ما هو النقد؟
النقد لغة هو تناول الدراهم تمييزا لها بين جيد ورديء ، وهي كذا إعطاء الدراهم باليد مباشرة ثمنا للشراء فهي ضد النسيئة. والنقد اصطلاحا هو تناول لكل أمر تمييزا بالإشادة بما هو جيد وجميل والإشارة لكل ما هو دون ذلك ، وهذا يعني أن النقد يتناول العمل الأدبي والعمل الفني والعمل الفكري وكل أداء أو إبداع إنساني.
والنقد الأدبي في ظني وظن كل أديب جاد هو روح الأدب وعينه المبصرة لا يرتقي إلا إذا ارتقى ولا يهوي إلا إذا هوى ، فلا أدب راق بدون نقد راشد وهاد ، ولا نقد هام بدون أدب مستحق ، فالمرء لا ينقد الدراهم إلا ما يحب من أشياء ويثمن من أمور ، وكذا النقد دليل تثمين وتقدير ودفع مباشر بالنقد لا بالنسيئة بما يعني أن مجرد تناول أي نص بالنقد هو تقدير له ومدح ، ذلك أن المرء لا ينقد ما لا يستحق.
مستويات النقد ومحاوره
للنقد مستويات ومحاور فمستوى التناول النقدي للنص يرتكز عموما على أمرين أساسيين ؛ الأول هو مستوى النص وقيمته والثاني هو مستوى الناقد وتخصصه. أما مستوى النص فيفرض على الناقد أن يتناوله بمستواه تماما كما يتم تناول بالتقييم مستوى طالب في الدراسة الثانوية فيشاد بما كتب في حين ينتقد ويرد نفس النص لو كان كتب من خريج كلية لغة عربية ، ولو كتب خريج لغة عربية وأدب نصا يشاد به فإنه ينتقد ويرد لو كان من أستاذ باعتبار القدر والقدرة ، وعليه فإن النقد للنصوص يتفاوت مستوى بتفاوت مستويات الأديب والناقد. أما المرتكز الثاني فيتعلق بتخصص الناقد في مجاله فأستاذ العروض يكون نقده معتبرا حين يتعلق الأمر بالعروض ويقدم على من سواه ولا يعتد به كثيرا فيما سواه من لغة ونحو وبلاغة ، وأستاذ اللغة والبلاغة يكون مقدما في مجاله ولا يعتد كثيرا في تناوله لما ليس من تخصصه وهكذا. وأنصف ما يكون النقد وأشمل ما يكون من ناقد أو صاحب حرفة أدبية يتناول الأمر من جميع جوانبه في بوتقة واحدة لأنه يربط حينها بين المتداخلات من المجالات الفنية المختلفة للنص.
والنقد كما قلنا لا يكون إلا للمستحق من النصوص للتناصح والتفاعل الهادف أما الانتقاد المجرد فيكون للنصوص الرديئة وللتعليم ، وحين يكون التناول النقدي للنص من أعلى مكان فهذا يعني إشارات للصواب والأصوب وللحسن والأحسن وليس إشارات للصواب والخطأ أو للجميل والقبيح ، وفي هذا المستوى النقدي يكون الإجلال للنص ولصاحبه وليس العكس ، ولا يكون إلا من باب الحفاوة بالنص لا الانزعاج منه.
ما هو المطلوب من أجل عمل نقدي جاد؟
1- العلم والمعرفة: وهذا أمر أساسي ومهم ، ولا يعني بالضرورة تخصصا بشهادات جامعية بل بعلم ومعرفة ، وخير من يعرف جودة الحرفة ودقة تنفيذها هو زميل الحرفة ممن يمارسها فليس أفضل حكما على مائدة صنعت من خشب إلا نجار خبير.
2- النزاهة والتجرد: لعل هذا هو أحد أهم مرتكزات العمل النقدي في زمن بات النقد فيه للأسف يخوض فيه كل خائض ويستخدمه كسلاح يجمل القبيح لمن شاء ويقبح الجميل لمن شاء ويكون غالبا لغرض ما أو لطلب ما. والعمل النقدي متى تجرد من الغرض الشخصي وكان نزيها لم يخدم العمل الأدبي فحسب بل الأدب ككل.
3- الموضوعية: فالتناول الموضوعي للنص والتركيز على مضمونه مبنى ومعنى بعيدا عن التوجه الشخصي هو أساس صدق ونجاح أي نقد ، وأي خروج عن محور موضوعه يفسده ويفسد به.
4- الرؤية الشمولية: وهذا يكون بتناول النص من جميع الجوانب وإدراك قيمة التداخل الفني بين العناصر والمحاور ، ثم الرؤية الشمولية من خلال منح الشاعر حقه في أن ننطلق من منطلقاته الأساسية ونحترم قدراته ونظهرها ولا يكون في الإشارة للأمور برأي أو برؤية ما يمثل تهوينا للنص أو لصاحبه.
ما هي معيقات المشهد النقدي الحالي؟
1- فقدان الناقد الحقيقي الذي يختص بالنقد الشمولي بدون أن يكون له مطامع أو مطالب أو أغراض. لا يوجد ناقد يحرص على تناول الأعمال الأدبية بجهد لا يكون من ورائه مكسب مادي له في زمن الماديات ، أو أن يضيع وقته وجهده في تناول نص يعود عليه بالأذى من صاحب النص متى أشار لبعض رأي أو رؤية وإن أشاد بالنص في صفحات.
2- الإعجاب بالرأي: حين يتحصن كلّ من الأديب والناقد ببرجه العاجي ويحولان التناول النقدي للنص إلى تناول ذاتي للشخص لا يسمع أحدهما للآخر ولا يقدر أحدهما للآخر ما يبذل من جهد ووقت في تبادل المعرفة والتناصح لما فيه الخير.
3- طبيعة العمل في الشابكة: هذا مما يزيد هذه الأمور سوءا ، وفي هذا ما يطول الحديث عنه من عجائب وغرائب ذلك أن الأمة العربية إلا من رحم ربي ينظرون للعمل من خلال الشابكة كمجرد لهو أو قضاء لوقت فراغ ، وتعامل مع أشباح لا مع أرواح ، وعدم التزام أو جدية في التناول ناهيك ما يتعرض له بعض الأدباء من تمجيد في مواقع الشابكة من أعضاء يعتمدون ردود الشات والنسخ واللصق والتصفيق الأعمى أو الأعشى.
4- العصبية القبلية: فكل أديب يتعصب لمن هم من بلده أو من "شلته" أو "رد الفضل" بمدح مقابل مدح ومساندة مقابل مساندة أو تحزب ضد من لا يحب أو غير ذلك مما يبتعد عن الأساس الذي يجب أن يكون عليه الأمر وهو مستوى النص أدبيا بعيدا عن أية حسابات أخرى.
وردا على سؤال هل يجب أن يأذن الأديب بتناول نصه نقديا أقول: نعم ولا.
نعم متى كان ذلك متاحا وعرفنا أن الأديب ممن يتحسس عند تناول نصه فيحسن استئذانه وليس يلزم ، وإن رفض فله ذلك على أن لا يكال له المديح فيكون في هذا ما يشوش على المتلقين خصوصا من يتعلمون منهم.
ولا لأن الأديب حينما ينشر نصه فهو يعلن أنه متاح لكل من يقرأه وليس فقط لمن سيصفق له ، والنص هو ملك صاحبه ولكنه أيضا يصبح لمن يقرأه حق في أن يرى فيه ما يشاء ، وللأديب الحق في أن يفند كل رأي بما يشاء، كل بما يراه في حوار موضوعي يتناول النص والرأي تفنيدا وتأكيدا بأدلة منطقية جازمة وبتناول علمي موضوعي جاد.
وهذا الأمر يكون أكثر لزوما وانطباقا في حالة العمل التفاعلي الذي تمثله المواقع التفاعليه كالواحة فكما نرحب بالمدح والثناء في مواضع يجب أن لا نستنكف أن نرحب بالنقد النزيه والجاد بنصح صادق في مواضع أخرى.
هل النقد يوجه لصاحب النص؟؟
كلا مطلقا. النقد يجب أن يتناول النص ومتى خرج عن هذا طعن في مصداقيته وفي أربه. فالنقد هو نقد للنص الأدبي لا يكون المقصود فيه صاحب النص بشكل خاص بل هو تناول للعموم يوجه لكل من شاء أن يقرأ أو يتعلم أو يحاور ، وليس حربا بين شخصين بل هو حب لنص والتفات إليه بما يستحق من بذل وقت وجهد ليكون فيه تعميم النفع والفائدة والرقي بالأدب وباللغة فلا يوجد نص معصوم ولا أديب معصوم مهما بلغ شأوه في نظر نفسه أو في نظر الآخرين.
تحياتي