أستاذتنا العزيزة ربيحة الرفاعي
أشكر لك حضورك المتميز ، وطرحك القوي ، الذي يحرك الأفكار والآراء ..
وليتسع صدرك لبعض ملاحظاتي ..
ـ هل رسخ الاسلام الشورى في وجدان الأمة ؟
نعم .. فالمتأمل لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وحياة صحابته الكرام يرى ذلك بوضوح ، كيف انهم التزموا بالشورى وعملوا بها ، فالمشكلة إذن ليست في الاسلام بل في المسلمين الذين تخلوا عن هذا المنهج في وقت مبكر من تاريخ الاسلام .
وأدلة الشورى واضحة صريحة ، وعَملُ الرسول بها والخلفاء من بعده جلي ، والأدلة تُذكر لا لخفاء الشيء فقط وعدم ثبوته ، بل لجهل الناس به ، فالفقهاء لا يزالون يذكرون أدلة الصلاة والصيام والحج مع أنها واضحة وضوح الشمس في كبد السماء ، فما بالنا بالشورى التي صارت منسية لأكثر من ألف سنة ..
كما أرى أن الشورى على الصعيد الاجتماعي أكثر وضوحاً من السياسي ، لأن التطبيق على مستوى السياسة المتمثل بالامامة الكبرى لم يأت الا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ، بينما التطبيقات الاجتماعية لها كانت حاضرة وبقوة في عهد النبي وبعده ..
ـ صحيح أن من الضرورة للدارس مراعاة الفارق بين الشورى كأصل ومبدأ وبين آليات تطبيقها الخاضعة لظرف الأمة والمتغيرات الحاصلة في المشهد العام، ولكن المتوقع هنا أن لا تبتعد تلك الآليات عن ملامح الأصل المراد تطبيقه بما يفتح الباب لمن يسأل " أين الأصل هنا؟"
أوافق على ذلك تماماً استاذتي ، فلا شك في ان الآليات يجب ان تحقق الأصل ، والا فما فائدتها حينئذ ، وقد صارت الوسيلة غاية والغاية وسيلة ..
ـ هل ما حدث في السقيفة كان ارهاباً فكرياً ؟
الذي يقرأ ما جاء في السقيفة من كلام وحوار من قبل الطرفين ، يعلم أنه كان حواراً علمياً موضوعياً ولم يكن إرهاباً فكرياً ، وما الذي كان يملكه أبو بكر وعمر لإرهاب الانصار ؟
بل ان الانصار لما سمعوا مقالة ابو بكر وعمر اقتنعوا فبايعوا ..
ـ أليس الأنصار من الناس؟ وقد أرادوها؟
نعم ارادوها في البداية ، ثم لما نوقشوا في ذلك رضوا بأبي بكر وبايعوا .. فأين الاشكال في ذلك ؟
ـ وهل قامت المكانة بين العرب يومها على الإسلام أم قرشية الأصل ؟
على الاسلام طبعاً .. ولكن يجب ان ننتبه الى نقطة مهمة هنا ، وهي ان قريش كانت لا تزال تحتفظ بتلك المكانة المتميزة في قلوب العرب ، فالتأكيد على قريش كان له مغزاه العميق في ذلك الوقت ، فهم أهل مكة وأصحابها وسدنتها ، وقصة أصحاب الفيل لا تزال محفورة في الذاكرة العربية ، فمراعاة لأحوال العرب وعادتها وبيئتها وما نشأ عليها جاء التأكيد على قريش ، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم :
( الناس تبع لقريش في الخير والشر ) .
ـ ألم يظهر في المسلمين من يراها حقا لعلي حتى اليوم ؟ حتى أنها فرقت المسلمين شيعاً ؟
نعم ظهر أناس يدعون أن الخلافة حق إلهي لعلي ، ولكن بدون دليل ولا برهان ، بل محض تقول ..
ثم هل ادعى عليّ لنفسه هذا الحق الإلهي ؟
وبمراجعة مقالتي هنا على الواحة ( على هامش الحوار الصريح بعد التراويح ) يتضح أمر الامامة التي تقول بها الشيعة ..
ـ أندّعي على رسول الله أنه أوحى برغبته ليعرفها المسلمون فيلتزمونها ولم يصرح بها لالكي لا يكون في التصريح بها إلزام لهم؟ ... أي تناقض هذا الدي ندعيه عليه .
لا تناقض في ذلك ، بل موازنة .. فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يرى أن ابا بكر أحق بالخلافة من غيره ، فيلمح الى ذلك ، لكن اذا صرح لقضى على الشورى ، ولما وسع الصحابة أن يعدلوا عن ابي بكر الى غيره ، والا لكانوا عاصين لأمره ، لذا فإنه صلى الله عليه وسلم سكت بالقدر اللازم وأشار بالقدر اللازم ، فإذا اختار الصحابة ابا بكر وقع المطلوب ، واذا اختاروا غيره لم يكونوا آثمين في ذلك ، فكان الأول فاتفق رغبة النبي صلى الله عليه وسلم مع رغبة الصحابة فاختاروا أبا بكر ..
ـ ثم كيف نقول مع علمه بأن الصحابة لن يعدلوا عنه وقصة السقيفة والخلاف فيها ما زالت معروفة لم تمحها السنون ؟
وهل عدل الصحابة عن أبي بكر ؟
الصحابة وليس غيرهم ..
ـ الفلتة وكلام أبو عبيد ..
الذي يعنيني من إيراد كلمة الفلتة هو توضيح معناه الصحيح والذي لا يعني بحال من الاحوال معناً سلبياً كما يروج له ، بل جاءت الكلمة من عمر في محلها الصحيح ، وهي تنفي تلك المؤامرة المزعومة لسرقة الخلافة ..
وجاء كلام ابو عبيد ضمنياً ، ولسنا مضطرين الى موافقته ، مع اني لا أرى في كلامه ما يخالف ما ذهبنا إليه من كون الاستخلاف كان بالشورى ، فهو يقول ان الصحابة اختلفوا أولاً ثم اتفقوا ، وهذا صحيح ..
ـ مثال الرئيس محمد مرسي .
لا نستطيع أن نحمل الشورى تبعات ما انتجه فكر آخر .. الديمقراطية ..
ثم انه رئيس منتخب لفترة رئاسية محددة ، فإذا فشل في مهمته فيمكن للشعب أن يستبدله في الانتخاب القادم ..
والانتخابات ما هي الا شكل من اشكال ممارسة الشورى في حال وعت الشعوب هذا المبدأ العظيم ، وتبقى الدولة مؤسسة معقدة متشابكة ، تحتاج الى مؤسسات متعددة بتعدد الاختصاصات وتنوعها ، لتحقيق مبدأ الشورى ..
تحياتي ..