إلى أخي الدكتور سمير العمري

إمام الشعرِ جَدوَلكم نميرُ أتَينا من بِضاعَتِه نَميرُ
قَصدناكم على بُعدٍ سِراعاً تُقَلِّبنا المفاوِزُ والثُّغورُ
وَردنا عَذبَ مَورِدِكم عِطاشاً وأجهَدَنا معَ الابِلِ المَسيرُ
كأخوَةِ يوسُفَ الصِّدِّيقِ جِئنا فهل يَرضَى (العَزيزُ ) وهل يَمِير
قَواصِدُ واحَةِ السُّمَّارِ كُنَّا
وَردنـاها نَعُبُّ الشَّعرَ عَبّاً وُروداً لم يَطِب عنه الصُّدورُ
فـلا طابت حياةُ المرءِ يوماً إذا عَـزَّ المُنادمُ والسَّمير
ولا صَلُحَت لأَربابِ المعالي إذا عُدِمَ المُبارِزُ والنَّظير
بَنَيتَ لِعزِّ دينِ اللهِ صَرحاً عَليه الشِّعرُ طَوَّافٌ يَدور
فأَشرَقَ من بِلادِ الغَربِ فَجرٌ تَبَلَّجَ عنهُ نَحو الشَّرقِ نورُ
فَعِقدُ الواحَةِ الحَسنا فَريدٌ تُزَيِّنُه الحَناجِرُ والنُّحور
كأنَّك قد وَقفتَ على حِماها كما وَقَف المُكَلَّلُ والهَصورُ
فَحَلِّق ما اسْتَطَعتَ على ذُرَاها فلا تَعلوكَ في الجَوِّ الصُّقور
فُحولُ الشِّعرِ تنأى عن جِبالٍ تُعَشِّشُ فوق قِمَّتِها النُّسورُ
تَهابُ بأن تَهابَ إذا رأتنا لنا في كُلِّ قافِيَةٍّ زَئيرُ
سَلِمتَ لنا من الشَّنآنِ عَزماً تَسامى لا يَكِلُّ ولا يَحور
فأنت النَّخلةَ الفَرعاءَ فيها نُزَيِّنُك (الفَسائِلُ والبُذورُ)
نَبَتنا حولَ طِينَتِها نَباتاً رَطيباً صَانَه الظِّلُّ الوَفيرُ
نَطوفُ على جَمالٍ من بَيانٍ كما طافَت على الشَّمسِ البُدور
فيا بَحراً تَرامى جانِبيهِ لَه في كُلِّ حاضِرةٍ هَدير
تَقاذَفَ عنه أصدافُ اللآلي وفي أحشائِهِ دُرَرٌ وحورُ
رَعاكَ اللهُ للشُّعراءِ ذُخراً و صَانتكَ الوقائِعُ والدُّهور
فأنتَ الفارِسُ الأنكَى لَدينا أذا قَدَحَت سَنابِكُه نُغير
وإن شَدَّت سَواعِدُه شَدَدنا وإن ثارت قَوائِمُهُ نَثور
وإن نَفَرت عَزائِمُهُ نَفَرنا وإن فارَت بِتَنُّورٍ نَفورُ
نَزَلتَ فما خَشِيتَ على مَصيرٍ وهل يَخشى الوَغى البَطَلُ الجَسور
تُزَكِّيكَ القَواقي لاهِجاتٍ
نَفَثتُ بِعُقدَةِ الشُّعَراءِ شِعراً سُطوراً تَنتَشِي منها الصُّدور
مَضَغناها كما نَحْلُ البَراري يَلُذُّ بِريقِنا السُّمُّ المَريرُ
نَشَقناها على غَيرِ البَرَايا بِجارِحَةِ السََّماعِ لها عَبير
عَرائِسَ من قَصائِدَ باسِقاتٍ نُفوسُ الذَّائِقين بِها تَغورُ
فنحن العارِفونَ بما كَتبنا ونحن الغارِفون بِما نُشِير
بيانٌ بانَ عن حُسنِ المَباني وَشِعرٌ فيهِ ما فَضَحَ الشُّعور
فَطِيبُ النَّظمِ في طيبِ المَعاني وَفي صِدقٍ يَفيضُ بِه الضَّمِيرُ
يدورُ الشِّعرُ في رأسي دُواراً كما الأنخابُ في السَّكرى تَدورُ
أحُسُّ له بأعماقي دَبيباً يَحُسُّ جَوارِحي مِنهُ الصَّرير
جُلوداً تَقشَعِرُّ من القوافي فَتَهتَزُّ الجَوانِحُ والخُصور
فأصبِرُ عن ثَقيلِ الوَطءِ منها ويَصبِرُ مِثلِيَ الجَمَلُ الصَّبور
وإني أغبِطُ الشُّعَراءَ حُبَّاً
فأَضرِبُ عنهُمُ الأسماعَ صَفحاً إذا ما كان شِعرُهُمُ عَسِير
فَيا للصَّادِحينَ بِغيرِ حَقٍّ ويا لِلمادِحينَ ولم يَجوروا
نَواشِزَ من قَصائِدَ نافِراتٍ نَدَدْنَ و مِثلَما نَدَّ البَعِير
فلا سَئِمت حَلاوَتَها القَوافي ولا عَدِمَت طَلاوَتَها السُّطورُ
ولا جَفَّت مدامِعُها البَواكي ولا قََرَّت وقائِعُها العُصُور
وأعجَبُ منكَ يا (عُمَري) فؤادي إذا غَنَّت بَلابِلُه يَطير
فَيُمتِعُهُ المُحَلَّى والمُصَفَّى ويُرقِصُهُ مع الوَتَرِ الصَّفير
ويؤنِسُهُ المُرَخَّمُ من بيانٍ و يَطرَبُ من مُطَرَّزِه الشُّعور
أميرُ الواحَةِ الغَنَّا أميرٌ على شعراءَ كلُّهمُ أمير
عَقَدتُّ البيعَةَ الكُبرى لَديهِ وَخَلفي بايَعَ الجَمعُ الغَفِير
لِفَحلٍ مُفلِقٍ في كُلِّ لَونٍ إمامٍ هَزْلُهُ جَدٌّ خَطيرُ
فهل يُثني عَلَيَّ (جَمالُ مُرسِي) و في مِصرَ الخِلافَةُ والأمير
وهَل يَرضى العِراقُ و يَرتَضيهِ و قد خانتهُ في مِصرَ البُحور
فقد عَتِبَ الفُراتُ وفي أبيه(1) وفي ذاكَ االحُضورِ له حُضور
فقد يَكبو الجَوادُ على عَثارٍ و قد يَخفى الهِلالُ المُستَنير
فأنتَ اليَومَ شَوقي في حِماهُ وإني اليومَ حافِظُكَ الصَّغيرُ
( فشأنُ المَرءِ ما يُبديهِ عَبدٌ وشأنُ اللهِ ما تُخفي الصُّدور )
وُقيتَ من العَواقِبِ يا أميري إذا صَارت إلى الله الأُمور
ولُقِّيتَ التَّحِيُّةَ من إلهٍ لَطيفٍ بالعبادِ بهم خبير

(1) أبو الفرات : الجواهري ، والأشارة لبيعة شوقي
د. جهاد بني عودة