سأ تجول بين ثنايا هذه الخاطرة بمعدات ادبية متعددة وأقصد بها اساليب التحليل والنقد الادبي للكشف عن مقاربة ادبية ونقدية لهذا العمل الادبي .ومن هنا كان لزاما ان تحاط هذه الخاطرة بمقاربة نفسية واجتماعية وتركيبية وتاريخية بل وشعرية لتذوق هذه الخاطرة مع الوقوف عند بعض الِىملاحظات التي لن تشكل اخذا محطما لمجهود الكاتبة بل اعتبره تحفيزا لها على مواصلة مجهوداتها .
اعتدت في كل مقارباتي النقدية والتحليلية ان اقف على العنوان وقفة مطولة لانه مفتاح كل عمل وبابه الذي نلج منه الى الخاطرة لهذا فأن** رؤى متناقضة ** عنوان فضفاض ومثير يطرح مجموعة من التساؤلات فاعتماد اسلوب الجمع في تركيبة العنوان يجعلنا نستنتج ان الحديث لن ينحصر عند طرف واحد من شخصيات الخاطرة وأن هذه الرؤى هي العناصر المركبة والفعالة في النص فأذا عدنا الى النص وجدناها عبارة عن عدة مواقف تكاد تتكرر ولكن باشكال مختلفة كاختلاف الاذواق وطريقة التذوق والاهتمام بالمستجدات الدولية واختيار اللغة وفي الاعتناء بالشكل الخارجي لكل منهما ....لكن الامور تزداد حساسية عندما يتعلق الامر بالحس الوطني والذي تخفي وراءه الكاتبة الحس القومي والديني معبرة عنه بطريقة فنية وادبية جامعة من خلال قولها...** أنت تشدو بأغنية شارل أزنافور و تضع عطرك ما بعد الحلاقة البارسي... يقابله .... قبيل أدان الفجر، أجلس على سجادتي مسبحتي بيدي، أسمع خطواتك المتعثرة على الدرج، تدلف غرفة النوم، رائحة كريهة تملأ المكان، تترنح قليلا قبل أن ترمي سترته على الأرض، و جسدك على السرير دون أن تخلع حذاءك، أتمتم بدعاء ليهديك الله إلى طريق مستقيم فتتمتم امرأة حمقاء لا زالت تكتر من الدعاء*** فقد عبرت الكاتبة بالحس الديني من خلال الفاظ دينية منها على سبيل المثال.. سجادتي . اذان الفجر. مسبحتي طريق مستقيم ...... الى غيرها من الالفاظ الدينية التي شكلت نهاية الرؤى المتناقضة وهذا الامر استوقفني كثيرا لأن هيكلة النص بدأت بطريقة غربية في تناول فنجان القهوة وانتهت بالجانب الديني الذي تجد منه الكاتبة انجع الحلول للخروج من هذه المتاهات و ملجأها لتجاوز هذه التناقضات التي اضحت هاجسا ثقيلا يسيطر على حياتها اليومية.
سأركز الأن على الجانب التركيبي للنص من خلال محاولة لفهم هيأة الخاطرة التركيبة من جمل وافعال وشخصيات واماكن وحتى الحركات _(ولا اقصدها بها تجول الابطال داخل فناء المنزل او التجوال وسط الحديقة )بل اقصد الضمة والكسرة والتنوين وغيرها لانها في الدراسات الدلالية لها دورها في تحليل وفهم نفسية الكاتبة . فبالرجوع الى النص لاحظت طغيان الافعال خاصة الحاضرة على غيرها من الافعال ...( تجلس . تصب تضع .تبدأ .تضع استمر. تجلس تفتح تتابع اناقش اجيب .تشتم . تسأل نتحدث تتفادى..... ) فالفعل المضارع يطغى على هيأة النص التركيبية مما يحيل الى الحالة النفسية الحاضرة التي تعيشها كاتبة الخاطرة وقد وضف كذلك للتعبير عن رؤية الاخر للواقع لكنه عند الاخر يمكننا اعتباره انفصاما للشخصية في نظر الكاتبة لان المضارع هنا وضف للتعبير عن فعل الامرومحاولة من الأخر ملامسة واقع غربي يحلم به ويتمنى ان ينصهر في كيانه .بالمقابل كان فعل المضارع في رؤى الكاتبة هو الرضى بالواقع الذي تعيشه وتشبتها به وطريقتها في مواجهة الحاظر وليس استسلام ضعف بل استسلام قوة . اما الافعال الماضية في النص فهي قليلة وكذلك أفعال الامر واستتنتج من خلال قلتها ان هناك هروب وانعدام لحوار جاد بين الطرفان فرؤية الأخر عبرت عنها الكاتبة بجمل فعلية طويلة ومعلوم ان الفعل دال على الحركة والاستمرارية اما رؤى الكاتبة فهي معبر عنها بجمل اسمية تخفي خلالها حقدها على هذا الواقع وعلى هذا الحوار الصم بينهما وعلى هذا التشبت بثقافات غربية بعيدة عن هويتنا لكن من الممكن كذلك ان نستنتج ان توضيفها لهذا النوع من الجمل هو قرار منها باستبعاد المواجهة التي تخاف من عواقبها الوخيمة فكل رؤى الأخر جاءت بشكل ساخر وساخط على تصرفات وافعال الطرف الثاني .وهذا الاستبعاد تشكل في بنية النص من خلال اعتماد تسبيق الاسم على الفعل في رؤى الكاتبة
شخصيا النص ووضعها الاجتماعي يمكن معرفته من النص من خلال عنصر المكان فالرجوع الى بداية النص استنتج ان الوضع الاجتماعي هو الفئة المتوسطة -....في حديقة بيتنا الفاخر، ....تجلس أمام التلفاز، تفك قليلا ربطة عنقك الوردية المقلمة و تفتح ياقة قميصك الأبيض الحريري،....أنت تشدو بأغنية شارل أزنافور و تضع عطرك ما بعد الحلاقة البارسي....-وهذا الترفع الاجتماعي كان له دورة في تأسيس هذا النص حيث طغت الضمة على مجمل النص عندما يتعلق الامر برؤى الأخر وارتبطت بالمقابل الفتحة والكسرة على تصرفات وافعال ورؤى الكاتبة
في النهاية مهما قلت فاني لم استوفي كافة الجوانب في دراسة هذا العمل الابداعي حيث تجنبت دراسة الاخطاء لان من الصعب الحكم عليها حيث يجب علينا مراعاة الحالة النفسية والظروف التي كتبت فيها الخاطرة وهذا لايدل على ضعف ثقافي بل اعتبرها اخطاء تقنية اثناء الكتابة فالاسلوب الذي كتبت بها القصيدة يدخل في اطار ما يسمى بالسهل الممتنع لكننا استمتعنا من خلاله بحقيقة تعيشها مجتمعاتنا بل اسرنا بل نعيشها يوميا هي حالة تقليد الغير الذي كانت الدعوة الى تجنبها قد ظهرت منذ زمن طويل مما سبب في تشتيت وتمزيق كيانات من الداخل وجعلنا نسبح في افكار غريبة عنا اذن يمكن ان اقول بان الفكرة قد وصلت بشكل جيد الى ذهن القارىء الذي يعتبر اليوم العنصر الفعال في كل نص أدبي .