المقبرة
لا صوت يأتي أو سَيأتي من زحامِ المقبرةْ
أفعالنا أقوالنا حتى الهموم مُخدّرة
أحزاننا آلامنا فوق الجبينِ مُسطّرة
و وجوهنا في مصنعِ الأقنانِ تحت الصنفرة
و روائح الجرذان في كلّ الأنوف مُنفّرة
ما عاد شيخ أو جنين من هشيمِ المجزرة
ما عادت الأحزان ترْشحُ من نزيفِ القنطرة
ما بين خطوكَ و الديار ستلتقيكَ مُزنجرة
لِتدكّ صوتاً قد توارى في خوابي الحنجرة
لا تنتظرْ من جرحِ عبلة أن يجيءَ بعنترة
لا تنتظرْ من جوقةِ الكهان غير الثرثرة
فمواعظ الخطباء في سوق النخاسة زَمْجرة
و جيوشنا كالحمرِ فرّت من زئير القسْورة
و كريمنا يشكو بخوفٍ من سعارِ المعْصرة
و هياكل الأصنام في قهر القلوب مُقدّرة
صارت قصائدنا نباحاً و الحروف مُبعثرة
صارت أغانينا عجيناً و المشاعر سَمْسَرة
لا شربة تروي الغليل و لا القلوب مُحرّرة
لا بلسم يشفي القروح و لا السلافة مُسْكِرة
لا عزلة تحيي الخيال و لا السطور مُعبِرة
ما عاد لون للزهور و لا النجوم مُؤثِرة
ما عاد طعم للحياة بلا ضجيج المحْبرة
فالورد يفتقد الشذى و الريح تَسكتُ مُجْبَرة
و الموت حتى الموت يأتي حين تأتي الميْسرة
و سمومهم في ماء نهري و الوريد مُقطّرة
قل لي و لو في نكتةٍ ما خطب هذي الجمهرة ؟
ما بال صوت قد تلاشى في دروبٍ مُنْكرة ؟
أَصُراخهم ما كان إلا حفلة أو شَوْشرة ؟
إن الخوارق كلها في أرضنا مُتَجذِرة
دع عنك هذا الخوف و ارقصْ في بيوتِ الغَندرة
ستعيش عمرك ضائعاً و تموت قبل الغَرْغرة
ساعات وجدك من صقيعٍ و الخطى متعثرة
فدع الخلائق للذي خلق المراكب مُبْحِرة
و احجز لربك ساعة بالصالحات مزنرة
و احجزْ لنفسكَ دميةً حرّاقة مُسْتهتِرة
و احجزْ لقلبكَ بين أقران الرذيلة تَذْكرة
و اصنعْ لطقسكَ شمعداناً من رخامِ المرمرة
و احرقْ مناديل الغرام فلن تعود مُعطرة
و اطلبْ من الجلادِ أن يعطيكَ صكّ المَغفرة
فإذا فقدتَ العقل و اختفت القلوب الخيّرة
فاجعلْ لقلبكَ من شرايين الزواحف قسْطرة
و اغرسْ بقلبكَ ألف نصل فالنصال مُشرشرة
عشنا نُفتشُ عن زعيمٍ كي يكون المَفْخرة
كي يجعل الصحراء حقلاً من رؤاه المُبْصرة
في دقةٍ سيقيسُ حجم الأمنيات بِمسْطرة
فأتى إلينا و الولادة لم تكنْ مُتَعسرة
فاتركْ لقيصر ما لقيصر فالقصور مُخيْرة
و اجعلْ لنفسكَ ما لنفسك فالهموم مُسَخّرة
و اطحنْ عظامكَ في حشيش الذكريات المُقْمِرة
و انثرْ مزيجكَ في الليالي فوق جمرِ المبخرة
و زر التكايا و الزوايا و القرى و الأديرة
و البس وجوهاً قد تُرى في لحظةٍ مُتَغيرة
و امسحْ دموعاً قد تُرى في حرقةٍ مُتَحدّرة
و اقرأْ تراتيل الهوى في رقةٍ مُتَحضّرة
و الجمْ جنونكَ و اجعلْ الشيطان تحت السَيْطرة
و ابطلْ بسحركَ سحرهمْ و اجعل عروضكَ مُبْهرة
و اختمْ صلاتكَ بالدعاءِ على سليلِ الطرْطرة
سأقولها في جملةٍ ان الحروف مُقَدّرة
لا صوت يعلو أو سيعلو فوق صوت المَسْخَرة