أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: الجزار ، الجزء الأخير // أبو مصعب

  1. #1
    الصورة الرمزية عبد الحميد محمد العمري شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : المغرب الأقصى (مراكش)
    العمر : 33
    المشاركات : 82
    المواضيع : 27
    الردود : 82
    المعدل اليومي : 0.01

    Post الجزار ، الجزء الأخير // أبو مصعب

    قال الراوي: ومضى الأسبوع كله، متثاقلة أيامه، وانتظرت المجلس بفارغ الصبر، ثم جاء موعد المجلس، وجلس أبو ياسر مجلسه، فقلت له: قد شوقتنا لمعرفة تمام خبر الجزار، وقد أطلت علينا حتى خشينا أن تفارقنا ولما تنه الحديث عنه، فقال:وأي شيء تريدون منه، فإن أمره كله عجب؟

    فذكرته بسؤالي، فما كان منه إلا أن ابتسم كعادته، ثم أقبل إلينا يقول: إنه لما حيل بينه وبين الذين كان يتلذذ بتعذيبهم، عاش خواء روحيا، وإذا فرغ الشيطان من غواية طلب له مكانا يعمل فيه، فإنه قد وعد الله أن يضل عباده عن سواء السبيل إلى يوم القيامة، وإن النار لتأكل بعضها إذا لم تجد ما تأكله. فكان عليه أن يجد له عملا يبقيه شيطانا، فإنه متى بقي بلا عمل حنث في حلفه أمام ربه، وأهل الضلال أقدر الناس على التمسك بوعودهم. و إنهم ليبذلون في سبيل ذلك مهجهم. وإلا فحدثني كيف استطاع أن إبليس أن يغري البشرية منذ عهد آدم إلى يومنا هذا، دون كلل أو ملل، على كثرة ما تلقى من طعن بكل الوسائل على طول الدهر. هذا أغرب مثال للثبات على وعد قطعه ضال مضل، وهذا عن التلميذ، أما وعود الأستاذ فهي أكثر صرامة وأمضى عزما.

    التفت الجزار حواليه، فلم ير غير شيعته محيطين به قد شغلهم نصره عن النظر في حقيقته، وصرفهم أمره عن التفكير في معنى أن يخلو الشيطان بقرينه إذا انتهى من إلحاق الأذى بالناس. ففكر ثم قدر، ثم عبس ثم بسر، وأقبل ثم أدبر ، فلم يجد إلا أن ينقلب على شيعته ليوسعهم ظلما، كما وسع أخاه من قبل. فإنهم ملاذه الوحيد، ولعله يطول صراعه معهم، فمتى انتهى فقد أزفت القيامة. وفكر في عواقب الأمر، ثم اندفع يقول: أمثلي يروع بالنائبات؟ أمثلي يخشى العذاب، وقد عصيت ربي سرا وجهرا، وأغريت إبليس من قبل؟ كلا، ما كان هذا يوما ليكون اليوم. وكأني بالشيطان يقول له – وقد توصل إلى ذلك الحل القاتل المدمر- : اتق الله يا سيدي، فإنك قد بلغت من المعصية والغواية حدا لا يبلغه شيطان مهما حاول. فما كان منه إلا أن انتفخ كبرا وعجبا وتولى عنه وهو يقول: قد انقضى الدرس، كيف ترى ابن أنسك؟ فيرد عليه إبليس: إني بريء منك، إني أخاف الله رب العالمين. فينتفض الجزار ويصيح في غضب: اذهب حيث شئت، أما أنا فلا أخافه.

    وانثنى إلى أهله وشيعته ليعمل فيهم أسلحته، ليري إبليس أنه أقوى مما يتصور، ويري الله – عز شأنه – أنه لا يخافه. فكان من أمره أن ضايقهم وضيق عليهم عيشهم، وسود الدنيا في وجوههم حتى صار باطن الأرض أحب إليهم من ظاهره، ولم يتذكر أمه ولا حرمة الأمومة، ولا أباه ولا حقه عليه، ولا أخواته ولا واجبه تجاههن. تجاهل ذلك كله ثم بلغ به الأمر أن قال لهن ذات مرة: (لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ)، وتفوق على ابن أُبَي أيضا فقد قالها ابن سلول وطبقها الجزار، أخرجهن من بيته وقرر أن يدعهن عرضة لنوائب الدهر. ثم طالبنه بحقهن في إرث أبيهن، فأنكر أن لهن عليه حقا.وأعطى أمه أجزاء من بيته ورمى إلى ذلك الركن متاعهن ثم قال لهن: إن حقكن من الدنيا أني تركتكن في الحياة، فلا تطلبن مني واحدة منكن شيئا إلا أن أمسح اسمها من قائمة الأحياء، فإن آلة الجزارة كفيلة بذلك، وليس الأمر متعبا لأني ألفت الذبح من قبل. ثم صرخن في وجهه: إن الله قد شرع لنا من الإرث حقا، فهل أنت مانع ما أعطانا الله؟ فكشر عن أنيابه وسقط قناعه الذي تزيى به سنوات كثيرة. وعبس ثم بسر وأرعد وأبرق، ثم قال : إن عرف قبيلتنا يقضي أن لا إرث للمرأة، فلست مخالفا العرف يوما. ولو كان شرع الله أو شرع غيره. ثم انتفخ وتولى عنهن يتقلع ولا يلتفت، فقد جهل وكفر وجحد وأنكر شرع الله، فلو زاد على ما قال شيئا لقال: ( مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ) .

    مضى قليلا، ثم وقف غير بعيد ونادى بعض أشياعه من شياطين الإنس، وجاء بهم ليشهدوا على أن المرأة لا إرث لها في شريعتهم، وكأنما هناك في قلوبهم ثلاثة أديان : الإسلام في المسجد، والكفر – وهو دين الشيطان- في مجالسهم وأهوائهم، ثم دين الجزار في كل نازلة يريدون أن يظفروا منها بشيء لا يحله الإسلام ولا دين الشيطان. أو أو

    قال الراوي: وكان في نفسي أن ما أتاه الجزار منكر وجب أن يردعه العلماء عن ذاك، ووجب أن يذكروه بشرع الله إن يكن نسي أو تناسى، فههمت بسؤاله فسبقني إلى ذلك رجل شيخ قد أخذ منه الدهر شبابه، وأعطاه بدله وضاءة على كبر سنه وفصاحة وبيانا، وثباتا وروية، وقال -كأنما يتحدث بلساني- : إذا كان قد بلغ الأمر بالجزار هذا المبلغ، فوجب أن يذكر بحكم الله وشرعه، وإنه ليس من حقك أن تصفه بأنه أضل من الشيطان سبيلا.

    قال أبو ياسر: صدقت،فإنه ليس لي حق أن أتهم أحدا بغير بينة، وإن في تمام الخبر ما يغني عن ذاك السؤال، ولكنكم قوم تستعجلون.

    إنه لما طغى وحكم دينه وشرع قبيلته وغلبهما على دين الله، جاءه خاله حاملا في قلبه كتاب الله، وفي نفسه أمل الهداية ، وفي جسمه أثر أربعين سنة من الإصلاح بين الناس وإعطاء كل ذي حق حقه بالحكمة والموعظة الحسنة؛ أنهكته السنون، وبقيت منه هيبة ألبستها إياه التجارب، وحزم ليس يلين أمام كل رادع يثنيه عن قولة الحق. فقال له في ذلك، وأن دين الله أرفع من عرف القبيلة، وأقوى من طمع البخلاء. ثم أنذر فأعذر، وبشر وبصر، عل الجزار يستحيي من خاله إن لم يستحي من الله، فإن لخاله عليه أيادي بيضاء ليس ينساها ولا يستطيع أن ينكرها. لكنه نظر إليه ثم احمرت عيناه، وانتفخت أوداجه، ومد بصره إلى السماء ثم أرسلها مدوية غير راع حرمة ولا هيبة ولا مكانة لمخاطبه: (أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ) فما كان من خاله إلا قال لمن حوله: هذا رجل من جهنم، فاصبروا عنه فإنه ملاق حسابه. وانصرف عنه ساخطا يحث خطاه لا يلفحه شيء من عذاب الله ينزل بهذا الشيطان.

    ثم جاءته أمه تذكره بفضلها وحقها، وعذابها في حمله ورضاعته، وتعبها في سبيل أن يكون رجلا، ووعيد الله لمن عصى والديه، وفرط في حقهما، وأنذرته أن يخرج من الدنيا ملعونا مطرودا من رحمة الله، فلم تجد منه أذنا واعية، ولا قلبا يذكر غير بطنه وحاجته. ونظر إليها وإلى أخيها، ثم إلى نفسه فقال: (أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي)؟ ، فقال له أحد من حضر : يا هذا: (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً)؟ ، لا يغرنك أنك ذو مال وبنين، وأنك في صحة وعافية، فإن الله تعالى يمهل الظالم ولا يهمله. فما تقول لربك يوم القيامة؟ فنظر إليه نظرة لو حولها إلى جدار لانقض من هول غضبه، ثم ابتسم في خبث وقال: (مَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً)، فعلمت أمه أن لا خير فيه، وعرفت أنه جمع شر الدنيا بين ثوبيه، و حجج الأمم الكافرة منذ عهد آدم إلى اليوم فاحتج بها جميعا. فبكت شفقة عليه إذ رأت منزله من النار،وما بعد العقوق إلا الشرك وقد فعل، فأشرك بشرع الله عرف قبيلته الأرعن. وانتحبت حتى أبكت من حولها، وهو ثابت لا يتزلزل ولا يتململ، فلو كانت دموع الأم نازلة على صخرة لفلقتها، أو على جبل لهدته، ولكنها تحدث قلبا أقسى من الصخر، وأجلد على الشر من الجبل، فما تنفع الذكرى، ولا التذكير بأيام الله. ثم استمر نحيبها وهي تقول : غفر الله لك، اتق الله فينا. فنظر إليها نظرة سكران، فبدت له أمه بقرة سمينة تصلح للذبح،قد جرها من قرنيها إليه صاحب له ، فمد يده إليها مشيرا مهددا، وبادر إليه إبليس فأغلق فمه، لئلا يقول، فأزاحها عنه بقوة لم ير منها من حوله إلا أنه نزع من فمه آخر ما تبقى من حياء وعقل وروية، وصاح بها قائلا: لئن لم تنتهي، لأذبحنك فأنتهي من أمرك. فعلم من في المجلس أنه قد نزع عنه لباس العقل، وثوب الإيمان، فكأنما جلسوا إلى كافر يريدون أن يسقوه من ماء الجنة شيئا، والله حرمه على الكافرين.فانصرفوا عنه وأعينهم تفيض من الدمع.

    فارتج المجلس بالبكاء وصرخ شاب في مقتبل العمر: ذاك أضل من الشيطان، فإني لا أظنه يبلغ من ضلاله مثل هذا إلا أن يكون اقتبسه من الجزار.

    فسكت أبو ياسر حتى هدأ الناس، وقال: قد كان منه هذا كله، ثم خلا بصاحبه فقال إبليس: قد بالغت يا أستاذ، وإني لأغوي العبد وأكذب عليه لأصرفه عن المسجد وعن الصلاة، فأعترض سبيله فيعثر، فيلطخ الوحل ثوبه، وينصرف فيأتي بثوب آخر، فأفعل به الثانية ، فإذا رأيت منه صدودا وتقوى أرشدته إلى مبتغاه، حتى لا يهلكني بقوته فيغفر الله لمن حوله. فاتق الله في أمك، فإنها كانت لك وعاء وحضنا وبيتا ومأوى، فإن رأيت فاستغفر الله إليها وصلها وأنزلها منزلا مباركا.

    فقال الجزار: ما أراك إلا ضعفت عن عهدك، وما أرى بك إلا شيئا من الرحمة نزلت بقلبك وما كنت تعرفها، وما يحق لك أن تنصحني بهذا، فإني لم أفعل بعد ما يوجب علي أن أسكت، وإني متى انصرفت عن هؤلاء لم أجد من أصرفه عن هدى الله، ولا من أضلله، إلا أن أخرج إلى الشارع فأخاصم الناس، وأشاتمهم، فأكون بينهم كالكلب يسبني من مر بي، ويضربني وينصرف.

    قال إبليس: أستغفر الله، ولكنها أمك. لكأني بك شر الثلاثة الذين تراهنوا على أيهم أقل حياء وأكثر عقوقا وفجورا.

    قال الجزار: ويحك، قد راعني قولك. أفي العالمين من بلغ به العقوق أكثر مما بلغت؟ ثم أقصر عنه؟ فأخبرني :كيف كان ذلك؟

    قال إبليس: قد كنت يوما مهموما، لأني لم أجد لي عملا، فتوجهت إلى متنزه علني أظفر فيه بضالتي، فأجد عاشقين فأهلكهما بالمعصية،أو زوجين فأوغر صدر أحدهما على الآخر، أو أخوين فأفرق بينهما، أو متبرجة فأوجه إليها عيون الرجال، فإنه قيل: العمش خير من العمى، وشيء قليل خير من لا شيء. فجلست على كرسي في ناحية، ثم أقبل ثلاثة شباب، لم يترك لي تخنثهم ولا فسوقهم الظاهر وانحرافهم البين موطئَ قدم فجلسوا إلي ومضوا في الغي والضلال وذكر كل خبيث من الرذائل، حتى أنكرت عليهم بعض ذلك. فلاموني وأقبلوا على حديثهم غير مبالين. ثم مرت سيدة عجوز تتوكأ على عصا قد ذهب الدهر بشبابها ويكاد الموت يذهب بشيبها، فأشار إليها أحدهم قائلا: ما ينبغي أن تمر هذه سالمة من بطشنا، فما نفعل بها؟ فتضاحكوا ثم قال أحدهم: نأخذها معنا حتى نضللها ثم نتركها هناك. فلم يعجبهم قوله، وقال ثان وثالث فلم يستحسنوا ذلك، ثم التفتوا إلي وقالوا: وأنت؟ ما في جعبتك؟ فطربت وفكرت قليلا ثم قلت لهم: دعوا الطريقة جانبا، وهاتوا أرونا أينا أكثر عقوقا وفجورا وأقل حياء فننصبه سيدا علينا. فأعجبتهم الفكرة. فقال لي أحدهم: فابدأ أنت، ثم نتبعك. فمضيت إليها فدفعتها فوقعت على الأرض ورجعت، ثم قامت متوكئة على عصاه بصعوبة بالغة، وقام آخر فنزع منها عكازها ودفعها فتدحرجت، ولم تستطع قياما فرجع ضاحكا، وقال لصاحبه: لم يبق لك شيء، أنا سيدكم. قال: بل بقي الكثير، فذهب إليها فأوسعها ضربا والناس ينظرون ولم يستطع أحد منهم أن ينقذها من بين يديه، حتى أغمي عليها فتركها، فسارع إليها بعض الناس وحملوها ، وعاد إلينا يصيح: هيا من يبايع؟ فنظرنا إلى الأخير وقلنا له: وأنت ؟ أظنه لم يبق لك شيء . فقهقه حتى ظننته مجنونا، ثم هدأ فقلنا : ما يضحكك؟ قال تلك أمي. فكدنا نموت غيظا وهما، وقمت عنهم كارها نفسي أن يكون في الأرض من هو أكثر مني حرصا على المنكر.

    أطرق الجزار قليلا، ثم رفع رأسه وقال : ذاك شيء هين، وإني سأريك من فعالي ما هو أكبر. ثم قام وانصرف، والشيطان تابعه يلح عليه أن يشرح له خطته، فالتفت إليه وقال: موعدنا صباح الغد. ثم مضى، و إبليس يكاد يذوب من الغيظ.

    وفي الصباح بكر إبليس – وما كان يفعل - ، وجلس ناحية حيث يرى الجزار إذا أقبل، وكانت أمه باتت في بيت غير بيتها الذي هو فيه، فجاءت تريد دخول بيتها، فطرقت الباب وأطل الجزار فلما عرف أنها هي، فتح الباب بحيث لا يسمح لها بأن تدخل، وبدأ يرمي أمتعتها إلى الشارع، قائلا لها: لا مقام لكن هنا. فاطلبن لكن مأوى غير بيتي، فإني غير محتمل مجاورتكن، ثم أغلق الباب وتركها في الشارع تولول، وذهب إلى محل جزارته، بعد أن ذبح الأمومة،و سلخ الحياء، فذهب ليبيع ماء وجهه. وبقية عزه. وإبليس مذهول لا يدري ما يفعل، وود لو انشقت الأرض فابتلعته قبل أن يرى مشهدا مثل ذاك. وبكى وناح حتى أغمي عليه. فلما أفاق ذهب إليه وقال له: هذا فراق بيني وبينك، إنك تجاوزت كل حد، وبالغت حتى ما بقي بينك وبين جهنم إلا الموت،وإني لأخشى أن ينتظرك العذاب، فتطيل المقام في الدنيا، فيأتيك وأنت جزار، فيعذبك الله في دنياك والآخرة. وإنه لأمر واقع فانتظر، وإني لأخاف الله رب العالمين. فاعذرني فإني لا أستطيع معك صبرا. وخرج من عنده مغضبا يصرخ في الناس: أيها الناس، من سره أن يرى رجلا من أهل جهنم، فلينظر إلى الجزار، فإنه شجرة الزقوم ونحن معشر الشياطين طلعها.

    وبعد:

    فإني لأعلم أن نهاية هذا الجزار ستكون أسوأ نهاية، وأن حياته لن تكون كما يشتهيها، وأن صروف الدهر لن تتركه يحيا إلا على الآثام وعلى الفجور الذي عاش فيه، وأعلم أن موته سيكون عبرة لمن يعتبر، وأنه لن يموت كما يموت البشر، وأن الله لن يمهله أطول مما أمهله، وأن نهاية مسلسل شره يعني بداية نهايته. ولكن الذي أعلم أنه صورة مصغرة عن جزاري هذه الأمة، فعلى امتداد العالم الإسلامي ثمة جزار في كل قطر، يعمل في الرعايا أسلحته ويستعرض عضلاته، ويعمل في سبيل بطنه، ولا ينظر إلا إلى نفسه ولا يرى إلا نفسه، ثم لا يزيد على أن يكون جزارا في لحوم شعبه، يخدم أعداءه ليرضوا عنه، ثم ليس يعنيه بعد رضا العدو تقدم في بلده من عدمه. ثم يرى بعد ذلك كله أنه مصلح، وأن واجب شعبه أن يحترمه ويعترف له بفضله، وإنه لفضل كبير وأي فضل؟

    عاث يذبح شعبا ثــــم يندبــــــه
    شتان ما قاتل الأقوام والباكــــي
    شاكي السلاح على شعب يمزقه
    وللعدو ذليل مرتــــــــج شاكــي
    هذا يبيد وهذا ليـــس ينجـــــــده
    إلا البكاء إذا ما أُعـــــدم الشاكي
    يا ويل كل مبير سام أمتـــــــــه
    خسفا ودود إلى الأعداء أفـــــاك
    يا ويل كل خبيث النفس طاغــية
    يخشى العدو وبالأهلين فتــــــاك
    الله يمهله و الدهر ينــــــــــــذره
    أن سوف يبلى ويردى كل سفاك



    ورُب جزار يفسد في السر، فيستر فإذا انكشف أمره، لم يكن لنا إلا أن نعد معايبه، إذ لا سبيل لإصلاحها . وهذا جزار صغير مفسد، فكيف بأكثر من عشرين جزارا كبيرا موزعة على العالم العربي؟

    قال الراوي: فانصرفنا وإن الواحد منا لينسى شيئا، أو يختلط عليه أمر فيخطر له أن يلعن الشيطان، فيقول: أعوذ بالله منه ومن الجزار.


    ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ

    أبو مصعب العمري

    تشعوفيت، الرشيدية
    المغرب
    الأربعاء 01 شوال 1432

  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.69

    افتراضي

    قرأت الجزء الأول من الجزار فبهرني بروعته وجميل ما زانه من أداء قصّي وإبداع سردي ولغوي وتشويق
    لكني في هذا الجزء وجدت إسهابا أثقله ولا جديد حمله

    دمت بخير أديبنا

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  3. #3
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.10

    افتراضي

    جميل أسلوبك ولاأعلم لماذا شبهتُ تداخل حكاياك وإتقانها بأسلوب حكايا ألف ليلة وليلة إلا أني هنا أرى أحداثا أكثر واقعية وفيها حكمة ورشد استمدته من كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم
    الشيطان هو أول من يتبرأ من أغراهم وحرضهم في الدنيا , سردتَ هنا قصصا تؤلمُ القلب ( معظمها ) نقرأها فنستغر ونتعوذ بالله من الشيطان أن يجعلنا الشيطان من الزائغين , فمن حفظ الله في سره وعلانيته سيحفظه الله أينما كان وإن همَّ بمعصية تذكر ربه فاستغفر وخرَّ راكعا وأناب .
    فقط كنَ قد اسهبتَ كثيرا وقد تستطيع الاختصار بعض الشئ ومع ذلك نشهد بجمال قلبك وأسلوبك المتفرد وحرفك المتزن
    بارك الله بك وزادك علما وإيمانا

  4. #4

المواضيع المتشابهه

  1. الأمر أمرك // أبو مصعب عبد الحميد العمري
    بواسطة عبد الحميد محمد العمري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 01-08-2013, 10:03 PM
  2. علقتها يوم النضال // أبو مصعب العمري
    بواسطة عبد الحميد محمد العمري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 23-12-2011, 07:29 PM
  3. نحن من يبني // أبو مصعب العمري
    بواسطة عبد الحميد محمد العمري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 17-08-2011, 06:36 PM
  4. <<البيت الأخير>>... شعر/ مصطفى الجزار
    بواسطة مصطفى الجزار في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 08-08-2010, 02:21 PM