اعترافاتُ كاتبٍ

أعترف أنّني كنت مشروع كاتب مفلس في طفولتي.. أعترف أنّني كنت أقصد جحور الثعالب بعيدا عن قريتي، فألبث هناك يوما كاملا، أكتب ما جال بخاطري من أفكار، و أسجّل ما بلغني من أخبار.. هناك كنت وحيدا، وكنت أكتب باستمرار، على كراسة من اثنين و ثلاثين صفحة و بأقلام قليلة الأحبار كنت أكتب، وعندما أنهي الكتابة أجعل كراستي في يديّ و أستعدّ لمغادرة المكان، فانزل من فوق الصخور و الأحجار لأنّ شيطان الأطفال يغريني بمطاردة الثعالب، فتجدني ما لبثت إلاّ وقد مزّقت كراستي، وهدمت بنايتي لشعوري بأنّها دليل جرمي الذّي أرتكبه بعيدا عن أعين النّاس.. كانت الكتابة بالنسبة لي عبارة عن جرم كبير، و عملا غير مرحب به. في البادية لم أكن أسمع عن كاتب أو شاعر نِحرير، اللّهم الشيخ الإبراهيمي محمد البشير، الذي مرّ يوما بقرية غير بعيدة عن مقرّ سكني، كنت أتطلّع ليوم مثير، أصبح فيه أديبا أو شاعرا.. كان أبسط الثعالب يهزأ بي، قائلا: ليتك لحقت أفكارك التّي نثرتها، و أوراقك التي مزّقتها !، كان يتحدّاني و ينظر إليّ نظرة إشفاق.. كنت كلّما جريت وراءه، هرب، ثم يتوقّف قليلا ليحدّق فيّ، وكأنّه يقول لي: ما زلت صغيرا لتمكر بالثعالب، عليك بتعلّم درسنا الأكبر، لتكون الكاتب الأمهر و الأقدر:
"قبل أن تستعدّ للعدو أنظر وراءك أوّلا، ثمّ انظر أمامك، وبين النّظرتين اقصد في مشيك، وقدّر في السّرد".
قلم: أحمد بلقمري