أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: أزمة أخلاق

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي أزمة أخلاق


    أزمة أخلاق
    الدكتور عثمان قدري مكانسي

    نحن معشر المسلمين – في الغالب والحمد لله – يحب بعضنا لبعضنا الخير ويتمنى له حياة طيبة وصحة ممتازة وعمُراً مديداً. ويمد أحدنا لجاره أو صديقه أو قريبه يد العون ما استطاع إلى ذلك سبيلاً . هكذا علمتنا الحياة ، وهكذا طلب منا ديننا الحنيف .
    زرت من دول أوربا وأمريكا وأفريقيا وآسيا الكثير ، واطلعت على بعض أخلاقهم فوجدت الحلو والحامض ، والمالح والمر ، وخبرت الغث والسمين . وجدت فيهم ما أريده وما لا أطيقه . هم بشر ، والبشر خلقوا من عجل – بفتح العين لا كسرها وفتحِ الجيم لا تسكينها - . وسررت لبعض ما رأيت ، وتأففت استنكاراً لأشياء أخرى ، أعجبت ببعض التصرفات ، واغتممت لغيرها . وعدت لأصلَ إلى قناعة لم تتأثر بالقول المشهور :
    وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكنّ عين البغض تُبدي المساويا
    وبصيغة أخرى كانت قناعتي أن المسلمين عامّة والعرب منهم خاصّة أسلم صدوراً ، وأقرب إلى الفطرة ، وأكثر تحملاً للمآسي من كثير من البشر . قد يخالفني أحدهم وقد يوافقني فيما ارتأيت ، والموافقة قد تعزز رؤيتي ، والمخالفة أقبلها – ديموقراطياً ، فالديموقراطية على كل الألسن هذه الأيام – ولا تفت في عضُدي ، فأنا لا أعتقد شيئاً إلا بعد تمحيص وقناعة . وتركه – على هذا الأساس – قليل الإمكان . لكننى أفيء إلى الحق سريعاً لأن الحق هدفي ، ولأن العمل به والتزامَه بغيتي وقرة عيني . ولا أعتبر هذا مديحاً للنفس إنما أراه صفة ينبغي التحلي بها ، وشيمة لا فكاك عنها للمسلم ونصبُ عيني القول المأثور " لا خير فيمن يمدح نفسه ". ولا أنسى ما حييت قول عمر رضي الله عنه " رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي " .
    وعلى الرغم أنني أفضّل العربَ المسلمين في صفاتهم العامة ، وأرغب العيش في البلاد العربية ، وحين أقول : البلاد العربية أنأى عن لفظ " الشرق الأوسط " فهذا تعبير فرضه اليهود والأوربيون ليبرروا وجود إسرائيل بيننا ، أما " البلاد العربية " فتظهر اليهود طارئين ، وجسماً غريباً عن أهل البلاد ديناً وعاداتٍ ومفاهيم .... أقول : فينا – معشر المسلمين العرب – مفاهيم لا يقبلها الإسلام ، وتصرفات لا يـُقـِرّ بها ، وعادات غير حضارية تؤذي الجميع وتظهرنا متخلفين عن غيرنا من الأمم .
    ففي الولايات المتحدة – مثلاً- تجد كل جالية تتجمع في أحياء أو كانتونات بعضها إلى بعض فتدخل أحياءهم لتجد الناس – مع أنهم في أمريكا – يواصل بعضهم بعضاً ويعيشون حياتهم بعاداتهم التي تشرّبوها في بلادهم ، ويتكلمون مع بعضهم لغتهم الوطنية ، ولهم أسواقهم التي يتسوّقون منها ، ويساعد بعضهم بعضاً ماديّاً واجتماعيّاً وفكريّاً ، وبهذا تراهم محافظين على كيانهم ، فلا يذوبون في المجتمعات .. هذا واضح في كل مدينة زرتها من بوسطن في الشمال الشرقي إلى المكسيك جنوباً . حتى إن بعض المواطنين من أصل أسباني أباً عن جد ممن ولدوا في الولايات المتحدة على التحديد لايعرفون الإنجليزية ..
    أما العرب المسلمون - ناهيك عن النصارى - فهم ينصهرون في سنوات عدّة في المجتمع الأمريكي ، وينسى الفتى لغته العربية التي تعلمها في بلده أو يكاد ، أما الأطفال الذين ولدوا هناك فيسمعون العربية من آبائهم دون ممارستها غالباً . وليس لهم مجتمعات خاصة بهم كغيرهم . ومما آلمني أن عدداً لا بأس به من الأبناء ينسلخ عن دينه فيكون علمانياً – لانقطاعه وأسرته عن المسجد – أو يدرس النصرانية فلا يعرف غيرها ديناً . وعلى هذا فقل : على الحجاب والمظاهر الإسلامية السلامُ ... وقد سئل بعض المسؤولين في الغرب عن سبب قبول المسلمين الملتزمين مقيمين أو لاجئين فكان الجواب : إننا نتقبلهم لأن أولادهم أو أحفادهم على أبعد تقدير سيكونون مثلنا بل منّا بمفاهيمهم وأخلاقهم ، ومبادئهم ، ونحن بحاجة إلى دماء جديدة ، فنتحمل الكبار لكسب الجيل الجديد الذي سيذوب في مجتمعنا . ومن هنا خطورة البقاء في المجتمعات الغربية على الجيل الجديد من أبناء المسلمين . وقد يدلل أحدهم على النظرة التشاؤمية فيما أقول حين يعرض صوراً لبعض الأسر المحافظة على تدينها وإسلامها في الغرب وتأثيرها في مفاهيمه ، فأكرر : إن هذا أمر إيجابي ملموس ، لا ننكره ، إنما هو شمعة في ظلام ، وبضّة من ماء زلال في بركة مالحة . ومن هنا نفهم نهيَ النبي صلى الله عليه وسلم عن البقاء في بلاد الكفر دون ضرورة فالمآسي أكبر من الفائدة بما لا يُقاس . والأمثلة أكثر من أن تُحصى . وإنك لتجد من العادات والمفاهيم المتولدة عند المسلمين في الغرب ما تبتعد عن الإسلام أشواطاً من حيث يدرون أو لا يدرون . وتربية الأولاد هناك تحتاج إلى أضعاف ما تحتاجه من جهد في بلد مسلم .
    وهذا لا يعني أن المسلمين في بلادهم يحيَون حياة إسلامية !! ويعيشون في بحبوحة من الرغد المادي أو الأخلاق الفاضلة . لكن الرمد أقل سوءاً من العمى ، ولربما يشفى المرء من رمد ، لكنّ بصره لا يعود إليه من عمىً .
    ولن أكون متشائماً إن قلت الحقيقة التي قد تنبه الإنسان إلى السلبيات الشنيعة التي تطرأ على مجتمعاتنا لتكون بعد فترة جزءاً منها – مع الأسف – فالفساد الأخلاقي في بلاد المسلمين ينشر أجنحته بدفع وعون من أولي الأمر الذين خرجوا عن دينهم أو ابتعدوا عنه ، وهؤلاء ظهروا بشكل واضح لا لبس فيه . وقد أخبرنا عنهم النبي صلى الله عليه وسلم حين قال :
    " دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها " . .. قالوا صفهم لنا يا رسول الله . قال : " هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا " ... هؤلاء الذين ما فتئوا يؤصلون الفساد في عادات المجتمع ومفاهيمه عن طريق القنوات الفضائية التي لا همّ لها سوى تغيير المفاهيم والعادات الإسلامية بمفاهيم الخنا والفجور والدعوة إلى نبذ كل ما هو أصيل وشريف ، ، فالزنا حاجة طبيعية ، والخمر مشروبات روحية منعشة ، والعُري حرية في التصرف، وأكثر من ذلك أن كل الدعايات تعتمد على الجنس ، حتى غدت الأمور مألوفة بين الناس ، وما عادوا يخجلون منها أو يستنكرونها ، ولن تجد في أي بلد عربي أو مسلم من الإسلام سوى صور ميتة لا تنبئ عن دين ولا أخلاق ، وقد قنـّنـَت القوانين لإباحة ما يقتل الحياء والخفر والشرف ، أو يئد القوانين الشرعية من بنوك ربوية ومعاملات مخالفة لصريح الدين وإحلال للقوانين الأوربية مكان الشريعة الإسلامية في أطهر بلاد الله وأكرمها عليه سبحانه .
    ناهيك عن تأصيل الحرية الشخصية على حساب الحريات العامة . وبهذا تُزرع الأنانية محل الأثرة ، والشخصانية محل الغيْريّة ، والفردية مكان الجماعية . .. أي مجتمع يكون هذا المجتمع ، وأي راحة يمكن أن يتمتع بها الإنسان في مثل هذه الغابات ؟! .
    في بلاد الغرب سوق أوربية مشتركة ، فما عادت الحدود موجودة ، وصار الأوربي يتنقل من بلد إلى آخر ، ومن مدينة إلى غيرها كأنه يتحرك في بلده وموطنه ، وفي البلاد العربية والإسلامية تضييق على الإنسان ، فلا يستطيع زيارة بلد " مسلم " آخر إلا بشق الأنفس . وليست له في ذلك البلد من حقوق سوى الأقل الأقل ولو ولد أبناؤه فيها أو عاش شطر شبابه في خدمتها ، بل إنه يعتبر " أجنبياً " نعم ..أجنبياً .. يرى هذه الكلمة تجابهه أول ما يصل إلى حدودها البرية أو الجوية ، وقد يراها أخف اسميا في بلد آخر حيث يسمى " وافداً " لكن النتيجة واحدة تشعرك بالغربة ولو كانت لغتك هي لغتهم، ودينك دينهم ، وسحنتك سحنتهم !!. ومما ينتج عن ذلك أن راتبك يمكن أن يكون ثلث راتب أحدهم وهو أقل منك إنتاجاً ، وأضعف منك فهماً وأقل منك دراية !. ولكنها الإقليمية والبعد عن الحضارة - وهذا لا تجده على الأغلب في بلاد " الكفر والزندقة " - ومن ثم الشعور كذباً وزوراً بالفوقية المصطنعة التي تقصم ظهر الأخوّة ، وتعصف بالحقوق ، وتؤصل التباعد والتنافر بين المسلمين ... فالجهل رائدهم ، والأنانية حاكمتهم .
    فضلاً عن أنظمة الحكم المستبدة التي سيطرت ملكيـّة كانت أم جمهورية أم جمهوكيـة . لا فرق ، فالثروة بيد المتنفذين يستأثرون بها كاملة في بنوك أوربة ، وقد يوزع بعضهم الفتات – إن كان كريماً – على شعبه المقهور ، أو يفرض بعضهم الآخر ضرائب باهظة ، فلا يكفيه ما سرقه واستأثر به . ولا بأس أن تزهق أرواح عشرات الآلاف ليبقى هؤلاء جاثمين على صدور الأمة المسكينة ! .
    قد يقول بعضهم : هذه ليست أزمة أخلاق – كما ذكرت في عنوان المقال – إنما هي انعدام الأخلاق وغيابها . .. أقول : لعلي أظل بعد هذا كله متفائلاً أن يؤوب المسلمون إلى أصالتهم ، وأن يتجاوزوا محنتهم ، وأن ينشطوا من سباتهم ، ليأخذوا مكانهم الذي ينتظرهم في قيادة العالم كما فعل أسلافهم حين ترجم الخليفة الفاروق الحقيقة الصادقة : " نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله " .


  2. #2
    الصورة الرمزية عبد الرحيم بيوم أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 2,249
    المواضيع : 152
    الردود : 2249
    المعدل اليومي : 0.51

    افتراضي

    "قد يقول بعضهم : هذه ليست أزمة أخلاق – كما ذكرت في عنوان المقال – إنما هي انعدام الأخلاق وغيابها . .. أقول : لعلي أظل بعد هذا كله متفائلاً أن يؤوب المسلمون إلى أصالتهم ، وأن يتجاوزوا محنتهم ، وأن ينشطوا من سباتهم ، ليأخذوا مكانهم الذي ينتظرهم في قيادة العالم كما فعل أسلافهم حين ترجم الخليفة الفاروق الحقيقة الصادقة : " نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله " .
    ختمت بشيء جميل ايها الكريم
    وهو الامل
    وذاك حق كله فلا زالت اسس بناء الامة قائمة
    وطريق الاصلاح لاحب للسالك لازم لمبتغي الاصلاح
    لذا لن يخيب لنا امل
    تحياتي اخي العزيز

  3. #3
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.70

    افتراضي

    نشاركك الأمنية
    وندعو الله للأمة أن يجعل لها من أمرها مخرجا

    لكنني أخالفك في شيء من واقع العرب والمسلمين في الغرب ، فهم فيما نعرف من أمرهم وفيهم ابناؤنا وأخوتنا أشد ارتباطا بأمتهم ودينهم مما كانوا عليه يوم رحلوا عنها مغربين
    وفيهم الحريص على تدعيم ارتباط ابنائه بوطنهم وتحفيظهم القرآن وتعليمهم العربية وثمة مدارس لهذا موازية يتلقزن فيها الدروس ليومين أو ثلاثة ايام أسبوعيا إلى جانب دراستهم في المدارس الأمريكية والأوروبية

    نسال الله لأمتنا العزة والمنعة والسؤدد

    مقالة كريمة وموضوع هادف

    تحيتي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  4. #4
    الصورة الرمزية عبد الرحيم بيوم أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 2,249
    المواضيع : 152
    الردود : 2249
    المعدل اليومي : 0.51

    افتراضي

    لعل الاخ الكريم اختي ربيحة ساق موضوعه بناء على الغالب
    ولكن ذلك لا ينفي وجود من لا زالوا يعدون مفخرة للاسلام
    ولعلي اقتبس لك من كلامه ما يدل على المقصود، قال:
    "ومن هنا خطورة البقاء في المجتمعات الغربية على الجيل الجديد من أبناء المسلمين . وقد يدلل أحدهم على النظرة التشاؤمية فيما أقول حين يعرض صوراً لبعض الأسر المحافظة على تدينها وإسلامها في الغرب وتأثيرها في مفاهيمه ، فأكرر : إن هذا أمر إيجابي ملموس ، لا ننكره ، إنما هو شمعة في ظلام ، وبضّة من ماء زلال في بركة مالحة . ومن هنا نفهم نهيَ النبي صلى الله عليه وسلم عن البقاء في بلاد الكفر دون ضرورة فالمآسي أكبر من الفائدة بما لا يُقاس . والأمثلة أكثر من أن تُحصى . وإنك لتجد من العادات والمفاهيم المتولدة عند المسلمين في الغرب ما تبتعد عن الإسلام أشواطاً من حيث يدرون أو لا يدرون . وتربية الأولاد هناك تحتاج إلى أضعاف ما تحتاجه من جهد في بلد مسلم".
    وهو كلام فيه فيه توصيف صحيح بحد علمي.

  5. #5
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    للأستاذ عبد الرحيم صابر دعائي القلبي أن ينفع به ، فقراءته واعية ومتابعته دقيقة ..
    ولعله كفاني مؤونة توضيح ما ألمحَتْ إليه الأخت الفاضلة الأستاذة ربيحة .
    ولعلي تساءلت في نفسي وبين إخواني عن السبب الذي يجعل غيرنا من الأمم إذا هاجروا إلى بلد غريب حافظوا على عاداتهم ودينهم ولغتهم ، وكأنهم ما يزالون يعيشون في بلدهم الأصلي وهم على ضلال ديني وفساد عقيدي
    لم أر في تجوالي للعرب حفاظاً على لغتهم وعاداتهم - في الأعمّ الأغلب- وتراهم يذوبون وهم أصحاب أكرم رسالة
    ربما كان السبب الأكبر أن حكومات الأمم تتابع مهاجريها وتواصل معهم وتقدم لهم الخدمات الصغيرة قبل الكبيرة ، بينما ترى العربي هارباً من جحيم الحكام فضلاً عن التصرفات غير المسؤولة من سفاراتهم بحيث يشعر المواطن العربي أنه تخلص من إرهابهم وسوء تصرفاتهم
    والله اعلم

  6. #6
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي

    الاستاذ الكريم الدكتور عثمان قدري مكانسي

    موضوع قيم ومفيد ..

    واسمح لي بأن اضع هنا مقالة تقترب من الموضوع الذي طرحته


    حكاية الواحد من عشـرة !


    د.أحمد خيري العمري

    قال لي “برايان” صديقي الأمريكي المسلم: هل تريد أن تسمع قصة كريهة؟

    قلت له بحماس: بالتأكيد!

    قال لي: إن له زميلة في الجامعة مسلمة من الجيل الثاني من المهاجرين أخبرته أن أهلها سيزورونها في سكنها الجامعي، و أن عليها الآن أن تخفي ” الدمى”..“Her toys”.

    سكت، وسكتُّ أنا. لم أفهم إلا أن أهل الطالبة لا يحبون الدمى التي تحتفظ بها ولوهلة تصورت أن الطالبة تجمع دمى طفولية في وقت تخطت فيه مرحلة الطفولة وأن أهلها غير راضين عن ذلك!53333-bigthumbnail4

    قلت له بتردد: إذن أهلها لا يحبون الدمى؟

    عندها فهم أني لم أفهم، فقال وهو يشدد على كل حرف: إن الدمى لها شكل هندسي معين (ذكر الشكل ولا أرى ضرورة لذكره هنا)..وفهمت!.. إنها دمى جنسية..

    سألت بعدها سـؤالا أظنه واحدا من أغبى الأسئلة التي طرحتها في كل حياتي:

    هل هي عذراء ؟

    قال بتهكم : عذراء؟؟! عذراء وتجري كل شهر اختباراً للأيدز.. عذراء!

    سألته بحزن: هل هي مسلمة؟

    قال هذه الكلمات التي تلخص الفاجعة: والداها مسلمان، ويتصوران أنها كذلك!..

    كانت القصة كريهة و صادمة أكثر مما توقعت ولا أذكرها هنا إلا لأنها تمثل جزءاً من واقع مخيف ومسكوت عنه تردت إليه أوضاع الجيل الثاني في الولايات المتحدة، أي الجيل الذي ولد وكبر هنا في أمريكا ولم يمتلك جذوراً قوية تربطه بالمجتمع الأم، بالثقافة الأم.. بالمنظومة القيمية الأصلية..

    لا أملك إحصاءات ولا أريد التعميم ولا ظلم من استطاع النجاة من هذا المصير، لكن الظاهرة موجودة ومخيفة والسكوت عنها بل نفيها والإصرار على عدم وجودها – والتغني بمنجزات الجالية – لا يمثل في رأيي غير حالة “إنكار مرضية متقدمة”..

    هذا ما أكده لاحقا صديقي الدكتور عبد الرحمن ذاكر الهاشمي أخصائي الطب النفسي، و الذي بحكم عمله في الاستشارات النفسية واختلاطه بالجالية في معاقلها الرئيسية يعرف الكثير عن خفايا الموضوع..

    و الخفايا مرعبة فعلا، وهي تشير ليس إلى فقدان الهوية فقط في نسبة كبيرة من أفراد الجيل الثاني بل إلى فقدان كل صلة موضوعية بالحلال والحرام.. علما أنها تحدث ضمن عوائل فيها أفراد من الجيل الاول تميزوا بالالتزام بالدين لكن ذلك لم يمنع الانهيار الذي حدث لأبنائهم في الجيل الذي ولد وكبر في أمريكا.. من ضمن الخفايا المؤلمة اضطرار بعض العوائل إلى السماح لأولادها وبناتها بجلب رفيقهم أو رفيقتهم من الجنس المعاكس وتركهم خلف الأبواب الموصدة لا لشيء إلا لأن ذلك يظل أهون من السهر في البارات والتعرض لخطر المخدرات أو لأن ممارسة الجنس مع رفيقة واحدة يبقى أهون من حفلات الجنس الجماعي التي يختلط فيها الحابل بالنابل.. (وهي الحفلات الشائعة بين طلبة وطالبات الجامعات).

    لهذه الدرجة؟ هل يمكن أن نستغرب؟ أليست هذه محض نتيجة منطقية؟ ألا نرى طلائع ذلك أصلا في مجتمعاتنا التي غزاها التغريب وقيمه (بالذات ما هو سلبي منها) من بين أيديها ومن خلفها.. ألن يكون ذلك من باب أولى أكثر وضوحا وانتشارا هنا في الغرب؟

    عندما كتبت كتابي الصغير “تسعة من عشرة” قبل سنين، استندت على إحصائية قام بها جفري لانغ، وانتهى فيها إلى أن واحدا من أصل عشرة من أفراد الجيل الثالث يبقى متمسكا بدينه أما التسعة من عشرة المتبقية فيفقدون أي رابط بدين الجيل الأول..

    يومها كان هناك من أيّد، وهناك من اعترض، و كان هناك من قال ببساطة إن النسبة متفائلة جدا..!

    أخشى اليوم أني صرت أقرب للرأي الأخير.. فالخروج من بطن الحوت لن يكون سهلا إذا تربى أولادك فيه، إذا صار وطنهم.. فكيف بأولادهم الذين سيصير بطن الحوت موطن آبائهم أيضا؟

    لا أريد أن أقول إن النجاة مستحيلة، فذلك ظلم كبير للواحد من عشرة ولمن ساهم في نجاة الواحد من عشرة، لكن للنجاة سننها وقوانينها في كل زمان، وهي في بطن الحوت تتطلب “سنناً” إضافية قد لا تكون متوفرة للجميع.. أقصد هنا توفير ” بيئة إسلامية” لا تمنح العزلة عن المجتمـع الأمريكي (وهو أمر غير مطلوب بحد ذاته ولا معنى له أصلا ما دمنا نتحدث عن جيل أمريكي بالولادة والتجنس) ولكنها بيئة تمنح الحصانة المتوازنة اللازمة للتفاعل والانفتاح على المحيط الخارجي.. وهي بيئة لا تتوافر بسهولة في مجتمع مثل المجتمـع الأمريكي إلا بتوافر المال الذي يمكن أن يقدم هذه البيئة عبر المدارس الإسـلامية (الموجودة فعلا بنجاح في بعض الولايات و لكنها لا تقدم خدماتها الا لجزء بسيط من الجالية التي يقدر عددها بحوالي ثمانية ملايين مسلم) و هذه المدارس الاسلامية الخاصة غالية الثمن نسبيا – خاصة بالمقارنة مع المدارس العامة المجانية – وهي قد تكون مرهقة ماديا حتى في حالة طفل واحد بالنسبة لبعض العوائل، فكيف مثلا بعائلة فيها من اثنين إلى ثلاثة أطفال كمعدل؟

    وسواء كان الثمن المرتفع هو السـبب، أو عدم توافر هذه المـدارس في كل مكان، فإن حوالي99 % من الأطفال المسلمين في أمريكا يذهبون إلى المدارس العامـة ..

    لكن مالذي يحدث هناك ؟ مالذي يتعرض له الطلاب في هذه المدارس ؟

    - حوالي 70% منهم مارس الجنس كاملاً.

    - 43% منهم مارس الجنس مع شريك دون وجود علاقة عاطفية تربطه بهذا الشريك.

    - 14-20% من الفتيات حملن ( دون زواج طبعا ).

    - 10% منهم أصيب بمرض تناسلي.

    - 74% منهم شرب الكحول.

    - 20% منهم شرب الكحول لدرجة السكر في المدرسة أي أثناء الدوام الرسمي.

    - 10% منهم قام ببيع المخدرات إلى زملائه.

    - 40% استخدم عقاقير ممنوعة.

    - 20% منهم قام بسرقة أشياء من المتجر shoplifting.

    - 19% اشترك في عنف تجاه شخص آخر أدى إلى حدوث تداخل طبي..[i]

    ( و هذه الارقام لا تعتمد على عينة من ولاية محددة ، بل هي ارقام وطنية مقارنة اي انها تشمل طول و عرض الولايات المتحدة )

    إذن 99% من أطفال الجيل الثاني من المسلمين ينمو ويكبر في بيئة كهذه وحتى لو افترضنا جدلا أنه نجا من التعرض للانغماس المباشر في هذه الفعاليات، فإن النمو في ظروف كهذه لن ينتج شخصا صحيا على الإطلاق..

    “الجيل الثاني ” هنا ضحية… ضحية لا يجب جلدها والحكم عليها، لقد “وضع” في هذه البيئة رغما عن أنفه، وضعه والداه طبعا (الجيل الأول) وبدوره الجيل الأول يكون أحيانا ضحية، فليس كل من هاجر إلى أمريكا كان يبحث عن الحلم الأمريكي بالثراء وجنة السلع، ولكن بعيدا عن التلاوم والاتهام فإن كون الجيل الثاني ضحية يجب أن لا يكون مبررا لبقائه كذلك..

    الأمر الآخر الذي لجأ له البعض من أجل النجاة هو تقديم بيئة” معقمة” تماما لينشأ الطفل فيها.. التجربة تسمى بالتعليم المنزلي home schooling وقد بدأها الإنجيليون لأسباب مماثلة، والتجربة لا تزال فتية في المجتمع الإسلامي في الولايات المتحدة، لكنها موجودة ومعوقاتها موجودة معها ( التكلفة العالية في حالة وجود مدرسين خصوصيين tutoring أو اضطرار أحد الوالدين إلى عدم العمل إذا كان هو من سيشرف على التدريس.. بالإضافة إلى مخاطر نفسية محتملة ناتجة عن عدم اختلاط الطفل مع أقران في سنه..)

    أي شخص “يعيش” في الولايات المتحدة، وأقصد بـ “يعيش” أي يعيش حقا وليس يزورها في مؤتمر ويزور مساجدها في صلاة العيد (!) ويجتمع بقادة الجالية الفخورين بمنجزاتهم التي لا ترى بالعين المجردة، أقول أي شخص “يعيش” في أمريكا لا يمكن له أن ينكر الخطورة الإحصائية الواضحة لوضع الجيل الثاني إلا إذا كان يمارس “غض البصر” تجاه هذه الاوضاع ، إلا إذا كان لا يريد أن يعلم.. يدفن رأسه في الرمال كي لا يرى ما يحدث حقا..

    إنها آلية الإنكار، تمنح طمأنينة مزيفة لكنها لا تجدي نفعا في إيقاف الخطر الحقيقي، بالضبط كما سيحدث لو أنك أشحت بوجهك عن الثقوب في السفينة ونظرت إلى الجهة الأخرى.. ربما لن ترى الماء وهو يتدفق، ربما لو سددت أذنيك لن تسمع صوته أيضا.. لكن هذا لن يوقف تدفق الماء.. وستغرق السفينة رغما عن أنفك وأنف إنكارك..

    هذا ما يحدث مع الجيل الثاني والثالث من المهاجرين، والإنكار والتغني بالمنجزات المجهرية للجالية لن يزيد الانهيار إلا حدة .. ولن يزيد الجيل إلا ضياعا..لا أنكر هنا ان ذلك كله قد يكون صادما جدا خاصة في ظل التغني المعتاد بمنجزات الجالية .. و لا أنكر أيضا اعجابـي و احترامي الشديدين لمن تمكن من الصمود و التوازن..لكن احترامي للأقلية الصامدة العاملة الفاعلة يجب ألا يكون أقوى من خوفي على الاكثرية..

    في خضم ذلك فليتذكر المواطنون في بلداننا شيئا : أنهم يكادون يصيرون مهاجرين في بلدانهم بالتدريج، لأن قيم الأمركة هاجرت إلينا وتوطنت وأخذت الجنسية على رؤوس الأشهاد.. ربما الأرقام ليست بالسوء الذي هي فيه هنا.. لكن امنحوا لكل شيء وقتا وسترون..

    إلا إذا …إلا إذا..إلا إذا حدث ما يجب أن يحدث..

    إلا إذا .. تعرفون ماذا…





    تحياتي ..
    لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير

  7. #7
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    أستاذي الحبيب ؛
    لا أكتمك أنني أقمت في نيوجيرسي قريب السنتين من ثلاث سنوات إقامة وعدت دون أن أكمل مدة الإقامة أو طلب ( الجرين كارد)
    وقد وُعدت بالحصول عليه استثناء بمجرد أن أقدم الطلب فتركت أمريكا ، لم أحتمل الفساد الأخلاقي فيها .
    وأنا الكهل الذي كان في الخامسة والخمسين إذ ذاك ، فماذا تقول في الشاب المتوهج جنساً وكل شيء سهل أمامه؟
    وما أكثر من أعرفهم وأعرف أبناءهم انغمسوا في أتون المجتمع وانصهروا فيه وانقطعت علائقهم بدينهم وعاداتهم وأخلاقهم السابقة.

المواضيع المتشابهه

  1. أزمة مصرفية أم أزمة النهج الرأسمالي؟
    بواسطة عطية العمري في المنتدى الحِوَارُ السِّيَاسِيُّ العَرَبِيُّ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-10-2008, 02:27 PM
  2. أخلاق أهل القرآن كتاب الكتروني رائع
    بواسطة حسنية تدركيت في المنتدى المَكْتَبَةُ الدِّينِيَّةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 13-10-2007, 03:22 AM
  3. أمريكا دولة بلا حضارة .. بلا أخلاق.. وبلا ضمير .....
    بواسطة محمد دلومي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 09-02-2006, 12:58 AM
  4. أمريكا دولة بلا حضارة .. بلا أخلاق.. وبلا ضمير .....
    بواسطة محمد دلومي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-09-2005, 09:44 PM
  5. أخلاق أخوية مفقودة ...!!!
    بواسطة ابو دعاء في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 21-03-2003, 09:52 AM