^ أهم ما يجب أن نلاحظه فى مقال الدكتور مورو ( أخطاء منهجية فى فكر الإخوان ) والذى علقنا عليه فى المقال السابق .. هو اعتراضه على الصورة الدعوية الشاملة التى قدمت بها جماعة الإخوان نفسها للمجتمع .. وهى الصورة التى يرفضها الدكتور مورو حيث يرى أن ذلك قد أوقعها أولا فى إشكالية التكفير .. وثانيا أنه قد حولها إلى سرطان مدمر حيث كان من الواجب ( فى رأيه ) أن تتحرك الجماعة كطليعة للأمة وليس كبديل عنها .. كخميرة تنشط الأمة وتنهض بها وليس بمفردها وإلا تحولت إلى خلايا سرطانية مدمرة !!
وهكذا نجد أن كل ما يعنى الدكتور مورو ويؤرق مضجعه هو اسلوب الأداء السياسى لجماعة الإخوان فقط لاغير .. سواء من ناحية الشكل الذى تقدم به نفسها للمجتمع .. أو من حيث المضمون حيث كان الواجب على جماعة الإخوان من وجهة نظر سيادته أن تتخلى عن واجب الدعوة إلى الله ومهمة الإنذار والتبشير .. وتتفرغ للكفاح الوطنى ولقضية فلسطين وحقوق العمال والفلاحين والفقراء .. ويؤكد بعد ذلك أن اشتراك جماعة الإخوان فى حرب 48 أعطتها وجها مضيئا .. أما عن تقييم الدور الدينى والإيمانى والفكرى لجماعة الإخوان فلم يحظى من الدكتور مورو ولا بكلمة واحدة .. فالوجه المضىء لجماعة الإخوان استمدته مخن حرب 48 .. وليس من نجاحها فى مجال الدعوة إلى الله وتبليغ رسالة الإسلام ..بل كما رأينا كيف أنه يعترض على تبنى الجماعة لقضية الدعوة إلى الله وهداية الخلق إلى عبادة الحق سبحانه وتعالى .. وهذا المعنى الذى ذكره الدكتور مورو وأكد عليه كثيرا فى مقاله يجب أن نضع تحته ألف خط .. لأنه يمثل كما سنرى فيما بعد .. المحور الأساسى للخصوصية الفكرية الخاطئة لظاهرة الإسلام السياسى !!
^ ثم جاءت التحقيقات التى أجرتها جريدة الأحرار مع الأستاذ جمال البنا والعديد من الشخصيات العآمة والتى لم تخرج كذلك عن مجرد التقييم السياسى والأداء الحزبى لجماعة الإخوان سواء فى الماضى أو الحاضر من حيث علاقة الجماعة فى عهودها المختلفة بالملك والإنجليز والأحزاب والثورة وعبد الناصر والسادات وقضايا الديمقراطية والإرهاب والإغتيالات والعنف .. دون أن يتطرق أحدهم ولو بكلمة واحدة حول التأثير الفكرى والإيمانى والدعوى للجماعة على المجتمع القطرى والعالمى .. ومدى مطابقة منهج الإخوان لحقائق القرآن ومدى نجاحها كذلك فى مجالها الأساسى كجماعة إسلامية كبرى فى تجسيد حقائق القرآن الكريم والدعوة إلى الله !!
^ أما العلمانيون والشيوعيون .. فلا يملكون إلا إثارة قضية علاقة الإخوان بالإغتيالات وبالعنف السياسى بمناسبة وبدون مناسبة .. مع أن تلك القضية يجب أن تناقش فى ظل اللحظة التاريخية التى وقعت فيها .. ويجب كذلك أن تناقش فى الإطار التاريخى لجميع الحركات والثورات التحررية فى الماضى القريب والبعيد .. فوقوع مثل تلك التجاوزات أمر طبيعى جدا .. حتى جماعة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كونها أفضل القرون وخير أمة أخرجت للناس ولعلنا نذكر قصة الرجل الذى قتله الصحابى الجليل أسامة بن زيد باجتهاد خاطىء حين ظن أن الرجل إنما ينطق بالشهادتين خشية السيف والقتل .. و لدينا أيضا من الماضى القريب رواية لخالد الذكر جمال عبد الناصر حيث يعترف فى كتاب فلسفة الثورة أنه ارتكب هو وزملائه العديد من الإغتيالات وأن ضميره قد استيقظ على أصوات بكاء الأطفال والأرامل اللائى قتل أزواجهن باجتهاد خاطىء من خالد الذكر ورفاقه .. فوقوع مثل تلك التجاوزات من أعمال القتل والعنف السياسى أمر طبيعى فى سائر الحركات .. فما معنى أن تظل قضية مقتل النقراشى والخازندار سيف مسلط على رؤوس الإخوان مع أن النقراشى هذا وأمثاله كانوا يستحقون الرجم فى ميدان عآم لصلاتهم المشبوهة بأعداء الأمة والمحتلين .. ولكننا لأسباب أخرى شرعية وقانونية ( غير الحرص على حياة أمثال هؤلاء الخونة والعملاء أعداء الإسلام ) نرفض مبدأ الإغتيالات السياسية .. !!
^ إن مثل هذه الإنتقادات الفارغة التى تلوكها ألسنة الشيوعيين الملاحدة أعداءالأمة والإسلام وأعداء كل داعية أو جماعة تدعو إلى الله .. بالإضافة إلى الإنتقادات التى أشرنا إليها حول الدور السياسى والأداء الحزبى للجماعة .. جاءت لتؤكد على أن أحدا من أولئك الذين يهاجمون جماعة الإخوان لايستطيعون مواجهة الإخوان بأى أخطاء فكرية فى المنهج النظرى كما ورد فى رسائل الشيخ حسن البنا رحمه الله ، ولافى شرعية منهج جماعات الإسلام السياسى .. اللهم إلا من خلال المحاولات العلمانية الخائبة لفصل الدين عن السياسة .. وهو أمر يستحيل فهمه فى ظل حقائق القرآن المباشرة ، وفى ظل شمولية السياسة وشمولية الدين الإسلامى !!
^ لكن ماذا عن الأداء الدينى والشرعى لجماعة الإخوان المسلمين ؟؟ وهل أدت الجماعة دروها فى الدعوة والتبليغ والإنذار والتبشير كما رسمه القرآن الكريم ؟؟
للإجابة عن هذا السؤال ينبغى أولا أن نفرق بين الخطاب الدينى للجماعة فى ظل قيادة مؤسسها الشيخ حسن البنا رحمه الله .. وبين الخطاب الدينى عند الإخوان الآن .. أو كما يقول الكاتب الإسلامى عبد السلام ياسين فى حواره مع جان فرانسوا كليمون .. حيث يقول : (( منذ مآئة سنة .. أى ابتداء من الأفغانى ومحمد عبده ورشيد رضا ثم حركة الإخوان المسلمين .. بدأت تظهر عند الناس الرغبة فى مواجهة الغرب .. لأن الغرب كان أكبر تحد يهددهم .. كان شيئا يهدد جوهر الإسلام .. فبدأوا عندئذ يتحدثون بلغة السياسة .. ثم حدث رويدا رويدا انحراف .. أو بالأحرى حدثت عملية (( صقل )) للغة الخطاب الإسلامى .. ولكن إذا أخذنا على سبيل المثال حسن البنا سنجد أن خطابه لايمكن أن يقارن إطلاقا بخطاب علمانى .. فهو رجل من رجال الله كان يتحدث من أجل الله وكان منشغلا فى جميع خطواته كما فى تربية جنوده بالحياة الروحية .. أما خلفاؤه فمن الممكن - إذا أردتم - أن نجد عندهم المزيد من ذلك الطابع ( العلمانى ) وهنا أضع علمانى بين قوسين .. اننا حقا نجد عند المودودى مثلا قدرا أقل من الحياة الروحية .. ولكنهم جميعا ساسة تبنوا الدين والعقيدة الإسلامية من أجل استخدامها كأيدلوجية سياسية إطلاقا )) !!
^ وإذا كان الكاتب عبد السلام ياسين قد رصد انحرافا وتحولا فى لغة الخطاب الإسلامى يقترب من الخطاب العلمانى والدنيوى فى الأجيال التى تلت الشيخ حسن البنا رحمه الله .. فإننا نستطيع أن أن نؤكد أن هذا الإنحراف فى لغة الخطاب قد ازداد بشكل كبير ينذر بالخطر .. بعد نجاح الإخوان فى دخول مجلس الشعب والنقابات المهنية والتحالفات الحزبية .. فأنت بكل تأكيد حينما تجلس إلى مختار نوح مثلا أو أبو العلا ماضى أو سيف الإسلام أو غيرهم .. فلن تشعر بكل تأكيد بما يمكن أن تشعر به حينما تجلس إلى حسن البنا رحمه الله .. ولذلك فالخطأ الأساسى الآن فى المنهج الحركى للإخوان يكمن فى تأثرهم بظاهرة الإسلام السياسى .. وتأثرهم بفكر الأستاذ المودودى أكثر من تأثرهم بفكر الشيخ حسن البنا رحمه الله .. بل نستطيع أن نقول أنهم قد تجاوزوا فكر المودودى نفسه .. حينما تأثروا أكثر بلغة وأخلاق وسلوكيات الأحزاب السياسية العلمانية .. أكثر مما تأثرت الأحزاب بلـغتهم وأخلاقهم وسلوكياتهم .. ولذلك ساد لدى جماعة الإخوان المسلمين مفهوم ( التجنيد ) السياسى والحركى والحزبى أكثر مما ساد لديهم من مفهوم ( الهداية ) إلى العقيدة والإيمان .. ولذلك لم يجدوا بأسا من التحالف مع غير المسلمين ومع الأحزاب العلمانية أو حتى الشيوعية الملحدة أو الحكومات المنحرفة فى سبيل تحقيق مكاسب سياسية مؤقتة !!
& الإخوان إذن ليست فى حآجة إلى من يدعوهـا إلى تقديم نفسها للمجتمع كهيئة سياسية وليست فى حآجة كذلك إلى تلك الدعوة الشاذة والتى تدعو إلى طرح قضية الدعوة الإسلامية جانبا .. فالأخوان غارقون حتى الأذقان فى مستنقع السياسة وفى مستنقع الدنيوية .. غارقون فى تيار الإسلام السياسى الذى غرقت فيه جماعات إسلامية أخرى كثيرة .. بعد أن أهدروا جهدا دعويا هآئلا أرسى دعائمه من جديد الشيخ حسن البنا رحمه الله .. كان من الممكن أن يثمر عن مجتمع ايمانى نظيف .. على الرغم من كل المحن التى ألمت بالجماعة .. فالمحن هى فى حد ذاتها تمثل الوقود الذاتى لجماعة المسلمين .. ولذلك فإن نصيحتى للأخوان الآن أن تعلن خروجها تماما من اللعبة الديمقراطية والحزبية ، وأن تتمسك بحقها القانونى والشرعى فى أن تمارس الدعوة إلى الله بنفس النقاء الروحى السهل الذى كان يتحدث به الشيخ حسن البنا رحمه الله .. ونصيحتى إليهم أيضا أن يكون خطابهم السياسى منبثقا من خطابهم الإيمانى والدعوى ومتأثرا به وليس العكس .. إن كل الزعماء الدينيين الحقيقيين ندموا أشد ما يكون الندم على ما أهدروه من طآقات روحية وجسدية فى مستنقع السياسة دون أن يحققوا شيئا يذكر .. فى الوقت الذى خسر فيه الإسلام والمسلمون الإستفادة من تلك الطاقات الخلاقة التى كانت من الممكن أن تحقق كل ما يصبون إليه من عزة ومن قوة للإسلام وللمسلمين .. الشيخ محمد عبده والشيخ حسن البنا ذاته .. حتى الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله أبدى ندمه على الجهد الذى أضاعه فى الحديث عن الأمور السياسية .. فلماذا لايدرس زعماء الإخوان تلك المواقف !!
& إن وراء هذه الأخطاء وهذا الإنحراف فى لغة الخطاب الإسلامى فكر ا منحرفا له جذوره الضاربة فى أعماق التاريخ الإسلامى .. وهو ناشىء من الخلط بين كون السياسة والحكم من الضرورات الشرعية فى الإسلام .. وبين التفسير السياسى الخاطىء للإسلام أو ما يمكن أن نطلق عليه ظاهرة الإسلام السياسى التى جنت كثيرا على العقيدة وعلى العبادة وعلى الشريعة وعلى المجتمع على النـــــــحو الذى سنوضحه فى المقال القادم بإذن الله !!