|
بالليل مات ولم يكن بجواره |
في موته أهلٌ ولا أبناءُ |
فهو الذي بحياته أهواءه |
غلته بئس وبئست الأهواءُ |
لم يعرف القدر الجليل لزوجة |
ولعشرة في ظلها أفياءُ |
قد أدمن (الأستاذُ) إدمانا به |
هولٌ فظيع مهلك وبلاءُ |
وتبدد المال المؤمّن قوته |
فغزته في فقر عتى الأدواءُ |
وله صغار لا يؤدي حقهم |
بطفولة يفشو بها الإيذاءُ |
لا صوت يعلو فوق صوت مزاجه |
حلَّ (الحشيش) فجلجلت ضوضاءُ |
حتى تهاوت أسرة بأنينها |
كانت لديه بها ألمَّ الداءُ |
وتفرَّق الأحياء بين دروبها |
في هذه الدنيا ولاح شقاءُ |
يحيا وحيدا في مواجع حسرة |
يحويه بالصمت الرهيب بناءُ |
والأهل والأبناء في إتقانهم |
للصبر في عيش لهم نجباءُ |
هجروه هجر العارفين لقدرهم |
فهم الضحايا بالأسى العقلاءُ |
بالعلم كان الإشتغال نجاحهم |
ترياق برء للجوى وشفاءُ |
والأم أم الخير كانت قلعة |
للعزم فيها همة وعلاءُ |
ضخت عظيم الجهد في أبنائها |
كالغرس فيهم نضرة ونماءُ |
حتى تحقق حلمها بتكامل |
لجميل تربية بها الإعلاءُ |
عاشوا ببستان الحياة بألفة |
في روضة بمروجها الآلاءُ |
وهو المعاقر للبلايا أطبقت |
جهرا عليه بسوئها الظلماءُ |
عانى من الأسقام يشكو وحده |
سقما به للظالمين الداءُ |
حتى تلاشى بين أطباق العنا |
وبه تخلل جسمه الإغماءُ |
من كان يحفظ بالصلاح شبابه |
فله مشيب هانئ وضَّاءُ |
ومن استقام مبكرا بحياته |
فحياته في الباقيات نماءٌ |
ومن استقر مع المخدر داره |
مهما تلذذ بـ(الحشيش) خواءُ |
ومن استعاض عن البنين برفقة |
للشر ولَّى من حماه ضياءُ |
قد كانت الأبناء تعلم أنه |
إسم تحار بإسمه الأسماءُ |
بالإسم والدهم بلا فعل ولا |
ربَّى ولا كانت به الأشياءُ |
منحوه بالسقم الشديد دواءهم |
فأتى إليه من الجميع دواءُ |
زاروه يعطون العطايا كلهم |
بأكفهم بذل له وسخاءُ |
وقلوبهم تحوي المرارة علقما |
تسري بذكرى كلها لأواءُ |
وبراءة الأحفاد تسأل سؤلها |
عن جدهم حلت به النكراءُ |
هم يحملون بطاقة في سطرها |
إسم له بزيارة قد جاءوا |
لكنهم جمعا نواصيهم هنا |
بجواره بفراشه غرباءُ |
ما كانت الأسماء يوما دافعا |
للحب فالحب الصدوق عطاءُ |
وبطيبها الأفعال تغرس جذرها |
بالقلب تنبت جنةٌ خضراءُ |
بالبر يأتي البر يؤتي خيره |
وإذا تلاشى فالحياة جفاءُ |
وحرارة الأشواق تخبو عندما |
تقسو القلوب وتنضب الأحشاءُ |
والمرء بالأحباب يحيا طالما |
أعطى وإلا فالعقوق جزاءُ |
من قدم الإحسان يلقى مثله |
وإذا تقاعس كانت البلواءُ |
ومن استطاب الغي يغوي جهرة |
مهما حواه مع الذنوب خفاءُ |
ومن استلذ الإثم ذاق مرارة |
وأتاه من كأس الأنين سقاءُ |
وإذا غفا الأبناء كانت شقوة |
فيها تضل بلهوها الآباءُ |
والستر للإنسان غنم ما اتقى |
ومن القناعة ملبس وكساءُ |
والنفس تطغى ما تركت زمامها |
ولها مع الحزم الشديد ولاءُ |
وإذا حباك الله شكر عطائه |
فبه تزيد مع الصفا النعماءُ |
وإذا استبدت بالنفوس نوازغ |
هاجت وماجت .. فالنفوس هواءُ |
بالليل مات على الفراش ممددا |
وبه استحر من الغيوب قضاءُ |
(قد مات بالعيش الفقيد ولم يمت |
يوم الممات) ... تشعبت آراءُ ! |
قد كان موكبه المشيع فاترا |
وله بأطراف البنان عزاءُ |
دفنوه ظهرا والحرارة أمطرت |
نارا بصيف في لظاه عناءُ |
في شهر صوم كان موعد دفنه |
بالقبر فيه لجسمه الإفناءُ |
والله يرحم من يشاء بفضله |
فله الكريم من اللظى عتقاءُ ! |