لقد كنتُ أعتقد قبل قيام الثورات أن بعض الأنظمة العربية بعيدة عن سبيل الرشاد ، ومابرحتْ هذه عقيدتي .
لكنْ هل مجرد وجود هذا المنكر ( البعد عن سبيل الرشاد) يجعلني أقول مقالة فرعون " ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " دون نظر ثاقب في المآلات ؟
أم أنه من الحكمة أن أقتدي بما أمر الله به موسى وأخاه هارون - عليها السلام - عندما بعثهما إلى فرعون أن يقولا له ( قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) ؟.
أعرف أنّ بعض الإخوة قد يقول : لقد شاخ هذا القول اللين ولم يؤت ثماره أمام أنظمتنا !!.
هنا أطرح سؤالا آخر :
ماذا لو لم يُهلك الله تعالى فرعون بإغراقه ، هل كان موسى - عليه السلام - هو الذي سيُغرقه ؟!.
لقد قرّر القرآن أنه ( وما على الرسول إلا البلاغ ) ، ( لست عليهم بمصيطر ) ......إلـــخ
معنى ذلك ، أنه لا يجوز القيام بخطوة أخرى فوق البلاغ .
من حقك أن تعارض من تراه مخطئا ومخالفا لشرع الله تعالى ، لكن يجبُ أن تبقى معارضا لست عليه بجبّار .
إنك باقتصارك على وظيفة البلاغ أو المعارضة تكون قد قمتَ بالواجب " تغيير المنكر " ، وعندما يكون منهجك صحيحا في التغيير سوف يزول هذا المنكر بإذن الله .
لأنّ الله قال ( إنا لننصر رسلنا والذبن آمنوا في الحياة الدنيا ...)
إنّ هذا النصر قد يكون هداية من الله يلهمها الحاكم الذي أنتَ جادٌ في دعوته ، وقد يكون بطريقة أخرى ليست من صُنع عشوائيتنا .
لم يُخطئ النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال في تمام الحديث ( ...فإن لم يستطع فبقلبه وذلك وأضعف الإيمان ) وذلك ليبين لنا أنه من عدم الاستطاعة أنْ ندفع منكرا يكلفنا إعدام التغيير باليد والتغيير باللسان .
إنّ القيام بالتغيير من غير استطاعة هو منكر آخر ، والاستطاعة بلا تغيير هي أيضا منكر ، وعدمُ الاستطاعة أو وجودها لا يُقدّرُ بفتوى مرتجلة أو منقولة من عصر غير عصرنا ، وإنما لكل نبإ مستقر ، ولكل مقام مقال .
فالتقدير يُلاحظ فيه قيمة النفوس والعمارة والآثار ....إلــخ.
وإذا كان التغيير يتطلب إهدار النفوس وخراب العمران فهو الأولى بأن يُدفعَ بتغيير آخر .