يسعـــد بالخيرات كســــلان
لا ظل للمرء أحرى من تقى ونهى & وإن أظلتـــــــــه أوراق وأغصـــان
الناس إخــــوان من والتـــه دولته &وهـــم عليـــه إذا عادتـــــه أعوان
سحبان من غير مال باقل حصـــر & وباقــل في ثرآء المال سحبـــــان
لا تحسب الناس طبعاً واحداً فلهم & غرائز لســـت تحصيـــهاوأكنــــان
ما كــــل مـــاء كصــــدآء لـــوارده & نعـــم ولا كل نبــــت فهو سعدان
وللأمـــــورمواقيـــــت مقـــــدرة & وكـــــل أمـــر لــه حـــد وميـــزان
فلا تكن عجــــلاً في الأمر تطلبه & فليس يحمـــــد قبل النضج بحران
حسب الفتى عقله خلا يعاشــره & إذا تحــــامـــــــاه إخوان وخــــلان
هما رضيـــعا لبـــان حكمة وتقى & وساكنــــاً وطـــن مـــــال وطغيان
إذا نبـــــــــــا بكريــم موطن فله & وراءه في بسيـــط الأرض أوطـــان
يا ظالماً فرحـــاً بالعــــــز ساعده & إن كنت في سنـــة فالدهر يقظان
يا أيها العــالم المرضي سيــــرته & أبشــــر فأنــــت بغيــر المـــاء ريان
ويا أخا الجهل لو أصبحت في لججٍ & فأنت ما بينها لاشـــك ظمـــــــــآن
لا تحسبـــــن سروراً دائـــــماً أبداً & من ســره زمن ســــــاءته أزمــان
إذا جفـــــــاك خليــــل كنت تألفه & فاطلــــب سواه فكل الناس إخوان
وإن نبــــت بك أوطــان نشأت بها & فارحــــل فكــــل بــــلاد الله أوطان
خذها سوائـــر أمثـــــــال مهذبة & فيـــــها لمن يبتغي التبيـــــان تبيان
ما ضر حسانها والطبــــع صائغها & إن لم يصـــغها قريــــع الشعرحسان
مراجع
ـ أبو الفتح البستي، الديوان،
تحقيق درية الخطيب ولطفي الصقال (مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق1410هـ/1989م).
ـ ابن الأثير؛ الكامل في التاريخ (دار صادر، بيروت 1965م).